حسين نوح يفتح قلبه لـ«البوابة» فى ذكرى رحيل شقيقه الموسيقار الكبير محمد: «كان فنانًا مُثقفًا تعلمت منه الكتابة.. وله الفضل في تكوين شخصيتي»
تاريخ النشر: 6th, August 2023 GMT
- لم تظهر سوى 10% فقط من قدراته.. والدكتور عبد الرحيم علي وطارق حجي ومصطفى الفقي يعلمون ذلك
- سافر إلى أمريكا فى سن الخمسين ليتعلم فنون الموسيقى.. وعاد ليُقدم أول أوبرا غنائية شعبية فى مصر
- كتبت عنه كتاب «صرخة نوح».. وصممت الغلاف نصف وجهه أبيض والآخر أسود
- كان مهمومًا بحب مصر.. وعلمني قيمة التاريخ الفرعوني
أكد الفنان التشكيلي والكاتب والمنتج حسين نوح، أن شقيقه الموسيقار الكبير محمد نوح كان بمثابة الأب الشقيق الأكبر وأنه له الفضل الكبير في أن يخوض تجربة الكتابة، وأن يكون له اسم كبير في عالم الفن التشكيلي والإنتاج والكتابة، مُشيرًا إلى أنه سوف يستمر في إبراز دور شقيقه التنويري حتى آخر لحظة من عمره.
وأضاف حسين نوح، أن شقيقه كان يعشق مصر وأنه تعلم منه قيمة هذا البلد وقيمة التاريخ الفرعوني، وكان دائما يقول له من تعلم حب حبيبته يتعلم حب بلده، مؤكدا أنه كان فنانا بدرجة مثقف، وجالس كبار المثقفين والشخصيات المهمة، حيث كان مهمومًا بحب مصر، وكان يعشق القراءة والتعلم، حتى أنه في سن الخمسين سافر إلى أمريكا ليدرس فنون وعلوم الموسيقى الحقيقية وعاد بعدها إلى مصر ليقدم أول أوبرا غنائية شعبية في مصر.
وعن الإنسان محمد نوح، قال شقيقه، إن والدهما رحل و«نوح» كان عمره 22 عامًا، فتحمل المسئولية منذ صغره، وتولى أمر كل أشقائه، حتى أن الجميع تعلم منه، وإلى نص الحوار..
* في البداية ماذا يمثل لك محمد نوح؟
- هو أبي وشقيقي وأدين له بمشواري كله، فعن طريقه أحببت بلدي مصر، وبفضله أنشأت فرقة النهار، وأصدرت ستوديو النهار، وهو من شجعني على الكتابة فقد نشأت وسط الصالون الخاص به، وحينما وجد بي موهبة الحكي أبلغني بضرورة الكتابة، فجاءت أول رواية لي بعنوان «تعاريج» وأصدرت عن دار الشروق وحققت مبيعات ضخمة، وسرت في درب الكتابة وأصبحت عضوًا في اتحاد الكتاب، وكتبت حوالي 5 كتب، وأيضًا كتاب عن محمد نوح بعنوان «صرخة نوح»، كما أكتب مقالات في العديد من الإصدارات الصحفية.
* وماذا عن أبرز اللقطات التي قمت برصدها في كتابك «صرخة نوح» عن الراحل محمد نوح؟
- أنا فنان تشكيلي وموسيقى ومنتج ومهندس ديكور وأيضًا كاتب، وحينما شرعت في كتابة «صرخة نوح»، قمت بتصميم لوحة الغلاف بنفسي، عبارة عن وجه نوح نصفه أبيض والنص الآخر أسود، ليرمز إلى المعاناة والخير في وقت واحد، ودعني أفصح لك عن شيء مهم، وهو أن ما ظهر من مواهب وإبداع وقدرات محمد نوح للناس ليس أكثر من 10%، ويعلم كلامي هذا العديد من الشخصيات والقامات الثقافية المهمة، وعلى رأسهم الدكتور عبدالرحيم علي، والدكتور طارق حجي، والدكتور مصطفى الفقي، وفي فصول الكتاب قدمت مشوار محمد نوح ومسيرته وحبه الكبير لمصر ودوره الوطني وتفرده في عالم الموسيقى، ودوره التنويري والثقافي.
وليس هذا فقط من خلال كتابه، ولكنني أفعل هذا من خلال الصالون الثقافي الذي أنظمه بحضور كبار مثقفي مصر، حيث أسعى دائمًا لتحقيق حلم «نوح» بأن يستمر التنوير دائمًا.
* وكيف ترى مدى تأثيره عليك بصفة خاصة؟
- «نوح» كان فنانًا مُثقفًا وقارئًا بشكل لم أر مثله في حياتي، وهذا ما جعل الكثيرون يطلقون عليه لقب المثقف والمستنير، ويعود إليه الفضل الكبير في أن أعشق القراءة وأحب الثقافة، فقد كنا حينما نعود من عملنا كموسيقيين كان يمر على المكتبات والأماكن التي تبيع الكتب ويختار الكتب التي يقرأها كل ليلة، وعشرتي معه جعلتني أهتم بهذا الأمر كثيرًا.
وأذكر أنه كان يجلس في كافتيريا بسوق الحميدية بباب اللوق، ويجلس معنا أمل دنقل ويوسف إدريس وزكي نجيب محمود وعبدالرحمن الأبنودي وسيد حجاب مدكور ثابت وكبار مثقفي مصر، وكان عمري وقتها 18 عاما، ومن هنا تشكلت أفكاري وتكون عقلي.
* هناك بعض الأشياء التي يعرفها الناس عن محمد نوح.. نود أن نلقي الضوء عنها؟
- دعني في البداية أصف لك طبيعة محمد نوح، فهو كان من ضمن الفنانين الذين يتصفون بالخجل، ولا يحب أن يتحدث عن نفسه كثيرًا، فلم يقل على نفسه أنه درس علوم الموسيقى الحقيقية، أو أنه كان يقوم بتدريسها في الأكاديمية.
وهنا لابد أن أذكر لك شيئًا مهما أنه لم يقل على نفسه أبدًا أن أعماله الموسيقية كلها من ألحانه، أو أنه كان يهتم طوال الوقت بأن يستكمل مشوار سيد درويش وأنه كتب ولحن الأوبرا الشعبية الوحيدة في مصر، وهي «ليلى يا ليلى» التي أخرجها جلال الشرقاوي وكتب أشعارها صلاح جاهين وجسد بطولتها كل من نيللي وإيمان البحر درويش وحسن كامي، وتم عرضها على مسرح جلال الشرقاوي.
وأود أن أضيف أن ثقافة محمد نوح جعلته يهتم بفكرة الموسيقى بشكل عام بمعنى الموسيقى بفكرها وخصوصيتها وليس مجرد تلحين الكلمات، حتى أنه كان في الخمسين من عمره وسافر إلى أمريكا ودرس في جامعة ستانفورد فنون الكتابة وفنون علوم الموسيقى ثم عاد بكتبها ليكتب أول أوبرا غنائية شعبية في مصر، هذا العمل تم عرضه في عام 1986 وساهم في إعادة الجمهور الحقيقي للمسرح.
وأذكر أن هذا العرض حضره عدد كبير من كبار الشخصيات منهم السيدة جيهان السادات والدكتور علي لطفي، رئيس وزراء مصر الأسبق، وفؤاد سراج الدين ووجيه أباظة وغيرهم، ودعني أقول لك أن «نوح» لو قدم هذا العمل فقط في مشواره فهذا يكفي جدًا.
* كيف تصف حب نوح لمصر؟
- محمد نوح كان مهمومًا بمصر، فكل أغانيه تجدها في عشق مصر، ودائمًا كان يقول «أنا أغني لمصر على أنها الحبيبة، واللي يعرف يحب حبيبته يعرف يحب أمه يعرف يحب بلده».
* وماذا عن محمد نوح الشقيق الأكبر ودوره الإنساني في حياتكم؟
- لو تحدثت عن الجانب العائلي في حياة محمد نوح لا بُد أن أوجه كلمة للشباب وهي أن يتعلموا مما فعله، فهناك من لا يعرف أن والدنا توفي وكان محمد نوح عمره 22 عامًا، حيث كان طالبًا في كلية التجارة، وكنا 6 أفراد، ثلاثة على أبواب الجامعة وثلاث بنات، ووقتها تولى محمد نوح أمرنا، وتحمل المسئولية كاملة، وعن نفسي لو كان لي اسم في عالم الفن التشكيلي في الوطن العربي أو في عالم الكتابة فالفضل له.
كما أن «نوح» جعلني أعرف قيمة مصر وقيمة التاريخ الفرعوني واحتكاكي بكل المثقفين السبب فيه «نوح»، حيث أقيم صالون الثقافي بحضور كبار المثقفين، منهم السفير محمد العرابي، ووزير البترول السابق أسامة كمال، ورئيس التليفزيون الأسبق أسامة الشيخ، والمخرجون محمد فاضل ومجدي أبوعميرة ومحمد حسن الألفي وغيرهم.
* وكيف ترى استمرارية الدور التنويري لمحمد نوح بعد رحيله؟
- محمد نوح هو الذي قال شيلي طرحة الحزن السودة وقال مدد شدي حيلك يا بلد، هذه الكلمات مهمة جدا لأننا أصبحنا في زمن حينما نستمع لكلمات أقل بكثير في مضمونها ومعناها ونحن الذين تربينا على الأطلال وشمس الأصيل وأنا المصري كريم العنصرين بلادي بلاي، فلابد أن يكون هذا مورثونا الفني والثقافي، وهذا ما نسعى إليه في أن تظل كلمات نوح ودوره التنويري مستمر، وسوف أجعل باقي عمري لإبراز دوره التنويري.
* وكيف ترى مشوار نوح مع التمثيل؟
- بالطبع أراه مميزا للغاية، وعلى الرغم من أنه قدم حوالي 300 عمل فني منهم زقاق السيد البلطي لتوفيق صالح، الدخيل مع محمود المليجي والزوجة الثانية مع سعاد حسني وصلاح منصور، ولكن لم يعرض منها سوى عدة أعمال قليلة، وكان أداؤه التمثيلي مميزًا للغاية، وحلته بصفة عامة رائعة وثرية.
* وماذا عن الموسيقي التصويرية التي وضعها للعديد من الأعمال الفنية؟
- قام نوح بوضع الموسيقى التصويرية لعشرات الأعمال الفنية، منها المهاجر مع يوسف شاهين ومرسيدس مع يسري نصر الله وقلب جريء مع محمد النجار، كما قدم رحلة العائلة المقدسة وكان يؤمن بالمواطنة ودورها الكبير في تنوير الشباب المصري.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: محمد نوح أنه کان فی عالم فی مصر
إقرأ أيضاً:
المفكر الكبير نصار عبد الله لـ«البوابة نيوز»: تطور الأمم مرهون بتقدمها في مجالات الدراسات الإنسانية والاجتماعية وليست التكنولوجية فقط.. والموقف المصري من قضية غزة شجاع وبطولي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
موضوعات عدة، ما بين الظروف السياسية والشئون الخارجية وما يحيط بمنطقة الشرق الأوسط، وشبح الحروب المخيمة على المنطقة، وأثر دخولنا لمرحلة الذكاء الاصطناعي الفائق، والعقبات والمشاكل التى تعرقل تطلعات وطموحات العقل العربى الفعال، تحدث الدكتور نصار عبدالله، أستاذ الفلسفة السياسية إلى جريدة «البوابة نيوز»، محللًا الكثير من القضايا برؤية فلسفية متأنية.. وكان لا بد أن يتناول فى حديثه أبعاد الذكريات الرمضانية التى ترتبط بأيام الشهر الفضيل.
يُعد د. نصار عبدالله، نموذجًا فريدًا للمفكر الذي يجمع بين عمق التحليل الفلسفي وجمالية التعبير الأدبي. وتجلى هذا فى مسيرته الأكاديمية والشعرية، تناول فى مؤلفاته الفلسفية قضايا جوهرية تتقاطع مع الفلسفة السياسية، مثل: مسألة الحرب العادلة، وطبيعة العدل الاجتماعي، والعلاقة الجدلية بين القانون الوضعى والأخلاقي، بالإضافة إلى استكشاف العلاقة المعقدة بين الفلسفة والأدب، من خلال هذه القضايا، كما حاول تفكيك المفاهيم التقليدية وإعادة بنائها فى ضوء رؤية فلسفية متكاملة. وفى الموازاة عبَّر عن رؤاه وتأملاته من خلال دواوين شعرية مثل "قلبى طفل ضال"، و"أحزان الأزمنة الأولى"، و"سألت وجهه الجميل"، و"ما زلت أقول"، وغيرها، ما يعكس قدرته على تجسيد الأفكار الفلسفية فى قالب أدبى مؤثر.
ولد "عبدالله" فى البداري بأسيوط، وشهدت مسيرته الأكاديمية مزيجًا فريدًا بين العلوم السياسية والفلسفية والقانونية. تخرج فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية عام ١٩٦٦، فى فترة تاريخية اتسمت بتحولات سياسية وفكرية عميقة، وصراعات تحيط بمصر من دول استعمارية كبرى، فى هذا السياق التاريخي، اتخذ "عبدالله" قرارًا جوهريًا بالتوجه نحو دراسة الفلسفة فى كلية الآداب، حيث تخرج فيها عام ١٩٧١. ومن ثمَّ وسع آفاقه المعرفية بدراسة الحقوق، قبل أن يعود إلى رحاب الفلسفة ليكمل دراسته العليا ويحصل على درجتى الماجستير والدكتوراه، ويستقر أستاذًا للفلسفة السياسية فى كلية الآداب جامعة سوهاج، تعكس هذه المسيرة الأكاديمية المتميزة رؤية فلسفية متكاملة، خاصة وأنه سعى إلى فهم العلاقة الجدلية بين التاريخ والفكر، وبين النظرية والتطبيق. فهو لم يكتفِ بدراسة العلوم السياسية فى سياقها التاريخي، كما حاول تعميق فهمه للواقع السياسى من خلال العدسات الفلسفية والقانونية.
نصار عبدالله: للصيام حكمة تتمثل فى تحمل الإنسان الشدة والضيق بإرادته قبل أن تُفرض عليهالذكريات الرمضانيةحدثنا د. نصار حول بعض الذكريات الرمضانية، وخاصة بعض سلوكيات الأهالي قديمًا فى رمضان، أو سلوكيات الأطفال فى الشهر الكريم.. قائلًا: فى طفولتي كان الإفطار والسحور جماعيًا، العائلة الكبيرة تجتمع فى المندرة، وتخرج صوانى للمندرة من البيت وتحتشد حولها الجموع والمفطرين، وليس أصحاب الصينية فقط، وإنما دعوة عامة لكل عابر سبيل يتصادف وجوده، وهو منظر بهيج افتقدناه، منظر الصوانى وهى تخرج من البيت فى المغربية منظر بهيج وجميل.
ومن ذكريات الطفولة أيضًا: لحظة انتظار آذان المغرب ونحن أطفال، لم يكن هناك صوت مدفع، وننتظر صوت المؤذن، وساعتها تنطلق الأغانى الطفولية "افطر يا صايم على الكشك العايم".
وأضاف أن للصوم حكمة يجب أن يشعر بها الإنسان، وهى فى رأيه "أن الحياة لا تقدم لك ما تريده وعليك أن تمتنع عما هو متاح لك حتى تتعرض لظرف به من الضيق والشدة رغمًا عنك، وعليك أن تعيش الضيق والشدة بقرار منك قبل أن تأتى لحظة ويُفرض عليك هذا الضيق وهذه الشدة".
نصار عبدالله: الحروب تقدم عقلى وتكنولوجى أكثر منه حروب عتاد وأفرادحروب عصر الذكاء الاصطناعى الفائقتناول الحديث مع الدكتور نصار عبدالله التحديات الجديدة التى فرضها عصر التقنية وعصر الذكاء الاصطناعى الفائق، وبدوره رأى أنه "من الممكن أن نطلق عليها حروب من الجيل الخامس أو السادس، بمعنى أنها حروب جيل ما بعد الأجيال التقليدية للحروب، فهى تعتمد بشكل أساسى ورئيسى على التكنولوجيا المتقدمة جدا".
وبحسب "عبدالله" فإن النظرة للجيوش والأسلحة التقليدية سوف تتغير بالضرورة، و"لن يكون للأفراد نفس الدور الذى كان لهم فيما مضى، لأن دور الأعداد يتقلص لحساب مستوى التقدم العقلي، فالحروب تقدم عقلى وتكنولوجى أكثر منه حروب عتاد وأفراد، فأى كان عدد الأفراد من الممكن أن يطيح بهم سلاح يحركه فرد واحد، بدون مجهود".
رأى أستاذ الفلسفة السياسية أن تطور أدوات الحروب يصب فى دمار البشرية، قائلًا: "لو ألقينا نظرة على وسائل الحرب من بداية ظاهرة الحرب، سنلاحظ استخدام الحجارة والعصي، وقدرتها على الفتك محدودة جدًا، فمهما تكاثرت الأعداد كم من القتلى سوف يسقط؟ فالأسلحة تتمثل فى الحجارة المدببة وقدرتها على الفتك محدودة، لكن اختراع البارود والأعيرة النارية يُعد ثورة، لأن أعداد القتلى تزيد، وقدرتها على الفتك كبيرة جدًا. ومع ظهور القنبلة النووية، لم يكن أحد يتصور أن قنبلة واحدة تستطيع أن تقضى على ١٠٠ ألف إنسان، ومبانٍ ومنشآت مدينة بالكامل، وتعتبر قنبلة هيروشيما قزمة بالنسبة للأجيال المتطورة من الأسلحة النووية، وعند مقارنة الأسلحة النووية نجد الفارق يشبه الفارق بين السهم والمدفع، والنتيجة إن أسلحة التدمير أصبحت مروعة وباتت تهدد بفناء الإنسانية فناءً حقيقيًا.
أسلحة التدمير مروعة وتهدد بفناء الإنسانية.. وقوة الردع تعطل نشاط أسلحة الدمار نتيجة الخوف المتبادل بين الدولخطر فناء البشريةوفى تنبيه عام، حذَّر المفكر الكبير من اتجاه البشرية للفناء الحقيقى نتيجة تطور أسلحة الدمار، وتوسع الدول فى امتلاكها دون تعقل أو مسئولية أخلاقية، وبسؤاله: هل هذا يؤكد وجهة نظر الفريق القائل بأن تطور وتقدم البشرية يؤكد أننا نتجه ناحية دمار وهلاك البشرية؟.
أجاب "عبدالله" بأن التطور يُلقى مسئولية أكثر على الدول التى تمتلك هذه الأسلحة، وتتوسع فى تطويرها، ويجعلها أكثر حذرًا من استخدامها للأسلحة التقليدية، هناك خوف متبادل من الردع المتبادل بين الدول.
وشرح المسألة بقوله: إن هذا الردع المتبادل لم يكن موجودًا زمن الأسلحة التقليدية.. الآن باتت الدول تمتلك أسلحة مخيفة ورادعة، ويجب أن تكون مسئولة وحذرة قبل استخدامها، لأن مفهوم الحرب تغير، ولن تكون النتيجة إيذاء فى مقابل إيذاء، بل ستكون هلاك وإزالة فى مقابل هلاك وإزالة، حاليًا فإن الغواصات النووية قادرة على إبادة دول العالم، عندما تتعرض دولها لضربة معينة ستقوم هى بضربة مضادة، وهذا يجعلها قوة رادعة، ويجعلها أسلحة موقوفة الاستخدام، نتيجة للخوف المتبادل.
أكد "عبدالله" فى حديثه أن دولة الاحتلال الإسرائيلى تحتاج لأن تبنى الدول العربية قوة ردع، لأن الردع هو الذى يحفظ السلام ويفرض الشروط، مشيدًا بالموقف المصرى الشجاع فى عرقلتها لخطط دولة الاحتلال الرامية لتهجير الفلسطينيين بمساعدة دول كبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية.
وقال: يؤسفني أن أقول إن الفارق التكنولوجي بين الدول العربية وبين إسرائيل اتسع جدًا لدرجة أنه لا يوجد رادع حقيقى لأى طرف من الدول التى يعنيها الحق والعدل، ولو وجدت دولة تملك رادع حقيقي ضد إسرائيل لتغيرت المعادلة مع إسرائيل تمامًا.
وتساءل بدوره: ماذا لو كانت إيران مثلًا تمتلك سلاحًا نوويًا مثلما فعلتها باكستان فى غفلة من الزمن، حين باغتت العالم ذات يوم بتفجير نووي، ولم يكن العالم يتوقع أنها ستنجح فى ذلك، فماذا لو نجحت إيران فى ذلك؟ ربما تغيرت نقاط عدة فى المعادلة مع إسرائيل.
وهنا، عند الحديث عن تطور قدرات إيران النووية، كان سؤالنا: أليس امتلاك إيران لسلاح نووى يُعد تهديدًا للعرب ولمنطقة الشرق الأوسط؟. أجاب "عبدالله" بالإيجاب: بالطبع هى تهديد للمنطقة، ولكن أنظر لها بوصفها عدوًا لإسرائيل، والمعنى أنه من المفروض أن يكون هناك طرف يلزم إسرائيل بأن تستجيب للاتفاقيات والمطالب.
شجاعة الموقف المصريوصف المفكر الكبير نصار عبدالله الموقف المصري بالشجاع والحكيم، قائلًا: لا أحد يشك فى الموقف المصري، والمصريون جميعًا من أعلى مستوى لأدنى مستوى يتألمون لما يحدث فى فلسطين، ويدركون عواقب ما يمكن أن يحدث لو أقدموا على المغامرة، لأنها ستكون خسارة كبيرة للفلسطينيين أنفسهم، لذلك أنا أثنى على الموقف المصرى وأراه حكيمًا جدًا، وأكثر البدائل حكمة فى ظل المعادلة الصعبة التى نعيشها الآن. وأكد أن عدم سماح مصر بتهجير الفلسطينيين، هو موقف شجاع امتلكته مصر، وفيه تنتصر مصر، لأنه لا أحد يملك أن يجبرها على غير ذلك.
تطور الأمم مرهون بتقدمها فى مجالات الدراسات الإنسانية والاجتماعية وليست التكنولوجية فقطضرورة الفلسفة فى عصر القوةشدد نصار عبدالله على ضرورة الفلسفة فى عصر القوة، وعصر تطور الذكاء الاصطناعي، وأين يكمن دورها، مؤكدًا أنه من الخطأ الكبير تجاهل دور الفلسفة فى النهضة والتقدم.
وبحسب حديثه، فإن الاهتمام العام فى التعليم ينطلق من مفهوم خطأ وهو قلة الاهتمام بالدراسات الإنسانية عمومًا، بما فيها الفلسفة، حتى كانت هناك دعوة لإلغاء أقسام الفلسفة، وترتب عليه انخفاض شديد فى عدد الدارسين لها، ولاحظ عدد الطلبة الذين يدرسون فى قسم الفلسفة ستجدهم قرابة ١٠ طلبة فى الدفعة، وهى ظاهرة على مستوى الجامعات، وهو شكل من أشكال الانبهار الأعمى بالنموذج الغربي، وتجاهل مخيف لإيجابيات النموذج، ومن الكارثة تصور أن العالم الغربى تطور بالتكنولوجيا فقط، وأغفل الدراسات الاجتماعية، هذا تصور خاطئ، فالدراسات الإنسانية لها دور أساسى جدا، والولايات المتحدة من الدول المتطورة تكنولوجيًا وبها العديد من مراكز الدراسات الاستراتيجية، التى تضم عددًا من الأساتذة المتخصصين فى الفلسفة السياسية، يساهمون فى رسم خطوط السياسية الأمريكية، ويضعون بدائل القرار الممكنة أمام رئيس الدولة، أى أن صاحب القرار لا يمكنه أن يستغنى عن مراكز الدراسات الاستراتيجية.
ولفت "عبدالله" إلى أن هناك فرعين من فروع الفلسفة على الأقل، وثيقى الصلة بنبض الحياة، أولهما فلسفة العلم، ومناهج البحث العلمي، لا يمكن الاستغناء عنه لأنه ضرورى لتطور العلم، وثانيهما علم الفلسفة السياسية، الذى يضع القيم والمحددات النهائية لأى دولة تسعى لتحقيقها، ويضعها أساتذة الفلسفة السياسية، وبهذا تظل الفلسفة تمارس دورها، وهذه الحقيقة غائبة عن واضع السياسية التعليمية وصانع القرار التعليمي، ويظن أن العالم يتقدم بالتكنولوجيا وبالتالى نلغى العلوم الإنسانية.
جزء ما من حياة الإنسان داخلي يريد أن يشبعه وجدانيًامعضلة الدين والفلسفة.. ما الحل؟لا يرى د. نصار عبدالله أن ما يثار من مشاكل بشأن الفلسفة والدين هى أزمات معقدة، ويعتقد أنها حدثت فى الماضى لأنها أحيطت بملابسات تاريخية وسياسية أسهمت فى خلق المشكلة.
وفى رأيه، أنها معضلة تحل نفسها مع الزمن، وهى مشكلة لها جوانب سياسية، ومع التطور السياسى ومع ظهور قيادات سياسية لها رؤية شاملة تدرك أبعاد كل فروع المعرفة، سوف تستعيد الفلسفة دورها وهى جديرة به فى ضوء وظيفتها المعاصرة، بوصفها خادمًا للعلم والسياسة، فالتقدم السياسى العام يحل المشكلة بشكل تلقائي.
وقال: أعتقد أن مشكل الدين مع الفلسفة أو مع الإلحاد مثلًا كان مرهونًا بشروط وظروف تاريخية معينة، ومنها أن مكونًا ما حاول أن يكون صاحب السلطة السياسية العليا، وأعتقد أنه مع التقدم السياسى لم تعد هذه المناطحة من جانب المشتغلين بالدين واردة، وهل تعلم أن العالم به نحو ٥٠ أو ٦٠ ديانة مختلفة، ومن الممكن أن تسميها ديانات كبرى، وكل دين يؤمن بأنه الدين الصحيح، وتتفاوت الديانات فى أعداد تابعيها، ولا يمكن أن نقول أن ديانة تمتلك نصف مليون مؤمن هى أقل قيمة من ديانة يتبعها نحو أكثر من مليار إنسان مثل الديانة الهندوكية.
وأوضح أنه فى النهاية يظل جزء ما من حياة الإنسان داخلي، يريد أن يشبعه وجدانيًا، أيًا كان شكله أو بصمته فى الحياة، وأيًا كان نفوذه فى مجرى الأحداث اليومية، نسميه بالعقيدة، أيًا كانت هذه العقيدة.
نصار عبدالله: المشاريع الفلسفية غير قابلة للاستنساخ لأن المشاريع الفكرية تتطور وتتخلق تبعًا للمرحلة الزمنيةاستعادة مشاريع قديمة أم انتاج جديدبسؤاله حول أهمية الدعوات الخاصة بشأن استعادة المشاريع الفلسفية القديمة مثل مشروع ابن رشد التنويري، هل مثل هذه الدعوات مفيدة وفاعلة؟، أجاب قائلًا: فى ظنى لا شيء قابل للاستنساخ، المشاريع الفلسفية غير قابلة للاستنساخ لأن المشاريع الفكرية تتطور وتتخلق تبعًا للمرحلة الزمنية، وتنمو كما ينمو الجسد بشكل مرحلي، خلية وراء خلية إلى أن يتكامل، إنما لا يكفى إعادة إنتاج مشروع فكرى ماضوي.
وقال "عبدالله": أظن أن الابتعاد عن الأسلوب العلمى فى التفكير سبب وجيه لتخلف العقل العربي، وإن غياب التفكير العلمى مؤسف حتى أنه وصل لفئة وظيفتها العلم والتعليم، فتجد إنسانًا يمارس العلم فى معمله بينما لا يترجم هذا لسلوك فى أرض الواقع، ومن المفروض أنه لا انفصام بين ما نؤمن به كعلم وبين ما نمارسه فى الواقع، وعلى الجيل المؤمن بالتفكير العلمى أن يغرس ذلك فى الجيل اللاحق.
الصفحة الأولىحوار المفكر الكبير د. نصار عبدالله