قبل قرن من الزمان، وبالتحديد فى 22 يونيو ولد طفل موهوب متفرد، وفى 12 مارس 1995 رحل الطفل بعد أن صار شيخًا حكيمًا، حيث عاش حياة مترعة بالجهد والابتكار… حياة يظللها عشق لا شبيه له للعمل والحكمة والفن والثقافة والإبداع.
فى قرية منسية يقال لها (أبو الغر/ مركز كفر الزيات) بمحافظة الغربية نشأ هذا الطفل لأب أفقر من الفقر، لكن سرعان ما غادر هذا الأب الحياة تاركًا الطفل ذا السبع سنوات بحوزة أمه وشقيقه الأكبر يوسف الذى يكبره بعامين فقط، فكيف واجه طفلان ذكيان جدًا مصاعب الحياة وشراستها قبل أكثر من تسعين عامًا؟.
اضطر الطفل إلى مغادرة المدرسة بعد أنهى الصف الثانى الابتدائى، لكن ذكاءه الملحوظ جعله عاشقًا للقراءة والاطلاع. وعلى الفور التحق مع شقيقه بعدة ورش صغيرة فى المحلة، ثم انضم عام 1937 إلى جيش العمال بمصانع المحلة الكبرى للغزل والنسيج.
فى عام 1940 تجاوزت قراءاته سنه، فكان عقّله يتألق ويبرق مع كل فكرة لافتة أو عبارة جميلة. فكان مفتونًا بسلامة موسى وطه حسين وشوقى ودارون ودوستويفسكى ورمبرانت وصاروخان ورخا. وقد اكتشف أن القاهرة هى ينبوع الفكر والفن والثقافة والإبداع، فقرر مع شقيقه الأكبر مغادرة المحلة إلى الأبد والتوجه نحو القاهرة للعمل والاستقرار.
وقد قال لي: (كى أكون قريبًا من سلامة موسى وطه حسين وأم كلثوم وعبدالوهاب ويوسف وهبى والريحانى والشيخ رفعت والأهرام والهلال).
فى سنة 1943 عاد إلى قريته لعدة أيام، ليتزوج ابنة عمته الفتاة الجميلة التى تصغره بأربعة أعوام، والتى لم تنعم بالجلوس لحظة فى أى صف دراسى. ثم أتى بها إلى القاهرة ليعلمها القراءة والكتابة بنفسه، فتستجيب بسرعة البرق، وينتشى عقلها بمطالعة الصحف والمجلات والروايات.
فاصطحبها معه إلى صالون سلامة موسى الذى كان يعقده فى بيته بالفجالة كل أربعاء.
قاوم الشاب وشقيقه الاحتلال الإنجليزى مع المقاومين وتظاهر مع المتظاهرين واعتقلوه مع المعتقلين وأصيب إبهامه الأيسر إصابة ظلت آثارها بادية حتى رحيله، ولما أنجب أبناءه السبعة حرص الحرص كله على أن ينالوا أرقى درجات التعليم، فكان منهم المحاسب والمهندس وعالمة الفيزياء النووية وخبير النسيج والموجهة الأولى بالتعليم..و..و.
فى خمسينيات القرن الماضى وستينياته كان الرجل أمهر ميكانيكى نسيج فى مصر كلها، بل ابتكر طريقة ما لتطوير أداء ماكينة النسيج إنجليزية الصنع، وكان يردد بجدية: (بدون جهد يومى ومثابرة دائمة لا يطور الإنسان عمله).
بعد رحيله بسنوات التقيت أناسًا لا يعرفون أننى أعرفه، وجاءت سيرته ففاح عطر الذكرى المكان، وانهالت أمطار المديح على أخلاق الرجل وسلوكه الراقى ومواهبه الفذة، حتى أذكر أن سائق التاكسى الذى ركبت معه مرة، رفض أن يتقاضى أجرته على الإطلاق، رغم إصرارى، عندما علم بعلاقتى به.
بعد صلاة فجر 12 مارس 1995، نام قليلا، ثم استيقظ دقائق، ثم نام فى هدوء إلى الأبد.
نسيت أن أخبرك أن هذا الرجل العظيم هو والدى المرحوم عبدالفتاح إبراهيم عراق.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: ناصر عراق قبل قرن من الزمان رحل الطفل مركز كفر الزيات
إقرأ أيضاً:
قواعد من الحياة.. “مَنْ لمْ يشْكُرِ النَّاسَ لَمْ يشْكُرِ الله”
في الحديثِ عن عبدِ اللهِ بنِ عمرو رضي الله عنه قال: قالَ: رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: “لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى امْرَأَةٍ لَا تَشْكَرُ لِزَوْجِهَا. وَهِيَ لَا تَسْتَغْنِي عَنْهُ”.
ما أعظم هذا الحديثَ، فَشُكْرُ الناسِ منْ شكرِ اللهِ تعالى كما قال صلى الله عليه وسلم: “مَنْ لمْ يشْكُرِ النَّاسَ لَمْ يشْكُرِ الله”.
إن كثيرا من مشكلات البيوت تقع بسبب عدم الإقرار بالإحسان، ونكرانه، فمع إحسان كثير من الأزواج فهي لا تشكره ولا تشعره بفضلِه. وإذا كان على الزوج ألا يَمنّ فيما يعطيه لزوجته، لقوله تعالى: “وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ”. وفي المقابل على المرأة أن تشكر زوجها، وأن تُبادِرَ بشكره فلا تَضْطّرَهُ إلى أن يتحدثَ عما فعلَ، وكذلكَ على الرجلِ أنْ يشكرَ زوجتَه إذا أحسنت، فمهما يكن الرجل أبدا لا يستغنِي عن المرأة. ولا المرأةُ تستغني عن الرجل، لقوله تعالى: “هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ”.
فالشكر من قواعد الحياة الجميلة، التي من شأنها أن تجعل الاحترام السعادة ينتشران في أرجاء المنزل. فعلى الرجل أن يُبادِرُ بشكر زوجته، وهي تُبادِرُ بشكره، فمن الواجب أن يقوم كل منهما بواجبه، ولابد أن يكون شعارنا الشكر بيننا وبين الآخرين من أهلها وأولادنا.