الرقائق الإلكترونية وحكم العالم
تاريخ النشر: 16th, June 2024 GMT
الرقائق الإلكترونية أو أشباه المواصلات أو كما يطلق عليها نفط المستقبل دورها فى تحديد النظام العالمى القادم.
الرقائق الإلكترونية قطع صغيرة مصنوعة من السيليكون، يتم تغليفها فى حاوية من البلاستيك أو الخزف تسمى الحزمة، وتعمل الرقائق الإلكترونية على تضخيم الإشارات الكهربائية، أو تعمل كمفتاح تشغيل/إيقاف فى تطبيقات الحاسب الآلى، ومن الممكن أن تكون الرقاقة عبارة عن ترانزستور واحد، أو دائرة متكاملة تضم مجموعة مترابطة من الترانزستوراتý.
ونقل تقرير نشره موقع «فوكس» عن بات غيلسنجر، الرئيس التنفيذى لشركة «إنتل» قوله إن الرقائق «حاسمة لكل جانب من جوانب الوجود البشري»، وأضاف «كل شيء أصبح رقمياً أكثر فأكثر وكل شيء رقمى يعمل بأشباه الموصلات. لذلك، هذا أمر بالغ الأهمية لكل جانب من جوانب الوجود البشرى. احتياطيات النفط حددت الجغرافيا السياسية على مدى العقود الخمسة الماضية، ووجود سلاسل توريد التكنولوجيا وأشباه الموصلات سيحدد الجغرافيا السياسية للأعوام القادمة».
يتطلب تصنيع الرقائق الإلكترونية مصانع خاصة، وتبدأ عملية الإنتاج بتقطيع ألواح المواد إلى شرائح رقيقة، ثم تضاف العناصر الإلكترونية على سطح الشريحة باستخدام تقنية الطباعة بالضوء، وتُربط هذه العناصر معاً باستخدام الأسلاك الرفيعة لإنشاء الدوائر الإلكترونية وتدخل رقائق الحاسوب فى الصناعات المختلفة، ابتداء من الهواتف الذكية وأفران المايكرويف إلى السيارات والصواريخ والطائرات، وتعد تايوان، وكوريا الجنوبية، والصين، والولايات المتحدة، واليابان، من أبرز اللاعبين فى هذه السوق، ولكن حتى اليوم لا توجد منشأة واحدة فى العالم، يمكنها إنتاج الرقائق بالطريقة التى يمكن لمعامل TSMC ýالموجودة فى تايوان فعلهاý.ý
لذلك، تعد الرقائق الإلكترونية من الابتكارات المهمة فى عالم الإلكترونيات، وتتمتع بأهمية لأنها تعتبر الباسوورد الذى سيدير كل جوانب الحياة فى المستقبل، فمن يمتلك توطين وموارد تصنيع وسلاسل توريد تلك الشرائح سيتحكم حتمًا فى السياسة الجغرافية لدول العالم فى المستقبل، فيا ترى ما هى الدول التى تمتلك خامات ومواد أولية ومقومات من أراضٍ رخيصة، ورأس مال جاهز، وأيادٍ عاملة متعلمة ومتدربة ومستعدة للعمل بأجور رخيصة جدًاý.ý
وبالنظر لجميع المناطق المشتعلة فى العالم نجد السبب هو الصراع الخفى بين النظام العالمى المتراجع بقيادة أمريكا والقادم بقيادة الصين وروسيا، لأن تلك المناطق تمتلك المواد الخام أو جغرافية المكان لتوطين صناعات الشرائح والطاقة النظيفة، وهنا السبب الرئيسى أيضاً لحصار مصر بحزام نارى مشتعل لأنها المكان المناسب فى العالم الذى يمتلك مقومات توطين تلك الصناعات لما تمتلكه من مادة السيليكون المستخرجة من الرمال، وجغرافية المكان التى تساعد فى سلاسل التوريد لأى مكان فى العالم، وأيضا الأيدى العاملة المتدربة والأجور الرخيصة، وهنا صراع النفوذ للتواجد فى جغرافية مصر المرتبط بحرب غزة وصراع البحر الأحمر واشتعال السودان وليبيا، وهنا أيضًا عبقرية النظام الحاكم الذى يعمل منذ وصوله للحكم على تجهيز بنية تحتية تجعل مصر جاهزة لتوطين تلك الصناعات وهنا السبب الرئيسى لموافقة مجموعة البريكس على انضمام مصر لها، وأتمنى أن تعمل الحكومة الجديدة على توطين تلك الصناعة فى مصر.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الرقائق الإلكترونية نفط المستقبل البلاستيك الرقائق الإلکترونیة فى العالم
إقرأ أيضاً:
هل عاد الزمن «العثمانلى»؟!
فى التسعينيات، خاضت تركيا وإيران أكبر عملية مزاحمة وتنافس فى تاريخهما الحديث. استغلت الدولتان سقوط الاتحاد السوفيتى، لاقتناص النفوذ وإعادة رسم خريطة تحالفات دول آسيا الوسطى وجنوب القوقاز المسلمة الجديدة ذات الامتداد الجغرافى والثقافى مع البلدين. وبينما ركزت طهران على السياسة ونشر المذهب الشيعى، لعبت أنقرة بورقة الاقتصاد. تدفق رجال الأعمال الأتراك بالأموال والمشروعات التى كانت تلك الدول فى أشد الحاجة إليها. خسرت إيران الجولة، وفازت تركيا بالنفوذ السياسى والاقتصادى، كما جرى اعتماد الصيغة التركية للأبجدية اللاتينية رسميا لدول آسيا الوسطى واستبعاد الأبجدية الإيرانية ذات الأحرف العربية.
التاريخ الإسلامى فى معظمه تنافس وصراعات وحروب بين تركيا وإيران على الغزو والنفوذ الإمبراطورى (العثمانى والفارسى)، لكن التاريخ الحديث شهد دفئًا فى العلاقات منذ قيام تركيا «الأتاتوركية» الحديثة. الدولتان كانتا عضوين فى حلف بغداد الذى ناهضته مصر الناصرية. ثم جاءت الثورة الإيرانية ١٩٧٩، لتعيد التنافس مجددا. لم تكن النتائج فوزا على طول الخط لأحدهما، بل أحيانا يكون هناك «اتفاق على التعادل». دعمت تركيا سرا صدام حسين فى حربه ضد إيران. وقف البلدان منذ التسعينيات على طرفى نقيض من النزاع الذى فجر حروبا عديدة بين أذربيجان وأرمينيا. قبل شهور، انتصرت أذربيجان ومعها تركيا، وخسرت أرمينيا وحليفتها إيران. بعد الغزو الأمريكى للعراق ٢٠٠٣، حصدت طهران النفوذ والقوة، وأصبحت «صانع الملوك» فى السياسة العراقية. عقب ثورات الربيع العربى ٢٠١١، اندفعت تركيا للتأثير وفرض النفوذ على الحكومات الجديدة. إيران اختارت الدفاع عن الأنظمة القائمة، خاصة فى سوريا، ثم شكلت محورا للمقاومة استثمرت فيه الكثير لبقاء الأنظمة ومناطحة إسرائيل وأمريكا. معهد «تشاتام هاوس» البريطانى للشؤون الدولية قدر أنها أنفقت على سوريا فقط منذ ٢٠١١، ما بين ٣٠ و٥٠ مليار دولار.
ورغم كل تلك الخلافات ظلت مصالح الدولتين متداخلة ومتقاربة. كلتاهما منزعجتان من الوجود الأمريكى بسوريا. أنقرة ترى أن دعم واشنطن للأكراد عقبة أمام جهودها لمنع فوزهم بالحكم الذاتى والانفصال. إيران لا تريد وجودا أمريكيا لا فى سوريا أو غيرها تطبيقا لشعارها: «طرد أمريكا من المنطقة». هناك اتفاق على رفض النظام العالمى الراهن. تركيا تقول إن العالم أكبر من خمسة، فى إشارة لأعضاء مجلس الأمن الدائمين، وإيران تدعو للتحول عن الهياكل الدولية القائمة وإقامة شراكة مع الصين.
لكن عالم ما بعد ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، الذى نتج عن هجمات حماس على إسرائيل وما تلاه من عدوان وحشى إسرائيلى، قضى تقريبا على قوة حماس وشل إمكانات حزب الله، وتطور إلى انهيار النظام السورى، الأمر الذى خلق مشهدا جديدا تماما. بحسب جيمس جيفرى، نائب مستشار الأمن القومى الأمريكى الأسبق، فإن: «كل قطع الدومينو التى تمتلكها طهران سقطت. إسرائيل حطمت محور المقاومة لكن سقوط بشار نسف المحور». إيران تنظر للمستقبل بقلق وربما بخوف. أوراقها ذبُلت. إسرائيل، التى كانت تتردد فى مهاجمتها مباشرة، تجرأت عليها. صحيفة «وول ستريت جورنال» كشفت أن مساعدى ترامب يدرسون إمكانية شن ضربات جوية وقائية لمنعها من صنع سلاح نووى، بعد تقارير تقول إنها زادت خلال الفترة الأخيرة من معدلات تخصيب اليورانيوم المطلوب لإنتاج قنبلة نووية.
طهران فى موقف دفاعى حاليا بينما حظوظ وأوراق أنقرة فى صعود. تقريبا، حلت فى النفوذ بسوريا محل إيران أيام بشار. لكى تصل إلى ما وصلت إليه، عملت تركيا بدأب لتسليح وتجهيز المعارضة انتظارا للحظة الحسم. وزير الخارجية هاكان فيدان له تصريح لافت: «تركيا قد تتأخر فى فعل اللازم، لكنها تفعله بالنهاية». أهداف أردوغان إعادة اللاجئين، وأن تكون سوريا معبرا للتجارة التركية، وأن يحارب جيشها الجديد الأكراد المناوئين له. هذه الأوراق الجديدة ستساعده فى التعامل مع إدارة ترامب ولعب دور أكبر بالمنطقة. بعض القوميين الأتراك المتشددين المؤيدين لأردوغان لهم أطماع فى سوريا. دولت بهتشلى، رئيس حزب الحركة القومية، صرح، عقب دخول المعارضة السورية حلب قائلا: «حلب تركية مسلمة حتى النخاع. التاريخ والجغرافيا والحقيقة والأجداد يقولون ذلك، وأيضا العلم التركى الذى يرفرف فوق قلعة المدينة». هل يتبنى الرئيس التركى ذلك؟. المستقبل سيجيب.
ماذا تبقى من أوراق إيران؟ سانام فاكيل، الباحثة فى «تشاتام هاوس»، ترى أن طهران ستقوم بـ«إعادة انتشار» وهو مصطلح عسكرى يعنى الانسحاب المخطط، ومحاولة الحفاظ على ما بقى من محور المقاومة والاستثمار فى العلاقات الإقليمية من أجل النجاة من ضغوط ترامب المحتملة. أما تركيا، فهناك اندفاعة لملء الفراغ الذى تركته إيران، وهناك من يبالغ، ويقول إنه القرن التركى الجديد.
عبدالله عبدالسلام – المصري اليوم