سر الأعداد في ذكر الله تعالى .. وحكم من زاد أو نقص فيه؟ علي جمعة يوضح
تاريخ النشر: 6th, August 2023 GMT
سر الأعداد في ذكر الله سبحانه وتعالى واحد من المسائل التي تشغل ذهن الكثيرين، خاصة حكم من زاد أو نقص عن العدد المجرب لبعض الصالحين أو ثبت عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم الأمين.
سر الأعداد في ذكر الله سبحانه وتعالىيقول الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء في بيانه سر الأعداد في ذكر الله سبحانه وتعالى، إن الحاصل أننا مع ذكر لا إله إلا الله، نتذكر النفي الذي يدل على العدم, ونتذكر النفي الذي يدل على التخلية - تخلية القلب - وننقيه من كل قبيح، ونتذكر النفي الذي يدل على انتفاء النفس في مقابلة الله؛ لأن الله هو الباقي وأنا فانٍ, كل هذه المعاني أتذكرها عند قولي: ( لا إله )؛ لأنني أنفي وأعدم وأخلي قلبي ونفسي وكياني مما سوى الله من العالم.
وتابع: ثم يأتي الإثبات الدال على الوجود، وعلى التحلية، كأنني أقول: ( لا إله ) في قلبي، ثم إني بعد ذلك أستحضر الله في قلبي .. أو: ( لا إله ) في قلبي أي أنني خليته من هذا .. أو: ( لا إله ) في نفسي لأنني خليت نفسي من هذا .. فـ( لا إله ) تدل على العدم الذي كان قبل الخلق فخلق الله ، وتدل على العدم الذي يتلو الخلق بأمر الله، مبينا كل هذا النفي يذكرني بهذه المعاني، ثم بعد ذلك يأتي الإثبات، يأتي التحقق وتأتي التحلية .. يأتي ملء القلب بهذه الأنوار الربانية، والمنح الصمدانية، التي تنير للمؤمن طريقه مع الله - سبحانه وتعالى - ، فكانوا يجعلونها ثلاثين ألفاً، لكنهم لما وجدوا الناس قد انشغلوا جعلوها مائة ألف وزيادة، هذه المائة ترقق قلب الإنسان للذكر، ثم نحن نذكر على قدر الفاقة، نذكر كل يوم خمسمائة، أو ألفا، أو ألفين، أو ثلاثة، أو عشرة، على قدر ما يستطيع الإنسان وحسب ظروفه، فلو ذكرت كل يوم خمسمائة فإنك تنتهي منها في مائتي يوم، وهو ما يعدل ثمانية شهور.
فضل ذكر الله في الصباح .. فوائد عظيمة لا تتركها ذكر يعادل قيام الليل .. 14 كلمة أوصى بها النبيوأكمل: ولو ذكرت خمسة آلاف مرة في اليوم ستنتهي في عشرين يوما, إذاً هذا حسب الطاقة، إنما أنا أحضر السبحة التي لها عداد - حتى لا ينشغل قلبي بالعدد - ثم أبدأ في الذكر ( لا إله إلا الله .. لا إله إلا الله ) متتالية حتى أتم المائة.
وبين أن هذه عبادة، فينبغي أن تكون بهدوء وبتدبر، وليس بجريان اللسان مع السهو، وعدم الالتفات والتركيز، لكن حتى لو وقع كذلك، ولو كان بمحض اللسان أيضا فإننا نستمر في الذكر؛ لأن ذكر اللسان عليه ثواب حتى لو انشغل القلب، فما بالكم لو أن القلب لم ينشغل ؟! فأنت توفر بالحضور مراحل كثيرة من حياتك.
وشدد على أن الذكر بأعداد معينة كالمفتاح إذا زدت عليه أو انقصت منه فلن يفتح، يقول الإمام علي بن أبي طالب رضى الله تعالى عنه : ما كان الله ليفتح باب الشكر ويخزن باب المزيد، وما كان الله ليفتح باب الدعاء ويخزن باب الإِجابة، وما كان الله ليفتح باب التوبة ويخزن باب المغفرة. أتلو عليكم من كتاب الله. قال الله تعالى: {ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ} ، وقال: {لَئِن شَكَرْتُمْ لازِيدَنَّكُمْ} ، وقال: { فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ }، وقال: { وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا }.
سر الأعداد في ذكر الله سبحانه وتعالىوأردف: ورد الحث على الذكر في كتاب الله وسنة النبي ﷺ، فمن القرآن قوله تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ) ، ويقول رسول الله ﷺ نصيحة عامة: «لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله». (أحمد والترمذي وابن ماجة)، وكان شأن المسلمين في الذكر الاهتمام بما سموه بـ«الباقيات الصالحات» وهي كلمات علمها لنا رسول الله ﷺ لنواجه بها الحياة كلها وهي «سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، الله أكبر، لا حول ولا قوة إلا بالله» (وهذه الخمسة سموها الباقيات الصالحات ، لأنها هي التي تبقى للإنسان بعد رحيله من هذا الدكان، فبعد رحيل السكان من الدكان، تبقى الباقيات الصالحات، نورًا في القبر، وضياءً يوم القيامة، وذكرًا في الملأ الأعلى)، هذه الكلمات الخمس جزء من حضارة الإسلام، يُبنى عليها الإنسان المسلم وتكون أساس عقيدته وهويته، فلكل منها فائدة ودور في بناء فكره ومنهجه الحضاري.
فنواجه بـ«سبحان الله» كل عجيب، فالدنيا مليئة بالعجائب، منها عجائب ناجمة عن قدرة الله في الكون، أو في أفعال العباد، وهي كلمة نقولها ننزه الله بها عن كل نقص ونصفه بكل كمال مطلق، كل هذا في كلمة واحدة في أوائل أوقاتنا وأواخرها قال تعالى: (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ) [الروم:17] وكذلك بعد الانتهاء من أفضل العبادات وهي الصلاة، فشرع لنا نبينا ﷺ أن ننزه الله سبحانه ونقول: «سبحان الله» ثلاثاً وثلاثين مرة، فـ«سبحان الله» أحد مكونات الذكر الجامع الذي استنبطه أهل الله من أحاديث رسول الله ﷺ.
«الحمد لله»: وهي تعني الثناء على الله لكمال صفاته وعلو شأنه سبحانه وتعالى، فهي تعبر عن شكر الله على نعمته، وتعبر كذلك عن الثناء على الله لغير نعمة، بل لجميل صفاته، فيحمد الله على عظمته وجلاله كما يحمد على إحسانه وإكرامه قال تعالى: (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ) [الروم:18].
والكلمة الثالثة هي «لا إله إلا الله» وهذه الكلمة تعد الميثاق بينك وبين الله، وبها دخلت دين الله عز وجل، وهي تعني أنه لا يستحق أن يعبد إلا الله سبحانه وتعالى، فلا حق لأحد في الخلق مهما عظم أن يُعبد، ويُتوجه إليه، وفي الحقيقة بقولك هذه الكلمة تدخل الإسلام، وبترديدها ينجلي قلب المؤمن ويزداد إيماناً.
أفضل ما يقال بعد صلاة الفجر.. هل الذكر أم قراءة القرآن؟ من جوالب حسن الخاتمة .. واظب على هذا الذكر ولو مرة كل يوموهذه الكلمة تعني أن نعبد الله لأنه ليس لنا إله غيره سبحانه، وبهذا أرسل الله جميع الرسل قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء:25]، وهي أفضل كلمة قالها أنبياء الله جميعهم عليهم السلام بمن فيهم نبينا المصطفى ﷺ حيث قال: «أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له» (مالك في الموطأ، والترمذي في سننه) وهي كلمة تشتمل على أمرين، الأمر الأول: ألا نتوجه بالعبادة والقصد لغير الله، والأمر الثاني: أن نتوجه بالعبادة والقصد لله ولا نقف على المعنى السلبي فحسب، فإن تركك عبادة غير الله لا يكفي، بل ينبغي أن تعبد الله فعلاً بإقامة الفروض والمحافظة عليها، وكذا فعل المندوبات وهذا هو الجانب الإيجابي في التوحيد، وهو عبادة الله عز وجل.
أما الكلمة الرابعة فهي «الله أكبر»، ويستفاد من هذه الكلمة أنه ينبغي أن يكون الله هو أكبر شيء في حياة الإنسان، وأن القضية الأولى لديه هي «رضا الله» فالله، ورضاه أكبر من أي شيء، ولذلك يفتتح الإنسان بها صلاته مذكّراً نفسه بأنه لا ينبغي أن يشغله شيء عن ذكر الله، فإن الله أكبر من أي شيء يشغله، ويجدد العهد في الصلاة كلما انتقل من ركن إلى ركن داخل الصلاة دائماً يقول لنفسه: الله أكبر، من الدنيا وما فيها، فلا ينبغي أن ينشغل بالأصغر عن الأكبر.
والكلمة الخامسة هي «لا حول ولا قوة إلا بالله»، وتعني أنه لا يحول ولا يمنع بينك وبين كل ضر إلا الله، كما أنه لا تصلك ولا يصل أحداً خير إلا بقوة الله، فبقوة الله وحده تحدث الأشياء، وبحول الله وحده تمتنع الأشياء عن الحدوث، لأنه في الحقيقة لا حول ولا قوة لأحد في هذا الكون إلا بالله سبحانه وتعالى، وهذه الكلمة لما فيها من حقائق عالية ومعان غالية كانت كنزاً من كنوز الجنة.
وشدد: تلك الكلمات الخمس من الكلمات العشر هي التي قال عنها العلماء «الباقيات الصالحات» والتي ذكرها الله في كتابه حيث قال: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً) [الكهف:46]، وقال سبحانه: (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَّرَدّاً) [مريم:76]، وقال النبي ﷺ: «استكثروا من الباقيات الصالحات. قيل: وما هن يا رسول الله؟ قال: الملة. قيل: وما هي؟ قال: التكبير، والتهليل، والتسبيح، والتحميد، ولا حول ولا قوة إلا بالله» (أخرجه الحاكم في المستدرك).
واختتم: هذه هي الباقيات الصالحات التي ينبغي للمسلم أن يذكر الله بها دائماً، وتخالط معانيها قلبه، ويواجه بها دنياه، ويتعامل بها مع من حوله، كما ينبغي أن تظهر في سلوكه حتى تكون منهج حياة يظهر حقيقة الإسلام والمسلمين، ويعود للإسلام مجده الحضاري والأخلاقي.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: ذكر رسول الله الله أکبر ینبغی أن الله فی أنه لا
إقرأ أيضاً:
ما هي البدعة التي حذرنا منها رسول الله؟ .. علي جمعة يوضحها
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إنه لابد علينا أن نُحَرِّرَ مفهوم البدعة، سيدنا النبي ﷺ قال حديثًا عَدَّه الأئمة الأعلام -منهم الإمام الشافعي- من الأصول التي بُنِيَ عليها الدين: « مَنْ أَحْدَثَ فِى أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ ». قال العلماء: قال: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، ولم يقل: من أحدث في أمرنا هذا شيئًا فهو رد. الشريعة جاءت لتعليم المناهج وبيان القواعد التي يُبنَى عليها الأمر متسعًا، فمن أراد أن يَحْصرها في الوارِد فقد ضيَّق موسَّعًا، وهذا هو البدعة.
واضاف جمعة، في منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، ان رسول الله ﷺ وضع أُسُسًا لكيفية التعامل مع الحياة بنَسَقٍ منفتح، فمن أراد أن يجعل النَّسَقَ ضيقًا ويجرُّ الماضي على الحاضر من غير اتساع فهو مبتدع، قال: ما ليس منه، ولم يقل: من أحدث شيئًا، لو قال شيئًا أغلق الأمر كما أرادوا أن يُغلقوه على أنفسهم، لكن لا، قال: ما ليس منه. أخرج الإمام النسائي أن رسول الله ﷺ بعدما انتهى من الصلاة قال: مَن الذي قال مَا قال حينما رفعت من الركوع؟ فخاف الصحابة ولم يتكلَّم أحد، قال: «مَن قال ما قال فإنه لم يقل إلا خيرًا» قال: أنا يا رسول الله، قال: «ماذا قلت؟»، قال: قلت ربنا لك الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا طاهرًا مباركًا فيه ملءَ السموات والأرض وملء ما شئت من شيء. قال: «رأيت بضعًا وثلاثين ملكًا يبتدرها أيهم يصعد بها إلى السماء».
قال العلماء: وذلك التصعيد قبل إقرار النبي ﷺ ليعلمنا ما البدعة، وما الزيادة التي ليست ببدعة، فلما كان الكلام جميلاً فيه توحيد الله سبحانه وتعالى، فيه إخلاص واعتراف بالمنة له سبحانه وتعالى، كان وإن لم يسمعه من النبي، وإن كان قد زاده في الصلاة مقبولاً. وعندما سمع النبي في التلبية أعرابًا يقولون: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إلَّا شريكًا هو لك، ملكته ومَا مَلَكَك، أوقفهم وعلَّمهم، وأنكر عليهم، لأن هذا مخالف لما جاءت به الشريعة من إفراد التوحيد لله، فأنكره.
واستدل العلماء بحديث بلال: أن النبي ﷺ قام من ليلته فقال: «يا بلال، سمعتُ خشخشة نعليك قبلي في الجنة، فبما هذا؟»، قال: والله يا رسول الله لا أعرف، قال: إلا أنني كلما توضأت صليت ركعتين. رأى النبي مقام بلال من أجل الركعتين قبل أن يُقرَّهُما، وهو لم يعلمها بلالًا، بل إن بلالًا قد وفَّق بين الشريعة فرأى الوضوء شيئًا حسنًا والصلاة شيئًا حسنًا، فجمع بين هذا وذاك من غير استئذان النبي ﷺ ومن غير توقُفِ فعله على إقرار النبي، وذلك ليعلمنا كيف نعيش بنسقٍ مفتوح في عالمنا حيث نفتقد رسول الله ﷺ بوحيه وفضله المعروف العليم.
فإذا أحدثت شيئًا فلابد أن يكون من الشريعة، لا ضدًا لها، الأمر على السعة فإن جئت فضيقت وقلت: لا ذكر ودعاء إلا بكلام رسول الله ﷺ فقد ضيقت واسعا .