المدعي العام الإسرائيلي ترفض رفع سن الإعفاء من الخدمة العسكرية
تاريخ النشر: 16th, June 2024 GMT
القدس (CNN)-- يبدو أن مشروع قانون كان من شأنه أن يرفع سن الإعفاء من الخدمة العسكرية الاحتياطية في إسرائيل، قد تم استبعاد النظر فيه من قبل مجلس الوزراء، الأحد، بعد اعتراضات من المدعي العام الإسرائيلي.
ومن شأن مشروع القانون أن يرفع سن الإعفاء من الخدمة العسكرية الاحتياطية من 40 إلى 41 عاما للجنود المجندين، ومن 45 إلى 46 للضباط حتى نهاية العام.
وقالت النائب العام الإسرائيلي، غالي بهاراف ميارا في بيان، الأحد: "هناك حظر قانوني لزيادة العبء على أولئك الذين يخدمون دون الحد من عدم المساواة"، في إشارة إلى إعفاء اليهود الأرثوذكس المتدينين من الخدمة العسكرية. وأصبح هذا الإعفاء مصدر نزاع داخل الحكومة الإسرائيلية.
وفي رسالة حول مشروع القانون، أضافت بهاراف ميارا أن هناك "عقبة قانونية لوضع المزيد من العبء على أولئك الذين يخدمون في الجيش الإسرائيلي اليوم، دون اتخاذ تدابير هامة في الممارسة العملية، بما في ذلك، الحد من عدم المساواة في عبء الخدمة، ودون استنفاد جميع الخيارات التشريعية وغيرها من الخيارات لتعظيم إمكانات التجنيد وتحمل العبء بين جميع السكان".
وأوضحت النائب العام أن "الأمر المؤقت يمكن تمديده لفترة ثلاثة أشهر فقط، من الممكن، وإن كان بصعوبة حقيقية، تمديد الأمر المؤقت لفترة ثلاثة أشهر كما هو مطلوب الآن، بهدف تكوين صورة كاملة للأوضاع، وفحص الاحتياجات الأمنية المختلفة".
لكن بهاراف ميارا أضافت أن الموافقة كانت مشروطة بتدابير "لاستنفاد إمكانات التجنيد، وسيتم اتخاذ خطوات إضافية، بما في ذلك من قبل الحكومة في إطار التزامها بتقليل الضرر الذي يلحق بالمساواة في تحمل عبء الخدمة".
والأسبوع الماضي، قدمت الحكومة مشروع قانون من شأنه أن يفرض بعض القيود على الإعفاء للشباب الأرثوذوكس المتدينين المسجلين في الدراسات الدينية، ويحدد حصصا للتجنيد. ولكن الساسة العلمانيين يقولون إن هذا لا يكفي. وأقر الكنيست القراءة الأولى، ولكن الإجراء لم يشهد مزيدا من التقدم.
وقد تعرض الإعفاء لانتقادات شديدة من قبل وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت ورئيس حزب الوحدة الوطنية بيني غانتس، الذي استقال من مجلس وزراء الحرب قبل أكثر من أسبوع بقليل.
وفي بيان، الأحد، قال غانتس: "يجب ألا نخفي الصلة بين القتلى والجرحى وشجاعة جميع المقاتلين، وبين حقيقة أن أمن إسرائيل يتطلب منا تجنيد المزيد من الجنود من جميع فئات المجتمع. إنها ليست مسألة عدالة وطنية فحسب، بل حاجة أمنية للحفاظ على جيش الشعب، والفوز في مواجهة العديد من التحديات المعقدة، وأكثرها صعوبة التي واجهناها".
ويجري اختبار الإعفاء أيضا في المحكمة العليا الإسرائيلية، حيث اقترح قضاة في وقت سابق من هذا الشهر، أنه لم يعد ممكنا السكوت خلال وقت الحرب أثناء جلسات الاستماع عن الالتماسات التي تطالب بالتجنيد الفوري لآلاف الأرثوذكس المتدينين في الخدمة العسكرية. ومع ذلك، فإن بعض أعضاء اليمين في الحكومة الائتلافية يؤيدون الإعفاء بشدة.
المصدر: CNN Arabic
كلمات دلالية: الجيش الإسرائيلي الحكومة الإسرائيلية من الخدمة العسکریة
إقرأ أيضاً:
مشروع التوسع الإسرائيلي يهدد أمن العالم
عندما «اقترح» الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على سكان غزّة تركها علّل ذلك بأنه يسعى لإحلال السلام في الشرق الأوسط. بينما رآه الكثيرون خطوة على طريق يؤدّي لإفراغ القطاع من سكانه تمهيدا لاقتطاعه من قبل الاحتلال الإسرائيلي.
وقال ترامب أنه يريد من مصر والأردن استقبال الفلسطينيين من القطاع. «نتحدث عن مليون ونصف مليون شخص لتطهير المنطقة برمتها. كما تعلمون، على مر القرون شهدت هذه المنطقة نزاعات عديدة». هذا الحماس الأمريكي للتوسع الإسرائيلي ستكون له تبعاته الإقليمية والدولية. فبرغم ما يدّعيه الغربيون من تماسكهم إزاء التحديات الأمنية التي تتحداهم من خارج عالمهم، فإن قضية فلسطين بقيت، على مدى ثلاثة أرباع القرن، شاهدة على عجزهم وتراجعهم الإنساني والأخلاقي.
فالمشاهد التي اكتظت بها شاشات التلفزيون في الشهور الأخيرة التي تظهر التوحش الإسرائيلي وعقلية التدمير غير المحدودة وما يمثله ذلك من تحد لأبسط قواعد الاشتباك التي يفترض أن الغربيين قد أقرّوها بعد الحرب العالمية الثانية، قلّصت من احترام العالم للسياسة الغربية. فما حدث لا يعكس قوّة حقيقية بقدر ما يعمّق الشعور بهيمنة المشاعر الشيطانية بالغلبة المادّيّة على حساب الالتزام الأخلاقي.
وهذه الحقيقة تضعف ثقة المواطن الغربي نفسه في مدى ما يمكن أن يتمتع به من أمن مستقبلي. فالحريق الذي يشب في حظيرة الجيران يمكن أن يعبر السواتر والحدود، فمن يضمن عدم تكرار مشاهد غزّة في مدن غربية أخرى فيما لو نشب نزاع مع حكام «إسرائيل» مستقبلا؟ فالنزعات الشيطانية المختزنة في عقولهم لا تختلف عن عقلية هتلر التي عاثت في أوروبا دمارا.
لقد أصبح واضحا أن الحرب الشرسة التي شنّتها قوات الاحتلال الإسرائيلية على القطاع منذ عام ونصف كانت تهدف لتحويله إلى منطقة دمار شامل لا يمكن إعادة بنائه. وما أكثر ما ردّد السياسيون الغربيون القول باستحالة إعادة إعمار غزّة. بل ادّعى بعضهم أن ذلك يحتاج لثلاثين عاما.
ولكن سرعان ما طرحت مقولات أخرى تؤكد أن إعادة البناء لن تستغرق أكثر من ثلاث سنوات، وقالت تقارير عن بعض أطراف الأمم المتحدة أن الركام ملوث بمادة الأسبستوس.
ومن المعروف أن بعض مخيمات اللاجئين التي دُمرت أثناء الحرب قد بُنيت بهذه المادة. ومن المحتمل أن يكون الحطام محتويا على أشلاء بشرية لأن الدمار الذي أحدثته «إسرائيل» شامل وغير مسبوق، ولا تنحصر أهدافه بالانتقام والقتل فحسب، بل أن من خطّط للعدوان كان يهدف لجعل المنطقة مستعصية على إعادة البناء والتأهيل للاستخدام البشري. ومع التكاليف الباهظة لذلك والفترة الزمنية التي يحتاجها إعادة الإعمار، وتشجيع أكثر من مليون ونصف من سكان غزة على النزوح إلى مناطق وبلدان أخرى، يصبح مشروع إخلاء المنطقة من السكان أمرا ممكنا، في نظر المحتلّين وداعميهم.
ليس معلوما بعد أبعاد الخطّة التي تعتبر استكمالا لما حدث في 1948 و 1967 من احتلال الأرض وإقصاء أهلها. ولكن يبدو أن تصريحات الرئيس الأمريكي ساهمت في إفشالها. فما أن أطلق تصريحاته حتى ارتفعت أصوات الشجب والاستنكار من حكومات كثيرة ومنظمات حقوقية وإنسانية عديدة. ومع أن ترامب شخص عنيد يصرّ على موقفه ولا يتنازل عادة، ولكن يبدو أنه لم يتوقع حدوث ردّة فعل بالحجم الذي حدث.
ولا شك أن صمته خلال العدوان الإسرائيلي، وربما مشاركة القوات الأمريكية في القصف والتدمير يوحي بوجود خطة معدّة سلفا لإكمال مشروع الاحتلال. هذا المشروع انطلق بالتدمير الشامل لقطاع غزة بشكل فاق ما حدث في الحرب العالمية الثانية من دمار، بحيث تبدو الدعوة لإخلائه من الفلسطينيين أمرا مقبولا، بل ربما يوحي باهتمام إنساني يتجاوز الأطماع السياسية.
برغم ما يدّعيه الغربيون من تماسكهم إزاء التحديات الأمنية التي تتحداهم من خارج عالمهم، فإن قضية فلسطين بقيت، على مدى ثلاثة أرباع القرن، شاهدة على عجزهم وتراجعهم الإنساني والأخلاقي
ويبدو كذلك أن المشروع حظي بقبول عام لدى الأوساط الغربية، ولكنه كان من البشاعة بمكان بحيث دفع الحكومات العربية لرفضه جملة وتفصيلا لأنه كان فاقعا، نضح بدماء أكثر من 46 ألفا من سكان القطاع.
كما حدث إدراك مهم بأن الانصياع للخطة الأمريكية ـ الإسرائيلية ستمهّد لتطورات أخطر، وأن الأردن سيكون المحطة الأخرى التي يتضمنها مشروع توسيع الاحتلال الإسرائيلي. كما اتضح للكثيرين أن خطّة احتلال غزة بداية لتنفيذ مشروع «إسرائيل الكبرى» الذي سوف يزداد توسعا ويشمل بلدانا عربية أخرى وحدودا تصل إلى العراق.
برغم ما قيل، ليس هناك ما يؤكد توقف المشروع الاستيطاني الجديد عند هذا الحد، وأن المحتلّين سوف يستمرون في استهداف المناطق التي يسعون لضمها لمشروع التوسع والاستيطان الإسرائيلي.
وليس من المنطقي كذلك افتراض ان الضخّ الأمريكي والأوروبي لكيان الاحتلال سوف يتوقف في المستقبل المنظور. ولكن السؤال: ما مصلحة الغربيين من توسع «إسرائيل» بلا حدود؟ ما مصلحة الغربيين من انتشار القوات الإسرائيلية داخل الحدود السوريّة لتدمير كافة ما لدى ذلك البلد من إمكانات عسكرية وتحويلها إلى بلد منزوع السلاح؟ لقد أصبحت القوات الإسرائيلية تسيطر على مساحات واسعة وأصبحت على مقربة من دمشق. فهل هذا يخدم الأمن والسلم الدوليين؟ وماذا عن روسيا؟ لا شك أنها فقدت قدرا كبيرا من نفوذها في الشرق الأوسط بسقوط بشار الأسد، فما الذي بقي لديها من نفوذ بعد العراق وسوريا؟ الواضح أن روسيا في العقود الأخيرة لم تعد الاتحاد السوفياتي الذي كان في حالة توازن مع الناتو في ذروة الحرب الباردة.
ومع تطور العلاقات الشخصية بين ترامب وبوتين تراجعت حدّة التنافس بين الشرق والغرب، حتى أن أزمة أوكرانيا التي كان بالإمكان أن تتحول إلى حرب عالمية ثالثة، تراجعت كثيرا، ولم تعد أمريكا متحمسة لدعمها من أجل التخلص من النفوذ الروسي. إنها واحدة من حوادث القدر على صعيد التوازن الدولي حيث لم تعد هناك أجواء منافسة ساخنة، خصوصا مع توسع نفوذ لاعبين آخرين، واستمرار أمريكا في رفع نفقات التسلح برغم تراجع نفوذها الاقتصادي في مقابل توسع النفوذ الاقتصادي الصيني.
وهكذا أصبح شبح الحرب أمرا مقلقا يسعى الجميع لمنع وقوعه نظرا لما لذلك من مخاطر غير محسوبة. بل أن أمريكا نفسها، برغم الضوضاء السياسية حول إيران وإرسال طائرات بي 2 إلى الشرق الأوسط، هرعت لتبريد نقطة التماس الوشيكة مع إيران، وبدأت حوارا استراتيجيا مع طهران في العاصمة العمانية، مسقط. فمع ما يبدو من تصاعد احتمالات الحرب بدأ الحوار مع ترسخ قناعة الغربيين بأمرين: أولهما استحالة وقف المشروع النووي الإيراني، وثانيهما عدم وجود ما يؤكد توجه إيران لإنتاج أسلحة نووية.
لا شك أن فسيفساء التوازنات السياسية والعسكرية في المنطقة تزداد تعقيدا، ولكن يخفف من مخاطر ذلك التنوع شعور الأطراف جميعا بضرورة منع وقوع الحروب خصوصا في ضوء عجز العالم عن احتواء الأزمة الأوكرانية من جهة، أو احتواء مخاطر التوتر المتواصل في الشرق الأوسط من جهة أخرى. كما أن العجز عن احتواء أزمة السودان التي أصبحت تتحدى البشرية مع انتشار بوادر مجاعة كبرى تضيف بعدا آخر لتراجع الإرادة السياسية لدى زعماء «العالم الحر» وتداعي حماسهم للتعاطي مع تحديات من هذا النوع. هذا يظهر أن إشعال الحروب والخلافات خيار سهل، ولكن إنهاءها ليس متيسرا، بل أن القضايا الكبرى بقيت عالقة منذ أن بدأت.
وتزداد الأمور تعقيدا بتهميش دور الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي. فأمريكا التي تسعى لإضعاف العمل الدولي المشترك لم تثبت قدرتها على التصدّي بقدر من الحياد للقضايا الكبرى، بل كثيرا ما كانت طرفا مباشرا فيها. ولم تسفر تدخلاتها في الصراعات عن حلول ناجعة، الأمر الذي يستدعي ضرورة بروز جهة دولية فاعلة لسد الفراغ القيادي الذي أحدثه تهميش الأمم المتحدة.
ربما يعتقد بعض زعماء الغرب أن البلطجة الإسرائيلية تساهم في كبح جماح القوى الإقليمية التي قد تحتضن نزعات للتمرد على الهيمنة الغربية. ولكنهم مخطئون في ذلك. فهم بذلك يخلقون عفريتا آخر ويكررون قصة «فرانكشتاين» المرعبة. أما المنطق الأقرب للحكمة والواقع فيدعوهم لانتهاج سياسات أخرى أكثر توازنا وعدلا، وأقل عداء للعرب والمسلمين. وبدون ذلك التغيير في النهج السياسي الغربي وتجاهل حقوق البشر في بلدان مثل فلسطين والسودان والعراق، سيصبح العالم متوجها نحو مصير مجهول يتداخل فيه سيل الدماء مع تفاقم الأزمات الاقتصادية والأخلاقية.