بين الفينة والأخرى تطل علينا دول وجهات بالمراهنة على نظام الأسد، متجاهلة أن هذا النظام لم يعد له وجود، في ظل وجود عشرة جيوش إقليمية ودولية على الأرض السورية. لقد استطاعت هذه القوى خلال السنوات الماضية تجريده من كل أدوات السلطة، وجردته معها من مقدرات الدولة وأدواتها، وبالتالي لم يعد النظام بالنسبة لهذه الجيوش إلاّ أداة تبريرية لبعضها بالوجود، فالبعض قادم من أجل حمايته، والبعض الآخر قادم من أجل حماية نفسه من تهديدات مصدرها هذا النظام بطريقة أو بأخرى.
راهنت الجامعة العربية على مدار العام الكامل، وراهنت معها دول على تسويقه، ولكن سريعا ما يتبين للجميع أن العقرب لا يمكن أن يغير سلوكه، وأكبر دليل عملي حسي على ذلك شحنات الكبتاغون والمخدرات الصادرة منه باتجاه تلك الدول وغيرها، والتي كان آخرها إلى الأردن والسعودية ومصر، وهذا هو المعلوم، أما المكتوم، والذي لم يجد طريقه للوصول دون الكشف عنه ومعرفته فلا أحد يستطيع أن يقدره بعد أن وصلت تقديرات بريطانية بحجم تجارة المخدرات السورية إلى 57 مليار دولار أمريكي.
في ملف العلاقات الخارجية وتحديدا العلاقة مع إيران لا يزال يُعوّل البعض على قدرة النظام وذكائه في فصل الماء الأسدي عن الماء الخامنئي، وهو أمر مستحيل، فقد ثبت بطلان هذه النظرية مرارا وتكرارا منذ أيام الخميني واصطفاف النظام السوري إلى جانب إيران ضد العراق، ومن بعده في محطات كثيرة، ولكن لا يزال بعض العرب يقنع نفسه بأن عملية الإبعاد ممكنة، ليتبين لاحقا استحالة ذلك، مع استدعاء خامنئي أخيرا لرأس النظام إلى طهران وإبلاغه رسالة قوية ضد تحركاته التي فُهم منها إرضاء لدول عربية بالابتعاد عن إيران، وإن كان الخامنئي يدرك تماما استحالة أن تنجح تلك السياسة، بعد أن رهن النظام السوري وعلى مدى عقود نفسه للإيراني، بالإضافة إلى تغلغل الدور الإيراني في كل مفاصل الدولة والمجتمع السوري. ونحن نرى الاتفاقيات الاقتصادية والتعليمية والثقافية، واللغوية واتفاقياته مع الجامعات السورية، بالإضافة إلى شراء العقارات والممتلكات، والعمل الممنهج الخطير والبعيد المدى في تغيير المجتمع السوري، من إقامة روضات للأطفال، وبناء حسينيات، أو تغيير مساجد أهل السنة إلى حسينيات شيعية.
إيران التي تواجه اليوم ضربات صهيونية على مواقعها في دمشق وحلب وغيرها، تشعر أنها تجاوزت ربما بعض الخطوط الحمراء التي لم تكن تل أبيب ترغب لها أن تتعداها، ولكن إيران تلتزم الصمت في ردها على الضربات الإسرائيلية، لقناعتها بأن المكاسب والإنجازات التي أحرزتها لا يمكن التضحية بها، ولذلك فهي غير معنية بالرد. ولكن مع هذا فإن معركة الخلافة على خامنئي قد تفجر الأبواب كلها، وقد تنعكس سلبا على واقع المليشيات الإيرانية والموالية لها في سوريا. وقد رأينا بعد الخلافات التي تُرجمت إلى اشتباكات عسكرية محدودة في الجزيرة السورية بعد مقتل إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان في حادث تحطم الطائرة المعروف، لكن هذا الحادث أعطى مؤشرا لكثير من المتابعين والمحللين أن الصورة ستكون أكبر وربما أخطر على واقع الوجود الإيراني؛ ليس في سوريا فقط وإنما على وجودها في عدد من الدول العربية، بالإضافة إلى الخلاف الشديد والمرير عمن سيخلف خامنئي نفسه في منصبه، حال وفاته.
ولن تكتمل لوحة فشل تصدير وتعويم الأسد وحكمه إن لم نقم بإلقاء نظرة على الحراك في السويداء، والذي تأتي أهميته من أن القائمين عليه هم من الأقلية الدرزية، مما يؤكد فشل النظام السوري في ترويج نظريته القائمة على حماية الأقليات، وبالتالي فقد ضرب مصداقية دول تسعى إلى ترويج قصة حمايته للأقليات، وتبنيه لها، وضرب معها نظرية أن الثورة السورية فقط مقتصرة على أهل السنة، وبالتالي فهي فرصة من أجل فضح الرواية الأسدية وداعميه، وقبل هذا وبعده يأتي إصرار الشعب السوري بكافة رموزه وشرائحه على رفض النظام السوري والمحتلين؛ بعد هذه السنوات الطوال من القتل والتشريد ليؤكد للعالم استحالة تسويقه ثانية.
النظام السوري لم يعد مشكلة للسوريين فقط، وإنما غدا مشكلة حقيقية للقوى الإقليمية والدولية نفسها، ولا أصدق على ذلك من شحنات المخدرات التي يقوم بالاتجار بها، وثانيا دوره في تشجيع العنف والإرهاب، والذي سيظهر خطره لاحقا ربما بصورة أخطر وأوسع، بالإضافة إلى حالة التوتير الإقليمي والدولي بين القوى المتنافسة والمتصارعة، ولا ننسى قنبلة المهاجرين والمشردين التي تلقي بتداعياتها على دول الجوار، وحتى على ما بعد دول الجوار كأوروبا.. فالحل باستئصال الورم الخبيث، حينها لن يرتاح الشعب السوري فحسب، وإنما سيرتاح العالم كله.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الأسد إيران سوريا إيران سوريا الأسد مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة النظام السوری بالإضافة إلى
إقرأ أيضاً:
الشرع يكشف للإعلام الأمريكي عن الاطراف التي سوف تتضرر في حال وقعت في سوريا أي فوضى
اعتبر الرئيس السوري، أحمد الشرع، في حديث لصحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، “أي فوضى في سوريا ستضر بالعالم أجمع، وليس دول الجوار فقط”.
وفي تأكيد على الدعم الدولي للإدارة الجديدة في دمشق، ذكر الشرع أن “دولا إقليمية وأوروبية تهتم باستقرار سوريا الجديدة بعد سقوط نظام بشار الأسد”.
وعن وجود قوات أجنبية في سوريا، صرح الرئيس السوري للصحيفة الأميركية: “أبلغنا جميع الأطراف بأن الوجود العسكري في سوريا يجب أن يتوافق مع قوانينا”.
وتابع: “يجب ألا يشكل أي وجود أجنبي في سوريا تهديداً للدول الأخرى عبر أراضينا”.
والأحد الماضي، أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، إيال زامير، أن وجود قواته في مناطق جنوب سوريا يهدف إلى “الدفاع عن النفس بأفضل طريقة ممكنة”.
وأضاف زامير خلال زيارة مناطق تسيطر عليها إسرائيل في جنوب سوريا: “نحن نسيطر على نقاط رئيسية، ونتواجد على الحدود لحماية أنفسنا على أفضل وجه”، وفقا لما نقلت “تايمز أوف إسرائيل”.
ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري المخلوع، بشار الأسد، توغلت القوات الإسرائيلية في هضبة الجولان التي احتلت القسم الأكبر منها عام 1967، قبل أن تضمه في 1981.
كما دخلت المنطقة العازلة مطيحة باتفاقية فض الاشتباك التي أبرمت عام 1974 بين الجانب السوري والإسرائيلي.
بينما شددت مصادر أمنية على أن التوغل العسكري الإسرائيلي وصل إلى حوالي 25 كيلومترا نحو الجنوب الغربي من دمشق، وفق رويترز.
وفي ملف التسليح، أشار الشرع في حديثه إلى أن “بضعة أشهر ليست كافية لبناء جيش لدولة بحجم سوريا”.
وتابع: “لم نتلق بعد عروضاً من دول لاستبدال أسلحتنا، ومعظمها تصنيع روسي”.
وعن العلاقة بين دمشق وموسكو، أوضح الشرع: “لدينا اتفاقيات غذاء وطاقة مع روسيا منذ سنوات، ويجب أخذ هذه المصالح السورية في الاعتبار”.
وتطرق الرئيس الشرع إلى العلاقات مع أميركا، حيث دعا واشنطن “إلى رفع العقوبات عن سوريا التي اتخذت رداً على جرائم النظام السابق”.
وذهب الشرع إلى أن” بعض الشروط الأميركية بشأن رفع العقوبات تحتاج إلى مناقشة أو تعديل”.
ومنذ الإطاحة بالرئيس الأسد في ديسمبر الماضي بعد حرب أهلية استمرت قرابة 14 عاما، تدعو الإدارة السورية الجديدة المجتمع الدولي إلى رفع العقوبات التي فرضت على دمشق خلال حكمه.
وحتى الآن، لا يزال معظم تلك العقوبات ساريا وتقول الولايات المتحدة ودول غربية أخرى إن السلطات الجديدة لا يزال يتعين عليها إظهار التزامها بالحكم السلمي والشامل.
وفي الشأن الداخلي، قال الرئيس الشرع: “حكومتي ملتزمة بالحفاظ على السلام في منطقة الساحل، وسنحاسب المسؤولين عن أعمال العنف الأخيرة”.
وشهدت منطقة الساحل السوري الشهر الماضي أعمال عنف طائفية سقط فيها المئات من القتلى من أنصار الأسد، عقب حركة تمرد مسلحة ضد النظام الجديد.
ودعت واشنطن جميع الأطراف إلى ضبط النفس، وتجنب أي تصعيد، والعمل بمسؤولية من أجل بناء سوريا موحدة ومستقرة وآمنة