عربي21:
2024-09-20@01:08:30 GMT

أفريقيا والقوى العظمى: انقلابات وطرائف سوريالية

تاريخ النشر: 6th, August 2023 GMT

في وسع امرئ أن يبدأ من إحصائيات بسيطة، لكنّ دلالاتها وافرة ومتعددة الجوانب: القمة الروسية – الأفريقية التي احتضنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في بطرسبورغ مؤخراً، اجتذبت 21 رئيساً أفريقياً، مقابل 45 في قمةّ مماثلة انعقدت سنة 2019؛ وفي المقابل، نجح الرئيس الأمريكي جو بايدن في جمع 50 من ضيوفه الأفارقة، خلال قمة التأمت أواخر كانون الأول (ديسمبر) الماضي.

هذه خارطة تعكس تقاسم النفوذ الراهن بين واشنطن وموسكو، على أصعدة سياسية واقتصادية واستثمارية وعسكرية وأمنية؛ تغيب عنها حصص فرنسا، ذات الماضي الكولونيالي العريق في القارّة، وصاحبة العدد الأكبر من أشكال التدخّل في شؤون البلدان الأفريقية. كذلك تتوارى أنساق النفوذ الصيني، وإنْ كانت تحضر فعلياً على الأرض وفي قلب المنافسات الاستثمارية الضارية، رغم الغياب الشكلي عن الحصص الظاهرة على الخارطة.

في جانب آخر، لم يكن من دون مغزى خاصّ أنّ قمة موسكو لم تكد تختتم جلساتها حتى هبّ جنرالات النيجر وأطاحوا برئاسة المدني المنتخب محمد بازوم، وسجلوا بذلك الانقلاب السابع في القارة خلال أقلّ من 3 سنوات؛ فحذوا في النهج الانقلابي حذو رفاقهم في السلاح، جنرالات مالي وبوركينا فاسو وغينيا وتشاد والسودان؛ وكانوا على نحو أو آخر يقتفون أثر الرئيس التونسي قيس سعيّد، أستاذ القانون الذي بزّ غالبية العسكر الانقلابيين في القارّة.

طريف، في مغزى ثالث، أنّ المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (الـ»إيكواس») سارعت إلى إطلاق وساطة بين رئيس البلاد والمجلس العسكري الانقلابي في النيجر، ولكن اختيارها وقع على محمد إدريس ديبي، الرئيس الانتقالي التشادي الذي كان هو نفسه قد انتزع السلطة عبر انقلاب؛ ولم يكن عجيباً بالطبع، بقدر ما كان سوريالياً، أن يدعو الانقلابي إلى… إعادة الحياة الديمقراطية والدستورية في النيجر!

طرفة أخرى، لا تغيب عنها خلائط سوريالية من طراز هو الأشدّ ابتذالاً في علاقات القوى العظمى بالقارة الأفريقية، تمثلت في أنّ يفغيني بريغوجين، قائد ميليشيات «فاغنرّ»، كان أحد نجوم قمة بطرسبورغ الروسية – الأفريقية؛ في غمرة تهليل وترحيب من جانب بعض انقلابيي القارّة، ممّن يتطلعون إلى خدمات مرتزقته، طال الزمان أم قصر. وهكذا لم يفوّت بريغوجين فرصة مديح جنرالات النيجر الانقلابيين، وفي الآن ذاته الإعراب عن مزيد من مظاهر الولاء لعرّابه سيّد الكرملين، وكأنه لم يكن الآمر بالزحف نحو موسكو قبل أسابيع معدودات.

أمّا التواجد الأمريكي في القارّة، العسكري منه على وجه التحديد، فإنه بدأ ويتواصل كإرث مستدام لشراكة واشنطن مع الحلف الأطلسي في تشكيل القيادة الأمريكية الأوروبية، أو الـEUCOM؛ وشقيقتها القيادة الأمريكية الأفريقية، أو الـAFRICOMP ولا يغيب هنا المعنى الخاصّ خلف اختيار مدينة شتوتغارت الألمانية مقرّاً لرئاسة أركان هذه القيادة الأخيرة، بالنظر إلى اعتذار 54 دولة أفريقية عن استقبالها، فالتنافس بين القوى العظمى محتدم على قدم وساق! ولا عجب أن تجلي فرنسا رعاياها من النيجر، ولا ترى واشنطن أيّ سبب للقيام بالإجراء ذاته، متكئة على قاعدة عسكرية للطائرات المسيّرة، وإلى عديد من 1000 جندي أمريكي، واطمئنان إلى واردات الأورانيوم من النيجر.

وقد يصحّ هنا استذكار مواقف الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر إزاء مفهوم أفريقيا، والتي انطوت على إدراك إشكاليات الموقع والانتماء، وظلت تتأرجح بين القطب الآسيوي (ثم العربي والإسلامي، استطراداً) الذي انخرطت فيه مصر والناصرية؛ والقطب الأفريقي، الذي اكتشفه ابن النيل وربيب الفلاحين والغيطان. المفارقة أنه لا العرب ولا الأفارقة كانوا أوّل مَنْ أدرك طبيعة الترابط الجدلي والوثيق بين الشرق الأوسط وأفريقيا، بل كانت القوى الإمبريالية الأوروبية هي السبّاقة إلى ذلك الإدراك الحاسم؛ فاشتغلت على توظيف دينامياته المختلفة، ولم تجد مشكلة في المزاوجة بين الانقلابات و… الطرائف السوريالية!

(عن صحيفة القدس العربي)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير القمة الروسية النيجر النيجر القمة الروسية مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة صحافة صحافة رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

الجيش الأمريكي يعلن اكتمال انسحابه من النيجر

الجديد برس:

أعلنت قيادة الجيش الأمريكي في أفريقيا “أفريكوم”، أن “الولايات المتحدة أنهت سحب قواتها بشكل كامل من النيجر”.

وقالت قيادة “أفريكوم” في بيان إن “وزارة الدفاع الأمريكية ووزارة دفاع جمهورية النيجر أعلنتا استكمال سحب العسكريين والمعدات الأمريكية من الدولة الأفريقية”، مشيرة إلى أن “العملية التي بدأت في 19 مايو الماضي اكتملت فعلياً في 15 سبتمبر الجاري”.

وأضاف البيان أن “التعاون والتواصل الفعّال بين جيشي الولايات المتحدة والنيجر ضمنا أن يكون الانسحاب آمناً ومنظماً ومسؤولاً”، لافتاً إلى أن “العملية مرت من دون أي صعوبات وفي الموعد المتفق عليه بين الطرفين”.

وكانت الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت، بحسب صحيفة “وول ستريت جورنال”، أنها “تعمل على نقل الطائرات والقوات الخاصة تدريجياً إلى الساحل الغربي لأفريقيا” فيما سمته “جهداً عاجلاً لمحاولة وقف زحف مقاتلي القاعدة وتنظيم داعش عبر واحدة من أكثر مناطق العالم تقلباً”.

يُشار إلى أنه في شهر مارس الماضي، أنهت النيجر اتفاقية عسكرية مع الولايات المتحدة، تم بموجبها إنشاء قاعدة أمريكية للطائرات المسيرة في شمال الدولة الأفريقية، مشيرة إلى أن السلطات النيجرية إلى أن “الاتفاق كان مفروضاً قسراً على السلطات ولم يكن يلبي مصالح الشعب”.

يُذكر أن الولايات المتحدة تشاورت، خلال الأسبوع الماضي، مع عدد من دول غرب أفريقيا بشأن مسألة “إعادة التموضع”، بما في ذلك غانا وبنين ، مع انتقال الوحدة العسكرية من النيجر.

وتزامن ذلك مع كلام قائد القيادة الأمريكية في أفريقيا “أفريكوم”، الجنرال مايكل لانغلي، الذي قال إن القوات غادرت النيجر دون حوادث أو خسائر، بطريقة منظمة. ولا يزال يتعين تحديد إمكانيات التعاون الأمني مع بلدان الساحل، بما في ذلك تحالف “كونفدرالية دول الساحل، الذي يضم مالي وبوركينا فاسو ومالي.

مقالات مشابهة

  • جيش النيجر يقضي على أكثر من 100 إرهابي
  • المراكز الأفريقية لمكافحة الأمراض: جدري القردة خارج نطاق السيطرة في أفريقيا
  • «العاملين بالمناجم» ترحب بقرار الرئيس بانضمام مصر لصندوق تنمية صادرات أفريقيا
  • اتهام الرئيس السابق لهيئة الأركان العامة في مولدوفا بالخيانة العظمى
  • "الميني فوتبول" يطير لجنوب أفريقيا للمشاركة في كأس الأمم الأفريقية
  • الرئيس العراقي اتّصل بميقاتي.. وأدان الاعتداء الذي تعرّض له لبنان
  • السودان يحترق والقوى الأجنبية تستفيد.. ما المكاسب التي تجنيها الإمارات من الأزمة؟
  • الجيش الأمريكي يعلن اكتمال انسحابه من النيجر
  • الولايات المتحدة تعلن اكتمال انسحابها من النيجر
  • الجيش الأمريكي يكمل انسحابه من النيجر