“الحرس الثوري”… صانع الجفاف في إيران
تاريخ النشر: 6th, August 2023 GMT
من بادية فحص
تسيطر على إيران منذ نحو ثلاثة عقود، موجة جفاف حادة، تسببت في ارتفاع معدلات درجات الحرارة وانخفاض كمية تساقط الثلوج وتراجع معدلات هطول الأمطار. وبالتالي تدني مستوى المياه في الأنهار والبحيرات وبرك المياه الطبيعية وخزانات المياه الجوفية وجفاف الأنهار الموسمية والأراضي الرطبة، مما وضعها على قائمة البلدان المرشحة لمواجهة نقص مزمن في المياه، بحلول سنة 2025، علاوة على أنها أساسا، تقع ضمن ما يعرف بالحزام الجاف للكرة الأرضية.
يرى خبراء غير رسميين في مجال البيئة، أن هذا العام، هو عام الفقر المائي في إيران، فالحكومات المتعاقبة على مدى ثلاثين سنة، أساءت إدارة الأزمة، كما أساءت إدارة الوقت، إلى أن أوصلت البلاد إلى هذا الوضع الكارثي. وفي رأيهم أن الأزمة المائية بلغت مستوى الخطر المباشر، على الشعب والنظام معا، وأن نقص المياه، الذي يتمدد على مساحة البلاد، من الأطراف إلى الوسط، لن تكون طهران بمأمن منه، كما يعتقد المسؤولون الحكوميون، وسوف تنفجر الأزمة في الشوارع، عاجلا، وسيكون على النظام، مواجهة موجة احتجاجات شعبية، تنطلق من طهران وتشمل كل المناطق، مرة أخرى- الأولى كانت بعد مقتل مهسا أميني.
وعلى المقلب الآخر، منذ بداية الأزمة إلى اليوم، لم يتخذ النظام أي نوع من التدابير العملية والعلمية للحيلولة دون وصول البلاد، إلى الإفلاس المائي الحالي، ولجأ كالعادة إلى الحلول الاستعراضية، إما باستدراج الأزمات مع الجيران (نهر هلمند مع أفغانستان) علما أن 7 في المئة فقط من المياه في إيران، تتوفر من مصادر خارج الحدود، وإما ببناء السدود العملاقة والقنوات الضخمة لحرف مجاري الأنهار الكبرى، من منطقة إلى أخرى، ولذلك يرى الخبراء أن بناء هذا العدد الكبير من السدود، هو السبب الرئيس لضياع الثروة المائية، وتأتي موجة الجفاف ثانيا.
ويعتقد الخبراء أن أحد الأسباب الرئيسة لتجفيف 88 في المئة من بحيرة أرومية، هو بناء 57 سدا شمال غربي البلاد، كما أدى بناء 82 سدا، على مستنقعات بحيرة أنزلي، إلى انخفاض مستوى المياه في البحيرة، بمقدار متر إلى مترين، وسبب جفاف بحيرة كاوخوني، هو بناء 6 سدود في مستجمعات المياه المغذية لها، وأدى إنشاء 14 سدا على نهر الكرخه إلى جفاف النهر، وهناك خطط لإنشاء 36 سدا آخر، كما تسبب بناء 40 سدا على نهر كارون، في قطع شريان المياه الرئيس للمحافظة، وحدوث أزمة الجفاف التي تفتك بها. ويُخطط لبناء 50 سدا إضافيا على النهر، كما أن محافظة صحراوية جافة، مثل سيستان بلوشستان، لا يوجد فيها إلا أنهار موسمية، تم فيها بناء 23 سدا، وتجري دراسة لبناء 25 سدا آخر، وفي المناطق الصحراوية الوسطى، حيث يتدفق 10 إلى 12 في المئة فقط من المياه في البلاد، يوجد أكثر من 200 سد مبني أو قيد الإنشاء.
يجري بناء معظم هذه السدود، من دون خبرات كافية، ومن دون إجراء أبحاث علمية وبيئية مناسبة، ومن دون دراسة الأثر البيئي، ومعظم الخزانات خلف السدود تتحول إلى قنابل بيئية موقوتة، بسبب المناخ الحار، حيث تتعفن مياهها وتفسد وتصبح مصدرا للجراثيم والبعوض والروائح الكريهة، بعد أن تدخلها المواد العضوية ومياه الصرف الصحي وبقايا الأسمدة الكيماوية. مثال على ذلك، خزان سد ميناب جنوبي البلاد.
لكن، لماذا يهتم النظام ببناء السدود؟ ولماذا لا يزال متمسكا بها كحل، برغم فشلها، بدليل استمرار الأزمة بل تفاقمها؟ كلمة السر هي: “مقر خاتم الأنبياء” الذراع الاقتصادية للحرس الثوري الإيراني، الذي تأسس بأمر من مرشد الجمهورية علي خامنئي، بعد انتهاء الحرب الإيرانية- العراقية، وبداية مرحلة إعادة إعمار المناطق المنكوبة، والذي أوكلت إليه إدارة العمل في مجالات إمدادات الطاقة، وتصدير النفط والغاز، وبناء السدود، واستجرار المياه، وشق الطرق وتعبيدها. وسرعان ما أصبح المنفذ الأوحد، لكل مشاريع البناء الحكومية، ثم سيطر على كل القطاعات الصناعية في البلاد.
إذن، الجهاز الذي يدير الأنشطة الاقتصادية للحرس الثوري، هو المسؤول عن بناء السدود، ومشاريع بناء السدود تحتاج إلى ميزانيات ضخمة، سواء لناحية استقدام الخبراء، أم لناحية شراء الآلات الخاصة والتكنولوجيا المطلوبة، وغيرها من مستلزمات العمل. وقبل كل ذلك، يتطلب دعما حكوميا وسياسيا، ولا أحد غير الحرس الثوري يمتلك هذه الامتيازات مجتمعة.
يدر بناء السدود أرباحا خيالية، على الحرس الثوري، لذلك بلغت السدود في إيران حد التخمة، قرابة 600 سد ومثلها قيد الإنشاء، واحتلت المرتبة الثالثة في العالم في نشاط بناء السدود.
هناك سبب آخر ليس استثماريا بشكل مباشر، لظاهرة بناء السدود في إيران، وهو نقل المياه إلى المناطق الجافة والمنطقة الوسطى من البلاد، عبر قنوات ضخمة، بعد تغيير مجاري الأنهار، لاستخدامها في الصناعات النووية، وفي مشاريع اقتصادية أخرى مثل الصلب، التي يسيطر عليها الحرس الثوري بالكامل، وكان مشروع تغيير مجرى أحد فروع نهر دز، وسحبه إلى مدينة قم، أحد المشاريع، التي تم تنفيذها لأغراض نووية.
ومن الأسباب التي يتذرع بها الحرس الثوري، لتبرير البناء العشوائي للسدود، هو توفير مصادر جديدة للطاقة الكهربائية، إلا أن إيران تتمتع بثروة طائلة من النفط والغاز، مما ينفي حاجتها للطاقة الكهرومائية، علما أن كل هذه السدود، لم توفر إلا 10 في المئة فقط من حاجة البلاد للكهرباء، كما أن البلاد تخضع لنظام تقنين في ساعات التغذية.
وقد تسببت السدود في محافظة سيستان بلوشستان الأكثر فقرا وتهميشا من بين محافظات إيران، في تشريد نصف عدد السكان وإفقارهم، خصوصا المزارعين والرعاة، لابتعادهم عن مصادر رزقهم، فالمساحات الجغرافية الشاسعة، التي تشغلها المناطق الآمنة حول السدود، أجبرت الأهالي على الانتقال، وترك القليل الذي يملكونه، وأدت بالتالي، إلى وقوعهم في أزمات اقتصادية واجتماعية وغذائية وصحية، عدا أنها أثرت بشكل كبير ومباشر، على النظام البيئي في المحافظة، فقضت على التنوع البيولوجي، والثروة الحيوانية وجففت الأراضي الرطبة.
وفي منطقة الأهواز، التي أدت السدود إلى انهيارها سكانيا واقتصاديا وبيئيا، كانت حتى سنوات خلت، تعوم على ثروة من المستنقعات المائية (الهور العظيم) والأنهار الغزيرة، ويمر فيها نهر كارون، أطول أنهار إيران وأعمقها، مما جعلها موطنا آمنا لأنواع مختلفة من الأسماك والثدييات والطيور المهاجرة، بما فيها تلك المهددة بالانقراض، ومرعى لقطعان الجاموس والماشية، وثاني أكبر منطقة في البلاد في زراعة القمح، يقول من تبقى من سكانها إن بداية الأعمال في بناء سد كتوند، في عهد محمود أحمدي نجاد، كانت نذيرا بهذا الخراب.
وعليه، يبدو أن الحرس الثوري يبالغ في بناء السدود، ليس بهدف حل أزمة المياه، بل طمع في نهب أكبر قدر ممكن من ثروة البلاد، وهو نهب سيدمر إيران تدريجيا، لدرجة أن أجزاء كثيرة من البلاد، لن تكون صالحة للسكن خلال الـ40 عاما المقبلة، كما أن تحويل مجاري الأنهار، سوف يؤدي، مستقبلا، إلى قيام حرب أهلية بين المناطق والقوميات.
*نشر أولاً في مجلة المجلة
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
شاهد أيضاً إغلاق عربي ودولي
مقال ممتاز موقع ديفا اكسبرت الطبي...
مش مقتنع بالخبر احسه دعاية على المسلمين هناك خصوصا ان الخبر...
تحليل رائع موقع ديفا اكسبرت الطبي...
[أذلة البترول العربى] . . المملكة العربية السعودية قوة عربية...
معي محل عطور. فيـ صنعاٵ...
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: الحرس الثوری المیاه فی فی الیمن فی إیران فی المئة
إقرأ أيضاً:
“ردع وصفقات مرتقبة”… ما رسائل التدريبات المشتركة لأول مرة بين مصر والصين
تجري القوات الجوية المصرية ونظيرتها الصينية أول تدريب جوي مشترك تحت اسم “نسر الحضارة 2025″، في الفترة من منتصف أبريل/نيسان وحتى أوائل مايو/أيار 2025.
ويعكس التدريب الذي ينفذ على الأراضي المصرية، مستوى التعاون العسكري بين البلدين، ويتوقع أن يشمل تنفيذ طلعات جوية مشتركة وتبادل الخبرات في مجالات القتال الجوي والتكتيكات، كما يعد مقدمة لصفقات قد تنفذها القاهرة الفترة المقبلة مع بكين.
وكانت القاهرة قد أعلنت انطلاق فعاليات التدريب الجوي المشترك بين القوات المسلحة المصرية والصينية تحت اسم “نسور الحضارة- 2025″، والتي تحمل رسائل وتساؤلات مهمة في ظل ما تعيشه المنطقة من توترات، وما تشهده العلاقات المصرية الأمريكية من فتور.
تطرح التدريبات المشتركة تساؤلات مهمة في ظل توترات متقدمة تشهدها المنطقة منذ أكثر من عام، وفتور في العلاقات بين القاهرة وواشنطن على خلفية مقترح التهجير طرحه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تحقيقا لرغبة إسرائيلية باحتلال القطاع وإفراغه من سكانه في إطار حرب الإبادة التي تقوم بها بحق الشعب الفلسطيني، وفق توصيف الخبراء.
تساؤلات أخرى يطرحها قلق الجانب الإسرائيلي من حصول مصر على منظومة دفاعية صينية متطورة وحديثة.
ونقل تقرير لموقع “نزيف.نت” العسكري الإسرائيلي أن مصر تمتلك منظومات دفاعية حديثة ومتنوعة، بما في ذلك المنظومة الصينية بعيدة المدى “إتش كي 9 بي” HK-9B التي تشبه صواريخ “إس-400” S-400 الروسية، موضحا أن المنظومة الصينية توفر العديد من المميزات منها زيادة مدى الاشتباك إلى ما لا يقل عن 200 كيلومتر، وتعزيز قدرات التتبع والاستهداف، الأمر الذي يضع التدريب المشترك محط أنظار العالم.
تعليقا على التدريبات المشتركة، قال العميد سمير راغب، الخبير العسكري المصري، إن هذه التدريبات بين الجيشين، لا علاقة لها بالتوترات الحالية على مستوى الشرق الأوسط.
يوضح الخبير المصري في حديثه مع “سبوتنيك”، أن المناورات التي تأتي في سياق التعاون الكبير بين مصر والصين، إذ تعد أعلى درجات التعاون العسكري بين الدول، ما يوضح عمق وقوة العلاقات بينهما.
وفق راغب تعد التدريبات المشتركة مع الصين بمثابة مقدمة لصفقات أسلحة، حيث تمكن مثل هذه المناورات الجانب المصري من رؤية الطائرات والأسلحة في الميدان، ليقيم كافة الجوانب الفنية والعملية أثناء التدريب، وهو أمر يتبع مع الجانب الأوروبي والروسي كذلك.
يشير راغب إلى أن الصين معنية بالمنافسة على مستوى توريد الأسلحة الفترة المقبلة، ونجحت بإدخال “عائلة طائرات j” نطاق المنافسة مع نظيراتها الأمريكية والفرنسية والروسية، وشارك بعضها التدريب المشترك مع مصر، مع الأخذ بالاعتبار أن السوق الأفريقي هو أهم الأسواق التي تستهدفها الصين، في حين أن مصر تبحث عن طائرة من الجيل الرابع معادل لطائرات f16، ويمكن أن تكون الطائرات الصينية أحد الخيارات إلى جانب الخيارات الروسية والكورية.
وشدد على أن الرسائل الواضحة من التدريبات تتمثل في تنوع التعاون العسكري وتنوع الشراكات، وأنها لا تقبل أي إملاءات، بل تحدد علاقاتها بما يخدم مصالحها.
يذهب الخبير المصري إلى أن تأثر العلاقات المصرية الأمريكية نتيجة ملف غزة، يدفع القاهرة باعتبارها دولة وازنة في المنطقة لتعزيز وتوازن علاقاتها مع دول فاعلة في العالم، مثل الصين وروسيا، مع الأخذ بالاعتبار أنها تحافظ على شراكاتها التاريخية أيضا.
على مدار الفترة الماضية ذهبت بعض التقديرات إلى احتمالية الصدام بين مصر وإسرائيل، غير أن رؤية الخبير المصري تذهب إلى مستوى آخر من التقدير، إذ يشير إلى أن خوض إسرائيل مواجهة مع الجماعات لا يعني قدرتها على خوض مواجهة مع مصر، في حين أن حالة السلام الممتدة منذ سنوات حققت استفادة للجانبين، كما تأكد للجميع أن الأمن الحقيقي تحققه الجيوش لا المليشيات، مع الأخذ بالاعتبار عدالة القضايا.
وفق راغب، فإن الجانب الإسرائيلي لديه “فوبيا” من التطور الكبير الذي يتمتع به الجيش المصري، ويدرك تماما أن جيش مصر لا يمكن مقارنته بجيوش أخرى بالمنطقة، مع إدراكه أيضا أنه يحمي ولا يعتدي.
تراجعت التدريبات العسكرية المشتركة بين مصر والجانب الأمريكي خلال السنوات الأخيرة، الأمر الذي يعدد راغب أسبابه، بداية من اتجاه القاهرة لتنويع مصادر تسليحها، ووجود بعض القيود الأمريكية على توريد بعض الأسلحة، وكذلك خلط واشنطن بين الجوانب السياسية والتجارية وعمليات التسليح، في حين أن بعض الدول الأخرى لا تفرض مثل هذه القيود على عمليات التسليح، بل تتجه لتوطين الأسلحة.
وكالة سبوتنيك
إنضم لقناة النيلين على واتساب