البوابة نيوز:
2025-04-08@04:00:11 GMT

قُوةُ الاعتِذَار

تاريخ النشر: 16th, June 2024 GMT

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تُحاول قُوّة الاخْتِيار دْفَعَنا قُدَمًا نحو مُحاوَلَة حَثِيثَة لِتَجنُّب الاخْتِيارات الخَاطِئة. لَكِن الكَمال المَنْشُود فِي هَذِه الحالة لَنْ يَتَحَقَّق عَلَى الأَرْض فَلَابُد أَنْ يَكُونَ لَنَا اخْتِيارات خَاطِئَة كَمَا كَانَ لَنَا اخْتِياراتٌ صَحِيحَة. الاخْتِيار الخَاطِيء بِقَصْدٍ أَو بِدُون قَصْدٍ قَدْ يُتَسَبَّب فِي تَكْوِين مَوْقِف يَتَرَتَّب عَلَيْه إِحْدَاث أَلَم أَو ضَرَر لِلآخَرِين.

قَدْ يَكُونُ ذَلِك نَتِيجَةً لأَفْعَالِنَا أَو كَلِمَاتِنَا، الَّتِي أَنْتَجَتْهَا اخْتِيارَاتِنَا. وَهُنَا تَبْرُزُ قُوَّةٌ أُخْرَى أَلا وَهِيَ قُوَّةُ الِاعْتِذَارِ، وَذَلِك لِكَوْن الِاعْتِذَار هُوَ السَّبِيل الأَمْثَل لِتَصْحِيحِ أخْطَائَنا، وَتَرْمِيمِ العَلاقَات الَّتِي تَضُرَرت مِنْ جَرَاء هَذِه الاخْتِيارَات الخَاطِئَة. 
يُعْبِرُ الاعْتِذَارُ أَيْضًا عَنْ النَّضْجِ العَاطِفِيِّ، فَالإعْتِذَارُ يُصَدِّرُ مِنْ نُفُوسِنَا بَعْدَمَا نَكُونُ قَدْ مَارَسْنَا التَّفْكِيرَ بِعُمْقٍ فِي تَأْثِيرِ أَفْعَالِنَا عَلَى الآخَرِينَ، وَالِاعْتِرَافِ بِالأَلَمِ الَّذِي قَدْ سَبَّبْنَاهُ لَهُمْ. وَلِهَذَا يَلْعَبُ الأعْتِذَارُ دَوْرًا فِي تَنْقِيَةِ أَنْفُسِنَا مِنَ السُّمُومِ العَاطِفِيَّةِ وَيُسَاهِمُ فِي بِنَاءِ جِسُورٍ مِنَ التَّفَاهُمِ وَالاحْتِرَامِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الآخَرِين.
الاعْتِذَارُ قُوَّةٌ فِي عَالَمٍ أَصْبَحَ يَضْجُ بِأُولَئِكَ الضُعَفَاءُ الَّذِينَ يَتَصَوَّرُونَ أَنَّهُمْ مَلَائِكَةٌ تَمْشِيءُ عَلَى الْأَرْضِ لَا يُمْكِنُ بِحَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ أَنْ يَعْترفُوا بأنَّ أَفْعَالُهُمْ أَوْ تَصَرُّفَاتُهُمْ يَتَطَرَّقُ لَهَا أيَّ خَطَأُ مِنْ بَعِيدٍ أَوْ قَرِيب. فَتَرَى الْوَاحِدَ مِنْهُمْ مُسْتَمْسِكًا بأفكاره يَدَافِعُ عَنْ فِعْلِهِ وَاخْتِيَارِهِ بِحَقٍّ وَبِدُونِ حَقٍّ وَيَلُوي الْمَفَاهِيمَ وَرُبَّمَا يَتَجَرَّأُ عَلَى الْمُقَدَّسِ مِنَ النُّصُوصِ وَالْأَعْرَافِ لِيَطْوَعَهَا كَيْ تَتَوَافَقَ مَعَ وَجْهِهِ نَظَرُهُ التي يُريِدُ فَرضَها بِدُون وجهِ حَقْ، الْأَمْرُ الَّذِي يُدَلِّلُ على سوءِ ما يحملهُ بَاطِنَ المُكابِر المُتَعَنِت. 
إنَّ الخَطَأَ الَّذِي لَمْ تَتَكَوَّنْ لَدَى قنَاعَةُ مُرْتَكِبِيهِ أَيَّةَ قُوَّةِ اعْتِذَار، يُدَلُّ عَلَى أَنَّ صَاحِبَ هَذَا الخَطَأِ لَا يَرَاهُ بالأصلِ خطأً، وَمِنْ ثَمَّ سَيَتَكَرَّرُ هَذَا الخَطَأُ مَرَّارًا وَتَكْرَارًا، حتي تتبدل هذه القناعات الفاسدة، ويعترف صاحبها بهذا الخطأ، ومن ثم تتولد في داله قوة إعتذار، والتي هي بمثابة الخطوة الأولى نحو التغيير للأفضل.
في حِينَ أَنَّ الأَشْخَاصَ الَّذِينَ يَمْلِكُونَ قُوَّةَ الاِعْتِذَار هُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَتَمَتَّعُونَ بِقُوَّةٍ دَاخِلِيَّةٍ وَثِقَةٍ بَأَنُّفُسِهِمْ، تُجْعَلُهُمْ قَادِرِينَ عَلَى التَّفْكِيرِ النَّاضِجِ وَالتَّصَرُّفِ بُوَعْيٍ وَمَسْؤُولِيَّةٍ.تُجْعَلُهُم يُعَلِّنُون ضَمِنِيًّا أَنَّ هَذَا الْخَطَأَ الَّذِي تَوَجَّبَ عَلَيْهِ الْإِعْتِذَارُ لَنْ يَتَكَرَّرُ وَإنْ تَكَرَّرَ هَذَا الْخَطَأُ ثَانِيَةً، فَإِنَّ قُوَّةَ الْإِعْتِذَارِ سَتَجْعَلُ لَدَى أصَاحِبِهَا طَاقَةٌ فاعلة تَدْفَعُهُم لِعَدَمِ تَكْرِيرِ هَذَا الْخَطَأِ مَرَّةً ثَالِثَةً.
للاعْتِذَارِ صُورٌ كَثِيرَةٌ وَمُتَنَوِّعَةٌ عَلَى حَسَبِ الْمَوَاقِفِ، وَأَصْحَابِ هَذِهِ الْمَوَاقِفِ، وَالْبِيئَةِ الْمُحِيطَةِ بِهَذِهِ الْمَوَاقِفِ. لَكِنَّ جَمِيعَ صُورِ الاِعْتِذَارِ مَهْمَا تَنَوَّعَتْ تَتَحَدَّ فِي كُونِ الاِعْتِذَارِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ صَادِرًا عَنْ نَفْسٍ مُؤْمِنَةٍ بِقُوَّةِ هَذَا الاِعْتِذَارِ، وَإِمْتِلاكِ الشُّجَاعَةِ الأَدَبِيَّةِ الَّتِي تُقَادِي إِلَى إِرْضَاءِ خَصُومِنَا الَّذِينَ حَقُّهُمْ أَخْطَأْنَا، وَتُوجِبُ عَلَيْنَا تَقْدِيمَ الاِعْتِذَارِ إِلَيْهِمْ. وَعَلَامَةُ ذَلِكَ أَنْ يَسْتَشْعِرَ الْمُعْتَذِرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ أَنَّهُ أَرْضَى خَصْمَهُ، أَوْ قَدَّمَ مَا حُكِمَ بِهِ الْعُرْفُ الْمُحِيطُ أَنَّهُ يُكَافِئُ خَطَئَهُ الَّذِي بِسَبَبِهِ يَتَوَجَّبُ عَلَيْهِ الاِعْتِذَارُ. إِنَّ التَّجْرِبَةَ الْإِنْسَانِيَّةَ عَلَى كَوْكَبِ الْأَرْضِ سَجَّلَتْ بِمَاءِ الذَّهَبِ الِاعْتِذَارَاتِ الصَّادِقَةِ الَّتِي صَدَرَتْ عَنْ نُفُوسٍ رَاقِيَةٍ، وَسَجَّلَتْ هَذَا لَهُمْ بِعَيْنِ الِاحْتِرَامِ وَالتَّوَقُّيْرِ.
فالاعْتِذَارُ فِطْرَةُ الأَنْبِيَاءِ، ومَا تَوَصَّلَتْ إليْهِ عُقُولُ الحُكَمَاءِ، وَزِينَةُ النُبَلَاءِ.الإعْتِذَارُ يأَبَّاهُ اللئامُ وَتَقْبَلَهُ النُّفُوسُ الكَرَامُ. فَهَذَا يُوسُفُ الصَّدِيقُ عليه السلام، وَبَعْدَمَا رَمَوْهُ إِخْوَتُهُ فِي الْجُبِّ، وَبِيعَ فِي مِصْرَ بِدَرَاهِمٍ مُعَدَّدَةٍ. وَذَاقَ مُرَارَةَ الإِغْتِرَابِ عَنْ وَطَنِهِ وَأَهْلِهِ بِسَبَبِ فَعْلَتِهِمْ إِلَى أَنْ مَكَّنَهُ اللَّهُ مِنْهُمْ فَجَاؤُوهُ طَالِبِينَ مِنْهُ الْعَوْنَ بَعْدَ إِنْ صَارَ عَزِيزًا لِمِصْرَ، وَعِنْدَمَا أَدْرَكُوا إِنْفِضَاحَ أمرَ مَا فَعَلُوا جَاؤُوا إِلَيْهِ مُعْتَذِرِينَ فَمَا كَانَ مِنْهُ إِلا أَنْ قَالَ لَهُمْ "لا تثريب عليكم اليوم، يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين."يوسف(29). إن الإعْتِذَار لَيْسَ مُجَرَّدَ اعْتِرَافٍ بالخَطَأ، بَلْ هُوَ عَمَلِيَّةٌ تَصَالُحِيَّةٌ عَمِيقَةٌ تَتَطَلَّبُ شُجَاعَةً وَتَوَاضُعًا. ومَتَى كَان الاعْتِذَارُ يُعْبِرُ عَنْ نَدَمِنَا الصَّادِقِ،فإنه من زاويةٍ أخرى يُدَلِلُ على اسْتِعْدَادِنَا لِلتَّعَلُّمِ وَتَطْوِيرِ ذُواتِنَا لِتَصْحِيحِ مَسَارَاتِنَا الخَاطِئَةِ.
سَجَّلَ التَّارِيْخُ اعْتِذَارًا لِلنَّبِيِّ الْكَرِيمِ مُحَمَّدٍ ﷺ لِلصَّحَابِيِّ الْجَلِيلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُمِّ مَكْتُوْمٍ. وَالْقِصَّةُ تَبْدَأُ عِنْدَمَا أَقْبَلَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُوْمٍ وَالنَّبِيُّ ﷺ مُشْتَغِلًا بِمَنْ حَضَرَهُ مِنْ وُجُوهِ قُرَيْشٍ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ قُوِيَ طَمَعُهُ فِي إِسْلَامِهِمْ وَكَانَ فِي إِسْلَامِهِمْ إِسْلَامٌ مِنْ وَرَاءِهِمْ مِنْ قَوْمِهِمْ، فَجَاءَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُوْمٍ وَقَالَ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي مِمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ"، وَجَعَلَ يُنَادِيهِ وَيَكْثُرُ النِّدَاءُ، وَلَا يَدْرِي أَنَّهُ مُشْتَغِلٌ بِغَيْرِهِ، حَتَّى ظَهَرَتْ عَلَامَاتُ الْإِعْرَاضِ وَالْعَبُوْسِ فِي وَجْهِ النَّبِيِّ ﷺ لِقَطْعِهِ كَلَامَهُ. فَنَزَلَتْ الْآيَةُ. فَجَاءَ الْقُرْآنُ مُعَاتِبًا لِلرَّسُولِ فِي قَوْلِهِ ﷻ: "عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ (1) أَن جَاءَهُ الْأَعْمَىٰ (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَىٰ (4)" (سورة عبس). وَهُنَا تَبرُزُ عَظَمَةُ النَّبِيِّ الْكَرِيمِ بَعْدَ ذَلِكَ، إِنَّهُ كُلَّمَا رَأَى ابْنَ أُمِّ مَكْتُوْمٍ كَانَ يَبْسُطُ لَهُ رِدَاءَهُ وَيَقُولُ: "مَرْحَبًا بِمَنْ عَاتَبَنِي فِيهِ رَبِّي"، وَيَقُولُ: "هَلْ مِنْ حَاجَةٍ"؟ وَاسْتَخْلَفَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ مَرَّتَيْنِ فِي غَزْوَتَيْنِ غَزَاهُمَا.
رؤي الصحابي الجَليِّل أبَا ذَرٍّ بالرَّبَذَةِ، وعليه حُلَّةٌ، وعلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ، فسؤل عن ذلكَ، فَقالَ: إنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بأُمِّهِ، فَقالَ لي النبيُّ ﷺ،: "يا أبَا ذَرٍّ أعَيَّرْتَهُ بأُمِّهِ؟ إنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، إخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أيْدِيكُمْ، فمَن كانَ أخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ ممَّا يَأْكُلُ، ولْيُلْبِسْهُ ممَّا يَلْبَسُ، ولَا تُكَلِّفُوهُمْ ما يَغْلِبُهُمْ، فإنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فأعِينُوهُمْ".
سِرُ الاِعْتِرَافِ هُوَ أَحَدُ الْمُقَدَّسَاتِ السَّبْعَةِ الَّتِي تَتَبَنَّاهَا الْمَسِيحِيَّةُ، وَالاِعْتِرَافُ هُوَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الاِعْتِذَارِ يَضْمَنُ عَدَمَ تَكْرَارِ الْخَطَأِ، كَمَا يَضْمَنُ السَّلَامَةَ النَّفْسِيَّةَ وَالتَّصَالُحَ مَعَ الذَّاتِ لِنَفْسِيَّةِ الْمُعْتَذِرِ.
وَأَيْضًا عِنْدَمَا وَعَدَ اللَّهُ نَبِيَّهُ مُوسَى عليه السلام بِثَلَاثِينَ لَيْلَةً، جَعَلَ أَخَاهُ هَارُونَ عليه السلام لِيَخْلُفَهُ فِي قِيَادَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِمُدَّةِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا.
أَخْبَرَ السَّامِرِيُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّ مُوسَى ضَلَّ الطَّرِيقَ إِلَى اللَّهِ، فَصَنَعَ لَهُمْ عَجْلًا وَأَمَرَهُمْ بِعِبَادَتِهِ. تَقَسَّمَ بَنُو إِسْرَائِيلَ بَيْنَ مُؤْمِنٍ وَمُكَذِّبٍ، وَحَاوَلَ هَارُونَ عليه السلام تَوْحِيدَ صَفِّهِمْ عَلَى الْحَقِّ وَلَمْ يَفْلَحْ. وَعِنْدَمَا عَادَ أَخُوهُ نَبِيُّ اللَّهِ مُوسَى غَاضِبًا عَلَيْهِ مُعَاتِبًا لَهُ. أَعْتَذَرَ هَارُونَ لِأَخِيهِ بِأَنَّهُ خَشِيَ التَّفْرِيقَ بَيْنَهُمْ، وَأَمَرَهُمْ بِالتَّوْحِيدِ.
حتى فِي الْجَاهِلِيَّةِ، كَانَتْ هُنَاكَ حَرْبُ الْبَسُوسِ التِّي اسْتَمَرَّتْ قُرَابَةَ 40 سَنَةً بِسَبَبِ نَاقَةٍ؛ قَتَلَهَا كُلَيْبُ لِكُونِهَا شَرِبَتْ دُونَ إِذْنِهِ. فَمَا كَانَ مِنْ خَالِهِ جَسَّاسٍ إِلَّا أَنْ أَخَذَ بِثَأْرِ نَاقَةِ خَالَتِهِ وَذَلِكَ بِقَتْلِ كُلَيْبَ، لِيَأْتِيَ الزَّيْرُ سَالِمَ أَبُو لَيْلَى الْمُهَلَّهَلُ وَيُقَودُ حَرْبًا جَدِيدَةً انتقاما لمقتل أخيه كُلَيْب، وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ بَيْنَ الْقَبِيلَتَيْنِ قُرَابَةَ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَوُضِعَتْ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا بَعْدَ مَقْتَلِ الْعَدِيدِ وَالْعَدِيدِ مِنْ أَفْرَادِ الْقَبِيلَتَيْنِ، مَعَ إِنَّ الْأَمْرَ بِرَمْتِهِ كَانَ سَيَتَوَقَّفُ مَتَى لَوْ كَانَ كُلَيْبُ أَقْدَمَ عَلَى الِاعْتِذَارِ عَنْ قَتْلِهِ النَّاقَةِ. هَذَا مَثَالٌ يُوضِحُ خَطَرَ الْكِبْرِ وَالتَّعَالِي عَنْ عَدَمِ الِاعْتِذَارِ من أولئك الذين يتملكهم التعنت ولا يملكون قوة الإعتذار. إنَّ نَتِيجَةَ ضَعْفِ أَحَدِهِمْ أَنْ يَتَحَمَّلَ نَتَائِجَ خَطَأِهِ وَعَدَمِ الِاعْتِذَارِ. يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا بَالْطَّبْعِ خِسَارَةٌ فَادِحَةٌ قَدْ تَمْتَدُّ كَمِيرَاثِ غَضَبٍ تَدْفَعُ ثَمَنَهُ الْأَجْيَالُ الْقَادِمَةُ.
مِن المُؤَكد إِنَّ عَدَمَ الِاعْتِذَارِ هُوَ ضَعْفٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ خِسَائِرُ مُتَرَاكِبَةٌ عَلَى الصَعِيدِ الشَّخْصِي حَيْثُ تُدْمِرُ ذات الشخص  مِنَ الدَّاخِلِ، فَضْلًا عَنِ الْخِسَائِرِ التِّي سَتَطَولُ الْمَجْتَمَعَ الْمُحِيطَ.
عَلَى النَّقِيضِ الْآخَرِ، فَإِنَّ أُولَئِكَ الَّذِينَ تَحَمَّلُوا نَتَائِجَ أَخْطَائِهِمْ وَاعْتَذَرُوا عَنْهَا قَدَّمُوا نُمُوذَجًا نَاجِحًا لِقُوَّةِ السَّيْطَرَةِ عَلَى الذَّاتِ وَالسَّلَامَةِ النَّفْسِيَّةِ الَّتِي تَظْهَرُ فِي صُورَةِ تَحَسِنٍ عَامٍّ عَلَى مُسْتَوَى الشَّخْصِ وَالْمَجْتَمَعِ.
أن قوة الاعتذار هي ثقافة وفن تَتَطَلَّبُ شُجَاعَةً وَتَوَاضُعًا، وَهُوَ أيضًا عَمَلِيَّةٌ تَصَالُحِيَّةٌ عَمِيقَةٌ تَعْبِرُ عَنْ نَدَمِنَا الصَّادِقِ وَاِسْتِعْدَادِنَا لِلتَّعَلُّمِ وَالتَّطَوُّرِ لِتَصْحِيحِ مَسَارَاتِنَا الْخَاطِئَةِ وَتَجْنُبِ تَكْرَارِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ.
أَنَّ المجتمعَاتِ الَّتِي تَتَبَنَّى فِكْرَةَ ثَقَافَةِ الاِعْتِذَارِ وَتَرْبِي أَبْنَاءَهَا عَلَى أَنَّ الاِعْتِذَارَ قُوَّةٌ، تَكُونُ مَجْتَمَعَاتٍ أَكْثَرَ حَضَارَةً. وَتَمْتَلِكُ آلِيَّاتِ التَّطَوُّرِ مُقَارَنَةً بِتِلْكَ الَّتِي لَا تَتَبَنَّى فِكْرَةَ ثَقَافَةِ الاِعْتِذَارِ، وَلَا تَرَى أَنَّ الاِعْتِذَارَ قُوَّةً. فَنَرَى هَذَا لِمَجْتَمَعَاتٍ غَارِقَةٍ فِي لُجِّ التَّخَلُّفِ، مَلِيئَةً بِالْأَحْقَادِ وَالثَّأْرِ وَالْأَفْكَارِ الْعَفِنَةِ الَّتِي لَا تُسَاهِمُ إِلَّا فِي تَرْوِيجِ الْفِكْرِ الْإِبْلِيسِيِّ عَلَى الْأَرْضِ.
عِنْدَمَا نَتَحَدَّثُ عَنْ الاِعْتِذَارِ فَإِنَّنَا نُقْصِدُ فَقَطَ حقيقة الاِعْتِذَارَ النَّاتِجَ عَنْ إِحْسَاسٍ حَقِيقِيٍّ بِالنَّدَمِ وَالرَّغْبَةِ الصَّادِقَةِ فِي عَدَمِ تَكْرَارِ الْفِعْلِ الَّذِي أَوْجَبَ الاِعْتِذَارَ.
أَوَّلَ اِعْتِذَارٍ عَرَفَتْهُ الْأَرْضُ كَانَ اِعْتِذَارَ سَيِّدِنَا آدَمَ "عليه السلام" لِرَبِّهِ، حَيْثُ إِنَّهُ اخْتَارَ بِوَاعِزَ مِنْ إِبْلِيسَ، اخْتِيَارًا خَاطِئًا تَرْتَبَ عَلَيْهِ نُزُولُهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَلَكِنْ سَيِّدِنَا آدَمَ اتَّخَذَ مِنْ مَرْكَبِ الاِعْتِذَارِ مَسْلَكًا يَتُوبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ.قال الله ﷻ ﴿ فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾.البقرة 37. وَكَانَتْ هَذِهِ بِمَثَابَةِ قَبُولٍ لِإِعْتِذَارِهِ.
عَلَى النَّقْيضِ، اخْتَارَ إِبْلِيسُ اللَّعِينُ أَلَّا يَسْتَجِيبَ لِأَمْرِ اللَّهِ فِي السُّجُودِ لِآدَمَ. وَلَمْ يَسْعَ إِلَى الِاعْتِذَارِ عَنْ هَذَا الْخَطَأِ الَّذِي أَدْخَلَهُ دَائِرَةَ لَعْنَةِ اللَّهِ. وَجَعَلَهُ رَأْسًا لِلْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُعَانِدِينَ، وَكُلُّ هَذَا كَانَ بِسَبَبِ ضَعْفِهِ وَعَدَمِ امْتِلاكِهِ لِقُوَّةِ الْاِعْتِذَارِ. وَمَعَ الْأَسْفِ، أَصْبَحَ يَتَشَارَكُ مَعَ إِبْلِيسِ اللَّعِينِ الْكَثِيرُ والكثير مِنَ الْبَشَرِ الَّذِينَ إصطَبغُوا بالصِبغَة الإبليسِية وأصبَحُوا لَا يَمْلَكُونَ قُوَّةَ الْاِعْتِذَارِ.
أن قوة الإعتذار التي لم يطيقها إبليس وأعوانه لها أَهَمِّيَّةَ وَشُرُوطَ حيث، يُعْتَبَرُ الاِعْتِذَارُ بِمَفْهُومِهِ الْحَقِيقِيِّ رُكَيْزَةً أَسَاسِيَّةً فِي بِنَاءِ الْعَلاقَاتِ الإِنْسَانِيَّةِ الْقَوِيَّةِ وَالْمُسْتَدَامَةِ، ومن أهم هذه الشروط:
سُرْعَةُ الْمُبَادَرَةِ بِالِاعْتِذَارِ والتي هِيَ دَلِيلٌ قَوِيٌّ عَلَى صِدْقِ الْمُعْتَذِرِ، وَإِنَّ اِعْتِذَارَهُ نَابِعًا عَنْ نَفْسٍ قَوِيَّةٍ تَدْرُكُ مَعْنَى قُوَّةِ الْاِعْتِذَارِ، لَهَذا كَانَ الْاِعْتِذَارُ فَوْرًا بَعْدَ اِكْتِشَافِ الْخَطَأِ، دُونَ تَأَخُّرٍ أَوْ تَرَدُّدٍ، لِتَجْنُبِ تَفَاقُمِ الْأَمْرِ وَتَعْقِيدِ الْعَلَاقَةِ. يُعْدُ مِنْ أَبْرَزِ عَلَامَاتِ صِدْقِ الْمُعْتَذِرِ عَدَمُ مُحَاوَلَةِ تَبْرِيرِ الْخَطَأِ، بَلْ إِنَّ اِعْتِرَافَهُ الصَّرِيحَ بِالْخَطَأِ يُعَدُّ دَلِيلًا يُعْبِرُ عَنْ نَدَمِهِ الْحَقِيقِيِّ. الْكَيَاسَةُ فِي اِخْتِيَارِ وَقْتٍ وَمَكَانٍ وَظُرُوفٍ الاِعْتِذَارِ بِحَيْثُ تَكُونُ مُلَائِمَةً لِلْغَرَضِ الْحَقِيقِيِّ مِنْ إِصْلَاحِ عَطَبِ الاِخْتِيَارِ الْخَاطِئِ وَالسِّيرِ قَدْمًا نَحْوَ إِصْلَاحِ الْأَمْرِ عَلَى نَحْوٍ يَرْضَى مَنْ وَجَبَ لَهُ حَقُّ الاِعْتِذَارِ.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: الرسول اختيارات خاطئة ه ذ ا ال خ ط أ علیه السلام ال ا ع ت ذ ار ل ا ع ت ذ ار ال م ع ت ذ ر ع ت ذ ار ه ت ک ر ار ح ق یق ی ع ت ر اف إ ب ل یس ع ل ى ال خ ت ی ار ال أ م ر ال أ ر ض إ ل ى ال الخ ط أ

إقرأ أيضاً:

بسبب خلاف على ركن سيارة... أطلق النار عليه

أفادت مندوبة "لبنان 24"، أنّ ر.د أطلق النار على ع.ا.ع، وأصابه في فخذه بالقرب من "تريبولي بارك" في منطقة أبي سمراء في طرابلس.   وبحسب المعلومات، أطلق ر.د النار على ع.ا.ع بسبب خلاف على ركن سيارة.       مواضيع ذات صلة أطلق النار عليه من مسدسٍ حربيّ بسبب خلافات عائليّة Lebanon 24 أطلق النار عليه من مسدسٍ حربيّ بسبب خلافات عائليّة 05/04/2025 17:30:33 05/04/2025 17:30:33 Lebanon 24 Lebanon 24 أطلق النار عليه بسبب أفضلية مرور Lebanon 24 أطلق النار عليه بسبب أفضلية مرور 05/04/2025 17:30:33 05/04/2025 17:30:33 Lebanon 24 Lebanon 24 الشرطة الإسرائيلية تطلق النار على سيارة بعد محاولة دهس Lebanon 24 الشرطة الإسرائيلية تطلق النار على سيارة بعد محاولة دهس 05/04/2025 17:30:33 05/04/2025 17:30:33 Lebanon 24 Lebanon 24 في طرابلس.. أطلق النار عليه ولاذ بالفرار Lebanon 24 في طرابلس.. أطلق النار عليه ولاذ بالفرار 05/04/2025 17:30:33 05/04/2025 17:30:33 Lebanon 24 Lebanon 24 قد يعجبك أيضاً مواقف أميركية "متشددة".. هل من مخطط لدفع لبنان نحو التطبيع؟! Lebanon 24 مواقف أميركية "متشددة".. هل من مخطط لدفع لبنان نحو التطبيع؟! 10:01 | 2025-04-05 05/04/2025 10:01:00 Lebanon 24 Lebanon 24 "ذاب الثلج".. نقطة بين لبنان وسوريا "مثيرة للتهريب" وإسرائيل تتأهب Lebanon 24 "ذاب الثلج".. نقطة بين لبنان وسوريا "مثيرة للتهريب" وإسرائيل تتأهب 10:00 | 2025-04-05 05/04/2025 10:00:00 Lebanon 24 Lebanon 24 بالجرم المشهود.. توقيف مروّج مخدّرات في المريجة Lebanon 24 بالجرم المشهود.. توقيف مروّج مخدّرات في المريجة 09:38 | 2025-04-05 05/04/2025 09:38:30 Lebanon 24 Lebanon 24 العماد هيكل تفقد وحدات الجيش المنتشرة على الحدود اللبنانية - السورية Lebanon 24 العماد هيكل تفقد وحدات الجيش المنتشرة على الحدود اللبنانية - السورية 09:36 | 2025-04-05 05/04/2025 09:36:06 Lebanon 24 Lebanon 24 قيمته ارتفعت إلى 30 مليار دولار.. هل حان الوقت لاستثمار ذهب لبنان؟ Lebanon 24 قيمته ارتفعت إلى 30 مليار دولار.. هل حان الوقت لاستثمار ذهب لبنان؟ 09:30 | 2025-04-05 05/04/2025 09:30:00 Lebanon 24 Lebanon 24 الأكثر قراءة كانا على متن يخت.. نسرين طافش تنشر للمرة الأولى صورا رومانسية مع زوجها الجديد طليق ابنة أصالة Lebanon 24 كانا على متن يخت.. نسرين طافش تنشر للمرة الأولى صورا رومانسية مع زوجها الجديد طليق ابنة أصالة 01:13 | 2025-04-05 05/04/2025 01:13:37 Lebanon 24 Lebanon 24 هذا ما ستشهده الكهرباء خلال شهرين Lebanon 24 هذا ما ستشهده الكهرباء خلال شهرين 16:06 | 2025-04-04 04/04/2025 04:06:57 Lebanon 24 Lebanon 24 "خلاف داخل حزب الله".. إقرأوا ما قاله تقرير إسرائيليّ Lebanon 24 "خلاف داخل حزب الله".. إقرأوا ما قاله تقرير إسرائيليّ 16:33 | 2025-04-04 04/04/2025 04:33:57 Lebanon 24 Lebanon 24 بعد حرارة تصل إلى 30 درجة الأمطار "راجعة".. هكذا ما كشفه الأب خنيصر Lebanon 24 بعد حرارة تصل إلى 30 درجة الأمطار "راجعة".. هكذا ما كشفه الأب خنيصر 01:50 | 2025-04-05 05/04/2025 01:50:09 Lebanon 24 Lebanon 24 في حديقة منزلهما الفاخر.. أنابيلا هلال وزوجها نادر صعب يحتفلان بعيد ميلاد ابنهما بأجواء مميزة (فيديو) Lebanon 24 في حديقة منزلهما الفاخر.. أنابيلا هلال وزوجها نادر صعب يحتفلان بعيد ميلاد ابنهما بأجواء مميزة (فيديو) 02:47 | 2025-04-05 05/04/2025 02:47:35 Lebanon 24 Lebanon 24 أخبارنا عبر بريدك الالكتروني بريد إلكتروني غير صالح إشترك أيضاً في لبنان 10:01 | 2025-04-05 مواقف أميركية "متشددة".. هل من مخطط لدفع لبنان نحو التطبيع؟! 10:00 | 2025-04-05 "ذاب الثلج".. نقطة بين لبنان وسوريا "مثيرة للتهريب" وإسرائيل تتأهب 09:38 | 2025-04-05 بالجرم المشهود.. توقيف مروّج مخدّرات في المريجة 09:36 | 2025-04-05 العماد هيكل تفقد وحدات الجيش المنتشرة على الحدود اللبنانية - السورية 09:30 | 2025-04-05 قيمته ارتفعت إلى 30 مليار دولار.. هل حان الوقت لاستثمار ذهب لبنان؟ 09:19 | 2025-04-05 طائرة سيسنا تابعة للجيش تجوب أجواء الهرمل والقرى الحدودية فيديو "لست ملاكا ولن أسكت بعد اليوم".. ماغي بو غصن بأجرأ حواراتها: أنا النجمة الأولى في لبنان وهذا عمري (فيديو) Lebanon 24 "لست ملاكا ولن أسكت بعد اليوم".. ماغي بو غصن بأجرأ حواراتها: أنا النجمة الأولى في لبنان وهذا عمري (فيديو) 02:07 | 2025-04-05 05/04/2025 17:30:33 Lebanon 24 Lebanon 24 حمل نعشها طوال الوقت ولم يتركه.. لحظة انهيار الفنان المصري الشهير أثناء جنازة زوجته وهذا أول تعليق له (فيديو) Lebanon 24 حمل نعشها طوال الوقت ولم يتركه.. لحظة انهيار الفنان المصري الشهير أثناء جنازة زوجته وهذا أول تعليق له (فيديو) 23:15 | 2025-04-04 05/04/2025 17:30:33 Lebanon 24 Lebanon 24 صراخ وتدافع.. أسد يُهاجم مدربه خلال عرض سيرك في مصر وما حصل مرعب (فيديو) Lebanon 24 صراخ وتدافع.. أسد يُهاجم مدربه خلال عرض سيرك في مصر وما حصل مرعب (فيديو) 23:31 | 2025-04-01 05/04/2025 17:30:33 Lebanon 24 Lebanon 24 Download our application مباشر الأبرز لبنان خاص إقتصاد عربي-دولي فنون ومشاهير متفرقات أخبار عاجلة Download our application Follow Us Download our application بريد إلكتروني غير صالح Softimpact Privacy policy من نحن لإعلاناتكم للاتصال بالموقع Privacy policy جميع الحقوق محفوظة © Lebanon24

مقالات مشابهة

  • مصرع شخص سقط من علو لتعدى آخرين عليه بإحدى قرى الدقهلية
  • تعرف على أفضل الأدعية عند زيارة قبر النبى صلى الله عليه وسلم
  • أدعية زيارة قبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم
  • أخصائي يتحدث عن اكتئاب ما بعد شهر رمضان وكيفية التغلب عليه..فيديو
  • سنن الأذان الخمسة والدعاء المستجاب قبل الإقامة.. تعرف عليه
  • أنوار الصلاة على رسول الله عليه الصلاة والسلام
  • ترجمة الأدب الأجنبي.. تميّز ثقافي فرنسي تسعى دور نشر للحفاظ عليه
  • بسبب خلاف على ركن سيارة... أطلق النار عليه
  • الإخلاص والخير.. بيان المراد من حديث النبي عليه السلام «الدين النصيحة»
  • دعاء صيام الست من شوال .. واظب عليه قبل الإفطار