رغم مرور سنوات طويلة على اكتشاف هواية «التصوير الذاتي»، التي تُسمى بـ«السيلفي»، وانتشارها على نطاق واسع في 2012، إلا أنها أصبحت ظاهرة احترافية، أو «هوسًا» اجتاح منصَّات التواصل الاجتماعي هذه الأيام، مع موسم الحج.
على مدار أسابيع، لاحظنا انتشارًا غير مسبوق، لعدوى «التوثيق الروحاني»، الذي أوصلَ «جنون عُشَّاقه» إلى التقاط صور «السيلفي» لرصد أدق التفاصيل، ونشر مقاطع فيديو قصيرة على مِنَصَّات التواصل الاجتماعي، فيما لجأ آخرون إلى البثِّ الحيّ!
منذ بدء توافد الحجيج على الديار المقدسة.
لكن الهَوَسَ بتلك الظاهرة ـ غير المستحبة على أقل تقدير ـ نتصور أنها في كثير من الأوقات تُجافي روحانية المشاعر، وإلغاء الخصوصية.. أو حتى احترام قُدسية وجلال وهَيْبَة المناسبة، التي تتطلب سَكينة وخشوعًا!
في الماضي، كانت أكف الحجيج تُرفع بالدعاء إلى الله، فصارت الآن ترفع الهواتف المحمولة لالتقاط «السيلفي»، أو القيام ببثٍّ حيٍّ ومباشر لمقاطع فيديو، مما جعلهم يفقدون لذَّة الخشوع، واستبدالها بمتعة التصوير!
ذلك «التوثيق الروحاني»، قد يجعله ظاهرة ـ لا سمح الله ـ تدخل في زحام دائرة الرياء، أو على الأقل جرح مشاعر آخرين فقدوا شرط الاستطاعة، ولا يستطيعون الوصول إلى المشاعر المقدسة، التي أصبحت «جهاد الأغنياء»!
ربما يقول البعض إن «التوثيق الروحاني» ليس شرًّا كله، باعتباره عفَوِيًّا في الغالب الأعم، وأقرب ما يكون إلى البساطة وعدم التكلُّف، لكننا من خلال ما نتابعه في موسم الحج يمكن اعتباره «توثيقًا مستفزًا»!
في موسم الحج، رصدنا مشاهدَ غاب عنها الجلال والوقار، وتلاشت فيها القُدْسِيَّة والهَيْبَة، كما اختفت منها السَّكينة والخشوع، لنرى أفعالًا خارجة عن السياق، لتحقيق «انتصارات» صغيرة بكاميرات الهواتف المحمولة، فيما يمكن تسميته بـ«غزوات التوثيق»!
نتصور أن حُمى «التوثيق الروحاني» بطابعها النرجسي، ألقت بظلالها على ركن الإسلام الأعظم، الذي باتت شعائره ساحة يتبارى فيها المسلمون، بصورهم وتعليقاتهم، التي لا تخلو أحيانًا من التفاخر أو التباهي عند البعض، ليعبر هؤلاء عن مرض مزمن لا يمكن إيقاف تفشِّيه!
ربما تغيَّر مفهوم القداسة لدى الكثيرين في العالم الرقمي «الديجيتال» الذي نعيشه، لأنه في ثقافة «التوثيق الروحاني» باتت الفيديوهات والصور التي يتم التقاطها في الحرمَيْن المكي والمدني وما حولهما، رمزًا شخصيًا، ليتحول كل ما هو مقدَّس إلى تنوع مختلف، بحسب الأشخاص والألوان والزوايا والنَّكهات!
أخيرًا.. نعتقد أنه يجب «تطعيم» الحجاج ضد «حمى التوثيق الروحاني» لمنع انتشار «العدوى» المصاحبة لتلك الممارسات الخاطئة، التي يعتقد «المصابون» بها أنهم في مهرجانات سياحية أو أجواء كرنفالية، أكثر منها تعبدية!
فصل الخطاب:
حكمة: «التديُّن المغشوش قد يكون أنكى بالأمم من الإلحاد الصارخ»!
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: محمود زاهر مراجعات السيلفي نطاق واسع التقاط صور
إقرأ أيضاً: