وقفتُ أمام معبد البارثينون العظيم، ولم أستطع إلا أن أشعر بمزيج من الرهبة والألفة. روعة أثينا ترن داخلى، كصدى للهمسات القديمة للإسكندرية. الشمس تلقى بألوان ذهبية على الأعمدة الرخامية، محوّلة إياها إلى حراسٍ للتاريخ، حماةٍ لقصص لا تنتهى. كمصرى معاصر من الإسكندرية، لا أرى إلا التشابه بين هاتين المدينتين وما قدمتاه من حضارة.

تجوّلتُ فى ساحة بلاكا، قلب أثينا، حيث تمتزج رائحة اللحوم المشوية والزيتون الطازج مع ضحكات السكان المحليين والسياح على حد سواء. وجدتُ مطعمًا صغيرًا، طاولاته الخشبية مظلّلة بكروم العنب، وجلستُ لتناول وجبة. الطعام، بنكهاته الغنية، ذكّرنى ذلك بمطاعم كورنيش الإسكندرية وأسماك البحر الأبيض المتوسط الشهية.

وبينما كنتُ أرتشف كوبًا من عصير البرتقال، بدأتُ أفكارى تتحول إلى شاعر الاسكندرية قسطنطين كافافيس (1863-1933) الذى خلّد الإسكندرية فى أبياته. فجأة، ظهر كفافيس كأنه قد استُحضر بأفكارى، وجدته شخصية طيفية ببدلة بيضاء أنيقة، وتحت عدسات نظارته ذات الإطار الأسود، كانت عيناه تلمعان بحكمة السنين الماضية.

صرخت: «كفافيس، لا أصدق عيني!» ابتسم الشاعر، وجلس مقابلى، قائلًا: «ولا أنا يا عزيزى كمال؛ يبدو أنَّ أثينا لها طريقة فى استحضار البشر والأزمنة».

أخبرته أننى أشعر بالحنين إلى الإسكندرية القديمة، تلك التى قرأت عنها فى الكتب وسمعت عنها فى حكايات الكبار. لكننى أضفت أن المدينة التى أعرفها الآن مختلفة، حديثة، متقلبة المزاج، وسألت الشاعر كيف يمكننى التوفيق بين هاتين الإسكندريتين داخلى.

أجاب أنَّ إسكندرية ذاكرتى والإسكندرية الحالية هما وجهان لعملة واحدة، يتعايشان ويكمّلان بعضهما. وأكد أن مهمتى ككاتب هى غزل خيوطهما معًا، لخلق نسيج يكرّم الماضى ويحتفى بالحاضر. ثم نظر إليّ وقد تحوّل صوته إلى همس وهو يقول إن الشعر هو فن التقاط الزائل قبل أن يخبو، ومنح الصوت للصدى قبل أن يصمت. وأضاف أن الإسكندرية، بطبقاتها التاريخية وتداخل ثقافاتها المتنوعة، هى الملهمة المثالية لمثل هذا المسعى. ودار بيننا حديث.

أنا: قسطنطين، ها نحن معا فى أثينا، ولا أستطيع إلا أن أشعر بوزن التاريخ والجمال من حولنا. كأن الأحجار القديمة تهمس قصصًا عن الحكمة والشوق. تمامًا كما كانت تجسد الإسكندرية، مدينتنا الحبيبة، مثالًا للثقافات والأجناس والألسنة المتنوعة.

كافافيس: أها، الإسكندرية. المدينة التى لا تتوقف عن إلهامنا بخليطها من الشرق والغرب، حيث تلتقى الأساطير اليونانية بالتراث المصرى فى شوارعها وساحاتها. إنها مدينة من التناقضات، حيث يرقص النظام فى أحضان الفوضى على إيقاع متناغم.

أنا: (بعد أن استرجعت أنفاسى من وقع الصورة الشعرية): بالفعل، يا صديقى. هذه الأحجار شهدت صعود وسقوط الإمبراطوريات.

كافافيس: نعم، الإسكندرية هى قصيدة فى ذاتها، لوحة حية حيث يتداخل التاريخ والحداثة. كما يلتقط الفن اللحظات الزاهية، كذلك تلتقط الإسكندرية جوهر الخلود وسط تغيرات الحياة.

 

المصدر: بوابة الوفد

إقرأ أيضاً:

مصر لا تنسى أبنائها

لا شك أن قرار العفو الرئاسى عن 54 من المحكوم عليهم من أبناء سيناء خطوة مهمة تقوى من البنيان الداخلى وبمثابة رد الجميل لأبناء وعواقل وشيوخ سيناء الذين كانوا وما زالوا حائط صد قوى ومنيع ضد المؤامرات التى تستهدف أمن واستقرار الوطن
قرار العفو الرئاسى جاء تكريماً لأهالى سيناء، بعدما لعبوا دورًا مؤثرًا فى حرب مصر ضد الإرهاب السنوات الماضية، فقد عاونوا الدولة كثيرًا فى صد التنظيمات الإرهابية التى حاولت التمركز فى شبه جزيرة سيناء، فقد كانوا بمثابة خط دفاع أول ضد محاولات الإرهابيين لاستخدام هذه المناطق كقواعد لتنفيذ مخططاتهم، كما لعب الشيوخ والقيادات المجتمعية دوراً فى توعية الشباب بخطر الفكر المتطرف وضرورة الوقوف بجانب الدولة للحفاظ على أمن الوطن واستقراره
ولا شك أن هذا القرار سيسهم فى تعزيز المشاركة المجتمعية فى سيناء، حيث يمثل دافعًا قويًا لأبناء المنطقة للمساهمة بفعالية فى مسيرة التنمية الشاملة، فتح قنوات التواصل بين القيادة السياسية والمجتمعات المحلية بخلق حالة من التفاهم المشترك، ويدعم جهود الدولة فى القضاء على التطرف واستعادة الأمن والاستقرار.
هذه المبادرة ليست مجرد قرار إدارى، بل هى رسالة إنسانية عميقة تؤكد أن مصر قيادةً وشعبًا، تسير على طريق التنمية والسلام.
حفظ الله مصر جيشا وشعبا وقيادة.

مقالات مشابهة

  • المرأة ﻓﻰ ﻋﻴﻮن "ﻣﺤﻔﻮظ"
  • مصر لا تنسى أبنائها
  • إرث الخالدين
  • «انتبهوا يا مصريين».. لأباطيلُ أَعْدَائِكُمْ
  • رمضان 2025 .. علي السبع ينضم إلى أبطال مسلسل أثينا
  • علي السبع ينضم إلى أبطال مسلسل "أثينا"
  • علي السبع ينضم إلى أبطال مسلسل أثينا
  • سلوى محمد علي ومحمود قابيل ينضمان إلى أسرة مسلسل "أثينا"
  • معركة الوعى
  • دبابات البابا