الخليج الجديد:
2024-09-17@09:25:05 GMT

غوانتانامو: عار أمريكا الشنيع المستدام

تاريخ النشر: 6th, August 2023 GMT

غوانتانامو: عار أمريكا الشنيع المستدام

غوانتانامو: عار أمريكا الشنيع المستدام

معتقل غوانتانامو يواصل البقاء كوصمة عار صريحة وفاضحة، مستدامة ومفتوحة، هي الأشنع حتى إشعار لا يلوح البتة أنّ نهايته وشيكة.

منذ افتتاح المعتقل في 11/1/2002 استقبل ما مجموعه 780 معتقلاً من 35 جنسية، شهد وفاة 9 من المعتقلين قضوا مرضاً أو بسبب التعذيب الوحشي أو الانتحار.

السجين الواحد يكلّف دافع الضرائب الأمريكي 12 مليون دولار سنوياً، وأمّا منشأة المعتقل ذاتها فإنها تكلّف 540 مليون سنوياً.

المعتقل فضيحة مفتوحة لا تعكف على تناولها المنظمات الحقوقية الدولية وحدها، بل سبق أن اعترفت بعواقبها الفاضحة مذكّرة وقّعها 24 من كبار أعضاء الكونغرس الديمقراطيين.

* * *

في لندن تشكلت مؤخراً مجموعة برلمانية باسم «إغلاق منشأة اعتقال غوانتانامو» متعددة الأحزاب لأنها تضمّ أعضاء في مجلس العموم من مختلف الأحزاب البريطانية، بما في ذلك حزب المحافظين الحاكم؛ هدفها، الأوحد تقريباً، هو ما يعلنه اسمها بصدد المعتقل الأمريكي الذي قد يكون الأسوأ سمعة في أيّ نظام يزعم الاستناد على منظومات القضاء الحرّ والمستقل.

وقبل أيام عقدت المجموعة اجتماعاً دعت إليه عدداً من المشتغلين بالقانون وحقوق الإنسان، فضلاً عن اثنين من معتقلي غوانتانامو السابقين: معظّم بيك، البريطاني من اصل باكستاني ومؤلف الكتاب الشهير «محاربٌ عدو: اعتقالي في غوانتانامو وباغرام وقندهار» 2006؛ ومحمدو ولد صلاحي، الذي كتب «مذكرات غوانتانامو» وألهم الفيلم الهوليودي «الموريتاني» 2016.

قبلئذ، في في نيسان (أبريل) هذه السنة، كان باتريك هاملتون، رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر في الولايات المتحدة وكندا، قد قام بزيارة إلى معتقل غوانتانامو أصدر بعدها بياناً رسمياً يطالب سلطات المعتقل الأمريكية بسلسلة من الإجراءات التي تحسّن ظروف الاحتجاز في الحدود الدنيا داخل المعتقل.

وكذلك شروط تواصل المعتقلين من أقربائهم في الخارج، خاصة مدد المكالمات الهاتفية بالنظر إلى استمرار منع الزيارات؛ فضلاً عن ضرورة الإسراع في تجاوز الاستعصاء السياسي والإداري بصدد مسؤولية نقل المعتقلين المستحقين وتقرير مصير جميع المعتقلين الآخرين.

وكتب هاملتون، بنبرة لا تغيب عنها روحية التهذيب واللباقة بالطبع: «ندعو الإدارة الأمريكية والكونغرس إلى العمل معاً لإيجاد حلول ملائمة وفعالة لمعالجة هذه المسائل. يتوجب اتخاذ الإجراءات العاجلة وذات الأولوية. وإذا كان وارداً الإبقاء فترة أطول حتى لعدد قليل من السجناء، فإنّ التخطيط لأوضاع كبار السنّ بينهم لا يمكن أن يحتمل الانتظار».

قبل اجتماع لندن وزيارة هاملتون، في آذار (مارس) هذه السنة أيضاً، صدر تقرير مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، حول «تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب»؛ الذي رفعته إلى المجلس فيونوالا ني أولاين، المقررة الخاصة.

وإذْ يذكّر التقرير بتوصيات سابقة تعود إلى سنة 2010، بصدد حالات واضحة لارتكاب جرائم حرب وجرائم بحقّ الإنسانية، فإنه يسجّل المزيد من الإخفاق في تكرار الممارسات ذاتها، وتكريس الإفلات من العقاب، والإمعان في تنويع أشكال التعذيب المنهجي، والحرمان من أبسط الحقوق الأساسية، والتحايل على الحماية القانونية المطلوبة، وتطبيع الاحتجاز الجماعي دون إجراءات قانونية… وكلّ هذه الانتهاكات، وسواها كثير أوسع نطاقاً وتنويعاً، تتمّ تحت ستار مكافحة الإرهاب؛ كما يقول التقرير.

يًذكر هنا أنّ ثلاثة رؤساء أمريكيين، جورج بوش الابن (نفسه مؤسس المعتقل، وسجّانه الأبرز) وباراك أوباما وجو بايدن، تناوبوا على قطع الوعود بإغلاق المعتقل؛ وتذرّع كلّ منهم بهذا المقدار أو ذاك من الأسباب للتملّص من التعهدات، حتى بعد صدور فتوى المحكمة العليا في الولايات المتحدة (بأغلبية 5 إلى 4 فقط، مع ذلك!) حول الحقوق القانونية للمعتقلين بصدد مراجعة المحاكم الفدرالية ونقض قانونية المحاكم العسكرية وإلزام الحكومة الأمريكية بتقديم موجبات التوقيف خارج إطار التذرّع بدواعي الأمن القومي.

ولهذا فإنّ المعتقل يواصل البقاء كوصمة عار صريحة وفاضحة، مستدامة ومفتوحة، هي الأشنع حتى إشعار لا يلوح البتة أنّ نهايته وشيكة، من جهة أولى؛ كما لا يتوفر أساس سياسي، مرتكز إلى قانون مُلزم بالتالي، يتيح للكونغرس والبيت الأبيض (مجلس الأمن القومي، وزارة العدل، والبنتاغون…) حلّ سلسلة الاستعصاءات التي تكتنف مشاريع إغلاق غوانتانامو، من جهة ثانية.

ليست أقلّ مدعاة للعجب حقائق العدد الفعلي الراهن للمعتقلين، وتصانيف أوضاعهم «القانونية» وما يترتب على ما تبقى في المعتقل من تدابير ذات صلة بما عُومل به أقرانهم الذين غادروا في السابق.

زنازين غوانتانامو تحتجز، اليوم، 30 معتقلاً فقط؛ 16 منهم لم تُوجّه إليهم أيّ تهم بتشكيل أخطار أو تهديدات على الأمن القومي الأمريكي، ومع ذلك يتواصل احتجازهم، وقد يتقرر في أيّ وقت ترحيلهم إلى وجهة ما خارج غوانتانامو والولايات المتحدة.

وقد تكون أيّ دولة أخرى بالإضافة إلى الإمارات، كازاخستان، سلوفاكيا، صربيا… 3 سجناء في حال معلّقة عند فراغ قانوني مطلق: لا اتُهموا بتهمة من أيّ نوع، ولا تمّت تبرئتهم من أية جناية.

10 سجناء ينتظرون المحاكمة، ولا أحد يعرف متى وأين ولماذا؛ وسجين واحد حُوكم وأُدين، ولكنه يبقى قيد الاعتقال إلى مدّة غير محددة. ومجموعة لندن البرلمانية، مثل دعاة المنطق البسيط السليم والحدود الدنيا لأصول المقاضاة وسيادة القانون، تطرح السؤال البسيط: حتام يبقى الـ16 موقوفاً قيد الاعتقال، وماذا ينتظرون؟

بعض الإجابة يمكن أن يُردّ إلى حقيقة أنّ المنطق البسيط شيء، ومنطق الإدارات الأمريكية شيء آخر مختلف تماماً؛ وخذوا، في تفكيك قسط من دلالة هذه المعادلة، ما صرّح به سناتور ديمقراطي في سنة 2005: «أظن أننا يتوجب أن ننتهي إلى إغلاق المعتقل، ونقل السجناء.

أولئك الذين لدينا أسباب للإبقاء عليهم، نبقيهم. وأولئك الذين ليسوا في هذه الحال، نطلق سراحهم»؛ ثم انتبهوا إلى أنّ السناتور القائل ذاك لم يكن سوى جو بايدن، الرئيس الحالي للولايات المتحدة! أمّا بعض الإجابات الأخرى فإنها تردّ الأسئلة إلى حيثيات تأسيسية نهضت عليها فكرة إنشاء المعتقل، وانبثقت اصلاً من ركائز كبرى أسست للإمبراطورية الإمبريالية الأمريكية.

بين هذه، على سبيل الأمثلة، أنّ غالبية المعتقلين احتُجزوا أوّلاً في أفغانستان، وبعضهم نُقل إلى المعتقل ضمن «تكنيك» الخطف غير الشرعي الذي مارسته وكالة المخابرات المركزية هنا وهناك في مشارق الأرض ومغاربها؛ وجميعهم تعرّضوا لصنوف مختلفة من التعذيب الجسدي والنفسي (ليس أقلّها قسوة الحرمان من كتابة وتلقي الرسائل…) فضلاً عن الإهانة والتحقير والقهر المتعمد، والتقييد بالسلاسل، وإجبار المعتقل على ارتداء نظارات معتمة.

وبالرجوع إلى بعض وقائع اليوميات التي دوّنها المعتقل البحريني جمعة الدوسري ونشرتها منظمة العفو الدولية، أكد الرجل أنّ القوات الباكستانية كانت قد باعته إلى المخابرات الأمريكية لقاء حفنة دولارات، وأنه خضع للاستجواب 600 مرّة، ووُضع في زنزانة منفردة من دون تهمة، وتعرّض لتهديدات بالقتل.

كما مورست عليه سلسلة ضغوط نفسية أثناء جلسات التحقيق، بينها إجباره على الاستماع إلى موسيقى صاخبة، وتركه موثوقاً لساعات طويلة في غرفة باردة جداً من دون ماء أو طعام، وتعريضه للإذلال بواسطة جندية لا ترتدي سوى ملابس داخلية، ثمّ إجباره على مشاهدة مجلات بورنوغرافية.

والمعتقل، الذي غصّ منذ افتتاحه في 11/1/2002 بما مجموعه 780 معتقلاً من 35 جنسية، شهد وفاة 9 من المعتقلين قضوا مرضاً أو بسبب التعذيب الوحشي أو الانتحار. السجين الواحد يكلّف دافع الضرائب الأمريكي 12 مليون دولار سنوياً، وأمّا منشأة المعتقل ذاتها فإنها تكلّف 540 مليون سنوياً.

وعلى صعيد «سمعة» الولايات المتحدة كدولة قانون ورافعة رايات حقوق الإنسان، فإنّ المعتقل فضيحة مفتوحة لا تعكف على تناولها المنظمات الحقوقية الدولية وحدها، بل سبق أن اعترفت بعواقبها الفاضحة مذكّرة وقّعها 24 من كبار أعضاء الكونغرس الديمقراطيين.

وإذْ أتمت الولايات المتحدة انسحابها من أفغانستان، على النحو المثقل بعلامات الخزي والاندحار والاستفهام، فإنها تظلّ غير راغبة في، لأنها في الواقع ليست عاجزة، عن إغلاق المعتقل سيئ الصيت؛ بعد انقضاء أكثر من 21 سنة على إنشائه.

*صبحي حديدي كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

المصدر | القدس العربي

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: أمريكا معتقل غوانتانامو الولایات المتحدة

إقرأ أيضاً:

دليل أمريكا لإدارة الخلافات مع الأصدقاء والحلفاء

ترجمة - نهى مصطفى -

بعد هجوم 7 أكتوبر 2023، اتفق الرئيس الأمريكي جو بايدن مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على أن إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها. ولكن في الأشهر التي تلت ذلك، تصاعدت الخلافات حول كيفية ممارسة هذا الحق، حيث رفضت إدارة بايدن الحملة العسكرية العشوائية التي شنتها إسرائيل في غزة، وقيودها على تدفق المساعدات الإنسانية، وفشلها في وقف بناء المستوطنات اليهودية الجديدة وهجمات المستوطنين على الفلسطينيين في الضفة الغربية، وإعطاء الأولوية للحرب على حماس على المفاوضات لإطلاق سراح الرهائن. وفوق كل شيء، شعرت الإدارة بالإحباط من فشل إسرائيل التام في طرح استراتيجية قابلة للتطبيق لحكم غزة بمجرد تدهور وضع حماس، بسبب رفض إسرائيل تقديم أي خطة لمعالجة الرغبة الفلسطينية في الحكم الذاتي.

تتلقى إسرائيل 3.8 مليار دولار سنويًا في شكل مساعدات عسكرية أمريكية، من الولايات المتحدة الداعم الرئيسي لإسرائيل لعقود من الزمان. ومع ذلك، كانت الولايات المتحدة مترددة في مواجهة إسرائيل علنًا بشأن غزة. فرضت الإدارة الأمريكية عقوبات على عدد قليل من المستوطنين المتطرفين، وأسقطت الطعام جوًا على غزة، وبنت رصيفًا عائمًا على ساحل غزة لتسهيل شحنات المساعدات، وخالفت التفضيلات الإسرائيلية في قرارين رمزيين إلى حد كبير لمجلس الأمن.

في مايو، بعد سبعة أشهر من الحرب، أوقفت الإدارة تسليم بعض القنابل الكبيرة المصنوعة في الولايات المتحدة لتجنب المزيد من الضحايا المدنيين. في الشهر نفسه، هددت بإيقاف شحن الأنظمة العسكرية الأخرى إذا شنت إسرائيل هجومًا واسع النطاق على مدينة رفح، آخر معقل لحماس، ولم تنفذ تهديدها لأنها اعتبرته هجومًا غير شامل. ومنذ السابع من أكتوبر فشلت الإدارة الأمريكية في إقناع إسرائيل بتبني المسار الذي تريده واشنطن.

التوترات مع إسرائيل على مدى العام الماضي ليست سوى مثال واحد على مأزق مستمر في السياسة الخارجية الأمريكية: كيفية إدارة الخلافات مع الأصدقاء والحلفاء. والسؤال هو كيف نتعامل بأفضل طريقة مع شريك يعتمد على واشنطن ولكنه يقاوم نصائحها في بعض الأحيان.

هذه المشكلة تطارد الولايات المتحدة منذ فترة طويلة قبل إدارة بايدن. وهي متأصلة في التحالفات، لأن حتى أقرب الأصدقاء ليس لديهم مصالح متطابقة. على مدى عقود عديدة، طورت الولايات المتحدة دليلًا شاملًا للتعامل مع النزاعات مع الخصوم، بتكتيكات تشمل كل شيء من اتفاقيات الحد من الأسلحة والقمم الدبلوماسية إلى العقوبات الاقتصادية وتغيير النظام والحرب. ولكن عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع النزاعات مع الأصدقاء، فإن تفكير واشنطن يصبح قاصرًا.

النبأ السار هنا هو أن التاريخ يشير إلى أن بعض تكتيكات إدارة النزاعات مع الأصدقاء والحلفاء تعمل بطريقة أفضل من غيرها. ويتعين على واشنطن أن تستفيد من خبرتها الواسعة، سواء كانت جيدة أو سيئة، لمساعدتها على التفكير بشكل منهجي في مثل هذه الخلافات حتى تتمكن من منع ظهورها أو التعامل معها بطريقة أفضل عندما تحدث. يتعين على الولايات المتحدة أن تكون مستعدة للعمل بشكل أكثر استقلالية، وانتقاد سياسات أصدقائها بشكل علني إذا اعتبرتها غير حكيمة، والترويج لسياسات بديلة خاصة بها. وإذا فعلت واشنطن ذلك، فسوف تكون لديها فرصة أفضل لتحقيق ما قد يبدو مستحيلًا: تجنب حدوث تمزق في علاقاتها القيمة مع الحفاظ على مصالحها.

يتوقع المرء أن القوة الساحقة للولايات المتحدة تضمن الامتثال بين الحلفاء، وهو ما يحدث كثيرًا. ولكن في كثير من الأحيان، يقاوم الحلفاء أو يتجاهلون نصائح الولايات المتحدة ويستعدون للعواقب. وفي أحيان أخرى، يحاولون التحايل على الإدارة، وتعبئة الجهات الفاعلة المحلية المتعاطفة - الكونجرس، ووسائل الإعلام، والمانحين - للضغط على البيت الأبيض لتغيير المسار، وهذه الاستراتيجية التي تبنتها إسرائيل.

ولكن لماذا يجرؤ الحلفاء على تحدي واشنطن؟ لأن خسارتهم عادة أكبر وأهم مما هو على المحك بالنسبة للولايات المتحدة، وهو التفاوت الذي يمنحهم النفوذ على الرغم من اعتمادهم على الولايات المتحدة. وفي كثير من الحالات، يشكل محور الخلاف قدرًا كبيرًا من المصالح الأمنية أو الاقتصادية للحليف، في حين يكون محور الخلاف بالنسبة للولايات المتحدة مجرد أولوية من بين عدة أولويات، وبالتالي فاحتمالات لجوء واشنطن إلى تصعيد النزاع أقل من احتمالات لجوء الحليف إلى التصعيد.

ونتيجة لهذا، فإن الخلاف هو القاعدة وليس الاستثناء عندما يتعلق الأمر بعلاقات الولايات المتحدة مع الأصدقاء والحلفاء. خلال الحرب العالمية الثانية، اشتبكت الولايات المتحدة مع المملكة المتحدة والاتحاد السوفييتي حول أفضل السبل لإدارة الحرب. كما تشاجرت فرنسا وإسرائيل والمملكة المتحدة حول غزوهم لمصر خلال أزمة السويس عام 1956؛ ومع فرنسا حول هيكل قيادة حلف شمال الأطلسي في الخمسينيات والستينيات. لأكثر من 50 عاما، كانت واشنطن على خلاف مع حلفائها في حلف شمال الأطلسي في أوروبا حول الإنفاق الدفاعي. وخلال الفترة التي سبقت الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، لم تتمكن من حشد معظم حلفائها لدعم هذا الإجراء.

ولعل باكستان تشكل نموذجًا للصديق الصعب. فعلى مدى العقود السبعة التي تلت تأسيسها في عام 1947، كانت باكستان من أكبر المتلقين للمساعدات الاقتصادية والعسكرية الأمريكية. وخلال الحرب الباردة، ساعدت باكستان الولايات المتحدة في احتواء الاتحاد السوفييتي ويسرت انفتاحها الدبلوماسي على الصين. وبعد الغزو السوفييتي لأفغانستان في عام 1979، برزت باكستان باعتبارها الشريك الرئيسي للولايات المتحدة في إمداد القوات المعادية للسوفييت هناك بالأسلحة. ولكن العلاقة بينهما كانت تتسم غالبًا بالخلافات المريرة بشأن البرنامج النووي الباكستاني، وسجلها السيئ في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية، ودعمها لحركة طالبان والإرهاب، بما في ذلك إيوائها لأسامة بن لادن. ونتيجة لهذا، نظرت باكستان إلى الولايات المتحدة باعتبارها صديقًا غير جدير بالثقة، وكانت الولايات المتحدة تنظر إلى باكستان باعتبارها مشكلة أكثر من شريك.

تقدم تركيا مثالًا آخر للعلاقة بين الحلفاء والتي أحبطت الجانبين بشدة. كانت تركيا بمثابة مرساة لحلف شمال الأطلسي أثناء الحرب الباردة، وعضوًا حاسمًا في التحالف الذي ساد ضد العراق أثناء حرب الخليج، ودولة تم التباهي بها ذات يوم باعتبارها دليلًا على أن الدول ذات الأغلبية المسلمة يمكن أن تكون مؤيدة للغرب، وديمقراطية، ومتقبلة لإسرائيل. ولكن واشنطن وأنقرة اختلفتا أيضًا بشأن الوجود العسكري التركي في قبرص، والتزامها غير الكافي بالديمقراطية وحقوق الإنسان، وفي السنوات الأخيرة، سياستها الخارجية المؤيدة لروسيا، والتمييز ضد الأكراد، والنزاعات مع إسرائيل.

عندما ننظر إلى هذا التاريخ الطويل من النزاعات بين الولايات المتحدة وأصدقائها وحلفائها، تبرز لنا ستة تكتيكات مختلفة نسبيا لإدارة هذه النزاعات. لكن لا يوجد نهج ينجح في كل المواقف، ولكن بعض التكتيكات تعمل بشكل أفضل من غيرها.

الإقناع هو الأداة الأساسية لإدارة التحالفات. ومن الأمثلة الجيدة على هذا التكتيك الجهود التي بذلتها الولايات المتحدة على مدى عقود من الزمان لثني تايوان عن إعلان الاستقلال رسميًا. ومن المؤكد أن مثل هذا الإعلان من شأنه أن يؤدي إلى تحرك عسكري صيني، وربما حصار أو غزو للجزيرة، مما يضطر الولايات المتحدة إلى اتخاذ قرار بشأن ما إذا كانت ستدافع عن تايوان أم لا. وأي رد فعل من جانب الولايات المتحدة، سواء كان عملًا أو تقاعسًا، سيكون مكلفًا. فقد أشارت الإدارات الأمريكية المتعاقبة إلى تايوان إلى مقدار ما كسبته على الرغم من افتقارها إلى الاعتراف الدولي - فالجزيرة الآن ديمقراطية نابضة بالحياة تتمتع باقتصاد مزدهر يتمتع بأكثر من نصف قرن من السلام - وإلى مقدار ما قد تخسره إذا سعت إلى الاستقلال. وربما كان الأمر الأكثر أهمية هو أن تايوان أصبحت تدرك أن الولايات المتحدة سوف تكون أقل ميلًا إلى التدخل نيابة عنها إذا ما استفزت الصين.

عندما يفشل الإقناع وحده، تستطيع الولايات المتحدة أن تلجأ إلى الحوافز، وهي أداة أخرى من أدوات إدارة التحالف، وبالإضافة إلى استرضاء الحلفاء، يمكن استخدام الحوافز لتشجيع السلوكيات التي قد لا تتحقق لولا ذلك. فقد قدمت الولايات المتحدة مساعدات اقتصادية وعسكرية لمصر لتعزيز الحكومة حتى تتمكن من الحفاظ على السلام مع إسرائيل. كما قدمت المساعدة لباكستان لتعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب، والحفاظ على التعاون في أفغانستان، والحفاظ على بعض النفوذ على الأقل على السياسة الداخلية والخارجية لإسلام أباد.

العقوبات هي عكس الحوافز. وعادة ما يُنظر إلى هذه التدابير على أنها أسلحة تُستخدَم ضد الخصوم، ولكنها استُخدِمَت أيضًا ضد الأصدقاء. فرضت عقوبات على تركيا في أعقاب تدخلها في قبرص واحتلالها لها عام 1974؛ وضد باكستان في عام 1990 بسبب برنامجها للأسلحة النووية؛ وضد إسرائيل في عام 1981 بسبب قصفها لمفاعل أوزيراك النووي العراقي وفي عام 1991 بسبب توطينها لليهود السوفييت في الأراضي المحتلة؛ لكن إذا كان الهدف من العقوبات هو تعديل السلوك، فإن نتائج هذه العقوبات لم تكن مشجعة عمومَا. ولم ينجح التهديد بالعقوبات ولا واقع العقوبات في وقف البرنامج النووي الباكستاني، ويمكن أن نقول الشيء نفسه عن العقوبات التي كانت تهدف إلى إنهاء احتلال تركيا لقبرص.

النهج الأكثر قسوة في التعامل مع الخلاف مع صديق هو السعي إلى الإطاحة بالحكومة المخالفة. وكان هذا هو النهج الذي اتبعته إدارة كينيدي مع حليفها الفيتنامي الجنوبي الرئيس نجو دينه دييم. بذلت الإدارة الكثير لتعزيز آفاق دييم السياسية، ولكنها سرعان ما أصيبت بخيبة الأمل إزاء قيادته غير الفعّالة، واعتبرته عبئًا في الصراع ضد فيتنام الشمالية. وبلغت الأمور ذروتها في صيف عام 1963، عندما أوضح المسؤولون الأمريكيون في سايجون أنهم ورؤساءهم في واشنطن سوف ينظرون بعين الرضا إلى الانقلاب الذي يقوده كبار الضباط العسكريين. وبحلول نوفمبر، خرج دييم من السلطة وقتله الجنود الذين أطاحوا به. ومع ذلك فإن قرار إدارة كينيدي لم يحقق النتيجة المطلوبة: فقد أثبت خلفاء دييم عجزهم بالقدر نفسه عن كسب تأييد الشعب الفيتنامي وهزيمة الشمال.

هناك خيار آخر للتعامل مع حليف مزعج وهو أكثر سلبية، وهو تجاهل الأمر. فبدلًا من إثارة قضية بسبب خلاف مع صديق، تستطيع واشنطن أن تتجاهل هذا التجاوز، وتدرك أن محاولات تغيير سلوك الشريك ستكون مكلفة للغاية أو محكوم عليها بالفشل.

ومرة أخرى، تقدم إسرائيل مثالًا جيدًا لهذا النهج في العمل. ففي الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، قررت إسرائيل أنها في حاجة إلى ترسانة نووية خاصة بها لمواجهة المزايا العسكرية التقليدية الهائلة التي يتمتع بها أعداؤها العرب، الذين رفضوا قبول وجودها. وعارضت الولايات المتحدة بشدة البرنامج النووي الإسرائيلي، الذي انتهك التزامها بمنع الانتشار النووي. ولكن مع مرور الوقت، قررت واشنطن عدم إضفاء الاهتمام بهذا الخلاف، وخلصت إلى أن إسرائيل ربما لا يمكن إقناعها أبدًا بالتخلي عن سعيها إلى الحصول على القنبلة. وكانت الولايات المتحدة لديها أولويات أخرى أكثر أهمية في الحرب الباردة في الشرق الأوسط تتطلب التعاون مع إسرائيل، وكانت لديها أدوات أخرى (بما في ذلك المساعدات العسكرية والضمانات النووية) من شأنها أن تمنع أصدقاء آخرين في المنطقة من الحصول على أسلحة نووية. وأصبح تجاهل الأمر أسهل بسبب قرار إسرائيل بعدم الاعتراف رسميًا بترسانتها وتجنب الاختبارات الواضحة.

إذا فشلت كل الأساليب الأخرى أو اعتُبِرت مكلفة للغاية، فإن هناك خيارًا قويًا متبقيًا للتعامل مع الخلاف مع حليف: العمل المستقل. فبدلًا من محاولة حمل دولة أخرى على تغيير سلوكها، تستطيع الولايات المتحدة أن تعمل حول تلك الدولة، وتروج للمصالح الأمريكية على النحو الذي تراه مناسبًا.

في أعقاب إحباطها من الحملة العسكرية في غزة، استخدمت إدارة بايدن هذا التكتيك ضد إسرائيل. ففي فبراير 2024، وبعد استخدام حق النقض ضد ثلاثة قرارات لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة اعتبرتها غير عادلة لإسرائيل، قدمت الولايات المتحدة، رغم الاحتجاجات الإسرائيلية، اقتراحًا خاصًا بها يدعو إلى وقف إطلاق النار المؤقت. وفي غزة، خلال ذلك الوقت، تصرفت إدارة بايدن أيضًا من جانب واحد، فأسقطت الطعام من الجو وبنت رصيفًا عائمًا على ساحل البحر الأبيض المتوسط للالتفاف على القيود الإسرائيلية المفروضة على تدفق المساعدات الإنسانية. وفي مايو، أوقفت توريد القنابل التي تزن 500 و2000 رطل والتي يمكن أن تسبب خسائر بشرية واسعة النطاق بين المدنيين.

ولعل المثال الأكثر درامية على العمل المستقل كان الغارة العسكرية الأمريكية في مايو 2011 التي قتلت ابن لادن، الذي كان يختبئ في مجمع قريب من الأكاديمية العسكرية الباكستانية. وعلى افتراض أن بعض كبار المسؤولين الباكستانيين على الأقل كانوا على علم بوجوده هناك وتعاطفوا معه، قررت إدارة أوباما عدم تحذير باكستان من الغارة. وبدلًا من ذلك، حلقت القوات الأمريكية جوًا دون إذن، منتهكة بذلك الأراضي السيادية لصديق في مهمة أثبتت نجاحها. وخلص المسؤولون الأمريكيون بحق إلى أن المخاطر كانت عالية للغاية بحيث لا يمكن تعريض العملية للخطر بإخطار الحكومة الباكستانية، وأن العلاقات الأمريكية الباكستانية كانت بالفعل متوترة إلى الحد الذي يجعل تأثير هذه الجريمة ضئيلًا على الأرجح.

الكثير من السياسة الأمريكية تجاه الحلفاء مبني على افتراض مفاده أن الاتفاق هو القاعدة والاختلاف هو الاستثناء. ويعتقد صناع السياسات ضمنيًا أن إيجاد أرضية مشتركة ممكنًا في كل الأحوال تقريبًا، نظرًا لمدى اعتماد حلفاء الولايات المتحدة عليها ومدى سهولة استغلال واشنطن لمواردها الضخمة لمعاقبتهم أو دعمهم. ولكن هذه الثقة في غير محلها لأن الخلافات مع الأصدقاء تشكل سمة منتظمة للسياسة الخارجية الأمريكية، وهي سمة لا يمكن التخلص منها بالتمني.

الحوافز تجعل الإقناع أكثر فعالية بطبيعة الحال، ويبدو أن هذه الأداة مع تايوان، يمكن أن تعد بشكل أكثر صراحة بالإنقاذ في حالة الغزو الصيني (وهي السياسة المعروفة أحيانًا باسم «الوضوح الاستراتيجي»)، مع توضيح أن تايبيه بحاجة إلى ممارسة ضبط النفس عبر المضيق والاستثمار أكثر في دفاعها. ومع إسرائيل، يمكن أن توافق على دعم خطة الاستقرار في غزة أو تعويض تكاليف أي اتفاق سلام مع الفلسطينيين، وتقديم مساعدات عسكرية إضافية لمواجهة أي تهديدات متزايدة ناجمة عن فقدان الأراضي والمساعدة الاقتصادية لتعويض أولئك الذين سيُطلب منهم إخلاء المستوطنات.

سجل العقوبات لا يبعث على الثقة؛ فعندما تستخدم ضد الأصدقاء، فإنها تكون أكثر فعالية في الإشارة إلى استياء الولايات المتحدة من تغيير السلوك. وكقاعدة عامة، قبل فرض عقوبة على صديق، يجب على واشنطن أن تفكر فيما إذا كانت تريد الإبقاء على العقوبة، نظرًا لأن مصالح أخرى ستتدخل حتمًا. وإذا قررت الذهاب في هذا الطريق، فيجب أن تكون العقوبات محددة بدقة.

الإقناع والحوافز والعقوبات والتجاهل تشترك في شيء واحد: فيجب أن تأتي المبادرة من الصديق أو الحليف، وهو ما يفسر فشلها. الخيار الوحيد الذي يمنح الولايات المتحدة السيطرة على العالم هو العمل المستقل، فالعمل مع حليف ما قد يكون جذابًا عندما تفشل الخيارات الأخرى أو تستبعد، ولا تزال على الولايات الأمريكية القيام بشيء ما لمراعاة مصالحها.

ريتشارد هاس الرئيس الفخري لمجلس العلاقات الخارجية، والمستشار الأول في شركة سنترفيو بارتنرز، ومؤلف كتاب «وثيقة الالتزامات: العادات العشر للمواطنين الصالحين».

نُشر هذا المقال في مجلة الشؤون الخارجية وعلى موقع Foreign Affairs.com.

مقالات مشابهة

  • مباحثات بين وزيري دفاع أمريكا و”إسرائيل” بشأن الصاروخ اليمني الذي استهدف “تل أبيب”
  • كيف انتهى المطاف بعملاق التجسس الأمريكي تائهاً في اليمن وما الذي يبحث عنه؟
  • أمريكا تعلن سحب كامل قواتها من النيجر
  • السفير الأمريكي في إسرائيل: لا نعرف ما الذي ترغب حماس في قبوله
  • انخفاض عوائد سندات الخزانة الأمريكية وسط ترقب قرار الفيدرالي الأمريكي
  • في أمريكا..فندق يقدم كبسولات حب الذات للعزّاب
  • ماذا تريد أمريكا؟
  • دليل أمريكا لإدارة الخلافات مع الأصدقاء والحلفاء
  • الخارجية الأمريكية: احتجاز أحد أفراد الجيش الأمريكي في فنزويلا
  • بيانات التضخم الأمريكي.. تداعياتها وتأثيرها على الأسواق المالية الأمريكية