سودانايل:
2025-04-29@13:38:01 GMT

السودان ومعضلة الاستقطاب السياسي

تاريخ النشر: 17th, June 2024 GMT

أماني الطويل كاتبة وباحثة

تبدو التفاعلات العسكرية السودانية وكأنها تسير نحو محرقة كاملة للمدنيين، بينما يتعطل تماماً المسار السياسي التفاوضي تحت وطأة خطابات الانتقام والثأر على جميع الصعد العسكرية منها والسياسية، وربما تمتد لتشمل كذلك الأهلية.

وفي هذا المشهد لا يبدو الجيش السوداني قادراً حتى اللحظة على حسم الصراع العسكري على اتساع الجغرافيا السودانية، على رغم كل محاولاته إيجاد حلفاء له على الصعيد الإقليمي والدولي، يضمنون له تسليحاً وتدريباً يبدو أنهما مطلوبان بإلحاح.



التفاعلات السياسية والاجتماعية السودانية على المستوى الداخلي تعمق حال استقطاب سياسي معقدة ومؤسسة على سببين، الأول محارق المدنيين المتتالية التي نشهدها في سيناريوهات متكررة، وآخرها ما جرى في قريتي ود النور وكرري، إذ تعمد قوات "الدعم السريع" إلى ترويع المدنيين الذين يسقط لها ضحايا بالمئات، وبسبب هذه المحارق يتمترس الجيش على لسان قائده الفريق أول عبدالفتاح البرهان عند المواقف السياسية الأكثر تشدداً، إذ توعد أخيراً بالرد القاسي على ما جرى في ولاية الجزيرة، وقطع الطريق تماماً أمام المشاركة في أية مسارات تفاوضية، بل وقطع الطريق أمام أي تفاعل مع السياسيين وخصوصاً مع تنسيقية "تقدم" التي اعتبرها متواطئة مع قوات "الدعم السريع".

أما السبب الثاني لمشهد الاستقطاب السياسي في السودان فهو فقدان المدنيين لدورهم وأملاكهم ونزوحهم داخلياً وخارجياً، وتعقد السبل بهم في المنافي المختلفة مما يؤجج خطابات الكراهية التي تغذيها وسائل التواصل الاجتماعي بما تحمله من تهديدات للمدنيين السودانيين من جانب قبائل العرب الرحل في مناطق الساحل الأفريقي الممتدة من غرب السودان وحتى ساحل المحيط الأطلسي، مما يجعل خطابات الوعيد والانتقام بسبب الاعتداء على المدنيين وهتك الأعراض ترتفع في الداخل السوداني، إذ يوظف نظام عمر البشير وحلفاؤه السياسيين هذه الحال ضد خصومهم من أنصار "ثورة ديسمبر" السودانية التي أسقطت النظام السياسي وحزبه الحاكم عام 2019.

وهذه التفاعلات المركبة تفسر لنا مطالب الحكومة السودانية على لسان وزارة الخارجية وفي بيانها الأخير بتصنيف قوات "الدعم السريع" جماعة إرهابية، إذ تتهم المجتمع الدولي بالمسؤولية الكاملة عن محارق المدنيين السودانيين التي تمارسها قوات "الدعم السريع"، وذلك مع تقاعسه في الاستجابة لهذا المطلب المتكرر من ناحية، وتصنيفه لها كطرف عسكري مرشح أن يكون شريكاً للجيش في عملية تفاوضية، من ناحية أخرى.
وفي هذا السياق ربما تقف حوادث قرية ود النورة ومنطقة كرري حجر عثرة في هذه المرحلة أمام الجهود الدولية والإقليمية الراهنة في شأن بلورة تقارب سياسي بين المكونات السياسية السودانية، لتدشن تفاهماً في شأن عملية سياسية لليوم التالي للحرب يتفق على أطرافها.

هذه الجهود تمت هندستها خلال الأشهر الماضية بين كل من واشنطن وأديس أبابا والقاهرة، وأنتجت مؤتمرين لمعسكري القوى السياسية السودانية، أحدهما في القاهرة للقوى السياسية والفصائل المسلحة المتحالفة مع الجيش مطلع مايو (أيار) الماضي، والآخر في أديس أبابا للقوى المحسوبة على الثورة السودانية خلال الشهر ذاته، وذلك مع تقارب بدرجة معقولة بين مصر وتنسيقية "تقدم" بقيادة رئيس الوزراء السوداني السابق عبدالله حمدوك الذي جرى استقباله في القاهرة أثناء محادثات معمقة في أبريل (نيسان) الماضي.

وكان من المأمول أن تؤدي هذه الجهود دوراً في تدشين توافق وطني سوداني يجري في القاهرة نهاية يونيو (حزيران) الجاري، كما جرى الإعلان عن ذلك، إذ قدمت دعوات الحضور للأطراف المختلفة، ولكن مع هذه التطورات فإن مصير "مؤتمر القاهرة" يبدو مجهولاً حتى اللحظة، ويبدو لنا أن محارق المدنيين وحال الاستقطاب السياسي بين الأطراف المدنية تحقق لطرفي الصراع من المعسكرين أهدافاً عدة، فمن ناحية تستخدم القوى المتحالفة مع الجيش هذه المحارق المؤسفة والمؤذية إنسانياً في بلورة خطاب شعبوي وعاطفي يدفع نحو ضرورات الرد والانتقام لهدر دم الضحايا المحسوبين بالمئات في كل عملية، وكذلك الاستيلاء على بيوت الناس واغتصاب النساء، وتوظف في الخطابات العاطفية فيديوهات يبثها عرب الشتات وتتهم أهل السودان بالجلابة (تجار الرقيق) الذين يجب الانتقام منهم.

وفي سياق مواز تشيطن تنسيقية "تقدم" بصورة كاملة مع اعتبارها متواطئة في محارق المدنيين، طبقاً لمنطق خطابات الفريق عبدالفتاح البرهان بعد مذبحة قرية ود النورة، ويبدو أن الغرض النهائي من ممارسات الاستقطاب السياسي هو إتاحة الوقت للجيش حتى ينجح في بلورة تحالفات دولية توفر له دعماً تسليحياً مناسباً يستطيع به حسم المعارك عسكرياً، وبالتالي يضمن خطاب الاستقطاب السياسي البيئة المناسبة لعودة الإسلاميين، ربما من الجيل الرابع في "الحركة القومية الإسلامية"، لحكم السودان ولكن هذه المرة تحت لافتة التكنوقراط، وليس تحت أية لافتات أيديولوجية، حتى يتم القفز على أي عداءات إقليمية ضد "الإخوان المسلمين".

وبالتالي لا تكون التنسيقية شريكاً في أي حل سياسي مستقبلي في السودان مما يحقق للجيش القدرة على بلورة معادلات سياسية داخلية في اليوم التالي للحرب، يقوم بهندستها طبقاً لتقديراته الذاتية ومن دون مشاركة أو ضغوط من جانب القوى السياسية الساعية إلى تحجيم المكون العسكري في معادلات الحكم.

وفي هذه المحرقة السياسية والأخلاقية تبدو تنسيقية "تقدم" في موقف لا تحسد عليه، فهي على رغم إعلانها وقوفها على مسافة واحدة من جميع الأطراف المتصارعة عسكرياً، فهي مطالبة بإدانة واضحة وصريحة لمحارق المدنيين المتتالية.

وعلى صعيد مواز فإن الخطاب السياسي لقوات "الدعم السريع" يبدو مراوغاً ولا يملك أية صدقية في ما يتعلق بمسألتي التفاوض ووقف الحرب، ذلك أن أداءها العسكري على الأرض يتجه نحو توسيع هذه الحرب ومحاولة تفكيك مؤسسة القوات المسلحة السودانية عبر تواصل الضغط عليها في عمليات عسكرية غير مبررة على اتساع الجغرافيا السودانية، ويكون التكتيك الأساس فيها هو ضرب مقومات الحياة للمدنيين في المناطق المختلفة، حيث يُلجأ إلى تدمير محطات المياه أولاً.

وعوضاً عن الخطابات السياسية العلنية تستخدم قوات "الدعم السريع" وسائل التواصل الاجتماعي في معاركها ضد الجيش، إذ لا يمكن أخلاقياً أو سياسياً تبرير عملياتها على الأرض في ما يتعلق بمحارق المدنيين، وتدشين خطاب شعبوي معاد للجيش والقوى المتحالفة معه، ويبدو لنا أن الأغراض النهائية لقوات "الدعم السريع" هي الاستيلاء على سلطة منفردة حتى ولو على بلد مهلهل، وذلك في سيناريو مماثل للسيناريو الصومالي الذي حدث خلاله إسقاط الجيش.

المشهد السوداني الراهن، بما ينطوي عليه من استقطاب سياسي، له غرض محدد لكل فريق عسكري يبدو معرقلاً لجهود الحل التفاوضي والجنوح إلى محاولة حل الأزمة السودانية بإجراءات تجنح إلى السلام، وهو أمر يجعل جهود المجتمع الدولي والإقليمي المنسقة خلال الأشهر الماضية في مهب الريح، وربما غير مجدية، وربما تسهم هذه المعطيات جميعها في عرقلة نجاح "مؤتمر القاهرة" المزمع عقده نهاية الشهر الجاري، إذ تدور الأزمة السودانية في دوامة تآكل الدولة والصراعات العسكرية الممتدة أفقياً ورأسياً بلا غرض، سوى تحقيق شهوات الانتقام والثأر.

نقلا عن اندبندنت عربية

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الاستقطاب السیاسی الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

تحقيق أممي في وصول صواريخ تملكها الإمارات إلى الدعم السريع

قالت رسالة اطلعت عليها رويترز إن لجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة مكلفة بمراقبة العقوبات في السودان تحقق في كيفية وصول قذائف مورتر مصدرة من بلغاريا إلى الإمارات إلى رتل إمداد لمقاتلي قوات الدعم السريع شبه العسكرية.

وتحمل قذائف المورتر التي ضبطت مع الرتل في نوفمبر تشرين الثاني في ولاية شمال دارفور بالسودان الرقم التسلسلي نفسه الذي أخبرت بلغاريا محققي الأمم المتحدة أنها صدرته إلى الإمارات في عام 2019. وأمكن رؤية الرقم التسلسلي في الصور ومقاطع الفيديو التي نشرها أعضاء الجماعات الموالية للحكومة على الإنترنت بعد عملية الضبط.

ووفقا لرسالة بتاريخ 19 ديسمبر كانون الأول من البعثة الدائمة لبلغاريا في الأمم المتحدة، والتي اطلعت عليها رويترز، أبلغت بلغاريا محققي الأمم المتحدة أنها شحنت قذائف مورتر عيار 81 مليمترا بالرقم التسلسلي نفسه إلى الجيش الإماراتي في عام 2019.

وقالت وزارة الخارجية البلغارية لرويترز إن أحدا لم يطلب إذن بلغاريا لإعادة تصدير الذخائر إلى طرف ثالث.
وقالت الوزارة "نعلن بشكل قاطع أن السلطات البلغارية المختصة لم تصدر ترخيصا لتصدير المنتجات المرتبطة بالدفاع إلى السودان".

وأحجمت الأمم المتحدة عن التعليق على هذا التقرير.

ونفت الإمارات الاتهامات المتكررة لها بإذكاء الصراع من خلال تسليح قوات الدعم السريع في حربها ضد الجيش السوداني.

وأودى الصراع في السودان بحياة عشرات الآلاف وتسبب في نزوح الملايين. وخلصت الولايات المتحدة العام الماضي إلى أن أفرادا من قوات الدعم السريع والجماعات المسلحة المتحالفة معها ارتكبوا إبادة جماعية في القتال الدائر منذ نيسان / أبريل 2023.

وعندما سألت رويترز مسؤولين إماراتيين عن الذخائر البلغارية، أشاروا إلى أحدث تقرير سنوي صادر عن لجنة خبراء الأمم المتحدة، والذي يتحدث بالتفصيل عن نتائج تحقيقاتها في تدفق الأسلحة والأموال إلى دارفور.

ولم يُنشر بعد التقرير الذي عُرض على مجلس الأمن الدولي هذا الشهر واطلعت عليه رويترز. وتقتصر إشارته إلى الإمارات على دورها في حفظ السلام في السودان.

وقال المسؤولون الإماراتيون لرويترز إن التقرير "يوضح أنه لا توجد أدلة دامغة على أن الإمارات قدمت أسلحة أو دعما ذا صلة لقوات الدعم السريع".

وتوثق لجنة الأمم المتحدة عملية ضبط الذخائر التي جرت في نوفمبر تشرين الثاني في تقريرها السنوي. واعترضت جماعة موالية للحكومة مركبات تابعة لقوات الدعم السريع كانت تنقل قذائف مورتر وذخائر أخرى، ونشرت مقاطع فيديو وصورا للأسلحة التي صادرتها. ولم يتطرق تقرير المحققين إلى مصادر الذخائر.

لكن الرسائل المتبادلة بين مسؤولين إماراتيين ولجنة الأمم المتحدة تظهر أن المحققين مستمرون في تتبع دور الإمارات في الصراع.

وتظهر الرسائل، التي اطلعت عليها رويترز، أن السلطات الإماراتية رفضت تلبية طلب محققي الأمم المتحدة بإرسال بيانات الشحنات الخاصة بنحو 15 طائرة مختلفة انطلقت من مطارات الإمارات وهبطت في أم درمان ونجامينا في تشاد.

وراسلت لجنة الأمم المتحدة السلطات الإماراتية بتاريخ 26 نوفمبر تشرين الثاني لطلب بيانات شحنات الرحلات الجوية. وردت الإمارات على اللجنة في العاشر من ديسمبر كانون الأول ورفضت تقديم هذه المعلومات متعللة بعدم قدرتها على الالتزام بالموعد النهائي لضيق الوقت.

وقدمت الإمارات في المقابل تفاصيل عن مواد تزن حوالي 22 طنا وتضم أغذية وأدوية ومركبات مدنية نقلتها ثلاث رحلات جوية إلى أم جرس في تشاد. وتمثل المواد الواردة في الرسالة حوالي نصف سعة طائرات الشحن آي.إل-76 التي يمكنها حمل ما يصل إلى 40 طنا في الرحلة الواحدة.

ولم ترد الإمارات على أسئلة رويترز عن البيانات.

والسؤال الرئيسي للمحققين هو من الذي يقدم السلاح لقوات الدعم السريع، التي عززت سيطرتها على جزء كبير من دارفور في حملة دموية.

ورفع السودان دعوى قضائية على الإمارات أمام محكمة العدل الدولية الشهر الماضي يتهمها فيها بانتهاك التزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها حين قامت بتسليح قوات الدعم السريع شبه العسكرية. وبدأت المحكمة نظر الدعوى الأسبوع الماضي.

وتنفي الإمارات هذه التهمة، وتقول إن المحكمة ليس لديها اختصاص لنظر هذه الدعوى.

مقالات مشابهة

  • تحقيق أممي في وصول صواريخ تملكها الإمارات إلى الدعم السريع
  • طيران الجيش ينفذ ضربات جوية استهدفت مواقع قوات الدعم السريع في مدينة الدبيبات
  • الجيش السوداني: سقوط 41 مدنيا وإصابة عشرات بقصف مدفعي للدعم السريع في الفاشر
  • مليشيا الدعم السريع تدعو الجيش والقوات المشتركة الي إخلاء مدينة الفاشر
  • السودان.. 20 قتيلًا في قصف لقوات الدعم السريع على مخيم "أبو شوك"
  • السودان.. الدعم السريع يشن قصفا عنيفا على الفاشر
  • تصاعد استخدام المسيّرات في الحرب السودانية .. «قوات الدعم السريع» تواصل قصف مواقع مدنية وعسكرية
  • الخارجية السودانية تستدعي القائم بأعمال السفارة الصينية في السودان لاستيضاحه حول كيفية امتلاك الدعم السريع مُسيّرات صينية استراتيجية
  • الجيش السوداني يعلن مقتل 7 من أسرة واحدة بقصف الدعم السريع على الفاشر
  • قتلى وجرحى بقصف نفذته الدعم السريع على الفاشر السودانية