المنقرضات من أنماط غناء العمل وثقافتها
تاريخ النشر: 16th, June 2024 GMT
أنماط الغناء الوظيفي أي التي كانت تؤدى أثناء أداء الأعمال المختلفة في البر والبحر هي الأكثر عرضة لعملية الانقراض، والواقع أن المجتمع والطبيعة يشهدان معًا الكثير من المتغيرات والتحولات. فمنذ سنوات مثلا، والنباتات المحلية غير الشوكية التي تنبت في موسم الأمطار بريف صلالة لا يسمح الرعي لها أن تنمو وتعوض موت الأشجار الكبيرة، فينتهي بها الأمر مبكرًا في بطون الماشية، وهذه ملاحظة شخصية شاهدتها على مدى سنوات.
إن علاقة الإنسان العُماني بالأرض تبدلت، وأنواع الأعمال القديمة تغيرت، مما أدى إلى اختفاء أغاني العمل وتوارثها، وفي هذا السياق سجل الدكتور يوسف شوقي في معجم موسيقى عُمان التقليدية واحدة من أغاني العمل المنقرضة منذ الثمانينيات وهو غناء «التصييف»، الذي يصاحب حصاد الحنطة والشعير. فمثل هذا النشاط كان يقوم به المواطنون، أما اليوم هو دور العمال الوافدين. من هنا أعتقد أن أغاني أو شلات المزارعين في كل البلاد من شمالها إلى جنوبها ممكن عدها من المنقرضات أو شبه المنقرضات، ويستطيع المهتم بهذا الأمر متابعته في الواقع ومقارنته بما ورد في معجم موسيقى عُمان التقليدية الذي هو المرجع الأساسي لهذا القراءة المتواضعة. ورغم أن جزءا كبيرا من هذا الموروث لا يزال محفوظًا مع بعض الناس حملة هذا الموروث الغنائي، إلا أنه مهدد بالانقراض بسبب الانقطاع في حلقات التوارث وفقدان الدور الوظيفي والأنشطة الاجتماعية والثقافية المساندة من عادات احتفالية بالمواسم المختلفة.
موضوع المنقرضات من فنون الغناء معقّد ولا يستطيع هذا المقال أو المقالات السابقة ذات الصلة إعطاء إجابة شاملة وافية أو اقتراح الحلول بشأنها ولكنه قد يساعد على ذلك. ومن الواضح أن أنماط عديدة من أغاني المجتمع القديم قد أصابها الانقراض، ولنأخذ مثلا أغاني الرعي التي كانت يؤديها الرعاة في مختلف المحافظات، أو غناء جمع الحطب (التعاويب) التي تحولت ألحانها ونصوصها إلى ذكريات لكبار السن، ذلك أن مطبخ اليوم لا حاجة له للحطب، وطالب غاز الطبخ لا يسلي نفسه بغناء التعاويب، وصانع الحلوى العُمانية الذي يضع سعرا أعلى لتلك التي يصنعها على نار الحطب، يوكل تنفيذ المهمة للعامل الوافد الذي قد يقضي يوم عمله بالاستماع بواسطة جهاز الهاتف إلى أفضل الأغاني من بلاده البعيدة بصوت مطربيها المحترفين.
وهكذا من المهم ذكره في هذه المناسبة أن أغاني عمال السفن التجارية هي الأخرى من المنقرضات أو أنها لم تعد تخدم مناسباتها الأصلية وأصابها الاستبدال الوظيفي ومنها الشوباني والمديما أو المديمة، فلا سفن شراعية تبحر اليوم من الموانئ العُمانية للتجارة مع موانئ البحار البعيدة أو القريبة، وإنما هي السفن المحملة بالنفط والغاز والحاويات المحملة بأنواع البضائع من المصانع العُمانية أو المستوردة والتي يعمل فيها عمال من جنسيات مختلفة، ليسوا بحاجة إلى رفع شراع ولا باورة، وكل أمورهم تسير بالتكنولوجيا.
يظهر هذا المقال المتواضع جانبًا من عمق التحولات الاجتماعية والثقافية التي جرت خلال السنوات الماضية والمحصلة التي نحن عليها اليوم من تغير وتبدل في أنماط الحياة والذوق الفني. ولكن ما العمل في ظل هذا الواقع؟ وما معنى المحافظة على التراث الموسيقي؟ وما أدوات هذه المحافظة؟. وهل التراث الموسيقي أنماط فنية وألحان وضروب إيقاعية وأداء حركي فقط أم كذلك الثقافة ذاتها التي صنعت هذه الأنماط؟.
من وجهة نظري على الأقل، الناس تميل اليوم نحو الاستمتاع الفني والجمالي بالأعمال الفنية الموسيقية وغير الموسيقية، ذلك أن الساحة الثقافية المعاصرة لم تعد مقتصرة على أنماط الغناء الوظيفي القديم كما كان الواقع قبل خمسين سنة على الأقل، فالواقع الثقافي والفني يعج اليوم بالفنانين الموسيقيين والشعراء والكتاب والتشكيليين والمصورين والسينمائيين والمسرحيين، ومشاريعهم الثقافية متنوعة تتطلع إلى أن تلعب دورًا فاعلًا في صياغة التوجهات الثقافية والفنية للمجتمع المعاصر والتشابك مع جيل تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وموسيقى الإنترنت.
مسلم الكثيري موسيقي وباحث
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
تعرف على توجيهات الرئيس السيسي للحكومة اليوم
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
اجتمع الرئيس عبد الفتاح السيسي اليوم مع الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، والمهندس محمود عصمت، وزير الكهرباء والطاقة المتجددة، والمهندس كريم بدوي، وزير البترول والثروة المعدنية.
وصرح المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية أن الرئيس اطلع خلال الاجتماع على خطة العمل الحكومية لضمان توفير احتياجات قطاع الكهرباء من المنتجات البترولية، وانتظام ضخ إمدادات الغاز للشبكة القومية للكهرباء، بما يحقق استدامة واستقرار التغذية الكهربائية على مستوى الجمهورية وخفض الفاقد.
كما اطلع الرئيس في هذا الإطار على جهود الحكومة لزيادة الإنتاج المحلى من الثروة البترولية، وتنمية الآبار الجديدة المكتشفة ووضعها على خريطة الإنتاج، وتكثيف أعمال البحث والاستكشاف في مناطق مصر البرية والبحرية، وكذا مستجدات العمل مع الشركاء على زيادة الإنتاج من الشركات العالمية والمستثمرين المحليين، وصياغة خطط عمل جديدة لزيادة جاذبية الاستثمارات في قطاع البترول في ظل ما يملكه القطاع من فرص واعدة في هذا الصدد.
وقد وجه الرئيس بتكثيف الجهود الحكومية لتعزيز فرص جذب الاستثمارات لقطاع الطاقة، بما يضمن تحقيق مستهدفات القطاع، وتحقيق الاستفادة المثلى من دوره في جهود التنمية.
كما وجه الرئيس بتعزيز الجهود الحكومة لتطوير منظومة إدارة وتشغيل الشبكة القومية للغاز، بما يضمن استدامة الإمدادات للشبكة القومية للكهرباء والقطاعات الصناعية والخدمية، وبتكثيف العمل بالمشروعات الجاري تنفيذها في مجال الطاقة المتجددة، بهدف تنويع مصادر إمدادات الطاقة، وإضافة قدرات جديدة للشبكة الكهربائية، بالإضافة إلى تطوير الشبكة من خلال العمل بأحدث التقنيات لاستيعاب ونقل الطاقة بأعلى كفاءة وأقل فقد.
وأضاف المتحدث الرسمي أن الاجتماع تضمن أيضاً متابعة عدد من المشروعات الجارية على رأسها مستجدات الموقف التنفيذي لمحطة الضبعة النووية، في ظل ما يمثله المشروع من أهمية قصوى لعملية التنمية الشامة بمصر، خاصة مع تبنى الدولة استراتيجية متكاملة ومستدامة للطاقة تهدف إلى تنويع مصادرها من الطاقة المتجددة والجديدة، بما يسهم في تحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين.
كما تناول الاجتماع كذلك الموقف الخاص بمشروعات الربط الكهربائي بين مصر والسعودية، في ظل ما تكتسبه مثل تلك المشروعات من أهمية لتعزيز فاعلية الشبكات الكهربائية ودعم استقرارها، والاستفادة من قدرات التوليد المتاحة خلال فترات ذروة الأحمال الكهربائية.
وقد وجه الرئيس في هذا السياق بأهمية العمل على ضمان سرعة التنفيذ الفعال لمشروعات الطاقة المختلفة باعتبارها ركيزة ومحرك أساسي للتنمية في مصر، مشدداً على أهمية الالتزام بتنفيذ الأعمال في محطة الضبعة النووية وفقاً للخطة الزمنية المُحددة، مع ضمان أعلى درجات الكفاءة في التنفيذ، فضلاً عن الالتزام بأفضل مستوي من التدريب وتأهيل الكوادر البشرية للتشغيل والصيانة.
كما وجه الرئيس بإجراء متابعة دقيقة لكافة تفاصيل مشروع الربط الكهرباء مع السعودية كونه نموذجاً لتكامل التعاون في مجال الطاقة على المستوى الإقليمي وبين مصر والمملكة خصيصاً، ويعتبر نموذجاً يحتذى به في تنفيذ مشروعات مماثلة مستقبلاً للربط الكهربائي