بعد تأثير ارتفاع جودة الطرق على معدل قسوة الحوادث.. هل تنجح الإصلاحات فى وقف نزيف الأسفلت؟.. التعبئة والإحصاء: 76% من أسباب حوادث السيارات يرجع للعنصر البشرى.. ويؤكد تخطى مصر 100 مركز من حيث جودة الطرق
تاريخ النشر: 16th, June 2024 GMT
ضمن الأخبار التي بات سماعها حدث عادي خلال اليوم، هي تلك المتعلقة بحوادث الطرق، غير أن هناك زوايا إنسانية في الأمر تجعل التوقف عند التفاصيل ضروري، لأن الأصل في النشاط الإنساني تحقيق السعادة للإنسان، والاستثناء أن تنعكس الأمور، مثل أن يتحول عرس إلى مأتم، أو رحلة مدرسية إلى مأساة إنسانية، أو حتى خروج أحدهم للعمل باحثًا على تحقيق الحياة الكريمة لأسرته، فتتحقق مأساة إنسانية على الطريق، إذ لم يكن يخطر ببال الأسرة أن رحلتها إلى المصيف بحثًا عن الخروج من ضغوط الحياة، ستجلب لهم ضغوطًا إضافية، تستمر باقي العمر، بسبب حادث، خلف وراءه ضحايا ومصابين، بينما كانت وجوه الأطفال تملؤها السعادة والفرح والابتسامات، قبل انقلاب الحافلة التي تقلهم في رحلة مدرسية، وربما تتخيل أنه لن يفيدك ما أسفرت عنه التحقيقات في الحادث، والتي كشفت أن اختلال العجلة بيد سائق المركبة ليست سبب الحادث، وأن عدم انتباه السائق للطريق كانت ضمن أسباب الكارثة، غير أن الواقع والعلم والمنطق يخبروك أن تلك الأسباب مهمة، وتحتاج للتعامل معها بجدية، واستخدام نتائج التحقيقات في منع تكرار ذلك مستقبلًا، أو على الأقل العمل على تقليل معدلات ضحايا هذا النوع من الحوادث.
"حادثة يا ناس.. الحقونا ميكروباص وقع في الترعة.. الحقوا الركاب يا ناس حد يلحقهم".. كلمات سمعتها منذ 30 عامًا عندما كنت أجلس في شرفة بيتنا الذي يطل على ترعة المنصورية بإحدى قرى الدقهلية، كنت طفلة في الخامسة من عمرها، أقف في الشرفة لأشاهد المارة وهم ذاهبون لأداء صلاة الجمعة في المسجد، وأنظر إلي أوراق الشجر الموجود أمام المنزل، وأطفال الجيران بالشوارع ويمتلئ قلبي بالبهجة، لينقلب اليوم رأسًا علي عقب، وتتحول سعادة الطفلة الصغيرة إلى مشهد حزين ومخيف عندما شاهدت سيارة ميكروباص تسقط في الترعة بعدما اصطدمت السيارة بأخرى، وتفاجأ السائق بمطب فاختلت عجلة القيادة وتغير اتجاه السيارة وسقطت بمن فيها من ركاب، وظل المشهد يطارد ذهني، متسائلة: "إيه اللي حصل وهل هيخرجوا، وليه مين السبب هل مشكلة في الطريق أم خطأ من السائق؟"، ولم تستطع ذاكرتي محو هذا الحادث إلى اليوم، لأبحث في أسباب وقوع حوادث، وهل هناك علاقة بين صلاحية الطريق ونسبة وقوع حوادث السيارات أم رعونة قيادة أم مشاكل بالسيارات، ومن ثم فنحن نحتاج للاستعانة بالأرقام في ذات الشأن، حتى نصل إلى نقاش جاد وعلمي حول الأمر.
ووفقًا لتقارير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء حول حوادث الطرق خلال الـ10 سنوات الماضية، فأكدت البيانات أن هناك العديد من الأسباب لوقوع الحوادث والتي تكمن في السرعة الفائقة وعدم الالتزام بقواعد السلامة والأمان ووجود مشاكل بالسيارات، فذكرت التقارير أن 76% من إجمالي حوادث الطرق خلال العشر سنوات الماضية جاءت لأخطاء بشرية وما يقرب من 20% من الحوادث تلفيات موجودة بالسيارات، وما يقرب من 4 بالمائة فقط يرجع إلي مشاكل الطرق، الأمر الذي حاولت الجهات المسئولة في الدولة محاربته عن طريق إصلاحات الطرق، وتخطت مصر قرابة 100 مركز من حيث جودة الطرق، فبعد أن كانت في المرتبة 118 عام 2014، أصبحت الدولة رقم 18 عالميًا من حيث جودة الطرق، الأمر الذي يعكس تطوير البنية التحتية، وتحسين الطرق في الدولة.
"اتجه محمد صاحب الـ 18 عامًا، بصحبة والده لزيارة طبيب القلب بعد كثرة حالات الوفاة المفاجئة، ليطمئن علي الحالة الصحية له وعلي إمكانية ممارسته الرياضة، ليرد الطبيب "أنت كويس جدًا زي الفل"، لم يكن علي علم أن قضاء الله سينفذ بعد أيام وليس بمشكلة في القلب، و تحطمت أحلامه في ممارسة الرياضة لوفاته بحادث سيارة".
وبحسب البيانات تبين أن إجمالي عدد الحوادث التي وقعت خلال الـ10 أعوام الماضية وصل إلي قرابة 143028 سيارة ما بين نقل وأجرة وملاكي، والذي نتج عنه تلف 143 ألف و28 سيارة، ووفاة 64767 وإصابة 482 ألفا و228 مصابًا، من بينهم أكثر من 210 ألف راكب، و170 ألف من المشاه، و107 ألف سائق، وجاءت محافظات الدقهلية والقليوبية وبني سويف، والشرقية، والقاهرة والجيزة، ضمن أعلي محافظات من حيث معدل إصابات حوادث الطرق، فيما شملت قائمة أقل محافظات من حيث معدل إصابات الحوادث، كلا من الإسماعيلية، وشمال سيناء والأقصر، وبورسعيد، وأسوان، ودمياط، والوادي الجديد، واحتلت أشهر يناير ويوليو وأغسطس وأكتوبر ونوفمبر لتسجيل أكبر نسبة إصابات لحوادث الطرق.
وسجلت أشهر ديسمبر ويونيو وفبراير ومارس أقل نسبة إصابات خلال الفترة من 2014 إلي عام 2023، وتبين من خلال البيانات أن وفيات الحوادث تتراوح أعمارهم بين أقل من 15 عامًا إلي 65 عامً، حيث سجلت أعلى فئة عمرية للإصابات والوفاة الأطفال أقل من 15 عامًا ومتوسط الإصابات 35 عامًا، وأن أقل فئة عمرية للإصابات سجلها كبار السن أعلى من 65 عامًا.
وبحسب تقرير نشره المركز الإعلامي لمجلس الوزراء، تقدمت مصر 100 مركز في الترتيب العالمي لمؤشر جودة الطرق خلال10 سنوات، لتحتل المركز الـ18 عالميًا، بفضل المشروع القومي للطرق، وأن إجمالي أطوال الطرق المستهدف تنفيذها ضمن المشروع القومي يبلغ 7000 كيلومتر، تم تنفيذ 6300 منها بتكلفة 155مليار جنيه، ما سيؤدي إلى زيادة أطوال الطرق الرئيسية بنسبة 29.8%، لتبلغ 30.5 ألف كيلومتر بنهاية عام 2024، مقابل 23.5 ألف كم عام 2014. كما تم تطوير ورفع كفاءة 8400 كيلومتر من الطرق الرئيسية بتكلفة 110 مليارات جنيه، من إجمالي 10000 كيلومتر مستهدف تطويرها، وأن مشروعات إنشاء وتطويرالطرق أدت إلى انخفاض أعداد الوفيات من حوادث السيارات بنسبة 28.6%، إذ سُجِلت5861 حالة وفاة عام 2023، مقابل 8211 حالة وفاة عام 2016، كما انخفضت أعداد المصابين بنسبة 17.9%، لتصل إلى 71 ألف مصاب عام 2023، مقارنة بـ86.5 ألف مصاب عام 2016، وذلك بالرغم من زيادةعدد السكان والسيارات على حد سواء، علمًا بأنه تم اختيار السنة وفقًا لأقدم بيان متوفر بعد تغيير المنهجية.
وكشف التقرير انعكاس مشروعات الطرق على ترتيب مصر العالمي في مؤشر جودة الطرق، إذ سجلت قيمة المؤشر 5.53 نقطة في عام 2024، لتحتل المركز 18، مقارنة ببلوغ قيمة المؤشر 5.46 نقطة عام 2021 لتحتل المركز 18،و4.52 نقطة عام 2019، لتحتل المركز 41، وسجلت قيمة المؤشر ثلاث نقاط عام 2017 لتشغل المركز 105، و2.9 نقطة عام 2015، لتشغل المركز 118.
ومع ارتفاع جودة الطرق بمصر وانخفاض معدل قسوة وعدد الحوادث بشكل العام، ورغم الجهود الكبيرة التي تبذلها الدولة في تطوير البنية التحتية وتحسين الطرق، إلا أن معدل الحوادث لا يزال مرتفعًا، و مازالت الحوادث المرورية تمثل أزمة كبيرة تشعل الرأي العام، مما تسببه من وقوع عدد كبير من الخسائر البشرية والمادية لاسيما تلك التي تقع على الطرق السريعة والخارجية بين المحافظات"، الأمر الذي دفع النائب العام المستشار محمد شوقي، لتوجيه نيابات المرور في كافة أنحاء الجمهورية، بالعناية الكافية بجرائم تجاوز السرعة، وذلك بفرض غرامات مالية تناسب خطورة التجاوز، وذلك إلى تحقيق التوعية وردع مرتكبي هذه الجرائم، التي تشكل تهديداً مباشراً لسلامة المواطنين والممتلكات.
كما أعلن النائب العام عن الإجراءات القانونية ضد المتورطين في ذلك، وإحالة من يرتكب تجاوزاً صارخاً للسرعة المقررة إلى المحاكمة الجنائية، وذلك ضمن عدد من القرارات الرادعة التي اتخذتها النيابة العامة، لمحاربة حوادث الطرق، والتصدي لمرتكبيها، حيث أكدت أنها ستولي اهتمامًا خاصًا بمراقبة التزام سائقي الحافلات المدرسية وسيارات النقل بالسرعات المقررة، وحمل تلك المركبات للوحات المعدنية المنصرفة لها، وأنها ستتصدى بكل حسم لتلك الظواهر الإجرامية بتقديم مرتكبيها إلى المحاكمة الجنائية، وذلك حفاظًا على أرواح المواطنين وأموالهم، ووجه النائب العام، بالمجابهة الفعالة لجرائم تجاوز الحد الأقصى للسرعة المقررة، وذلك نظرًا لكون لأخطاء العنصر البشري هي المسبب الأكبر للحوادث وفقًا لما أكده اللواء مدحت قريطم مساعد وزير الداخلية الأسبق، الذي فند هذه الأخطاء مؤكدًا أنها تتمثل في تجاوز السرعات المقررة بالطرق، وعدم الانتباه للطريق، وعدم جودة القيادة، والقيادة تحت تأثير المخدرات، وكذلك عدم اليقظة وإهمال الحالة الفنية للمركبة، مشيرًا إلي بعض النقاط الواجب اتباعها لتجنب وقوع الحوادث التي تقع بسبب الحالة الفنية للسيارة، وأولها ثقافة تغيير إطارات السيارة مع انتهاء تاريخ الصلاحية الموجود بالاطار، علي ألا يتجاوز السير بالإطارات أكثر من 60 ألف كيلو متر للتيوبلس، و40 ألف كيلو للعادي، مشددًا علي ضرورة الحفاظ علي ضغط الإطارات وفقًا للمعدل الطبيعي للسيارة حتي يتجنب الانفجار، وعلي ضرورة الالتزام بالسرعة القصوى للطريق حتي نتجنب أخطاء العنصر البشري المسببة لوقوع حوادث السيارات.
المصدر: اليوم السابع
كلمات دلالية: الحوادث حوادث السيارات اخبار الحوادث حوادث الطرق الداخلية المرور حوادث السیارات لتحتل المرکز حوادث الطرق جودة الطرق من حیث
إقرأ أيضاً:
نتنياهو ... بين التطرف والحرب الأهلية !
ذكرت دراسة في يوليو 2023م , عن باحثين بمعهد الأمن القومي بجامعة تل أبيب , أن نتنياهو قد يلجأ إلى مواجهة متعددة الجبهات لمحاولة تجاوز الأزمة الأخيرة التي اشتعلت في المجتمع الصهيوني ومحاولة توحيد صفوفه , بعد ما بدأت التحذيرات من حرب أهلية تكثر في المجال السياسي الصهيوني منذ إعلان حكومة نتنياهو مشروعها للإصلاحات القضائية في يناير 2023م .
-أزمات جوهرية
المجتمع الصهيوني يعاني من أزمة جوهرية عمرها من عمر هذا الكيان , تتعلق بطبيعته " يهودية وديمقراطية في الوقت نفسه " , والكم الهائل من التناقضات التي تحمله هذه العبارة .
ويفاقم من حجم الأزمة غياب أي دستور دائم للكيان منذ نشأته والاعتماد على المحكمة العليا لملىء هذا الفراغ , بالإضافة للانعكاسات المعاصرة للأزمة من صعود لليمين المتطرف وسيطرته غير المسبوقة على الحكومة والكنيست , وسعيه لإحكام السيطرة على باقي مؤسسات الكيان من جهة , وضمه للأراضي الفلسطينية ومد مشاريعه الاستيطانية بوتيرة جنونية وغير قانونية ومخالفة لكل المواثيق الدولية وقرارات الأمم المتحدة من جهة أخرى, وهو ما يهدد بما يسمى - ديمقراطية الدولة – من وجه نظر المعارضين الصهاينة .
ومن ثم فجرت أزمة الإصلاحات القضائية بدورها الإشكاليات الأعمق التي تضرب بجذورها في صلب المجتمع الصهيوني .
وفي هذا السياق شديد التعقيد جاءت صفعة السابع من اكتوبر 2023م , لتغيم على الأفق السياسي والمجتمعي الصهيوني وادخلته في حالة صدمة وهذيان لم يستطع الخروج منها حتى اليوم , ليجد الداخل الصهيوني نفسه بعد ذلك بين رحى الحرب وأزماته المتعددة الداخلية .
-تصدعات متعددة
هناك عدة تصدعات تضرب بجذورها في اعماق المجتمع الصهيوني منها الصدع الديني / العلماني , ويعني وجود مجموعة من الصهاينة العلمانيين مقابل مجموعة أخرى من الصهاينة المتدينين المتطرفين , وتختلف كلا المجموعتين جول النمط الثقافي العام للكيان وهويته ونظام الحكم وجوهر الكيان هل ديني أم علماني ديمقراطي , هذا الصراع الذي يؤطر الأزمات السياسة الذي يعاني منها الكيان في السنوات الأخيرة .
فيما صدع آخر فهو بين اليمن المتطرف واليسار والاختلاف الأساسي بينهما حول الموقف من القضية الفلسطينية , فبينما يتمسك اليمين المتطرف بخيار الدولة الواحدة ومن ثم زيادة وتيرة بناء المستوطنات والقضاء على الوجود الفلسطيني بشتى الطرق سواء القتل أو التهجير أو الإبادة وغيرهما , يقدم اليسار نفسه كداعم لحقوق الإنسان والأقليات , ويبدي استعداده للتفاوض مع الفلسطينيين على أساس الانفصال عنهم وحل الدولتين .
هذه التصدعات وغيرها تمثل الخريطة الرئيسية لطبيعة الأزمات الكامنة داخل المجتمع الصهيوني والقابلة للتفجر في أي لحظة داخل المجتمع الصهيوني , خصوصا في ظروف اليوم التي يعيشه الكيان الصهيوني في ظل حكومة اليمنين النازية والمتطرفة و الإرهابية بقيادة نتنياهو .
-الاصلاحات القضائية
في يناير 2023م , أعلن " ياريف ليفين " وزير العدل في حكومة نتنياهو عما أسماه " الإصلاحات القضائية " تضمنت هذه الإصلاحات تقويض صلاحيات المحكمة العليا وتقييدها في كل ما يتعلق بإلغاء قوانين للكنيست أو قرارات للحكومة أو قرارات وأوامر صادرة عن المؤسسة الأمنية والعسكرية , من خلال تصويت الأغلبية العادية في الكنيست , في مقابل ذلك منح حق التشريع للسلطتين التنفيذية والتشريعية فيما يخص الحقوق الأساسية كالملكية والتنقل والتظاهر بالإضافة لحق اختيار قضاة المحكمة العليا , وتهدف الإصلاحات كذلك إلى تغيير قانون الحصانة البرلمانية لأعضاء الكنيست والوزراء ورئيس الوزراء , بحيث لا يواجهون التحقيق أو المحاكمة خلال توليهم مناصبهم , كما تهدف إلى إلغاء بند " الاحتيال وخيانة الأمانة " في القانون الجنائي والعقوبات , بحيث يتحول السياسي والموظف الحكومي إلى رجل فوق القانون .
هذه الإصلاحات مدعومة بالأساس من قبل الائتلاف الحاكم المكون من أحزاب دينية وقومية متطرفة أهمها : حزب الليكود , بالإضافة لجوب الصهيونية الدينية بقيادة " بتسلئيل سموتريش " , وحزب القوة اليهودية بقيادة " إيتمار بن غفير " , وحزب نزعم بقيادة " آفي ماعوز , ويرى هؤلاء أن التعديلات القضائية ستساعد على المحافظة على هوية الدولة اليهودية من جهة , ومن جهة أخرى تفتح خيارات أوسع للعمل على ضم الضفة الغربية أو على الأقل أجزاء واسعة منها دون معارضة تُذكر من المحاكم الصهيونية , ومن ثم تصفية القضية الفلسطينية بالكلية .
-انقلاب سياسيا
تيارات مجتمعية صهيونية مختلفة من اليسار والوسط بالإضافة للجيش ومنظمات المجتمع المدني ورجال الاقتصاد ورأس المال , رفضت هذه الإصلاحات بشدة وقامت بموجة احتجاجات واسعة حاشدة لم يشهدها المجتمع الصهيوني من قبل .
إذ يرون أن محاولة الحكومة الحالية تغيير تركيبة القضاء وصلاحياته مفيدة لنتنياهو وائتلافه , وخطيرة على الكيان الصهيوني وما يسموه ديمقراطيته , بل إن هناك من اعتبر الإصلاحات القضائية " انقلابا سياسا " يمهد إلى تغير جوهر نظام الحكم في الكيان الصهيوني .
فالمحكمة العليا لها وضعية خاصة في الكيان الصهيوني , حيث لم تتفق الأحزاب الصهيونية منذ 1948م , على دستور الكيان واستعاضت عن ذلك بقوانين الأساس التي تشكل أساس الحكم وتنظيم العلاقة بين السلطات الحاكمة والمجتمع , يتمثل دور المحكمة العليا هنا في حفظ التوازنات السياسية وحماية الحقوق الأساسية , لذا فتقليص صلاحيتها يعني من الناحية العملية أن ميزان القوى سيميل لصالح السلطات التشريعية التي ستتمكن من سن القوانين بما في ذلك قوانين الأساس , مع تقييد دور المحكمة أو أي رقابة قضائية , وهو ما يعد انقلابا سياسيا في نظام الحكم بالفعل .
بالإضافة إلى ذلك فإن الإصلاحات تمنح أعضاء الكنيست نفوذا أوسع في لجنة تعيين قضاة المحكمة العليا , وذلك بهدف منح السلطات السياسة دورا محوريا في اختيار أعضاء اللجنة وهو ما سيسمح للحكومة بالسيطرة على المحكمة العليا بعد ذلك , وهو ما تراه المعارضة محاولة من قبل الائتلاف الحاكم لمساعدة نتنياهو وزعيم حزب " شاس " المتحالف معه " آرييه درعي " , في مشكلاتهم القانونية وقضايا الفساد والاحتيال التي تلاحقهم .
-حكومة متطرفة
هذه الأزمة لها جذور تمتد لنطاق أبعد من معركة الإصلاحات القضائية الحالية , فخلال العقدين الماضيين تضاعفت قوة الأحزاب اليمينية والدينية المتطرفة حتى استطاعت تشكيل حكومة صهيونية جديدة بزعامة " بنيامين نتنياهو " في ديسمبر 2022م , والتي تعتبر الأكثر تطرفا في تاريخ الكيان الصهيوني .
تتشكل القاعدة الاجتماعية لهذا الخليط المتنوع في الأساس من الحركات الدينية والقوميين المتطرفين , وحركات المستوطنين , ويتمتعون مجتمعين بما مجموعة 64 مقعدا في الكنيست من أصل 120 مقعدا , والتي تمكنهم من تمرير التشريعات والقوانين التي تعكس أيديولوجيتهم المتطرفة وأجندتهم وتمكنهم من السيطرة على السلطة وترسيخ يهودية الدولة , بالإضافة لتمرير السياسات التي تزيد من التهميش والتمييز ضد الفلسطينيين الذين يسموا عرب 48 , والفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال الصهيوني في الصفة الغربية أو الحصار في قطاع غزة ومن ثم العدوان عليها وفي حرب ابادة لسكانها ومحاولة تلك الحكومة الصهيونية المتطرفة بزعامة الإرهابي نتنياهو في تهجير سكان غزة تحت القصف والقتل والترويع بمسانده ومشاركة أمريكية سياسيا ودعم عسكريا بلا حدود .
-حرب أهلية
إن الصراع الداخلي في المجتمع الصهيوني آخذ في التطور أكثر منذ العقود الأخيرة , لترتفع بموجبه مؤشرات اندلاع حرب أهلية بين مكونات هذا الكيان الصهيوني , ولا سيما بعد وصول اليمين المتطرف للحكم لأول مرة في تاريخ هذا الكيان في ديسمبر 2022م , ودخوله في ائتلاف مع اليمين الليبرالي " حزب الليكود " برئاسة النازي المتطرف الإرهابي " بنيامين نتنياهو " منذ تشكيل حكومة اليمين المتطرفة أواخر ديسمبر 2022م , أدخل نتنياهو الكيان الصهيوني في أزمات سياسية حادة , أبرزها بشأن تشريعات خاصة بالسلطة القضائية مما فجر احتجاجات في الشوارع ومؤسسات الكيان الصهيوني , إذا إن عوامل اندلاع حرب أهلية باتت تهدد الكيان لصهيوني .
فمع العشرات من التظاهرات الصهاينة وسط تل أبيب وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة رفضا لقرار إقالة رئيس الشاباك حذر محللون صهاينة من أن قرار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إقالة رئيس جهاز الأمن العام " الشاباك " رونين بار ينذر بحرب أهلية .
-تحذيرات محللين
المحلل بصحيفة " يديعوت أحرونوت " الصهيونية " ناحوم برنياع " حذر بإن : ( المواجهة بين نتنياهو ورئيس الشاباك خطيرة وتقربنا من الحرب الأهلية حتى الآن بلا أسلحة , ولكننا وصلنا بالفعل إلى مرحلة فقدان الثقة والعصيان في الأجهزة الأمنية .... ووصلنا إلى فقدان الثقة والعصيان في الأجهزة الأمنية ... نتنياهو سيحكمنا كما يشاء وستتبعه حكومة فاشلة ).
بينما بدأ المحلل الصهيوني " يوسي فيرتر " بصحيفة " هآرتس " قائلا : ( يشغل منصب رئيس الوزراء حاليا رجل فاسد يفسد الآخرين , ويتصرف بلا مسؤولية ويتخلى عن مواطنية , وهو خطير يعرض الديمقراطية والأمن ومستقبل الصهيونية للخطر ... ونتنياهو أخطر حتى من أعدائنا في الخارج , وكغيره من الطغاة التاريخيين انتخب بطريقة ديمقراطية لكنه مصمم على تدمير النظام وترك البلاد بأكملها تحترق إذا لزم الأمر ).
أما المحلل العسكري " آفي أشكناري " بصحيفة " معاريف " الصهيونية فقد اعتبر : ( إن إسرائيل في طريقها لتصبح " مملكة نتنياهو " وإقالة بار قرار آخر في بناء الديكتاتورية الإسرائيلية , ونتنياهو والمستوى السياسي ليسوا أقل مسؤولية عن فشل 7 أكتوبر ) .