الفلسطينيون ملتحمون بمقاومتهم.. قراءة في استطلاعات الرأي
تاريخ النشر: 17th, June 2024 GMT
تثبت الأحداث أن هناك رأيًا عامًا فلسطينيًا واعيًا ومتابعًا وصامدًا. برغم المأساة، بقيت مواقفه متمسكة بحقوقه وواصل دعمه للمقاومة بشكل أذهل العالم. هذا الرأي العام الفلسطيني أثبت صوابية توجهاته حتى على مستوى التوقعات.
وفق كثير من المتابعين، لم تقم المقاومة الفلسطينية بعمل أكبر من معركة "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ليس هذا تصور قادة المقاومة والمتخصصين فحسب، بل هو رأي الشعب الفلسطيني أيضًا. رغم الإبادة الجماعية والتجويع والتهجير، رأينا دعمًا عفويًا للمقاومة من نساء وشباب وشيوخ يحملون أشلاء أقاربهم أو يخرجون من تحت الأنقاض. الإحصاءات والدراسات تشير إلى أن أغلبية الشعب الفلسطيني تؤمن بخيار المقاومة والتحرير وتثق بالنصر على الاحتلال.
الرأي العام الفلسطيني يدعم المقاومة في معركة "طوفان الأقصى". استطلاع المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، بين 26 مايو/أيار و1 يونيو/حزيران 2024، أظهر أن ثلثي الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة يؤيدون السابع من أكتوبر/تشرين الأول. كما أن 80% يعتقدون أنه وضع القضية الفلسطينية في بؤرة الاهتمام العالمي، ونصفهم يتوقع انتصار حماس وعودتها لحكم غزة بعد الحرب.
التضحية والمعاناةلم يجرِ هذا الاستطلاع في زمن الراحة والرخاء، بل خرجت نتائجه من قلب المعاناة والمأساة التي سبّبها الاحتلال الإسرائيلي. 80% من سكان غزة فقدوا قريبًا لهم أو أصيب أو أسر في الحرب، وقد فقدوا بيوتهم وتعرضوا للتجويع والنزوح المتكرر، مما يعني أن كل بيت تعرض للعدوان. الشعب الفلسطيني في غزة يدفع من دمائه وممتلكاته ثمن طلب الحرية. رغم طول أمد الحرب، لم يتراجع التأييد للمقاومة، بل ازداد إيمان الشعب بخيار المقاومة وتراجع الأمل في خيار التسوية.
ورغم أن الاستطلاع، أشار إلى تحسن في توفر الطعام ليوم أو يومين مقارنة بالاستطلاع السابق، فإن الوضع بعد إغلاق معبر رفح أصبح أكثر صعوبة، كما أنه لم يشمل منطقة شمال غزة التي تشهد حالة أقرب للمجاعة. الاحتياجات الأساسية كالماء والكهرباء والعناية الطبية لا يزال الوصول إليها صعبًا وخطرًا، وهو ما تؤكده التقارير الصادرة من غزة.
التأييد لهجوم "طوفان الأقصى"بعد مرور أكثر من 240 يومًا على العدوان الصهيوني، لا يزال التأييد لهجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول مرتفعًا. الناس يرون أنه أعاد القضية الفلسطينية إلى بؤرة الاهتمام بعد سنوات من الإهمال الإقليمي والدولي، رغم محاولات الحكومة الأكثر راديكالية في تاريخ الاحتلال تغييبها وتصفيتها. سؤال التأييد لحدث 7 أكتوبر/تشرين الأول تكرر 3 مرات منذ بداية العدوان، ومع ذلك بقي التأييد له مرتفعًا. استطلاعات المركز الفلسطيني في ديسمبر/كانون الأول 2023، ومارس/آذار 2024، ويونيو/حزيران 2024 أظهرت نسبة تأييد ثابتة عند 70%. وفي الضفة الغربية، بلغ التأييد 82% في ديسمبر/كانون الأول 2023.
الشعب الفلسطيني يرفض المساس بـ 7 أكتوبر/تشرين الأول، ويراه إنجازًا رائدًا في تاريخ القضية الفلسطينية. 80% لا يوافقون على تصريح محمود عباس في مؤتمر القمة العربية بأن "هجوم حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول وفّر لإسرائيل المزيد من الذرائع لكي تهاجم قطاع غزة"، وكذلك تصريحه بأن موقف حماس لإنهاء الانقسام وقبول الشرعية الدولية خدم المخطط الإسرائيلي في تكريس فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية. على عكس ذلك، لا يرى الناس في حدث 7 أكتوبر/تشرين الأول حدثًا صحيحًا فحسب، بل هو استثنائي وإستراتيجي وخطوة نحو التحرير.
الاستطلاع شمل 75 تجمعًا في رفح وخان يونس والمواصي ودير البلح. ولم يشمل سكان شمال غزة الذين بقوا في بيوتهم، لكن مقابلات عديدة أجريت مع سكان هناك تدفعنا لتوقع أن أولئك الذين بقوا هناك متحدين القصف الإسرائيلي هم أكثر دعمًا لخيار المقاومة.
جمهور متابع وواعٍ
برغم المأساة والأهوال، يتابع سكان غزة المظاهرات في الجامعات الأميركية والقضايا والمشاريع الداخلية والخارجية المرتبطة بهم. 78% منهم مثلًا، رأوا أن مشروع الرصيف البحري لا يساهم في التخفيف من معاناة السكان، ويدركون حقيقة الدور الأميركي المساند للاحتلال. وقد أُجري هذا الاستطلاع قبل التسريبات التي تحدثت عن احتمالية استخدام هذا الرصيف البحري في العملية الإسرائيلية لتحرير 4 من أسراها والتي صاحبتها مجزرة أودت بحياة أكثر من 200 فلسطيني، ولو تكرر السؤال الآن، لكانت النتائج مختلفة.
75 % يعارضون نشر قوة أمنية عربية، حتى لو كانت لمساعدة قوات الأمن الفلسطينية، ويفضلون الحلول الفلسطينية الداخلية، وذلك إدراكًا منهم لتعقيدات التدخلات الخارجية.
كما لاقى موقف حماس تأييدًا لمرونته في 5 مايو/أيار بقبولها مقترح الوسطاء ووضع الكرة في ملعب الاحتلال، أيد ذلك 70% من الجمهور، وتوقع 58٪ منهم التوصل لاتفاق. وكما نعلم فقد أفشل نتنياهو التوصل لذلك الاتفاق، لكن التأييد للمقاومة بقي مرتفعًا. 64% يلومون الاحتلال الإسرائيلي على معاناة سكان القطاع، و22% يلومون الولايات المتحدة، و6% يلومون السلطة الفلسطينية، و8% فقط يلومون حماس.
توقعات صائبة أيضًالم يثبت الرأي العام الفلسطيني فحسب وعيه بالقضايا الراهنة، بل كانت توقعاته صحيحة كذلك بخصوص قضايا مستقبلية. ثلاثة أرباع الجمهور توقعوا فشل محكمة العدل الدولية في وقف الهجوم الإسرائيلي على رفح، وتوقعوا أن النازحين لن يتوجهوا إلى الحدود مع مصر.
وفي سياق التوقعات للمستقبل، يرى 67% أن حماس ستخرج منتصرة في الحرب، فيما تصل النسبة في الضفة الغربية إلى 80%. وهكذا يثبت الشعب الفلسطيني أنه مؤمن بمقاومته ومدرك لصلابتها أكثر من دول وشخصيات توقعت أو راهنت منذ بداية المعركة على هزيمة المقاومة.
لدى الفلسطينيين كذلك توقع بنسبة 63% بسقوط قريب لحكومة نتنياهو. ويعتقدون أن الحكومة البديلة لن تكون مستعدة للتفاوض على أساس حل الدولتين، وهو ما يجعل هذا الحل غير مفضل لدى الرأي العام.
وعلى عكس ما تتمناه قوى دولية وإقليمية، فإن 61% من الفلسطينيين يفضلون أن تحكم حماس غزة، و6% فقط يعتقدون أن السلطة الفلسطينية ستكون المسيطرة في غزة. النسبة في الضفة أعلى، والتأييد للمقاومة في الضفة مرتفع ويزداد صعودًا، وهو ما يشير إلى أن المجتمع الفلسطيني في الضفة يتبنى أيضًا خيار المقاومة بالرغم من القيود المفروضة عليه لاحتضان هذه الحالة ودعمها.
وفي هذا السياق، وبخصوص صد هجمات المستوطنين في الضفة الغربية، رأى 45% وجوب تشكيل مجموعات لمقاومتهم، وقال 27% بضرورة نشر قوات الشرطة الفلسطينية، و6% اختاروا تشكيل مجموعات غير مسلحة لصد هجمات المستوطنين.
يضعنا الاستطلاع أمام حقيقة أن 54% من الشعب الفلسطيني يفضلون المقاومة كخيار لإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، مقارنة بـ 25% يؤيدون المفاوضات، و16% يؤيدون نضالًا شعبيًا سلميًا. دعم المقاومة في هذا الاستطلاع زاد بنسبة 8% بشكل عام، وبنسبة 17% في غزة.
نحن إزاء شعب يزداد تمسكًا بحقوقه والتفافًا حول مقاومته بكل أشكالها. وهي في الحقيقة دائرة واحدة متصلة، فالمقاومة وضعت خياراتها بناءً على تطلعات الشعب وحقوقه، لذا لا نستغرب من هذا التلاحم الثنائي.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات أکتوبر تشرین الأول القضیة الفلسطینیة فی الضفة الغربیة الشعب الفلسطینی الرأی العام
إقرأ أيضاً:
كيف سيؤثر سقوط الأسد وهدنة لبنان على حرب غزة؟
بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا والتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان بين حزب الله وإسرائيل في سياق تطورات كبيرة ومتسارعة تشهدها المنطقة تُطرح تساؤلات عن مصير الحرب الإسرائيلية على غزة والتأثيرات المحتملة على "محور المقاومة"، بما في ذلك المقاومة في فلسطين ولبنان وغيرهما.
ووفقا لآراء خبراء ومحللين سياسيين تحدثت إليهم الجزيرة نت، قد تسهم هذه التغيرات في تشكيل تحالفات إستراتيجية جديدة في المنطقة، مع تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على القضية الفلسطينية، سواء في غزة أو الضفة الغربية.
حرب غزةوبشأن تأثيرات هذه التغيرات في المنطقة على مسار الحرب بغزة، يستبعد الكاتب المصري والباحث في العلوم السياسية الدكتور خليل العناني أن تنتهي هذه الحرب، لأن الاحتلال يصر على البقاء هناك بشكل أو بآخر.
وأضاف العناني للجزيرة نت "قد نشهد توقفا مؤقتا نتيجة لضغوط داخلية وخارجية على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ولكن ما دام هناك احتلال هناك مقاومة"، وفق رأيه.
ويتابع "صحيح أن الظرف الإقليمي لا يبدو في صالح المقاومة، ولكن هذه أوضاع مؤقتة ومتغيرة ولن تحسم المعركة في المدى المنظور".
ويتفق الكاتب والخبير في الشأن الإسرائيلي سليمان بشارات مع العناني في توقعه باستمرار الحرب على غزة، مؤكدا للجزيرة نت أن ظلال هذه الحرب ستبقى موجودة إلى فترة تقدر بعام أو أكثر.
إعلانويوضح بشارات أن استمرار الحرب لا يعني بالضرورة شراسة القتال وضراوته بقدر أن تبقى تفاعلاتها، قائلا "حتى وإن وصلنا في مرحلة معينة لوقف تام للحرب على القطاع لكن ارتداداتها ستبقى حاضرة، والوجود الإسرائيلي في قطاع غزة سيبقى إلى حد ما حتى وإن كان ضمن تموضع في محاور معينة".
ويشير الخبير في الشأن الإسرائيلي إلى أن الوضع الإنساني الحالي في غزة وجرائم الإبادة والانتهاكات التي تمارسها إسرائيل ربما تفتح المجال أمام ضغوط كبيرة قد تمارس على مستوى قانوني وحقوقي، سواء على الولايات المتحدة أو حتى على بعض من الدول الإقليمية أو حتى على إسرائيل، وربما تفضي إلى تسوية سياسية على حساب الخيار العسكري.
بشارات: استمرار الحرب لا يعني بالضرورة شراسة القتال وضراوته بقدر أن تبقى تفاعلاتها (الجزيرة) إضعاف المقاومةومن ناحية أخرى، يقول أستاذ العلوم السياسية وحل النزاعات في الجامعة العربية الأميركية بجنين أيمن يوسف إن ما حدث في سوريا ولبنان مؤخرا ربما أضعف جبهة "المقاومة والممانعة" التي تقودها إيران.
ويتوقع يوسف في تصريحات للجزيرة نت أن تغيّر إيران سياساتها في المنطقة، ليس فقط تجاه لبنان وسوريا، بل وحتى تجاه غزة وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، خاصة أن فصائل المقاومة تتلقى مساعدات من إيران، وبالتالي فإن عدم وجود مسار عسكري قوي تدعمه إيران يعني وجود مسار تفاوضي سياسي.
العناني: المقاومة الفلسطينية تعول على الحق المشروع في مقاومة المحتل الغاصب (الجزيرة)وفي السياق نفسه، يؤكد العناني أن سقوط نظام الأسد في سوريا شكّل خسارة كبيرة لإيران وحزب الله، وهو ما قد يفرض ضغوطا على المقاومة الفلسطينية بسبب علاقة الحزب بإيران.
ويتوقع أن تسعى إسرائيل وأميركا إلى الاستفادة من الوضع الجديد للضغط على حماس لتقديم تنازلات فيما يخص وقف إطلاق النار وصفقة الرهائن، مؤكدا أن هذا كله مؤقت ومرتبط بتوجهات الإدارة الجديدة في سوريا، وهل ستكون مع أو ضد المقاومة، وهذا أمر متروك للزمن، وفق تعبيره.
إعلانوبحسب الباحث المصري، فإن المقاومة الفلسطينية تعول على أمرين هما "الحق المشروع في مقاومة المحتل العنصري الغاصب، وهذه مسألة مهمة للغاية وتمثل ركيزة في نضالات الشعب الفلسطيني بمختلف أطيافه".
أما الأمر الآخر فهو التعويل على شعبية المقاومة، خاصة بين الشباب الذين يرفضون الاستسلام للاحتلال "وهو ما نرى تجسيده في الضفة الغربية وفي قدرة حماس على تجنيد أعضاء جدد رغم الحرب الدموية على القطاع".
بدوره، يشير أيمن يوسف يشير إلى أن هناك تراجعا واضحا في قوة المقاومة الفلسطينية، خاصة بعد استهداف القيادات العليا في حركة حماس، وفي الضفة الغربية تسعى السلطة الفلسطينية إلى إظهار قدرتها على ضبط الأوضاع الأمنية، مما يعزز دورها في ترتيبات إعادة إعمار غزة، لكن الانقسام الفلسطيني الداخلي يعقّد المشهد، خاصة مع اختلاف ترتيبات غزة عن الضفة.
مستقبل الضفةوثمة مخاوف أيضا من خطط إسرائيلية بشأن الضفة الغربية استغلالا للأوضاع الحالية، وهو ما يشير إليه بشارات بقوله "الاحتلال يسعى لتحويل وجوده في الضفة الغربية إلى صوره مماثلة لوضعه غزة، مما يمكنه من التمركز وبناء المستوطنات وتنفيذ عملياته الأمنية والعسكرية من دون قيود، مما يعيد مفهوم الاحتلال العسكري المباشر".
وأضاف بشارات أن الاحتلال يربط بين غزة والضفة في إطار صفقات سياسية محتملة من الممكن أن تشمل التنازل عن السيطرة الكاملة على غزة مقابل ضوء أخضر لضم الضفة الغربية واعتبارها امتدادا للدولة اليهودية، وهذا سيؤدي إلى القضاء على مشروع الدولة الفلسطينية بشكل كامل.
أما خليل العناني فلا يستبعد سقوط السلطة الفلسطينية "نتيجة فقدانها الشرعية وبسبب قمعها كتائب وحركات المقاومة في الضفة الغربية، وهو ما سينقلب عليها وقد يؤدي إلى انهيارها"، وفق تحليله.