لجريدة عمان:
2025-02-04@00:54:46 GMT

المنقرضات من أنماط غناء العمل وثقافتها

تاريخ النشر: 16th, June 2024 GMT

أنماط الغناء الوظيفي أي التي كانت تؤدى أثناء أداء الأعمال المختلفة في البر والبحر هي الأكثر عرضة لعملية الانقراض، والواقع أن المجتمع والطبيعة يشهدان معًا الكثير من المتغيرات والتحولات. فمنذ سنوات مثلا، والنباتات المحلية غير الشوكية التي تنبت في موسم الأمطار بريف صلالة لا يسمح الرعي لها أن تنمو وتعوض موت الأشجار الكبيرة، فينتهي بها الأمر مبكرًا في بطون الماشية، وهذه ملاحظة شخصية شاهدتها على مدى سنوات.

لهذا زاد نمو الشوكيات من الأشجار وقل المسالم منها غير الشوكية التي لا تستطيع حماية نفسها من التهام الحيوانات. ولكن النشاط الزراعي لأنواع المحاصيل والأشجار الاستوائية المثمرة يبدو خيارًا مناسبًا لسكان الريف هنا، بسبب القدرة على حمايتها من جهة وفائدتها الاقتصادية والبيئية من جهة أخرى. وهكذا يبدو أن التهديد بالانقراض ليس محصورا بالموروثات الثقافية الموسيقية فحسب بل وكذلك أصاب أنواعا أخرى من الموروثات الطبيعية النباتية.

إن علاقة الإنسان العُماني بالأرض تبدلت، وأنواع الأعمال القديمة تغيرت، مما أدى إلى اختفاء أغاني العمل وتوارثها، وفي هذا السياق سجل الدكتور يوسف شوقي في معجم موسيقى عُمان التقليدية واحدة من أغاني العمل المنقرضة منذ الثمانينيات وهو غناء «التصييف»، الذي يصاحب حصاد الحنطة والشعير. فمثل هذا النشاط كان يقوم به المواطنون، أما اليوم هو دور العمال الوافدين. من هنا أعتقد أن أغاني أو شلات المزارعين في كل البلاد من شمالها إلى جنوبها ممكن عدها من المنقرضات أو شبه المنقرضات، ويستطيع المهتم بهذا الأمر متابعته في الواقع ومقارنته بما ورد في معجم موسيقى عُمان التقليدية الذي هو المرجع الأساسي لهذا القراءة المتواضعة. ورغم أن جزءا كبيرا من هذا الموروث لا يزال محفوظًا مع بعض الناس حملة هذا الموروث الغنائي، إلا أنه مهدد بالانقراض بسبب الانقطاع في حلقات التوارث وفقدان الدور الوظيفي والأنشطة الاجتماعية والثقافية المساندة من عادات احتفالية بالمواسم المختلفة.

موضوع المنقرضات من فنون الغناء معقّد ولا يستطيع هذا المقال أو المقالات السابقة ذات الصلة إعطاء إجابة شاملة وافية أو اقتراح الحلول بشأنها ولكنه قد يساعد على ذلك. ومن الواضح أن أنماط عديدة من أغاني المجتمع القديم قد أصابها الانقراض، ولنأخذ مثلا أغاني الرعي التي كانت يؤديها الرعاة في مختلف المحافظات، أو غناء جمع الحطب (التعاويب) التي تحولت ألحانها ونصوصها إلى ذكريات لكبار السن، ذلك أن مطبخ اليوم لا حاجة له للحطب، وطالب غاز الطبخ لا يسلي نفسه بغناء التعاويب، وصانع الحلوى العُمانية الذي يضع سعرا أعلى لتلك التي يصنعها على نار الحطب، يوكل تنفيذ المهمة للعامل الوافد الذي قد يقضي يوم عمله بالاستماع بواسطة جهاز الهاتف إلى أفضل الأغاني من بلاده البعيدة بصوت مطربيها المحترفين.

وهكذا من المهم ذكره في هذه المناسبة أن أغاني عمال السفن التجارية هي الأخرى من المنقرضات أو أنها لم تعد تخدم مناسباتها الأصلية وأصابها الاستبدال الوظيفي ومنها الشوباني والمديما أو المديمة، فلا سفن شراعية تبحر اليوم من الموانئ العُمانية للتجارة مع موانئ البحار البعيدة أو القريبة، وإنما هي السفن المحملة بالنفط والغاز والحاويات المحملة بأنواع البضائع من المصانع العُمانية أو المستوردة والتي يعمل فيها عمال من جنسيات مختلفة، ليسوا بحاجة إلى رفع شراع ولا باورة، وكل أمورهم تسير بالتكنولوجيا.

يظهر هذا المقال المتواضع جانبًا من عمق التحولات الاجتماعية والثقافية التي جرت خلال السنوات الماضية والمحصلة التي نحن عليها اليوم من تغير وتبدل في أنماط الحياة والذوق الفني. ولكن ما العمل في ظل هذا الواقع؟ وما معنى المحافظة على التراث الموسيقي؟ وما أدوات هذه المحافظة؟. وهل التراث الموسيقي أنماط فنية وألحان وضروب إيقاعية وأداء حركي فقط أم كذلك الثقافة ذاتها التي صنعت هذه الأنماط؟.

من وجهة نظري على الأقل، الناس تميل اليوم نحو الاستمتاع الفني والجمالي بالأعمال الفنية الموسيقية وغير الموسيقية، ذلك أن الساحة الثقافية المعاصرة لم تعد مقتصرة على أنماط الغناء الوظيفي القديم كما كان الواقع قبل خمسين سنة على الأقل، فالواقع الثقافي والفني يعج اليوم بالفنانين الموسيقيين والشعراء والكتاب والتشكيليين والمصورين والسينمائيين والمسرحيين، ومشاريعهم الثقافية متنوعة تتطلع إلى أن تلعب دورًا فاعلًا في صياغة التوجهات الثقافية والفنية للمجتمع المعاصر والتشابك مع جيل تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وموسيقى الإنترنت.

مسلم الكثيري موسيقي وباحث

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

المتحف الوطني يُدشّن المواسم الثقافية الروسية وركن متحف الإرميتاج الحكومي

"العُمانية" أعلن المتحف الوطني اليوم البرنامج المتحفي الخاص بـ "المواسم الثقافية الروسية" في سلطنة عُمان، الذي يستضيفه بالتعاون مع وزارة الثقافة الروسية ومؤسسة "المواسم الروسية"، ويشمل الفنون المسرحية، والفنون الموسيقية، والأدبية. كما افتتح المتحف المعرض الثاني ضمن مبادرة ركن متحف الإرميتاج الحكومي بعنوان "هدايا أمراء بخارى وخانات آسيا الوسطى للبلاط القيصري الروسي". وقد قدم سعادة جمال بن حسن الموسوي، الأمين العام للمتحف الوطني، عرضًا مرئيًا خلال مؤتمر صحفي عقد بمقر المتحف، تطرق فيه إلى مسار التعاون الثقافي والمتحفي بين المتحف الوطني ونظرائه في روسيا الاتحادية. وقال سعادته إن تدشين الشق المتحفي من "المواسم الثقافية الروسية" في سلطنة عُمان وافتتاح المعرض الثاني ضمن مبادرة ركن الإرميتاج بعنوان "هدايا أمراء بخارى وخانات آسيا الوسطى للبلاط القيصري الروسي" يأتي تزامنًا مع الاحتفال بمرور (40) عامًا على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين سلطنة عُمان وروسيا الاتحادية. وأضاف سعادته أن هذا التدشين يهدف إلى تعزيز التبادل الثقافي والتعريف بالمكنونات الحضارية للبلدين، اللذين تربطهما علاقات تاريخية تمتد إلى قرون، مؤكدًا سعيهم إلى تنميتها والمحافظة على استمراريتها.وأوضح أن المتحف الوطني، بصفته مُعبّرًا رئيسًا عن الأبعاد الثقافية والحضارية التاريخية العمانية، يسعى إلى تعزيز هذه العلاقات عبر التعاون مع مختلف المؤسسات الثقافية والمتحفية في روسيا الاتحادية. وذكر سعادة الأمين العام أن معرض "هدايا أمراء بخارى وخانات آسيا الوسطى للبلاط القيصري الروسي" هو الثاني من نوعه بعد نجاح المعرض الأول الذي سلط الضوء على روائع من الحضارة الإسلامية في روسيا.

ويأتي هذا المعرض تزامنًا مع المعرض الثاني في الوجهة المقابلة ضمن مبادرة "قاعة عُمان" بعنوان "الإمبراطورية العمانية بين آسيا وإفريقيا" المقام في متحف الإرميتاج الحكومي في روسيا الاتحادية. وأشار إلى أن المعرض يركز على الإمبراطورية العمانية بشقيها الآسيوي والإفريقي ودور عمان الحضاري كحلقة وصل بين الأمم المجاورة من شبه الجزيرة العربية وغرب آسيا مع ساحل شرق إفريقيا، والذي يستمر حتى 16 فبراير الجاري.

من جانبها استعرضت معالي أولغا لوبيموفا، وزيرة الثقافة الروسية، أبرز فعاليات وأنشطة المواسم الثقافية الروسية التي ستقام بالتعاون مع مختلف الجهات في سلطنة عُمان خلال العام الجاري في مجالات متنوعة، تشمل المتاحف، والفنون المسرحية، والفنون الموسيقية، والأدبية.

وقالت معاليها إن تنظيم البرنامج المتحفي "المواسم الثقافية الروسية" في سلطنة عُمان يمثل خطوة مهمة نحو تعزيز وتطوير التعاون الثقافي بين البلدين، على الرغم من التطور السريع في التعاون الثنائي في مختلف مجالات الثقافة. وأشارت معاليها إلى أن متاحف البلدين تظل الأيقونات الرائدة في هذا المجال، وتقوم على علاقة قوية مبنية على التفاهم المشترك بين روسيا الاتحادية وسلطنة عُمان في الحفاظ على التراث الثقافي والتاريخي والقيم التقليدية. وأضافت أن ركن متحف الإرميتاج الحكومي في المتحف الوطني يركز على الروابط العميقة والممتدة بين روسيا وشعوب الشرق، مع تسليط الضوء على الهدايا الفريدة التي قدمها حكام الشرق للبلاط القيصري الروسي.

تجدر الإشارة إلى أن استضافة المتحف الوطني لمعرض "هدايا أمراء بخارى وخانات آسيا الوسطى للبلاط القيصري الروسي" تأتي ضمن مبادرة ركن متحف الإرميتاج الحكومي التي دُشّنت في عام (2021م)، حيث يركز المعرض الثاني من نوعه على مجموعة فريدة من التحف الفاخرة التي صُنعت في بخارى، وخيوة، وخوارزم، وخوقند، وسُلّمت للمتحف الوطني في سلطنة عُمان ضمن إعارة طويلة الأمد من متحف الإرميتاج الحكومي في سانت بطرسبورغ في روسيا الاتحادية. وتتضمن مجموعة الهدايا المقدّمة آنذاك من الأمراء المحليين في كلٍ من بخارى وخيوة إلى سانت بطرسبورغ تنوعًا مُذهلًا من الأسلحة والدروع وسروج الخيول وزينتها، بالإضافة لأطقم من الحلي، والمجوهرات الشخصية المرصّعة بالأحجار الكريمة، والأواني الفضية، والسجاد، والمفارش، والمنسوجات، والتطريزات. وتجسد هذه التحف المرموقة رموزًا للمكانة الاجتماعية، وعالمًا من التقنيات الزخرفية التقليدية لآسيا الوسطى، واتجاهاتها الفنية الفريدة التي تميّزت بها صناعة المجوهرات والأسلحة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين الميلاديين.

وتخلل المناسبة فقرة موسيقية قدمتها فرقة برلينسكي الرباعية الروسية، وعرض الفيلم الوثائقي "الخنجر" من إنتاج قناة روسيا اليوم العربية (آر تي) بالتعاون مع المتحف الوطني ووزارة الإعلام، صحب الحضور في رحلة لاستكشاف تاريخ الخنجر العُماني ونشأته، وأنماط الخناجر العُمانية، التي تباينت في مناطق سلطنة عُمان المختلفة.

وتنقل أحداث الفيلم المُشاهد من سلطنة عُمان، إلى روسيا الاتحادية، ليُرفع الستار عن خنجرٍ فريدٍ يعود إلى السُّلطان حمود بن محمد البوسعيدي، سلطان زنجبار (حكم من العام 1896م إلى1902 م)، المُعار بصفة مؤقتة من المتحف الوطني في مسقط، إلى متحف الإرميتاج الحكومي في سانت بطرسبورغ، والذي يُزين اليوم "قاعة عُمان" في المتحف الروسي الشهير.

وعلى هامش الفعالية وقع المتحف الوطني مع مؤسسة "المواسم الروسية" اتفاقية تدشين المواسم الثقافية الروسية في سلطنة عُمان. وقع الاتفاقية من جانب المتحف الوطني سعادة جمال بن حسن الموسوي الأمين العام للمتحف الوطني، فيما وقعها من جانب مؤسسة "المواسم الروسية" سفيتلانا أناتوليفنا كوندراتيفا، مديرة مؤسسة "المواسم الروسية".

الجدير بالذكر أن مشروع "المواسم الثقافية الروسية" هو مشروع ثقافي دولي تحت رعاية حكومة روسيا الاتحادية وتنفذه وزارة الثقافة الروسية؛ يهدف إلى تعريف الثقافة الروسية لدول العالم وإبراز روسيا الاتحادية كدولة تحافظ على تراثها الثقافي الغني وتعمل على تطويره.وتتنوع موضوعات وأشكال "المواسم الروسية" من حفلات الموسيقى الكلاسيكية، والعروض المسرحية، ومهرجانات الأفلام، والمعارض الفنية، بالإضافة إلى البرامج التعليمية والدورات التدريبية.

مقالات مشابهة

  • ترامب يستغل حادث الطائرة لتوسيع "حربه الثقافية" ضد التنوع والإنصاف
  • «السياحة الثقافية»: 20 ألف سائح صيني بالأقصر في أسبوع واحد
  • بالفيديو| "اليوم" ترصد تطورات وظائف المستقبل التي تنتظر الخريجين 
  • وزير الأوقاف يستقبل مساعد وزير الخارجية للعلاقات الثقافية
  • شما بنت محمد بن خالد: "عام المجتمع" فرصة لتعزيز التلاحم والاستدامة الثقافية
  • أغاني رمضان MP3 القديمة تنزيل وتحميل
  • الأمن المجتمعي وتأثير التغريب والاصولية الثقافية في العراق
  • المتحف الوطني يُدشّن المواسم الثقافية الروسية وركن متحف الإرميتاج الحكومي
  • «ميزني».. مي فاروق تطرح ثالث أغاني ألبوم «تاريخي»| فيديو
  • مي فاروق تطرح «ميزني» أحدث أغاني ألبومها الجديد (فيديو)