كل طرف فى هذا الكون يحاول صنع صورة العدو المقابل، ويرى فى هذه الصورة أمناً له، ولكن ذلك لن نجنى منه سوى الحروب، ويتناسى هؤلاء أن المصالح الاقتصادية بين الدول مشتركة كذلك فإن عادم السيارات فى القاهرة أو فى أى عاصمة مزدحمة تتأثر البشرية به فنحن فى قارب واحد رغم الحدود الجغرافية والاقتصادية؛ وعلى مدى التاريخ قامت حروب كثيرة وسقط قتلى فى جميع الأطراف، والإنسان- بكل أسف- غير قابل فى موضوع الحروب للتحضّر، إن دوافع الحرب رغم مآسيها تستهويه، كما أن تجار الأسلحة يعملون على إذكاء نيرانها، إن المرء لا يتعلم من الماضى ولا من الحاضر، لقد مرت حقب طويلة وكلٌّ يصنع ويدبّر الفخ للآخر ليسقط فيه فى النهاية منتصراً أو منهزما وما نراه من تدمير دموى لغزة شاهد على أنهم لم يتعلموا مما فعله هتلر بهم فجاءوا كى يعيدوه على الفلسطينيين الأبرياء، لقد كانوا ضحايا هتلر فأرادوا إعادة التاريخ ليكونوا جُناة يعذبون ضحاياهم قبيل الموت وكأنهم فى لعبة إلكترونية!
لقد خرجت المستشرقة الألمانية أنَّمارى شيمِل من وسط الحضارة الأوروبية لتعلن انتماءها إلى الحضارة الإسلامية وتقديسها لها والاعتراف بما أهدته الحضارة الإسلامية للعالم من علوم وآداب اتكأ عليها الغرب فى نهضته وأسهمت فى تنويرهم؛ لتصبح حرب غزة منعطفا جديدا فى العلاقة بين الشعوب العربية والأوروبية التى أفاقت على هول الجرائم المتتابعة فى غزة وبعيداً عن السياسة التى قطعت وشائج الإنسان فى الغرب الذى فقد منظومة القيم وهو يشاهد ساسته الإبادة فى غزة فلا يحرك ساكنا؛ وأطراف منه تقف علانية ضد وقف النار؛ ليكن الغرب شجاعا فى الاعتراف بمآسيه الاستعمارية ودفع التعويضات لأحفاد الضحايا ليفتح العالم العربى صفحة جديدة؛ فبدون إيقاف الحروب ودفع التعويضات لن تسامح الشعوب جلَّاديها ولن يتعلم الجلادون أيضاً.
مختتم الكلام
كل عام أنت أحلى كل عام أنت أجمل
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: جميع الأطراف
إقرأ أيضاً:
سوريا بين شبح العقوبات وترتيبات إعادة التموضع الإقليمي
في أروقة الأمم المتحدة وعلى مقاعد مجلس الأمن، تتشكل ملامح مرحلة جديدة في الملف السوري، لكنها لا تخلو من التعقيد والغموض. بين مطالب أميركية صارمة بقطع طريق الإرهاب، وإبعاد النفوذ الإيراني، والتخلي عن أي دور للفصائل الفلسطينية، تقف دمشق عند مفترق طرق تاريخي، تحاول من خلاله التخفيف من العقوبات الخانقة وتلميع صورة الدولة الجديدة أمام المجتمع الدولي.
وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، بلغة دبلوماسية ناعمة، أعاد التأكيد أن العقوبات لا تطال النظام فحسب، بل تساهم في تفشي اقتصاد الظل وتغذية الشبكات غير الشرعية، بينما تحرم البلاد من فرص التعافي الاقتصادي والعدالة الانتقالية. في المقابل، لم تغفل الإدارة الأميركية عن طرح شروط تبدو، في بعض جوانبها، تعجيزية، مما يوحي بأن واشنطن لا تبحث فقط عن تغيير في السلوك، بل عن تغيير في البنية السياسية العميقة.
في الخلفية، تتسارع تحركات إقليمية غامضة. فقد شهدت دمشق، لأول مرة منذ عقود، زيارات حاخامات من أصول سورية إلى مسقط رأس أجدادهم، وسط ترحيب إعلامي إسرائيلي لافت. بالتوازي، جرت زيارات نادرة لشيوخ دروز إلى الأراضي المحتلة، في خطوات تبدو كمحاولات متقدمة لاختراق الحواجز النفسية بين مكونات الجغرافيا السورية وإسرائيل، استعدادًا لاحتمالات جديدة للتموضع السياسي.
أما على الصعيد الاقتصادي، فتتوالى الأنباء عن جهود تقودها الرياض والدوحة لإنهاء ملف الديون السيادية السورية المتعثرة، مما يمهد الطريق لتحريك ملف إعادة الإعمار الذي ظل حتى الآن رهينة للصراعات الدولية والإقليمية. ومن المتوقع أن تسدد السعودية جزءًا من متأخرات سوريا لدى البنك الدولي، في خطوة قد تفتح الباب أمام تدفق منح وقروض بمئات الملايين لإصلاح قطاعي الكهرباء والبنية التحتية.
وفي كواليس هذه الترتيبات، تجري اتصالات سرية مع الجانب الروسي، الذي بدا أكثر انفتاحًا على تخفيف الحضور العسكري المباشر، مقابل ضمان مصالحه الاقتصادية والأمنية عبر صيغ جديدة للشراكة مع السلطة السورية ومؤسسات دولية، في مشهد يُراد له أن يعيد رسم خريطة النفوذ بطريقة أكثر مرونة وأقل صدامًا مع الغرب.
تبدو سوريا اليوم ساحة اختبار كبيرة: هل تنجح القيادة الجديدة في تجاوز إرث الماضي، والالتفاف على شروط الغرب الثقيلة؟ أم أن شبكة المصالح الإقليمية والدولية ستعيد إنتاج أزمات قديمة بثوب جديد؟
في كل الأحوال، لم يعد المشهد السوري شأنًا داخليًا خالصًا، بل أصبح قطعة شطرنج تتحرك فيها أيادٍ كثيرة في الخفاء، بانتظار اللحظة التي يتم فيها الإعلان عن قواعد اللعبة المقبلة.