فيلم الوحش .. حينما يبعثر الذكاء الاصطناعي حياة الشخصيات بين الأزمنة
تاريخ النشر: 16th, June 2024 GMT
تبدو إشكالية الزمن في الدراما وفي الفيلم السينمائي تحديدا واحدة من الإشكاليات التي شغلت المخرجين وكتاب السيناريو، ذلك أن الانتقالات بين الأزمنة الثلاثة بقدر ما حملت في ثناياها متعة الاكتشاف وسلاسة الوصول بالشخصيات إلى أزمنتها المختلفة إلا أنها لم تكوّن مستوى واحدا من التأثير في المشاهد.
وها هو المخرج برتراند بونيلو يقدم لنا فيلما جديدا لافتا للنظر نال حظه من اهتمام النقاد، وهو في الواقع مزيج ما بين الدرامي والرومانسي والخيال العلمي وهو مستوحى بشكل فضفاض من رواية هنري جيمس القصيرة "الوحش في الغابة" التي صدرت عام 1903.
يقدم الفيلم الشخصية الرئيسية غابرييل – الممثلة ليا سيدو وهي وهي تتنقل ما بين ثلاث فترات زمنية مختلفة: باريس حوالي عام 1910، ولوس أنجلوس في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وباريس في عام 2044 وفي كل حقبة زمنية، كانت غابرييل تجد إلى جانبها لويس – الممثل جورج ماكاي الذي يصبح هو مرآتها الأكثر اقترابا من ذاتها وأزماتها وحياتها السابقة.
وكأننا في كثير من المشاهد إزاء ما تشبه عملية استجواب من طرف لويس لغابرييل وحياتها الشخصية وحياتها الماضية وهي على الرغم من شخصيتها المغلقة المتحفظة إلا أنها لن تتردد في إطلاع لويس على أدق دقائق حياتها وعلى مخاوفها المتراكمة تجاه كثير مما يحيط بها، بل إنها تظهر في بعض المشاهد وهي تصرخ هلعا لسبب أو لآخر.
هذه السردية – المشهدية التي تغوص في التاريخ يقطع تسلسلها خضوع غابريل إلى ما يشبه عملية التنويم المغناطيسي اللحظي بانقطاعها عن الزمان والمكان بمجرد إغلاق عينيها عندما تتقدم نحوها ماكنة الذكاء الاصطناعي وتتغلغل من خلال إبرة مدببة في أذنها نحو دماغها وهو مشهد ظهر أكثر من مرة ليمتزج ذلك المشهد الذي يعود إلى عام 2044 مع صور فوتوغرافية لباريس قبل عدة عقود وهي تعاني من الغرق من خلال تلك الوثائق الفوتوغرافية بالأبيض والأسود.
وفي إطار تلك السردية المشهدية نذهب إلى المستقبل والى عام 2044، لنشاهد غابريل وهي تسعى للحصول على عمل لكن بسبب مشاعرها المضطربة تجد نفسها أنها غير مناسبة للعمل أصلا ولهذا لابد أن تخضع لعملية تطهير لتخليص نفسها من ذلك النوع من المشاعر السلبية القاسية.
وفي إطار المشاهد التي تم ربطها بالذكاء الاصطناعي فإن المخرج عمد إلى مزيج من الصور من أزمنة مختلفة واستخدم خلال ذلك المونتاج بمهارة سواء في الانتقالات أو في المزج بين الأزمنة وإدماج المشاهد مع بعضها، وكل ذلك في سياق شاعري في بعض الأحيان قدمت فيه الممثلة ليا سيدو أداءً متميزا وضعها كما هو ثابت في مسارها الإبداعي في مقدمة نجمات السينما الفرنسية.
وعلاوة على عمليات الانتقال الملفتة للنظر بين الأزمنة نلاحظ الأطوار التي كانت تمر بها الشخصيات وهي التي تتماهى مع مراحلها التاريخية حيث أعطت لكل حقبة خصائصها ومميزاتها المختلفة وهو ما شجع أكثر للوصول إلى أداء تعبيري متميز من خلال تلك الحوارية المتدفقة بين الشخصيتين الرئيسيتين.
يصف الناقد السينمائي في موقع روتين توماتو هذا الفيلم بأنه "قد لا يحقق ما تنشده لكنه مختلف في بنائه وموضوعه، ويستخدم الخيال العلمي لاستكشاف موضوعات مثيرة للاهتمام بطريقة مرضية إلى حد كبير".
فيما صفه الناقد السينمائي في صحيفة الغارديان بأنه فيلم "جريء وأقرب إلى الصدمة، وربما يكون أفضل فيلم لبونيلو حتى الآن. إنه غني وغزير في تفاصيله كما أنه ينطوي على قدر من اللامبالاة الباردة تجاه المشاهد".
أما روجر إيبرت في موقعه الشهير فيشير إلى أن "الفيلم عبارة عن حلم كبير مقلق يبحر في المستقبل والماضي كما أنه جريء وتنبؤي دائما بوجود كارثة وشيكة مع أشادة بأداء غابرييل ".
بشكل عام، أثار الفيلم انقساما ملحوظا بين النقاد، إذ أشاد البعض بجرأته واستكشافه لموضوعات مثيرة للاهتمام، بينما وجده آخرون فيلما مربكا في بنائه.
هذه الآراء النقدية وغيرها ليست مستغربة تجاه فيلم مختلف من ناحية كونه في الظاهر فيلما رومانسيا لكنه في الواقع لا يبقى أسير تلك المشاهد الرومانسية وخاصة العلاقة التي سوف تربط لويس مع غابرييل وكيف توطدت لكنه ما يلبث أن يتسع إلى معالجة سينمائية متعددة الأبعاد، يستكشف الفيلم من خلالها قضايا الانهيار الحضاري وأزمات الفرد المعزول ومعاناته ومكابداته في مجتمع مشغول بيومياته تاركا الأفراد وهم منهمكون في شؤونهم.
وبالعودة إلى نوع الصداقة الحميمة بين غابريل ولويس، التي تقترب من علاقة غرامية، فإننا سوف ننتقل إلى سلسلة من الرمزيات والإحالات ومنها مثلا قيام غابرييل باصطحاب لويس لزيارة المصنع الذي أسسه زوجها لصناعة الدمى وهو ما يشكل امتدادا للحوار بين الاثنين حول قضية العلاقات الإشكالية وخاصة بين المتزوجين ولماذا تزوجت هي أصلا وكيف تأسست علاقتها بزوجها الذي تخلص له والذي تفهّم عشقها للموسيقى وشجعها عليها.
لكن هذه ليست المرة الوحيدة التي يلتقي فيها غابرييل ولويس. فهما يلتقيان في أروقة المجتمع الفرنسي المخملي في عام 1910 وحيث الأجواء الارستقراطية وحياة طبقة النبلاء والنخب الاجتماعية ثم لننتقل إلى عام 2014 إلى لوس أنجلوس، حيث تظهر غابرييل بشخصية الممثلة الواعدة والطموحة ولكنها في ذات الوقت تجسد تلك الشخص المضطربة والذهانية من هنا أسس المخرج نمطين سرديين وتعبيريين يرتبطا ببيئتين مختلفتين تماما وهما البيئة الأمريكية في مقابل البيئة الفرنسية ولربما كان هذا النوع من التداخل السردي هو الأكثر إرباكا بالنسبة للمشاهد.
واقعيا تجاوز المخرج التتابع المنطقي للأحداث والمشاهد بل إنه ذهب بعيدا في إيجاد نوع من الصدمات البصرية المفاجئة بالانتقال العميق والمتشعب بين أزمنة وأماكن بعيدة واستثنائية وهو ما لا يعد مستساغا في الأفلام ذات النمط الكلاسيكي والتقليدي في مقابل الأفلام ذات الطابع التجريبي إلا أن المخرج لم يمعن فيها بل كان عمله انتقائيا في عمليات الانتقال الزمانية والمكانية المتشعبة.
...
سيناريو وإخراج/ بيرتراند بونيلو
مأخوذ عن رواية هنري جيمس
تمثيل/ ليا سيدو، جورج مكاي، جوسلاغي مالاندا
الزمن / ساعتان و25 دقيقة
التقييم/ موقع روتين توماتو 86 من 100، موقع ميتاكريتيك 80 من 100، موقع أي ام دي بي 6.7 من 10
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: من خلال
إقرأ أيضاً:
الذكاء الاصطناعي يعالج بيانات «محمد بن زايد سات»
دبي: يمامة بدوان
كشف مركز محمد بن راشد للفضاء عن معالجة بيانات «محمد بن زايد سات»، القمر الاصطناعي الأكثر تطوراً في المنطقة، بعد وصوله إلى المدار، من خلال استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، حسب مقطع فيديو نشره على منصة «إكس».
وقال عماد المهيري، مسؤول عمليات تطوير الأنظمة الأرضية في المركز، إن معالجة بيانات القمر الاصطناعي، تتضمن مجموعة من الخطوات المعقدة، حيث نبدأ في استقبال البيانات وتخزينها، ثم تصحيحها إشعاعياً ومكانياً وهندسياً، حيث نقوم باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، من أجل تحسين البيانات وتحليلها، وتحويلها إلى معلومات، كي يستفيد منها صناع القرار والعلماء في مجالات مختلفة.
ويكمل القمر الاصطناعي، الذي «صُنع في الإمارات»، وتم تطويره بالكامل بأيادٍ وطنية، دورة واحدة حول الأرض كل 90 دقيقة، كما يتميز بتكنولوجيا متطورة تتمثل في كاميرا عالية الدقة، هي إحدى أكثر الكاميرات تطوراً في المنطقة، ما يسمح له بالتقاط صور بدقة عالية لمساحات صغيرة تبلغ أقل من متر مربع.
وتم تجهيز القمر بنظام مؤتمت، سيعمل على ترتيب الصور بشكل آلي على مدار الساعة، في حين يمتاز بالتقاط صور أكثر دقة ب10 أضعاف من الأقمار الاصطناعية التقليدية، ودقة التقاط الصور أكثر بضعفين مقارنة بالإمكانات الحالية، كما أنه أسرع ب4 أضعاف في نقل وتحميل البيانات مقارنة بالإمكانات الحالية.