ثلاثة أشياء تتعفن بالإستمرار(الماء، الدم، الإدارة ) !! هكذا تعلمنا من سنة الحياة وبديهيات الطبيعة !!
فالمياه الراكدة والغير متحركة، حتى ولو بقذف الحجارة فيها تصبح ساكنة وقاتمة وملجأ للحشرات المائية بما فيها "البلهارسيا) والقواقع والطحالب، ولا يقبل بها حيوان أليف كمصدر "للشرب" أو حتى "للإستحمام" !! 
وكذلك الدم، حينما يسقط على الأرض ويبقى يتجمد "يتجلط" ويزال كرقائق عضوية من فوق السطح الساقط عليه !!
أما الإدارة، هى بنفس خواص المياه والدماء، إما أن تكون "إدارة متحركة منتعشة" لمحيطها ومبدعة فى قراراتها ومستحسنة إختياراتها ومتمسكة بمعايير الحكم على الأفراد المنوط بها إدارتها، "ومنزهة عن الهوى" وعن المصالح الشخصية، والواسطة والرشوة وعن الكسب الحرام، وعن "التطنيش" على الفساد وعلى الإنحراف وكذلك التنزه عن هذه "الموبيقات" الحياتية.


ويكون للإدارة حق السلطة فى موقع عملها، دون إنتظار لنفاق موظفين أو رياء متعاملين أوحتى إنتظار شكر أو ثناء على واجب، كل هذه التعريفات بديهية ومعلومة "للقاصى والدانى" من بعض مراكز الإدارة واتخاذ القرار فى أى مؤسسة أو مصلحة أو وزارة، ولعل ما نطالعه على صفحات الجرائد، وما نعانيه كأمة حباها الله بكل عناصر النجاح، التفوق، والخير... إلا أن الإدارة فى بعض مناحى الحياة فى مصر شابها العجز وشابها الإستمرار "بالعفن" !!

 

ونجد فى مبررات الإستمرار لهذا المناخ مرة بأنه يحوز رضا بعض الكبار !! وهذا إفتراء جائز، ومرة أخرى لأن سيادته مسئول عن مشروعات لم تنتهى (ولن تنتهى!!) وهذا أيضًا سبب "واه" غير حقيقى، فمصر بها قدرات إدارية، وإبداعية بما لا يحصى من عدد فى جامعاتنا ومراكز بحوثنا ومن خريجى المعاهد العلمية العالية المستوى، هؤلاء إذا أتيحت لهم الفرصة سوف يقفزون بالأمة "قفزات يستحقها شعب مصر"، إلا أن الأسباب وراء الإستمرار فى الإدارة أسباب مصنوعة من هؤلاء المستمرين (الشائخين) فى مناصبهم، والمصيبة هى إختياراتهم للصفوف التالية لهم  !! فهى إختيارات تنم عن سوء قصد فى "القضاء على الإبداع" والقضاء على التميز وقتل أى فرصة لأن يظهر أحد أحسن منهم على الساحة وياويل من يهبه الله فكرًا أو إبداعًا فى منصب تحت مسئول من هؤلاء المستمرين، فسوف يكون مكانه (الفريزر) أو تضبيط مصيبة لكى يختفى من على الشاشة ولعل كثير من هيئاتنا ومؤسساتنا من ذوى المسئولين المستمرين، لا نجد صورة أو صوت لآحد من الصفوف التالية، فالمؤسسة (وان مان شو)، ولعل بالنظر إلى أغلب مؤسساتنا والبحث عن الرجل الثانى، فلن نجده، ولعل ما حدث من مواجهة مع البعض من هؤلاء المسئولين فى اجتماع عام، قد نم عن صدفة حيث هؤلاء المستمرون يجدوا من الشجاعة أن يدافعوا عن أنفسهم وعن أن مصر نضبت من المبدعين والمبتكرين والمديرين، ويستمر هؤلاء الكبار الفاسدون فى الوزارات والمصالح عشرات السنوات ولا يتعرض لهم أحد حتى بسؤال أين الصف التالى ؟
والموقف كله يتفق مع مبدأ الإستمرار فى المنصب الإدارى أو الوزارى أكثر من العمر الإفتراضى للأشياء، لتتولد الطحالب والعفن والركود والفساد !!

  [email protected]

المصدر: بوابة الفجر

إقرأ أيضاً:

الفنان التشكيلي زكي يافعي يكتب: قصتي مع رجل من تعز

كان مكان تلك القصة الرائعة في أحد فنادق عدن" فندق أرجان"، الذي شعرت فيه وكأنني في داري ووسط الأهل من خلال مستوى الخدمة والتعامل والأشياء الجميلة فيه.

 

كنت عائدًا في الساعة 12 ليلاً إلى الفندق، ومررت على البوفيه الذي في ركن الفندق، وطلبت من الكاشير أن يرسل معي شخصًا أعطيه ثلاجة الشاي التي في الغرفة، فأرسل معي شاب يافع من أبناء تعز الكرام، يعمل لديهم في البوفيه، ومشينا إلى المكان المخصص للمصعد وكان المصعد في الدور السادس، ونحن ننتظر المصعد، نظرت إلى وجه بشير محمد سعيد الذي بصحبتي، فوجدته أسمر من الحرارة المرتفعة ويُبان عليه الجهد والشقاء والكفاح في عمله، فسألته سؤالًا عفويًا كان هو سبب كتابتي للمنشور، سألته من أين !؟

 

حينها رأيت نظرات خوف وتلعثم بالكلام، ثم تجرأ مكرهًا وتمتم بصوت خافت: "أنا من تعز".

 

شعرت ساعتها بذلك الخوف الذي بدا واضحًا على وجهه.

 

فرددت بحماس عليه: "الله ما أروعكم يا أبناء تعز، أنتم نموذج للكفاح والعمل والعلم والمعرفة".

 

وفي ثوانٍ تغيرت نظراته إليّ من مكان يخاف منه إلى ملاذ آمن يحكي لي قصته ويفتخر بما ينجزه ويشق به طريقه.

 

قال: "يا عم، أنا أعمل وأدرس وأصرف على أمي وإخوتي في تعز".

 

في خلال أقل من دقيقة كبر هذا الشبل اليافع إلى حد أني أراه رجلًا، واعتززت أن أمد يدي في يده وأسلم عليه.

 

فهممت أن أعطيه كل ما في جيبي من باب التكريم وليس من باب الشفقة.

 

وإذا به يرفض رفضًا قاطعًا.

 

وقال: "لا يا عم، أنا لا أريد شيئًا، الحمد لله أنا أكسب من عملي وأرسل لأهلي ما أستطيع".

 

قلت له: "يا بني، أنا لم أعطك من باب الشفقة أو لا سمح الله أنظر إليك وكأنك متسول. يا بني، من يكافح ويتعب أكيد يملك عزة النفس ما يكفيه، ولكن أنا أكرمك بما أقدر، هو تكريم من رجل لرجل".

 

وانتهى الحوار بيننا.

 

وفي اليوم الثاني، عندما لمحني وكأنه رأى أحدًا من أهله وأقاربه، بل ويريد أن يعزمني على الفطور، ويمكن ثمن فطوري هو بقيمة أجر يومين له من عمله.

 

عرفت ساعتها أن كلمة "رجل" التي قلتها له سوف تجعله فخورًا بنفسه، بل وسوف تعزز فيه قصة كفاحه وعصاميته.

 

هنا سأقول شهادة أتمنى أن تصل للجميع، لم أجد أحدًا من أبناء منطقتي أو عنصريًا أو جهويًا في كل من عرفت في عدن، وبالعكس وجدت أن أغلب المصالح والمحلات التجارية في عدن لأبناء الشمال نصيب الأسد فيها بالنسبة للأيدي العاملة، وجلست إلى العديد من رجال أعمال يافع، فوجدت محلاتهم وشركاتهم مليئة بالأيدي العاملة من أبناء المحافظات الشمالية وإلى درجة أنهم أصحاب قرار في تلك الشركات، لأنهم مكافحون وعمليون ويحفرون في الصخر لكي يكسبوا لقمة العيش بكرامة.

 

الرسالة الأخرى إلى الحسابات المستعارة والقلة القليلة من مختلف مناطق اليمن، الذين يثيرون الفكر المناطقي المقيت ويهتكوا ما تبقى من نسيج اجتماعي، كفوا أيديكم عن الناس، ولا تدمروا الشيء الجميل المتبقي في العلاقات الاجتماعية، فالسياسة تتغير بتغير المصالح، ولكن القيم والمشاعر الأصيلة والنبيلة إن ذهبت لن تعود.

 

أتمنى ممن يعلق أن يستوعب نبل رسالتي التي أقولها صادقًا وغير متزلف، ونسهم جميعًا في إرساء قواعد المحبة وقيم التسامح والترفع والسمو فيما نكتب، والله من وراء القصد.

 

*المقال نقلا عن صفحة الفنان في فيسبوك


مقالات مشابهة

  • د. عبدالله الغذامي يكتب: هناك أرض تكفي للجميع
  • لاصيفر: الأسعار ستواصل الارتفاع أكثر إذا لم تذهب ليبيا نحو حل الأزمة السياسية والأمنية
  • رؤيا …
  • د.حماد عبدالله يكتب: الغراب والقوة الشيطانية
  • «أصابع الشيطان» تظهر في بريطانيا.. سر انتشار رائحة كريهة تشبه اللحم العفن
  • الفنان التشكيلي زكي يافعي يكتب: قصتي مع رجل من تعز
  • الضرائب على العقارات ستزيد الركود وتبق الخلل في الاقتصاد
  • د.حماد عبدالله يكتب: (الروشتة) المؤجل تفعيلها !!
  • كارثة التنسيق
  • عيساوي: أستار الكعبة