خطيب الأضحى بالجامع الأزهر: الإسلام رسم السعادة الحقيقية للبشرية جمعاء
تاريخ النشر: 16th, June 2024 GMT
قال الدكتور هاني عودة، خطيب عيد الأضحى بالجامع الأزهر، إن الإسلام رسم السعادة الحقيقية للبشرية جمعاء في ظل اتباع تعليمات كتابه الحكيم واتباع الشريعة الغرّاء وسنة نبينا محمد ﷺ، فقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يختم لعباده بعد آداء بعض الفرائض بالفرحة والسعادة، فقال في سورة يونس { قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِۦ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}، ومن مواسم الفرحة عيد الأضحى، يقول النبي ﷺ " إن أفضل الأيام عند الله يوم النحر"، ذلك اليوم المبارك الذي يقع بين خير أيام الدنيا - عشر ذي الحجة - وبين أيام التشريق الثلاثة والذي يأتي بعد أعظم الفرائض والركن الخامس من أركان الإسلام وهو الحج، وقال تعالى في كتابه العزيز {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ¤ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ¤ نَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} وكان ﷺ يصلى ثم يرجع فينحر، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ ضحّى بكبشين أملحين أقرنين، أحدهما عنه وعن أهل بيته، والآخر عنه وعمن لم يضحِّ من أمته".
وأوضح عودة، أن قول الحق تعالى { قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِۦ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} في سورة يونس سبقه وتلاه بعض الآيات، وكأنها جاءت نتيجة لمقدمات سابقة لتصل بذلك إلى نتائج أكبر، فقد تحدثت عن يوم القيامة في قوله تعالى {۞ وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ ۖ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ ۖ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ}، ففي هذه الآية رسالة ونداء إلى أمة الإسلام أن يوم القيامة آتٍ لا محالة وعلى المسلم أن يستعد للقاء الله تعالى، فيبرئ نفسه من المعاصي ويرجع إلى الله تعالى متزودًأ بالتقوى والعمل الصالح، قال تعالى {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ}، ولذا وجب على الفرد أن يتصالح مع نفسه أولًا لينتقل بها من النفس الأمارة بالسوء ويرتقي إلى النفس اللوامة حتى يصل بها إلى درجة الكمال، قال تعالى {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي}.
وتابع مدير الجامع الأزهر: ثم تحدثت السورة الكريمة بعد ذلك عن قدة الله سبحانه وتعالى على الإحياء والموت، قال تعالى{هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}، ثم تحدثت عن شفاء الصدور ولما حل بها من الحسد والبغضاء والكراهية، وذلك باتباع الشرع الحكيم في قوله تعالى { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ}، لتأتي بعد هذه المقدمات تلك النتيجة، { قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِۦ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}، لتنتقل الآيات بعد ذلك الآيات للحديث عن قضية الرزق، قال تعالى {قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ ۖ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ}.
المسلم الحق ينبغي أن يتخلق بخلق الإسلام فيتبع أوامرهوبين خطيب الأضحى بالجامع الأزهر أن المسلم الحق ينبغي أن يتخلق بخلق الإسلام فيتبع أوامره، فيعبد الله حق عبادته ويقيم الصلاة ويؤدي الزكاة ويتصدق ويصل الرحم وخاصة في هذا اليوم المبارك، قال تعالى {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}، ، فليس المسلم بكذابً ولا مرتشٍ ولا قاطعٌ للرحم، ولذا ينبغي أن تكون جميع أفعال المسلم خالصة لله وحده الذي له ما في السماوات والأرض، قال تعالى { أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}، وأن يتبع هَدي الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، الذي أوصانا في حجة الوداع في رواية أَبي بكْرةَ رضي الله عنه أنَّ رسُول اللَّه ﷺ قَالَ في خُطْبتِهِ يوْم النَّحر بِمنىً في حجَّةِ الودَاعِ:" أيُهَأ النّاسُ إنَّ دِماءَكُم، وأمْوالَكم وأعْراضَكُم حرامٌ عَلَيْكُم كَحُرْمة يومِكُم هَذَا، في شهرِكُمْ هَذَا، في بلَدِكُم هَذَا، ألا هَلْ بلَّغْت" متفقٌ عَلَيهِ.
واختتم خطيب الجامع الأزهر حديثه بأن العبادات التي شرعها الله تعالى جاءت لتحقق مراده في كونه، قال تعالى { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }، فبتحقيق العبودية لله تعالى ترتقي النفوس والأرواح لتنتقل من دائرة الإسلام إلى دائرة الإيمان ومنها إلى القنوت والصدق والصبر إلى دائرة الخشوع ثم إلى الصيام وأخير إلى مرحلة ذكر الله،قال تعالى{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الاضحى عيد الشريعة حكمة الله تعالى الفرائض سورة يونس أفضل الأيام يوم النحر عشر ذى الحجة الله تعالى قال تعالى
إقرأ أيضاً:
خطيب البعوث الإسلامية: الأمة تمر بأحداث صعبة ستخرج منها أشد قوة
قال الدكتور حسن يحيى أمين اللجنة العليا للدعوة بمجمع البحوث الإسلامية، إن الحق سبحانه وتعالى حذرنا من اليأس، لأنه أشد ما يصاب به الأفراد والجماعات والأمم، لأن اليأس يحبط العزيمة، وتفتر معه الهمم، وكثير من الأمم عُجل بزوالها لما تملكها اليأس، لذلك شهدت الصراعات قديمًا وحديثًا، محاولات لبس اليأس، حتى يكون لكل حصن الغلبة على الأخر، بهذا السلاح الذي يعد أخطر من الدبابات والصواريخ، وعلينا أن نعيد حسابتنا، وأن نرتب أولوياتنا، وأن نتدارك أخطاءنا، وألا نستجدي النفع من أمم لا ترقب فينا إلًّا ولا ذمة، ولن يتحقق ذلك إلا بالرجوع إلى ربنا معنى وحسًّا، روحًا وجسدًا، نفسًا ومالًا، فقد وعدنا فقال «يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ»، وتعلمنا من التاريخ أنَّه من رحم الألم يولد الأمل، ومن المحنة تولد المنحة، ومن رائحة الموت تولد الحياة، فلا تيأسوا من روح الله.
خطورة استسلام الأمة لأقوال المنافقينوأكد أمين اللجنة العليا للدعوة بالأزهر في خطبة الجمعة بمسجد مدينة البعوث الإسلامية، أن ما تمر به الأمة اليوم ما هو إلا تمحيص وتهديب ستخرج منه الأمة بإذن الله أشد قوة، وأمضى عزمًا، وأكثر منعة، وأوفر حظًّا بين الأمم، والتاريخ خير شاهد على ذلك، وتلك الأيام نداولها بين الناس ، وخبر القرآن يقول: { فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ َ)، ولكن علي الأمة أن لا تستسلم لنكباتها، وألَّا تسلم أذنها لأعدائها، يضخمون لها الفظائع، ويهولون لها الأحداث، ويقطعون منها الأمل، فهذا يأس يخدم أعداء الأمة، ولن يكون علاجًا لاستكمال نقص، ولا داعيًا لمضاعفة جهد، وإنما هو دعوة للإذعان والتسليم، دعوة لتثبيط الهمم، وإرجاف في المدينة يراد به محو وجودها، ونهب مقدراتها، واستلاب هويتها؛ لذلك لابد أن نصيح في أعدائنا: نحن قوم لا نيأس من روح الله.
وأضاف أن استسلام الأمة لأقوال المنافقين والذين في قلوبهم مرض والمرجفين في المدينة، الذين يحاولون زعزعة استقرارها، ويهوِّلون من قوة العدو، ويحقِّرون من قوة المؤمنين، هو بداية لانهيارها، وقد عرَّفنا القرآن الكريم مسلكهم وطبيعتهم ووضع أيدينا على أوصافهم فأصبحت لا تخطئهم أعين المؤمنين، قال تعالى «وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً»، وفي مواجهة هذا الخطاب الانهزامي اليائس من المنافقين نجد خطاب المؤمنين الصادقين «وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً».
اليأس يسهل على أعدائها النيل منهاأوضح الدكتور حسن يحيى خلال خطبة الجمعة بمسجد مدن البعوث الإسلامية، إن قول الحق الذي جاء على لسان سيدنا يعقوب لأبنائه «ولا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكافِرُونَ»، تحذير من اليأس، لأنه يصل بالأمة إلى كونها أمة جاحدة لذاتها، منكرة لكل مقوماتها، وفي هذه الحالة يسهل على أعدائها أن ينالوا منها، لأنَّه بمجرد أن تفقد الأمة الثقة بنفسها، وتيأس من استقامة أحوالها، وقدرتها على معالجة أمراضها تدخل مباشرة في سكرات الموت، وهو غاية ما يتنماه أعداؤها، وذروة ما تصبو إليه نفوسهم، وقد عالج القرآن الكريم هذه الحالة الشعوريَّة اليائسة بمحفزات الإيمان الداعة للهمم، والمقوية للعزيمة، فقال تعالى «وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ».
عوامل اليأس تتسرب للأمةوبين أمين اللجنة العليا للدعوة بالأزهر، إننا إذا تتبعنا عوامل اليأس وجدناها تتسرب للأمة من كثرة عدد أعدائها، وتجمعهم عليها، وقد جعل القرآن الكريم هذه الحالة من أمارات قوة الأمة، وعدالة قضيتها، وجعل تجمع الأعداء وسيلة دعم معنويَّة ترفض اليأس والخنوع، فقال تعالى «الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ»، فكل تجمع ضدنا إنما هو وسيلة لزيادة إيماننا، ومن الخطأ أن نتعامل معه على أنه دعوة لليأس، بل هو دعوة للإيمان بالله والعود الرشيد لكتابه.