الحج فى عيون الأوروبيين.. عظيم.. مدهش.. باعث للرهبة
تاريخ النشر: 16th, June 2024 GMT
(لقد كان مشهدًا يخلب اللُّبَ حقًا أن ترى هذه الآلاف المؤلفة فى لباس التواضع والتجرد من ملذات الدنيا، برؤوسهم العارية وقد بللت الدموع وجناتهم، وأن تسمع تضرعاتهم طالبين الغفران والصفح لبدء حياة جديدة).. هكذا جاء وصف المستشرق الإنجليزى الأشهر جوزيف بيتس لرحلته للحج.
فما بين إعجابهم بصورة وحدة المسلمين أثناء تأدية هذه العبادة وقيام بعضهم برحلات إلى مكة لحضور مناسك الحج وكتابة مشاهداتهم عنها، أولى المستشرقون شعيرة الحج فى الإسلام اهتمامًا خاصًا وربما زعم الكثير منهم أن هذه العبادة ذات أصول وثنية، أو أن الحج إلى مكة جاء بعد فقدان النبى صلى الله عليه وسلم الأمل فى استمالة اليهود كما زعموا.
وقد ألَّف بعض العلماء والأدباء والبلدانيين والمؤرخين والمستشرقين كتبًا عن رحلاتهم إلى الحج، فبعضها كتاب خاصٌّ عن رحلة الحج فقط، وبعضها كتاب رحلة عامَّة ضمَّنها مؤلفها حديثًا عن رحلته إلى الحج والحجاز.
ويرجع التَّأليف فى هذا الباب إلى القرن السَّادس الهجرى، واشتغال الأدباء به أكثر من اشتغال العلماء.
واتسعت خريطة الكتابة عن رحلات الحج حتى شملت مؤلفين من الأندلس والمغرب، ومصر والشَّام، والهند واليابان، وتركيا وآخرين من عدَّة بلاد أوروبية طبقًا لجنسية المؤلف أو مكان إقامته، واختلفت أحوال المؤلفين ما بين رحلة شخصية، أو مرافقة لأمير أو ملك، أو على رأس وفد دولة أو أميرٍ لموكب حجِّها، أو ضيفٍ على حكَّام الحجاز، أو صاحب مشروع سياسى كما فى كثير من رحلات المستشرقين.
أشهر ما كتب فى رحلات الحجوتأتى أهمية كتب رحلات الحج وزيارة الحرمين من عِظَم فائدتها العلمية وقيمتها لدى الباحثين؛ فضلًا عن ارتباطها بالأماكن المقدَّسة، ومن جوانب أهميتها أنَّها بيان دقيق لحال المسلمين الدِّينية ومدى قربهم من الله واتِّباعهم السنَّة خصوصًا ما يتعلق بأهل الحرم، إضافةً إلى وصف الأوضاع السِّياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية؛ ونقل عادات السُّكان وطبيعتهم فى الأفراح والأحزان، وتسجيل سيرة أمراء الحجاز مع الحجَّاج وطرق سياستهم للعامَّة، كما أنَّها تصف العاطفة ومعانى الأخوَّة فى الدِّين عند الحجيج وسكان الحرمين، وفيها إيضاح قيمة الأدب ومبلغه؛ وقدر العناية باللغة وعلومها فى زمن الرّحلة، كما أنَّها تخبر عن أمن الطريق إلى الحج عبر العصور، ومن خلالها يمكن الإلمام بشيء من تاريخ عمارة الحرمين الشَّريفين والمشاعر المقدَّسة.
وتمتاز كتب الرَّحلات التى صنَّفها العلماء باحتوائها على مناسك الحج وأحكامه، بينما تهتم كتب الأدباء والمؤرخين بالطُّرف والأخبار الأنيسة، والأوصاف الشَّائقة، وربما لا تخلو من بدع أو خرافات أو معتقدات باطلة، ومن أشهر كتب الرَّحلات التى لم تسلم من البدع والمعتقدات الخاطئة رحلة ابن بطوطة المسمَّاة: (تحفة النظَّار فى غرائب الأمصار وعجائب الأسفار)، وقد تُرجِمَت إلى بضع لغات عالمية، وبعض الرَّحلات ينكشف شأنها من عنوانها مثل رحلة أبى عبد الله محمد بن أحمد القيسى الشَّهير بالسِّراج، والملقب ابن مُلَيح، واسمها: (أنس السارى والسارب من أقطار المغارب إلى منتهى الآمال والمآرب سيد الأعاجم والأعارب).
وتعدُّ رحلة ابن رشيد السَّبتى من أفضل كتب الرَّحلات التى دوَّنها العلماء لما أودعه فيها من متين العلم وأخبار ملاقاة العلماء ومذاكرتهم، وهذه الرّحلة مطبوعة محقَّقة فى خمسة مجلدات، وعنوانها: (ملء العيبة بما جمع بطول الغيبة فى الوجهة الوجيهة إلى الحرمين مكة وطيبة).
ومن الرَّحلات المهمة فى هذا الباب: رحلة الشَّيخ الشِّنقيطى صاحب أضواء البيان وعنوانها (رحلة الحج إلى بيت الله الحرام)، ورحلة محمد رشيد رضا بعنوان: (رحلة الحجاز)، ومن أفضل الرَّحلات المعاصرة التى أملاها الأدباء (مرآة الحرمين) من تأليف اللواء إبراهيم رفعت وكان أميرًا على موكب الحج المصرى، ورحلة الأمير شكيب أرسلان بعنوان: (الارتسامات اللطاف فى خاطر الحاج إلى أقدس مطاف).
ومن طرائف كتب رحلات الحج أنَّ أحدهم ألَّف كتابًا عن رحلته للحج باللهجة المصرية العامية أسماها: (يا هناء للوعد) وهذا من الغرائب كما يقول الشَّيخ العلاَّمة د. عبد الكريم الخضير، أمتع الله به.
ومنها ما ذكره غلام رسول مهر فى رحلة حجه عام 1348هـ من شبه القارة الهندية بعنوان: (يوميات رحلة فى الحجاز)؛ حيث تعجَّب ومرافقوه من انتشار ركوب الحمير فى الحج؛ ومن كثرتها التى تعود لانخفاض أجرتها مقارنة بالجمال؛ وهو الأمر الذى يراه أهل الهند عارًا وعملًا قبيحا، ثمَّ تغيَّر رأيه هو وأصحابه الذين كانوا معه وأصلحوا نظرتهم للحمار كمركوب ! بعد أن استخدموه لأداء فريضة الحج، ووصف هذا المنظر بأنَّه رائع؛ إذ لم يسبق لأحدهم أن خاض هذه التَّجربة من قبل.
ومن أعجب ما ورد فى رحلات الحج أنَّ المصلين فى الحرم كانوا يؤمِّنون بصوت خافت على دعاء الخطيب للخليفة أو لأمير مكة، فإذا بدأ الخطيب فى الدُّعاء لصلاح الدِّين الأيوبى –رحمة الله عليه– ارتَّج المسجد الحرام بالتَّأمين والبكاء.
ومما ورد فى هذه الرَّحلات ما ذكره أحد الرَّحالة عن نفسه إذ دخل الحجاز وخرج منها فما رأى وجه امرأة قطُّ؛ لانتشار الحجاب حينذاك.
وقد كان حج الملوك والأمراء والكبراء قديمًا مع باقى الحجاج ولا ينفردون إلاَّ فى مواضع قليلة؛ وهو ما جعلهم يطَّلعون بلا وسيط على أحوال المسلمين، وهذا بخلاف زعماء هذا الزَّمان الذين تختفى أشباحهم عن جمهرة الحجيج فلا يرى بعضهم بعضًا إلا خلف الشَّاشات؛ ومع ذلك يتسببون فى زحام الطَّريق والتَّضييق على الحجاج وفيهم الضَّعيف والمريض والكبير.
وللمسلمين من الغربيين كتب أخرى؛ فللكاتب النمساوى المسلم محمد أسد رحلة بعنوان: (الطريق إلى مكة)؛ وقد ترجمت إلى أكثر من لغة؛ وهو كتاب يجذب قارئه ويمتعه.
وقد أثَّرت رحلة الحج تأثيرًا بالغًا فى الكاتب الأمريكى المسلم جفرى لانج وسجَّل أحداثها فى كتابه: (الصراع من أجل الإيمان: انطباعات أمريكى اعتنق الإسلام)؛ حيث انبهر بالتَّنوع البشرى فى الحج، وكانت رحلة الحج سببًا فى تغيير أفكار الزَّعيم الأميركى المسلم مالكوم إكس عن الإسلام؛ حيث استبان له ضلالة معتقداته السَّابقة وعاد إلى بلاده داعية إلى الدِّين الحقِّ الذى عرفه واقتنع به فى بطاح مكة الطَّاهرة.
ومن الطَّريف أن رحلة الحج التى شرع بها الكاتب المصرى محمد حسين هيكل كانت بسبب نصيحة من المسلم المجرى عبد الكريم جرمانوس الذى تبدلت حياته للأفضل بعد أن أدَّى فريضة الحج، ومن عظم بركة تلك الرحلة عليه أن وصفها فى كتابه عن رحلة الحج بعنوان: (الله أكبر) بأنَّها: « لحظة من لحظات الإشراق».
وقد وضع هيكل كتابًا عن رحلته أسماه: (فى منزل الوحى) واشتمل على معان إيمانية لم تكُ معهودةً فى كتاباته من قبل.
رحلات المستشرقين للحج:تقاطر الرَّحالة المستشرقون إلى المنطقة العربية بدايةً من القرن الخامس عشر الميلادى، وكان لديهم اهتمام وشغف بزيارة مكة المكرمة وبالأخص المشاعر المقدسة، ومعايشة رحلة الحج، ورغم تباين واختلاف الأهداف التى كانوا يسعون إليها من وراء رحلاتهم إلى مكة، فإنهم خلَّفوا الكثير من المؤلفات.
بدأ أولى رحلات المستشرقين الإنجليزى «جوزيف بيتس»، والذى عُرف باسم «الحاج يوسف»، وهو أول إنجليزى يزور مكة المكرمة، ويرجح بعض المختصين أن أول أوروبى زار مكة هو المستشرق «لودفيكو دى فارتيما»، والمعروف بلقب «الحاج يونس المصرى». وتنوعت جنسيات المستشرقين الأوروبيين فلم تكن قاصرة على جنسية معينة، فقد زارها كلٌّ من المستشرقين البرتغال، والفرنسيين، والألمان، والهولنديين، والإسبان، والنمساويين، والدانماركيين، وغيرهم.
وكتب المستشرق الهولندى «سنوك» رسالة دكتوراه عن الحج، وكان عنوان رسالته «أصل الحج فى الإسلام»، وبناء على رحلته هذه وضعت هولندا استراتيجيتها لاحتلال بلاد المسلمين فى جنوب شرق آسيا، وارتحل الإيطالى «فارتيما» إلى مكة باسم يونس العجمى وكان جاسوسًا لصالح البرتغال، ومن الرّحلات المهمَّة كذلك رحلة «بيرتون» فى منتصف القرن الثَّالث عشر الهجرى إلى مكة فى ثياب درويش أفغانى، بينما كان يعمل ضابطًا أيرلنديًا فى الجيش البريطانى بالهند.
نماذج من المستشرقين الذين كتبوا عن الحج:
جوزيف بيتسشاب إنجليزى وقع فى الأسر فسافر إلى الحج مع سيده عام 1680م، أطلق على نفسه اسم «الحاج يوسف»، استقلا سفينة ضمن ركب الحج الجزائرى عبر البحر الأبيض المتوسط، وبعد ما يزيد على 40 يوما وصلا إلى الإسكندرية التى مكثا بها زهاء 20 يوما، ومنها إلى القاهرة، ثم واصلا رحلتهما فعبرا البحر الأحمر حتى وصلا إلى ميناء رابغ، حيث ميقات «الجحفة»، وهى قريبة من «رابغ» بينها وبين مكة 204 كيلومترات، تمثل ميقات أهل مصر والشام ومن يمر عليها.
تحدث بيتس عن رحلة الحج التى بدأها بوصف جدة بأنها مرسى سفن الحجيج، وكان يكتب بشكل يومى وتطرَّق إلى الكثير من المعلومات الدقيقة، كتب عن مكة بشكل دقيق وشامل، فكان يدوّن كل ما كانت تقع عليه عيناه، وهذا يتضح من وصفه حيث يقول: (دخلتُ من شارع واسع يتوسط مبانى تتناثر على يمينه ويساره، ويؤدى هذا الطريق إلى الحرم مباشرة، حتى دخلت الحرم المكى من باب السلام).
يعد كتاب «رحلة جوزيف بتس» لصاحبه المستشرق الإنجليزى جوزيف بتس، أحد كتب السير الذاتية التى روت حكايات عن الحج قديما، وكيف كانت الشعائر المقدسة، وذلك من وجهة نظر صاحبها المستشرق الأمريكى، والذى حكى عن شعوره فى المشاعر المقدسة، أثناء أدائه الركن الأعظم من الإسلام، فريضة الحج.
وكتب بيتس عن التعايش السلمى آنذاك بين المسلمين والأقباط، فى مصر، ولا يميز بينهم إلا لون العمائم، المخطط بالأزرق للأقباط والأبيض للمسلمين كانت أسعار المواد الغذائية فى مصر رخيصة الثمن مقارنة بأسعار المواد الغذائية فى البلاد الأخرى كان هناك نظام صارم ضد الغش التجارى، تصادر سلع الغشاشين وتعطى للفقراء، ويجلد التجار تزودت قافلة بيتس بمؤن أربعة أشهر تكفيهم خلال رحلة الحج وحتى العودة للقاهرة، وغادرت إلى السويس ومنها إلى البحر الأحمر.
ها هو «جوزيف بيتس» يصف صعود الحجاج إلى عرفات قائلا: كان مشهدًا عظيما أن ترى هذه الآلاف المؤلفة فى لباس التواضع والتجرد من ملذات الدنيا برؤوسهم العارية وقد بلّلت الدموع وَجَناتهم، وأن تسمع تضرعاتهم طالبين الغفران والصفح لبدء حياة جديدة.
كانت زيارة بيتس لمكة مختلفة تماما عن باقى المستشرقين حيث زارها مجبرًا بعد أن وقعت سفينته فى قبضة القراصنة الذين استولوا عليها وأسروا كل من فيها ثم باعوهم فى الجزائر كعبيد، ومن هنا تم بيعه إلى رجل جزائرى اصطحبه معه إلى موسم الحج ليشهد تفاصيل هذه الفريضة منذ غسل الكعبة بماء زمزم وحتى رحيل آخر حاج من السعودية.
هنرى ماسيه (1886- 1969)مستشرق فرنسى عمل مديرًا للمعهد الفرنسى بالقاهرة، وعُيّن أستاذًا فى جامعة الجزائر (1916-1927)، وعضوًا فى المجمع العلمى العربى بدمشق، ذكر فى كتابه (الإسلام عن الحج) يقول: (ويحتفظ الحج بأهمية رئيسية سواء كان بسبب نتائجه السياسية والاقتصادية أو بسبب قدمه، وبالفعل فهو يبدو مزيجًا من البقايا الوثنية والطقوس الجديدة والمزارات التى يزورها الحاج فى مكة هى أماكن عبادة قبل الإسلام).
أرند جان فِنْسِنْك (1882–1939)تتلمذ على يد المستشرق هوتسما ودى خويه وسنوك هورخرونيه وسخاو، حصل على الدكتوراه عن بحثه (محمد واليهود فى المدينة) عام 1908، ويقول فنسنك: (تتقدم الكعبة لتصبح وجهة المسلمين فى الصلاة، وإن الكعبة قد بناها مؤسس الوحدانية من ابنه لتكون قبلة البشرية جميعًا، وتعود الشعائر كلها إلى الأوامر الإلهية).
سنوك هورخرونيه (1857-1936)يقول عنه الدكتور مازن بن صلاح مطبقانى، أستاذ الاستشراق بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، إنه وُلد فى 8 فبراير 1857م، ودرس اللاهوت ثم بدأ دراسة اللغة العربية والإسلام على يد المستشرق دى خويه، ودرس كذلك على يد مستشرقين آخرين منهم المستشرق الألمانى نولدكه، وكانت رسالته للدكتوراه حول الحج إلى مكة المكرمة عام 1880م، وعمل مدرسًا فى معهد تكوين الموظفين فى الهند الشرقية (إندونيسيا)، وأعلن إسلامه وسُمِى باسم «عبد الغفار» وسافر إلى مكة المكرمة وأمضى فيها ستة أشهر ونصف، وتعرَّف خلال هذه الفترة على عدد من الشخصيات فى مكة، وخاصة الذين تعود أصولهم إلى الجزر الإندونيسية، جمع مادة كتابه عن مكة المكرمة وانتقل إلى العمل فى إندونيسيا لخدمة الاستعمار الهولندى، حيث عمل مستشارًا لإدارة المستعمرات فى عام 1891، ويعد سنوك نموذجًا للمستشرق الذى خدم الاستعمار خدمات كبيرة وسخّر علمه لهذا الغرض.
وقد كانت حملة الخديوى محمد على باشا على الحجاز، سببًا فى دخول عدد من الأوروبيين مع الجيوش المصرية إلى الأراضى المقدّسة وزيارتهم مكة والمدينة، ومنهم السويسرى بيركهارت، والإيطالى فيناتى، والجندى الأسكتلندى توماس كيث.
أما فيناتى، فهو رجل من أهالى فيرارا فى إيطاليا. وقد قُدّر له بعد مغامرات عدة، أن يحجّ إلى مكة المكرّمة فى 1814م، وقد اتخذ محمدًا اسمًا. كل ما لدينا من معلومات عنه، أنه سيق إلى الجنديّة فى بلدته سنة 1805م، ففرّ منها إلى ألبانيا، وعمل عند أحد الباشوات الأتراك فيها، واعتنق الإسلام. ثم توجّه إلى اسطنبول، وبعد مغامرات وتقلبات عدّة وصل إلى القاهرة فى عام 1809م، وانخرط فى سلك الحرس الألبانى. ثم فرّ من الجندية عام 1814م وتوجه إلى مكة المكرمة، فحجّ فيها، وكتب عن ما شاهده بالتفصيل، ومنه قوله: ولمّا كنت مسرورًا لنجاحى فى الفرار، كنت فى وضع فكرى يتقبّل الكثير من الانطباعات القويّة. ولذلك تأثرت كثيرًا بجميع ما رأيت عندما دخلت البلدة (يقصد مكة) لأنّها وإن لم تكن واسعة ولا جميلة بحدّ ذاتها، فقد كان فيها شىء يبعث على الرهبة والاندهاش. وكان ذلك يلاحظ على الأخصّ عند الظهيرة، حينما يهدأ كل شىء تمام الهدوء، إلا المؤذّن الذى يدعو الناس إلى الصلاة من فوق المأذنة.
ويمضى فيناتى فى وصف البيت الحرام والكعبة معلقًا على ازدحام الناس فى مكة، وكثرة الحجّاج فيها فيقول: وصلتْ إلى مكة، منذ أن أتيتُ إليها، قافلتان كبيرتان، إحداهما من آسيا والأخرى من إفريقيا، يبلغ عدد القادمين فيهما حوالى أربعين ألف شخص، كان يبدو عليهم كلهم مقدار ما يكنّونه فى نفوسهم من الاحترام والتقديس للبيت الحرام.
هكذا تنوعت رؤى المستشرقين للمشهد الأعظم الذى يضم المسلمين فى مناسك الحج، ومهما اختلفت آراؤهم، يبقى أن الأمر قد أثار بداخلهم كثيرا من الجدل والشعور بالرهبة والتقديس، ليظل الحج هو الشعيرة العظمى، القادرة على جمع الملايين من شتى بقاع العالم حول بيت الله الحرام.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الطريق الطريق إلى الله الأوروبيين
إقرأ أيضاً:
رحلة في ذاكرة المسرح السوداني* 1909 ــ 2019
رحلة في ذاكرة المسرح السوداني* 1909 ــ 2019
عبد الرحمن نجدي**
المسرح موطن لأيامي الجميلة
تقديم وعرض حامد فضل الله /برلين
صدر في عام 2025 كتاب لعبد الرحمن نجدي بالعنوان أعلاه. قام بتصميم الغلاف الفنان التشكيلي حسن موسى (فرنسا).
تبدأ الصفحة الأولى بعنوان: "تجديد الذاكرة"، "دعوني ابدأ باعتراف شخصي، لقد أخذتني السينما معظم سنوات حياتي رغم إنني درست علوم وفنون المسرح أولا قبل أن اتجه للسينما. لكنني ظللت وفيا للمسرح وأهله، وهذه شهادة مني بذلك".
" على مدي ثلاثة عقود عجاف من عمر حكومة "الاِنقاذ" لم تنج خشبة المسرح ... ومجمل الأنشطة الانسانية الأخرى التي تتصل بالهم الثقافي من قبضة واحد من أكثر الأنظمة عنفاً وقبحاً في تاريخ السودان!!.
وينشد:
خربت الديار يا سوبا أصلك خاينة،
وليَ الأوان يافتنة قط ما تايبة،
أضحي الجيشو خراب والدولة أضحت سايبة،
وكل التابعوك يا سوبا ناسا خايبة.
(خراب سوبا" خالد أبو الروس 1908 ــ 2014 ).
ويقول، لقد عانى المسرح طويلاً من وطأة عدم الرضي الرسمي، ومن طبقات طفيلية من أهل الدراما، فالمسرح يجب ان يكون( أو ينبغي أن يكون أبو الفنون) في بلادنا، كما هو في غيرها، ومصدر إشعاعها. وكان للمسرح في السودان، منذ مطلع عشرينات القرن الماضي، دوراً رائداً في تكوين الثقافة الجماهيرية وقيم الاستنارة والنضال الوطني المعادي للاستعمار. بدأ تاريخ المسرح في السودان عام 1902 حسب ما جاء في كتاب بابكر بدري (حياتي)، وظهر المسرح بشكله الأرسطي في مدينة رفاعة. كما سعى معهد تدريب المعلمين بخت الرضا منذ منتصف ثلاثينيات القرن الماضي، ليجعل من المسرح أداة من وسائل التعليم. كما جاءت سنوات الستينيات حافلة بكل ما تحمله الكلمة من دلالات، فقد كانت فترة تحول سياسي وإيجابي هائلة تم فيها الاِعلان عن ميلاد أول حركة جادة ومنظمة للمسرح، عندما قدمت مسرحية إبراهيم العبادي "المك نمر" وإخراج الفكي عبد الرحمن.
تم في عام 1976 إنشاء مسرح (للطفل والعرائس)، ولعل أكثر المسرحيات ارتبطا بالجماهير وأكثرها شهرة مسرحية "نبتة حبيبتي).
بدور الحق يسود في الناس،
ونبته تقيف تعاند الليل،
وما تسجد عشان تنداس،
وما تحكمنا عادة الكهنة،
والبحكمنا حقو الرأس.
أنشودة من أجل العدالة
(هاشم صديق، مسرحية "نبتة حبيبتي.")
كما سعى المسرحيون السودانيون، في هذا الجو المشحون بالإبداع إلى اقتحام طرق جديدة للعرض، فكان التغريب. ثم لا ينسى كلية الدراما " المعهد العالي للموسيقى والمسرح (1969)، والمسرح الجامعي مشاركاً المسرح القومي نهضته. ويرسل تحية وإجلال للمبدعات السودانيات اللواتي اقتحمن مجالاً عصياً تماماً على النساء في ذلك الزمان.
ولعل الفقرة التالية تلخص مضمون هذا الكتاب الصغير في الحجم والعميق في محتواه.
" لقد نشأ المسرح في السودان بوصفه ثمرة جهد من العمل الدؤوب قام به العيد من الرواد، وأصبح منذ مطلع القرن الماضي محطة مضيئة من محطات الحياة الثقافية والفكرية في السودان، وكان جزءا من نسيج الحياة الأدبية والفنية، ورغم أن تجربتنا المسرحية حديثة نسبية، فقد أستطاع كتابنا أن يتعرضوا لكل أنواع الصراع. هذا البحث محاولة لاستحضار تلك اللحظات الخالدة في تاريخ المسرح في السودان، ومحاولة للاقتراب من التجربة المسرحية خاصة تلك المرتبطة بالخشبة، وبفنان المسرح، وأولئك الذين شاركوا في نهضته، وأحيوا فينا شعلة الأمل لعقود طويلة، واليوم طواهم النسيان، وهذه المراجعات لاستكمال الصورة، ملء الفراغ، ما سجلته مجرد خطوط عامة لهذا التطور الخلاق والمنطقي لخشبة المسرح في السودان، وإبراز قيمة المسرحيات التي عرضت وشكلت منعطفاً منطقياً في ذاكرة المسرح السوداني في مستواها التاريخي والاِنساني، وأقول أن هناك الكثير جدا من القصص في ذاكرة المسرح السوداني تنتظر ما يسردها. والدعوة إلى فتح حوار جاد حول الدور الذي نتوقع أن يلعبه المسرح في تثبيت قيم الحرية واستشراف مستقبل واعد لبلد قتلته الأطماع والأيديولوجيات البليدة والخبيثة ".
كُتب واُخرج الكتاب بطريقة فنية، تقوم على سرد الراوي ( المؤلف) وكأنه على خشبة المسرح، ويعقبه إضاءة بصوت خارجي يضيف ويعلق، وهكذا دواليك، بهذا يشعر القارئ وكأنه داخل المسرح.
ويُختتم الكتاب بشهادات من عدد كبير من الفنانين والمبدعين والكتاب والسياسيين.
أرسل لي عبد الرحمن مسودة كتابه، وارسلت له السطور أدنها، فكرمني أبن الخال، فزين بها صفحة الغلاف الخلفي:
الأخ العزيز عبد الرحمن،
قرأت بكثير من المتعة والاِعجاب كتابك الموسوم "رحلة في ذاكرة المسرح في السودان (1909ــ 2019)".
تكتب يا العزيز بتواضع جم " ما سجلته مجرد خطوط عامة لهذا التطور الخلاق والمنطقي لخشبة المسرح في السودان، وإبراز قيمة المسرحيات ..."
يا العزيز،هذا نص رائع ووسيم وباهي، وزاخر بمعلومات قيمة وسرد تاريخي، بقلم كاتب وناقد معايشاً ومتابعاً من الداخل، لتطور المسرح في السودان.
لقد أعاد لي نصك البديع الكثير من الذكريات الحميمية. فخالد أبو الروس كان معلمنا في مدرسة الهداية الأولية، لصاحبها الشيخ الشبلي، الفاضل سعيد كان زميلي في المرحلة الثانوية، وكنا نلاحظ ونندهش ونعجب لمقدرته في المحاكاة، وكذلك زميل المهنة الدكتور الطبيب علي البدوي المبارك، وخالد المبارك كان زميلي لفترة قصيرة في ألمانيا الديمقراطية، قبل أن يتوجه إلى بريطانيا لمواصلة دراسته الأكاديمية العليا في مجال الفن المسرحي، ولا تزال تربطني به صداقة حميمة. لم تذكر حسن عبد المجيد فكان يقدم مسرحيات في الإذاعة (هنا أم درمان). وكذلك لم تتعرض للبروفيسور عبد الله الطيب، الذي كان يترجم بعض النصوص المسرحية الاِنجليزية، وكانت تُقدم أيضا من الاِذاعة". وكان يشارك في التمثيل والإخراج الصديق " ود المسلمية" قمرالدين علي قرنبع، و قتها كان طالباً في كلية الآداب، ثم أستاذا في معهد الدراسات الاضافية التابع لجامعة الخرطوم لاحقاً.
نعمل الآن في برلين لعقد ندوة كبيرة عن تاريخ المسرح والسينما في السودان، ويساعدنا في التحضير الصديق والمخرج السينمائي العراقي المعروف قيس الزبيدي*** وهو يعرفك ويعرف إبراهيم شداد، وكتب من قبل دراسة تعريفية ونقدية عن أفلام إبراهيم شداد.
لك عظيم الشكر "يا ود نجدي"، لهذا الرحيق ونحن نعيش في هذا الزمن الرديء.
حامد فضل الله
برلين، 27 أكتوبر 2024
أرسل لي العزيز عبد الرحمن عدد من نسخ كتابه الصغير، فقلت له: لماذا ضاق صدرك ولديك الكثير من ما تقوله.
فرد قائلاً:
هذا الكتاب مقدمة (قدومة) لثلاث كتب:
ــ الرقابة والسينما السودانية.
ــ رحلة في ذاكرة السينما السودانية
ــ الأماني المعلقة.
يا لها من بشارة عظيمة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*عبد الرحمن نجدي، رحلة في ذاكرة المسرح السوداني، دار باركود للنشر والترجمة والتوزيع، الخرطوم 2025
** عبد الرحمن عبد الرازق نجدي، كاتب وناقد ومخرج سينمائي، درس السينما والمسرح في الخرطوم ولندن، مؤسس لمجلات السينما والمسرح في السودان، وشارك في العديد من مهرجانات السينما العربية والدولية، ويعمل مديراً لشركة قطر للسينما وتوزيع الأفلام منذ 2006.
*** تُوفىً قيس الزبيدي في برلين وقبل صدور الكتاب، ودُفن في العراق.
hamidfadlalla1936@gmail.com