كان للأطباء العرب والمسلمين دور أساسي وجهد هائل في التأسيس للطب كعلم تجريبي، وعليهم استند الأطباء الغربيون وانطلق الطب الحديث، ويؤكد البروفيسور الدكتور طارق الجابري أهمية إعادة دراسة ونشر التراث الطبي العربي والإسلامي وتبيانه للأجيال العربية القادمة ليمثل تأكيدا وتوضيحا للدور البناء للحضارة العربية والإسلامية في التسلسل الحضاري للبشرية، ولإعادة الثقة إلى الجيل الناشئ من أبناء هذه الأمة.

البروفيسور الجابري أستاذ الجراحة في جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية، واستشاري أول الجراحة العامة والمسالك البولية، في مستشفى الملك عبد الله المؤسس في الأردن.

ويرى الجابري أنه من الضروري إعادة الاهتمام بالدور الحضاري العلمي للعلماء العرب والمسلمين في عصور النهضة العربية الإسلامية التي هي ذاتها عصور الظلام في الحضارة الغربية الأوروبية، وذلك من خلال تسليط الضوء على الدور الريادي للعلماء الأطباء العرب.

ولم تقتصر إنجازات البروفيسور الجابري على العمل الأكاديمي المعرفي والجراحي السريري، إذ امتدت لتشمل دراسة تاريخ الطب والجراحة عند الأطباء العرب والمسلمين، آخذا على عاتقه التعريف به والإضاءة على صفحاته المشرقة.

وفي جهوده للتعريف بالطب عند العرب والمسلمين، صدر للجابري مؤلفان الأول هو "أبو القاسم الزهراوي عميد الجراحين.. دراسة علمية معاصرة " والثاني بعنوان "ابن زهر الطبيب الحكيم.. دراسة علمية معاصرة ". وهناك مؤلف ثالث تحت الطبع، ورابع قيد التأليف.

البروفيسور الجابري: المسلمون أثروا الطب باختراعاتهم ومؤلفاتهم (مواقع التواصل)

التقيت "الجزيرة صحة" البروفيسور الجابري، الذي خصنا بحوار شائق وحصري، قدم لنا فيه بعض أبرز الإنجازات التي حملها العرب والمسلمون للعالم في مجال الطب، مؤكدا أننا حاليا نشهد استعادة لزمام المبادرة في العديد من بقاع الأرض العربية والإسلامية ومنها الخدمات الطبية، بما يحمل مبشرات للمستقبل، عبر إنجازات يخطها الباحثون العرب والمسلمون سواء في بلادهم أو بلاد المهجر.

وهذا نص الحوار مع البروفيسور الجابري:

ما تاريخ ميلاد الطب عند العرب؟

مارس العرب الطب منذ القدم وقبل ظهور الإسلام، وعايشوا حالات إصابات الحروب وتلك الناتجة عن اعتداء الحيوانات والزواحف، وكان لهم احتكاك مباشر بالحيوانات واطلاع على أعضائها وأمراضها وولادتها وعلى النباتات المختلفة، وخبروا تأثيراتها على الإنسان والحيوان، وكل هذا كان له أثر في إثراء خبرتهم الطبية.

وكان من العرب من اطلع على علوم الطب عند الحضارات الأخرى كالفارسية واليونانية. ولكن طبيعة حياة العرب التي امتازت بالترحال حالت دون تأسيس مراكز ثابتة للعلاج.

وقد نقلت لنا كتب السير أسماء العديد من الذين اشتهروا بممارسة الطب، ولكن ضعف الكتابة والتوثيق حال دون معرفتنا للكثير منهم. ومن الذين اشتهروا في هذا المجال الحرث بن كلدة الثقفي الذي استدعاه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لعلاج سعد بن أبي وقاص عند إصابته فقال "ادعوا له الحرث بن كلدة فإنه رجل يتطبب". وقد وفد على كسرى وكان بينهما سجال طويل حول الطب، وقد سأله كسرى بداية الحديث ما صناعتك؟ فقال الطب.

ومن النساء رفيدة الأسلمية التي أمرها النبي صلى الله عليه وسلم بمداواة سعد بن معاذ الذي أصابه سهم في معركة الخندق.

ما تأثير المسلمين على الطب وأخلاقيات الطب؟

لقد نهض المسلمون بالطب على صعيدي المحتوى والمنهج. فقاموا ابتداء بترجمة ما كتبه السابقون، ثم تصدروا المشهد لحقبة ناهزت 8 قرون امتازت بتصحيح علوم السابقين ثم إثراء الطب بخبراتهم واكتشافاتهم واختراعاتهم ومؤلفاتهم.

وكان من أشهر الأطباء الذين ذاع صيتهم في المشرق العربي الرازي (814-925) وابن سينا (980-1037) وابن النفيس (1213-1288) وابن القف (1233-1286) وغيرهم. أما في الأندلس فكان الزهراوي (936-1010) وابن زهر (1094-1162) وابن رشد (1126-1198) وغيرهم.

وقد اعتبر العرب مهنة الطب مرتبطة بالأخلاق والقيم الإنسانية، وأخضعوها لنظام رقابة ومحاسبة يقوم عليه من يسمى بالمحتسب. يقول الزهراوي "ونزهوا أنفسكم عما تخافون أن يدخل عليكم الشبهة في دينكم ودنياكم فهو أبقى لجاهكم وأرفع في الدنيا والآخرة لأقداركم". ويقول ابن زهر في إشارته للميثاق الطبي "وقد أخذه علي الشيخ أبي رحمه الله وأنا صبي عندما بدأت بقراءة الطب عليه". ونجد ابن القف الكركي -من مدينة الكرك في الأردن- المسيحي يذيل كل فصل من فصوله بالعبارات الدالة على مشيئة الله، ويضع التوصيات الخاصة بعلاج النساء.

ما أبرز إسهامات العرب في التشريح، علم الأمراض، التشخيص، الوبائيات وصحة المجتمع، التغذية، الصحة النفسية؟

في مجال التشريح وبخلاف ما أشيع في العديد من كتب المؤرخين الغربيين عن عدم ممارسة العرب التشريح لأسباب دينية، فإن بعض الفتاوى الدينية سواء الإسلامية أو المسيحية لم تمنع الأطباء المسلمين من استقاء الخبرات التشريحية من الإنسان والحيوان.

إن جميع الكتب الطبية الإسلامية الرئيسة كانت تبتدئ بفصول مطولة ومفصلة عن التشريح يصعب الوصول إليها دون الممارسة، وكذلك تبيان التفاصيل الدقيقة للعمليات الجراحية لا يمكن أن يتم وصفا وممارسة دون الإلمام الدقيق بالتفاصيل، وقد كان وصف ابن النفيس للدورة الدموية الصغرى مثالا واضحا على ذلك. يقول الزهراوي "والسبب الذي لا يوجد فيه صانع محسن بيده في زماننا هذا لأن صناعة الطب طويلة، وينبغي لصاحبها أن يرتاد قبل ذلك في علم التشريح".

ويقول ابن رشد "كلما زاد علم الإنسان بالتشريح زاد إيمانه بالله تعالى". ويقول ابن زهر "وليس شيء يحتاج إليه صناع اليد احتياجه إلى معرفة التشريح ومنافع الأعضاء لئلا يغلط".

علم الأمراض

وصف الأطباء المسلمون العديد من الأمراض غير الموصوفة سابقا إضافة إلى توضيح كثير مما تم وصفه من قبل. فمثلا ميز الرازي بين الجدري والحصبة، ووصف الزهراوي لأول مرة مرض نزف الدم الوراثي أو الهيموفيليا وصفا طبيا، وكذلك مرض الحمل المنتبذ أو الحمل خارج الرحم. ووصف ابن زهر للمرة الأولى سرطان الجهاز الهضمي السفلي والتهابات غشاء القلب (Pericarditis) وميز بين أنواعه المختلفة، وكذلك وصف التهاب المنصف (Mediastinum) فاعتبر من رواد علم الأمراض (Pathology).

التشخيص

أكد الأطباء المسلمون أهمية استنفاد كافة الوسائل للوصول إلى التشخيص الدقيق قبل العلاج. فها هو الزهراوي يقول "إن من أبلغ الأشياء في ما يحتاج إليه في علاج الأمراض بعد المعرفة الكاملة بالصناعة حسْن مساءلة العليل، وأبلغ من ذلك لزوم الطبيب العليل وملاحظة أحواله" وكان أول من استخدم المرآة للنظر إلى الرحم وتعتبر هذه أول إشارة إلى التنظير الداخلي للجسم، واخترع مسبارا معدنيا يستخدم لفحص الحصى في المثانة قبل الجراحة.

وها هو ابن زهر يصف سيرة المريض بالتفصيل، فيصف الحمى، ويفحص بول المريض من حيث اللون والثفل، ويفحص النبض بالتفصيل من حيث سرعته وقوته وحتى الانبساط والانقباض والوقفة بينهما، ويصف تفاصيل ما يخرج مع السعال، ويصف الصديد والبراز من حيث اللون والرائحة والكم وأي محتويات غير طبيعية.

الوبائيات وصحة المجتمع

تعددت إشارات ابن زهر للأمراض الوبائية لدرجة أن خصص العالم الشهير (J Theodorides) مقالة مطولة عام 1955 بعنوان الطفيليات والحيوان في أعمال ابن زهر، ومن المعلوم أنه كان أول من وصف العثة التي تسبب مرض الجرب. كما أفرد فصلا مخصصا للمحافظة على الصحة تناول فيها الطعام والشراب والحركة والحمام والملابس والعادات والعلاقة الجنسية والطقس.

التغذية

ألف ابن زهر كتابا خاصا سماه "كتاب الأغذية والأدوية" تناول فيه التوصيات التي تتعلق بالغذاء وطرائق تحضيره وتفاضل بعضه على بعض. وكان يصف الغذاء المناسب عند تناوله لعلاج كل مرض. لقد كان لابن زهر سابقة وصف التغذية عبر أنبوب يتم إدخاله من الفم ليصل المعدة في حالات عدم القدرة على البلع والتي أصبحت من أساسيات الممارسة الحديثة. كما وضع ابن القف الكركي كتابا خاصا بأمور الصحة بعنوان "كتاب جامع الغرض في حفظ الصحة ودفع المرض".

الصحة النفسية

اهتم الأطباء المسلمون بذلك اهتماما بالغا، واعتبروه جزءا لا يتجزأ من علاج المريض. يقول الزهراوي "3 أرباع العلاج في حفظ قوة المريض لكي لا تسقط قبل المنتهى، فمده بما يشتهي، وكل ما يرجى أن يدخل عليه من الراحة والسرور والفرح، وعِدْه بالفرج المعجل، وهوّن عليه المرض، واضرب له الأمثال بأن تقول إن فلانا تخلص من مرضه الذي كان أعظم من مرضك".

ولابن زهر كتاب "كتاب الاقتصاد في إصلاح الأنفس والأجساد" والاقتصاد هنا يعني التوسط وعدم الإسراف، وفيه مقدمة تتحدث عن العلاقة بين الحالة النفسية والصحة. ويقول "ولطف غذاءه جهدك وامنعه من الحركة والصياح ومن الكلام المرتفع، وتلزمه السكون والدعة، وأما النوم فلا تمنعه إياه ولا تحمل عليه فيه واتركه لطبيعته، ولين فراشه وجنبه التعب وطيب نفسه وأرحه من كل ما يجلب الأفكار عليه، واجتهد فيه بتلطف مثل أن تشغله بالأحاديث المطربة، ويجب أن يتجنب التعب والسهر، وسكن غضب العليل وأشعره الطمأنينة واجعله يتصرف بنوع من اللعب الذي تتحرك فيه الأعضاء مع النفس كالرمي بالنشاب".

أما على صعيد الأمراض النفسية، فقد كانت نظرة الغرب السائدة في القرون الوسطى لهؤلاء المرضى وطريقة التعامل معهم تتصف باللاإنسانية وإرجاع ما يعانونه لأسباب خارجة عن الطبيعة كالشياطين والأرواح الشريرة. في المقابل كانت المنطقة التي ترفأ تحت ظل الحضارة العربية تزخر بالمستشفيات التي تخصص أقساما خاصة لمثل هؤلاء المرضى، بل كانت توجد بعض المستشفيات المخصصة لهم مثل مستشفى بغداد الذي أسس عام 705 وغيره، حتى أن الطبيب الشهير أبو بكر الرازي كان شخصيا مسؤولا عن وحدة الأمراض النفسية في مستشفى بغداد.

إن فكرة اعتبار هؤلاء مرضى يستحقون العلاج وليسوا مجانين معاقبين من قبل عوامل خارجة عن الطبيعة هو بحد ذاته نقلة نوعية في مجال العلوم العصبية، وكان علاج هؤلاء المرضى في المستشفيات العربية والإسلامية يتم بالأدوية والماء والموسيقى والعلاج الطبيعي والسلوكي والنفسي، وكان الطبيب يسمى الطبيب الروحاني وطبيب القلب.

كيف أثر العرب على الطب الحديث؟

من حيث المحتوى أضاف العرب إضافات يصعب حصرها، كما أشرنا من حيث وصف جديد للأمراض وتصحيح المفاهيم عن أمراض أخرى واختراع أدوات جديدة كتلك التي ابتكرها الزهراوي، ووصف عمليات جديدة وإضافات في مجالي التخدير والصيدلة. كما أنشأ العرب مستشفيات حديثة ذات مهام علاجية وتعليمية وتدريبية أي كليات للطب تتبع المستشفيات. وقاموا بتأليف الكتب الطبية التعليمية مثل كتاب "التصريف لمن عجز عن التأليف" للزهراوي، "التيسير في المداواة والتدبير" لابن زهر، "العمدة في صناعة الجراحة" لابن القف، وغيرها. وقد كانت بعض المؤلفات متخصصة بفروع معينة من الطب كالجراحة والعيون والولادة مما أدخل مبدأ التخصص في الطب، فاعتبر الزهراوي بشهادة الغربيين أبا للجراحة. كما أرسى ابن زهر نظام تدريب يجب على جميع جراحي المستقبل المرور به قبل السماح لهم بممارسة الجراحة بشكل مستقل.

أما من حيث المنهج فقد أدخل العرب مفهوم المنهج التجريبي في الجراحة، كما أشار لذلك ابن زهر متقدما على الفيلسوف الإنجليزي بيكون (Bacon Francis) الفترة (1626-1561) حيث استخدم الحيوانات للتجريب الجراحي، فكان أول من قام بإجراء عملية فتح القصبة الهوائية (Tracheostomy) على الماعز، وقد أصبحت ممارسة التدريب الجراحي على الحيوان الطريقة المثلى المعتمدة للتدريب الجراحي بالمراكز الجراحية المتقدمة.

كما أدخل العرب عمليات تشريح ما بعد الوفاة مثل ما قام به ابن زهر على الماعز خلال بحثه عن أمراض الرئة، وبالتالي الربط بين نتائج التشريح والعلامات الناتجة عنه وبين الأمراض وأعراضها ونتائج العلاج. لقد استخدم تشريح ما بعد الوفاة بعد ذلك لغايات مختلفة طبية وجنائية وتعليمية، وأصبح ضرورة طبية وقانونية لإثبات أسباب الوفاة إضافة لفوائده التعليمية، متقدما على الفرنسي لينيك (1781-1826) أول طبيب أوروبي ينهج هذا النهج.

إن هذه الإنجازات تفسر اعتماد الجامعات الأوروبية كتب الزهراوي وابن زهر وابن رشد والرازي وابن سينا مراجع طبية لقرون عديدة بعد أن تمت ترجمتها للغة اللاتينية.

لماذا تعثر العرب والمسلمون لاحقا في علوم الطب؟

لا يمكن عزل الطب تقدما أو تراجعا لدى أي مجموعة بشرية وفي أي حقبة تاريخية عن باقي مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية على العموم. ولا يخفى على أي دارس لتاريخ العرب والمسلمين دخولهم في عصر من الانحطاط والتراجع الحضاري بعد عصرهم الذهبي نتيجة لعوامل داخلية تتطلب الإحاطة بها من خلال دراسات تحليلية معمقة ولكن يمكن فهمها على المجمل من قبل أي باحث، وعوامل خارجية واضحة وهي الهجمة الاستعمارية المسعورة التي صاحبها  غزو عسكري وثقافي واقتصادي وارتهان حضاري سلب من الأمة زمام المبادرة وحول أفرادها إلى تابع للحضارة الغربية واستنزف طاقاتها في مقاومة ذلك الغزو.

وإن ما نشهده حاليا من استعادة لزمام المبادرة ومن مظاهر النهوض العلمي في العديد من بقاع الأرض العربية والإسلامية -ومنها الخدمات الطبية- يحمل مبشرات للمستقبل وبأن حركة النهوض عادت من جديد.

ومن هنا تكمن أهمية إعادة دراسة ونشر التراث الطبي العربي والإسلامي، وتبيانه للأجيال العربية القادمة ليمثل تأكيدا وتوضيحا للدور البناء للحضارة العربية والإسلامية في التسلسل الحضاري للبشرية، ولإعادة الثقة إلى الجيل الناشئ من أبناء هذه الأمة كي يدركوا أنهم ليسوا نتاج فراغ حضاري وفكري لزيادة ثقتهم بأنفسهم وتحفيزهم للاضطلاع بهذا الدور من جديد.

صدر لكم مؤلفان حول الطب عند العرب والمسلمين، ولكم ثالث قيد الطبع، هلا حدثتنا عنها؟

يأتي هذان الكتابان ضمن سلسلة علمية نقدية تتناول الأطباء العرب والمسلمين، وتهدف إلى إعادة الاهتمام بالدور الحضاري العلمي للعلماء العرب والمسلمين في عصور النهضة العربية الإسلامية وهي ذاتها عصور الظلام في الحضارة الغربية الأوروبية، وذلك من خلال تسليط الضوء على الدور الريادي للعلماء الأطباء العرب.

الكتاب الأول هو "أبو القاسم الزهراوي عميد الجراحين.. دراسة علمية معاصرة "والثاني بعنوان "ابن زهر الطبيب الحكيم.. دراسة علمية معاصرة " ولذلك أكثرت من الاستشهاد بهما خلال عرضي.

ويهدف كل كتاب إلى تقديم حياة العالم الطبيب بشكل مبسط ومتدرج، ابتداء منْ مختصر لسيرة حياته وللواقع العلمي والسياسي الفترة التي عاشها، ثم الحديث عن مؤلفاته مرورا بإنجازاته العلمية من منظور العلم والأدب الطبي الحديث، وتقييم الناقدين له قديما وحديثا وإعادة الاعتبار له بعصرنا الحاضر.

أما للمستقبل فهناك كتاب قيد الطبع يتناول الطبيب ابن القف بعنوان "ابن القف طبيب الأردن من القرن الثالث عشر.. دراسة علمية معاصرة" وكتاب آخر قيد التأليف بعنوان "ابن رشد الطبيب.. دراسة علمية معاصرة".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات العربیة والإسلامیة العرب والمسلمین الأطباء العرب العدید من الطب عند ابن رشد من حیث

إقرأ أيضاً:

القضايا العربية والمتغيرات العالمية

 

حاتم الطائي

تَمرُ المنطقة العربية بمرحلةٍ مفصلية في تاريخها الحديث، لا تقل أهمية أبدًا عن المراحل المفصلية السابقة على مدى قرون؛ بل لن نُبالغ إذا قلنا إنَّ الفترة الراهنة الأشد خطورة على منطقتنا وقضايانا المصيرية، وفي المقدمة منها قضيتنا المركزية؛ فلسطين، خاصة في ظل الخذلان الدولي غير المسبوق تجاه الإجرام الإسرائيلي المدعوم أمريكيًا، والذي فاق التصورات وتجاوز الواقع السياسي والعسكري بمراحل.

لم تعد إسرائيل مجرد ذلك الكيان المغروس عمدًا مع سبق الإصرار والترصد لإضعاف الأمة العربية ووأد أي محاولة للنهوض ومنافسة الغرب؛ بل باتت دولة الاحتلال سرطانًا يُريد أن يلتهم المنطقة ويبتلعها، من خلال اقتلاع سكان قطاع غزة والضفة الغربية والقدس من أراضيهم، ومن ثم تصفية القضية الفلسطينية إلى الأبد، ثم التمدد إلى دول المنطقة، وفرض نفوذها وهيمنتها تحت قوة الضغط الأمريكي، الذي يستغل حالة الضعف التي تُعاني منها منطقتنا.

وعلى الرغم من أن العرب يملكون كل الأدوات والوسائل التي تُمكِّنهم من فرض عدالة قضيتهم ووجهات نظرهم فيما يتعلق بمصير المنطقة، إلّا أنهم يفتقرون إلى الإرادة السياسية القوية، والقدرة على مواجهة الصلف الأمريكي الذي تحول تحت إدارة الرئيس اليميني دونالد ترامب إلى تجبُّر واستعلاء لا مثيل له. العرب يملكون الثروات المالية والموارد الطبيعية التي تدعم قوتهم، فضلًا عن الجوانب الحضارية المُضيئة، فلقد كانت هذه المنطقة بيئة خصبة لازدهار أعرق الحضارات، وعلى أرضها عاش أنبياء الله ونشروا دعوتهم في ربوع الدنيا، غير أنَّ عدم الرغبة في المواجهة وتفضيل سياسات "النأي بالنفس"، تسبب في أن تتحول المنطقة العربية إلى لقمة سائغة في أفواه المُجرمين، من دعاة الاستعمار الجُدد، الذين ينظرون إلى الأوطان على أنها "مشاريع عقارية" يمكن إبرام "صفقات" عليها!

من المؤسف أنَّ الكثير من الأنظمة لم تعد قادرة على قول "لا" في وجه الولايات المتحدة الأمريكية، وباتت عاجزة عن طرح أي رؤية عادلة للقضايا العربية، لكن لا ينبغي أن يدفعنا ذلك إلى اليأس والتراجع والاستسلام؛ بل علينا أن نتحلى بالشجاعة في مُواجهة المخططات التي تريد عودة الاستعمار بصورة أخرى، وعلى الحكومات العربية أن تحتمي بشعوبها الرافضة رفضًا قاطعًا لأي احتلال إسرائيلي، والغاضبة بشدة من حرب الإبادة التي استمرت في قطاع غزة لأكثر من 15 شهرًا. ومع اقتراب انعقاد القمة العربية الطارئة في القاهرة، وتوقعات بإعلان رؤية عربية مشتركة لمواجهة مخططات الرئيس الأمريكي، فإن سقف المطالب في هذه القمة يجب أن يكون عاليًا، ليعكس إرادة الشعوب العربية التي ضجرت من المواقف غير الحاسمة، والتصريحات التي تحتمل أكثر من معنى. يجب أن تكون القمة تعبيرًا عن حالة التعاطف منقطعة النظير مع الشعب الفلسطيني المُستضعَف، والذي ما يزال يتجرع ويلات العدوان الإسرائيلي. 

ولا ريب أن المرحلة المقبلة من العمل العربي تتطلب سرديةً ذات طموح أعلى وتمثيلاً أكبر لإرادة الشعوب العربية الطامحة الى التحرر والعدالة، والتي لطالما حلمت بأن تتحرر فلسطين وأن ينعم كل مواطن فلسطيني بحقه الطبيعي في الحياة دون خوف من الموت أو التشرُّد أو الاعتقال والزج به في سجون الاحتلال.

الوضع الراهن وما يعتريه من متغيرات دولية عميقة التأثير، يؤكد لنا أن العرب يجب أن تكون لهم كلمة واضحة وموقفًا صلبًا في مواجهة مخططات ترامب-نتنياهو، وممارسة أقصى الضغوط من أجل استعادة الحقوق الفلسطينية وحماية الأمن القومي العربي من المُهددات غير المسبوقة، لا سيما في ضوء الإرهاب الصهيوني المُستمر منذ عقود طويلة.

على العرب في قمتهم الطارئة أن ينظروا إلى مواقف دول مثل جنوب أفريقيا والبرازيل- غير العربيتين- واللتين لم ترضخا للضغوط الصهيونية، وواصلتا الدفاع عن القضية الفلسطينية أمام المحاكم الدولية، في حين أن الأنظمة العربية الرسمية لم تتحرك ولم تشارك في تحريك أي دعوى قضائية دولية، رغم التعاطف الدولي الكبير، فضاعت من أمامنا فرصة تاريخية لتحقيق مزيد من النقاط لصالح القضية الفلسطينية.. ورغم ذلك نؤكد أنَّ الفرصة ما تزال قائمة، وأن بإمكان العرب إجبار أمريكا على التراجع عن مخططاتها والوصول إلى حل دائم وعادل للقضية الفلسطينية.

على العرب مواجهة إسرائيل وأمريكا بكل قوة، والقول بصوتٍ عالٍ إن أمريكا فك مفترس ووحش كاسر ومارد شيطاني، تُريد أن تفتك بالعالم أجمع لتحقيق أهدافها وأطماعها، حتى لو كان الثمن أرواح الآلاف والملايين من البشر.

لقد كشفت السياسات الأمريكية الحالية، أن الرئيس ترامب يريد أن يلتهم كل شيء أمامه، ويدير بلاده والعالم بطريقة "الصفقات"، ولا أدل على ذلك من موقفه تجاه قضية أوكرانيا، وما شاهدناه في المشادة الكلامية بينه وبين رئيس أوكرانيا، ومدى التحقير الذي مارسه تجاه رئيس أوكرانيا، والذي يكشف أنَّ ترامب ربما باع أوكرانيا إلى روسيا، في صفقة غير واضحة المعالم حتى الآن.

ويبقى القول.. إنَّ القمة العربية الطارئة المرتقبة يوم الثلاثاء، يجب أن تُعبِّر عن مواقف الشعوب العربية الرافضة للإجرام الصهيوني والداعمة للحق الفلسطيني، وضرورة مواجهة الجبروت والتعنت الأمريكي، من خلال توظيف أدوات الضغط العربية، حتى تنعم منطقتنا بالأمن والاستقرار ويتحقق العدل في ربوعها.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • وزراء الخارجية العرب يعقدون اجتماعا تحضيريا للقمة العربية الطارئة
  • برلماني: القمة العربية الطارئة في القاهرة فرصة لتوحيد الصفوف لإعادة إعمار غزة
  • القمة العربية تبحث غداً الخطة المقترحة لإعادة إعمار غزة
  • بعد التهنئة برمضان.. ما أبرز الفتاوى اليهودية التي تشجع على قتل الفلسطينيين والعرب؟
  • بعد التهنئة برمضان.. ما أبرز الفتاوى اليهودية التي تشجيع على قتل الفلسطينيين والعرب؟
  • نوادر رمضان.. كيف ظهر الشهر الكريم في التراث العربي؟
  • دراسة صادمة.. الكرش قد يعزز الذاكرة ويحمي الدماغ
  • مفاجأة | الكرش له فوائد .. دراسة تكشف أهميته للمخ .. وشرط الاستفادة منه
  • القضايا العربية والمتغيرات العالمية
  • وكيل الشؤون العربية بالنواب: مصر تتحرك وفق رؤية استراتيجية لإعادة إعمار غزة