تضمنت الدعاء لأهل غزة: خطبة مسجد الخور تؤكد تأييد الحق ومناصرة المظلومين المستضعفين
تاريخ النشر: 17th, June 2024 GMT
العمانية-أثير
أمَّ فضيلة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عُمان صلاة عيد الأضحى المُبارك لعام 1445هـ بمسجد الخور التي أدّاها صاحبُ السُّمو السّيد فهد بن محمود آل سعيد نائبُ رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء وبمعيته عددٌ من أصحاب السُّمو أفراد الأسرة المالكة، وأصحاب المعالي الوزراء، وأصحاب السّعادة.
وقد استهلَّ فضيلته خطبة العيد بالتكبير والتهليل والتسبيح والحمد لله عزّ وجل على جميع نِعَمِه وفضله والصلاة والسّلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله على نعمة الإيمان.
وجاء نصُّ الخُطبة:
بسم الله الرحمن الرحيم إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أعمالنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِي لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللهم صلِّ وسلِّم عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدّين.
اللهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا. اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لا إله إلا الله واللهُ أَكْبَرُ، ولله الحَمْدُ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وأصيلًا.(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).
أمَّا بَعْدُ فإنّ من عظيم آلاء الله عزّ وجلّ علينا أن جعل لنا أعيادًا تُجدّد فينا معاني الإيمان، وتُحيي منّا ما اندرس من معالم الرسالات الإلهيّة، وتأخذنا مع أسرارها وحكمها من المظاهر إلى الجواهر، ومن القشر إلى اللب، ومن الاتباع إلى القيادة، لأنها من صميم الهدى تنبثق، ومن معين اليقين ترتوي ومن مشكاة النبوّات تهتدي، وسلامة الفطرة تصطبغ، ولبسط أسباب العدل بين الناس كلهم تسعى، ومن أجل الانعتاق من شهوة التغلب والقهر والأثرة والظلم تدعو:(وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ).
أيها المؤمنون إنّ أعيادنا – أهل الإسلام – تجمع محاسن هذه الشريعة الحنيفية السّمحاء، فهي شعائر تعبديّة خالصة لله تعالى، ومنظومة أخلاقية راقية ونظام اجتماعي متين، وبناء معرفي أصيل، واستقلال فكري حصين، محاسن ومحامد تأتلف فيما بينها ولا تختلف، فلا تنافر أو تضادّ، لا ترى فيها عوجًا ولا أمتًا، فما أجدر المسلم أن ينهض بفهمه، وأن يصحح تصوره، وينبذ القشور والأوهام، ليدرك باعتزاز هذه المعاني والغايات، ويستشرف بنور الحكمة ما أودعه الله تعالى له فيها من الآثار، فيكون ابتهاجُه بالعيد معبّرًا عنها، معرفًا بها، شاملًا أبعادها الدينية والدنيوية، كما ورد عن أمّ المؤمنين عائشة – رضي الله عنها، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ – أي يوم عيد: «لَتَعْلَمُ يَهُودُ أَنَّ فِي دِينِنَا فُسْحَةً، إِنِّي أُرْسِلْتُ بِحَنِيفِيَّةٍ سَمْحَةٍ».
الله أكبر … الله أكبر … الله أكبر … لا إله إلا الله … ولله الحمد.
عباد الله إنّ المسلم إذا قلب ناظريه فيما يُطلب منه في هذه الأيام المباركة؛ فلن يبرح حتى يجد الذكر الكثير، والشكر الصادق، والضراعة والدعاء، والتضحية والعطاء، والصلة والبر، وتزكية الأخلاق، وحسن النظام، مع الألفة والمودة، والتعاون والتعاطف، ونبذ دواعي الفرقة والخصام، وتأييد الحق ومناصرة المظلومين المستضعفين.
وهل تقوم الحياة الكريمة على غير هذه الأسس! أو تُعْمَرُ الأوطان بعيدًا عن هذه المراشد! فكيف بها وهي سبب لتنزّل الرحمة والعزّ والنّصر والتأييد من لدن العزيز الحميد يقول تعالى: (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكْبَرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ، إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانِ كَفُورٍ).
هذا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ الأَمِينِ، فَقَدْ أَمَرَكُمْ رَبُّكُمْ بِذَلكَ حِينَ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلَّمُوا تَسْلِيمًا).
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى نَبِيِّنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ نَبِيِّنَا إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى نَبِيِّنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ نَبِيِّنَا إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنَّا معهم بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الراحمين.
اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَاننَا، وأعِزّ سُلْطَاننا، وَأَيّدهُ بِالْحَقِّ وَأَيّد بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، اللَّهُمَّ أَسْبِعْ عَلَيْهِ نِعْمَتَكَ، وَأَيِّدْهُ بِنُورِ حِكْمَتِكَ، وسدّده بِتوفيقكَ، وَاحْفَظْهُ بِعَينِ رِعَايَتِكَ.
اللهم إنّا نسألك أن تحفظ بلادنا من كل سوء ومكروه، وأن تكتب لأهلها العزَّ والرفعة والنَّماء والسَّلام يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أعزّ الإسْلامَ وَاهْدِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْحَقِّ، وَاجْمَعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الخَيْرِ، اللهم انصُر إخواننا في غزّة وفلسطين، وكن لهم وليًّا وكافيًا ونصيرًا، اللهم أفرغ عليهم صبرًا، وثبّت أقدامهم، وانصرهم على عدوّك وعدوّهم الغاشم المعتدي، اللهم اكفِهم عدوّهم بما شئت يا رب العالمين.اللَّهُمَّ أُنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا فِي ثِمَارِنَا وَزُرُوعِنَا وَكُلِّ أَرْزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ.
اللهم احفظ حُجاج بيتك الحرام، وتقبّل منهم مناسكهم، ورُدّهم إلى أهليهم سالمين غانمين.رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).
وبهذه المناسبة العطرة أعرب صاحبُ السُّمو السّيد فهد بن محمود آل سعيد نائبُ رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء عن أسمى آيات التّهاني لجلالةِ السُّلطان المعظم -حفظهُ اللهُ ورعاهُ- والأسرة المالكة، داعيًا سُموّهُ المولى سبحانه وتعالى أن يُعيد هذه المناسبة وأمثالها على جلالتِه بموفور الصحة والعمر المديد وأن يوفّق جلالتَه -أبقاهُ اللهُ- والحكومة في المسيرة الخيّرة التي تشهدها البلاد، تواصلًا للمُنجزات، ودعمًا لتنمية الشاملة داعين المولى عزّ وجلّ أن يُنعم على عُمان الغالية باطراد التقدّم والازدهار والنماء..
كما أعرب سُموّهُ عن أطيب التهاني للمواطنين والمقيمين بالعيد السعيد، سائلًا الله العلي القدير أن يَمُنَّ على الشعب العُماني وكافة الشعوب الإسلامية بالأمن والسّلام والاستقرار.. وكل عام والجميع بخير ومسرة.
المصدر: صحيفة أثير
إقرأ أيضاً:
الخلفية التاريخية ومتلازمةُ الولاء الخاطئ
د. شعفل علي عمير
تُعَدُّ الخلفيةُ التاريخيةُ من أهم العوامل الرئيسية في هذه المتلازمة؛ فالحقب الزمنية المتتالية -بما تحمله من أفكار ومعتقدات- ترسم في ذهنية الإنسان خطوط ومسارات حياته بكل ما تضمنته حياته من جوانب نفسية واقتصادية واجتماعية، كما تؤثر تلك الخلفية التاريخية على الجانب الروحي والفكري وبشكل عميق، وبهذا قد يكون من الصعوبة بمكان تغيير بعض القناعات لدى البعض على الأقل في المَدَيات القصيرة، والمتأمل لمُجريات الزمن وأحداثها يجد أن تأثير الماضي هو من يصنع أحداث الحاضر، من أبرزها جانب الولاء والعداء، إنها متلازمة العُقد والغباء بما أفرزته من ولاء وعِداء يتناقض مع الدين والمنطق وَأَيْـضًا مع المصلحة إذَا كان المبرّر للولاء هو لمصلحة الأُمَّــة.
ولكن هناك أحداث ومواقف كبيرة قد تعصف بهذه المتلازمة فتخرج الإنسان من دائرتها المغلقة، لا سيما إذَا ما كانت تلك الأحداث بالحجم والتأثير الذي يطغى على كُـلّ تلك القناعات التي رسَّختها الخلفية التاريخية وجعلت منها ثابتًا من الثواب التي يؤمن بها الإنسان.
هول وحجم الأحداث قد تختصر الزمن وتوفر كَثيرًا من الوقت والجُهد لإيجاد وعي مجتمعي، كما أنها تكسر الحواجز الفكرية والنفسية لبوابة هذه المتلازمة المعقدة، ولعل غزة كانت هي الشفرة التي اخترقت هذه المتلازمة؛ فكان لها الفضل بعد الله “سبحانه وتعالى” في إيجاد ثورة من الوعي الجمعي ونهضة فكرية ومراجعة للقناعات لدى السواد الأعظم من أمتنا الإسلامية.
إن مشاهدة ما يحدث من جرائم الإبادة بحق إخوة لنا في الدين والعروبة كانت إحدى الموجّهات الفكرية وأهمَّ سببٍ لتغيير القناعات ومراجعة للولاءات والرجوع للتوجيهات الإلهية في كتابه الكريم القائل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أولياء، بَعْضُهُمْ أولياء بَعْضٍ، وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ، إِنَّ الله لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين}.
تلك الجرائم بحِدّتها وبشاعتها أصبحت المحك الذي يجب على الإنسان أن يقيِّمَ نفسَه من خِلالها ليعرفَ أيَّهما أولى وأكبر أهميّةً: انتماؤه للدين أم انتماؤه للحزب؛ ليعرف موقعَه من الحق من خلال موقفهِ من الباطل في زمن أصبح الحق والباطل كالنور والظلام، لم يعد هناك شك أَو لبس في معرفة أهل الحق من أهل الباطل، كما لم يعد هناك وقت للترف الفكري وفلسفة الواقع وهندسة المبرّرات، كُـلّ شيء أضحى جليًّا، أصبح الإنسان أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن يكون مع الحق أَو يكون مع الباطل.
ليس هناك محايد بعد كُـلّ ما تجلى مِن الحقائق التي لا ينكرها أحد، حقائق أجمع عليها المؤمن والكافر، أجمع عليها القريب والبعيد، أجمعت عليها كُـلُّ الملل في هذه الأرض فاتقوا الله في أنفسكم؛ فمن لا زال يكابر ويضحّي بدينه مقابل انتمائه لحزبه، نقول له: تأمَّلْ قول الله “سُبحانَه وتعالى”: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ الله أخذتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَاد} “فلا تأخذكم العزة بالإثم فتخسروا عزتكم في الدنيا وآخرتكم يوم القيامة.