البوابة نيوز:
2025-03-15@07:52:51 GMT

قُوةُ الاعتِذَار

تاريخ النشر: 16th, June 2024 GMT

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تُحاول قُوّة الاخْتِيار دْفَعَنا قُدَمًا نحو مُحاوَلَة حَثِيثَة لِتَجنُّب الاخْتِيارات الخَاطِئة. لَكِن الكَمال المَنْشُود فِي هَذِه الحالة لَنْ يَتَحَقَّق عَلَى الأَرْض فَلَابُد أَنْ يَكُونَ لَنَا اخْتِيارات خَاطِئَة كَمَا كَانَ لَنَا اخْتِياراتٌ صَحِيحَة. الاخْتِيار الخَاطِيء بِقَصْدٍ أَو بِدُون قَصْدٍ قَدْ يُتَسَبَّب فِي تَكْوِين مَوْقِف يَتَرَتَّب عَلَيْه إِحْدَاث أَلَم أَو ضَرَر لِلآخَرِين.

قَدْ يَكُونُ ذَلِك نَتِيجَةً لأَفْعَالِنَا أَو كَلِمَاتِنَا، الَّتِي أَنْتَجَتْهَا اخْتِيارَاتِنَا. وَهُنَا تَبْرُزُ قُوَّةٌ أُخْرَى أَلا وَهِيَ قُوَّةُ الِاعْتِذَارِ، وَذَلِك لِكَوْن الِاعْتِذَار هُوَ السَّبِيل الأَمْثَل لِتَصْحِيحِ أخْطَائَنا، وَتَرْمِيمِ العَلاقَات الَّتِي تَضُرَرت مِنْ جَرَاء هَذِه الاخْتِيارَات الخَاطِئَة. 
يُعْبِرُ الاعْتِذَارُ أَيْضًا عَنْ النَّضْجِ العَاطِفِيِّ، فَالإعْتِذَارُ يُصَدِّرُ مِنْ نُفُوسِنَا بَعْدَمَا نَكُونُ قَدْ مَارَسْنَا التَّفْكِيرَ بِعُمْقٍ فِي تَأْثِيرِ أَفْعَالِنَا عَلَى الآخَرِينَ، وَالِاعْتِرَافِ بِالأَلَمِ الَّذِي قَدْ سَبَّبْنَاهُ لَهُمْ. وَلِهَذَا يَلْعَبُ الأعْتِذَارُ دَوْرًا فِي تَنْقِيَةِ أَنْفُسِنَا مِنَ السُّمُومِ العَاطِفِيَّةِ وَيُسَاهِمُ فِي بِنَاءِ جِسُورٍ مِنَ التَّفَاهُمِ وَالاحْتِرَامِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الآخَرِين.
الاعْتِذَارُ قُوَّةٌ فِي عَالَمٍ أَصْبَحَ يَضْجُ بِأُولَئِكَ الضُعَفَاءُ الَّذِينَ يَتَصَوَّرُونَ أَنَّهُمْ مَلَائِكَةٌ تَمْشِيءُ عَلَى الْأَرْضِ لَا يُمْكِنُ بِحَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ أَنْ يَعْترفُوا بأنَّ أَفْعَالُهُمْ أَوْ تَصَرُّفَاتُهُمْ يَتَطَرَّقُ لَهَا أيَّ خَطَأُ مِنْ بَعِيدٍ أَوْ قَرِيب. فَتَرَى الْوَاحِدَ مِنْهُمْ مُسْتَمْسِكًا بأفكاره يَدَافِعُ عَنْ فِعْلِهِ وَاخْتِيَارِهِ بِحَقٍّ وَبِدُونِ حَقٍّ وَيَلُوي الْمَفَاهِيمَ وَرُبَّمَا يَتَجَرَّأُ عَلَى الْمُقَدَّسِ مِنَ النُّصُوصِ وَالْأَعْرَافِ لِيَطْوَعَهَا كَيْ تَتَوَافَقَ مَعَ وَجْهِهِ نَظَرُهُ التي يُريِدُ فَرضَها بِدُون وجهِ حَقْ، الْأَمْرُ الَّذِي يُدَلِّلُ على سوءِ ما يحملهُ بَاطِنَ المُكابِر المُتَعَنِت. 
إنَّ الخَطَأَ الَّذِي لَمْ تَتَكَوَّنْ لَدَى قنَاعَةُ مُرْتَكِبِيهِ أَيَّةَ قُوَّةِ اعْتِذَار، يُدَلُّ عَلَى أَنَّ صَاحِبَ هَذَا الخَطَأِ لَا يَرَاهُ بالأصلِ خطأً، وَمِنْ ثَمَّ سَيَتَكَرَّرُ هَذَا الخَطَأُ مَرَّارًا وَتَكْرَارًا، حتي تتبدل هذه القناعات الفاسدة، ويعترف صاحبها بهذا الخطأ، ومن ثم تتولد في داله قوة إعتذار، والتي هي بمثابة الخطوة الأولى نحو التغيير للأفضل.
في حِينَ أَنَّ الأَشْخَاصَ الَّذِينَ يَمْلِكُونَ قُوَّةَ الاِعْتِذَار هُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَتَمَتَّعُونَ بِقُوَّةٍ دَاخِلِيَّةٍ وَثِقَةٍ بَأَنُّفُسِهِمْ، تُجْعَلُهُمْ قَادِرِينَ عَلَى التَّفْكِيرِ النَّاضِجِ وَالتَّصَرُّفِ بُوَعْيٍ وَمَسْؤُولِيَّةٍ.تُجْعَلُهُم يُعَلِّنُون ضَمِنِيًّا أَنَّ هَذَا الْخَطَأَ الَّذِي تَوَجَّبَ عَلَيْهِ الْإِعْتِذَارُ لَنْ يَتَكَرَّرُ وَإنْ تَكَرَّرَ هَذَا الْخَطَأُ ثَانِيَةً، فَإِنَّ قُوَّةَ الْإِعْتِذَارِ سَتَجْعَلُ لَدَى أصَاحِبِهَا طَاقَةٌ فاعلة تَدْفَعُهُم لِعَدَمِ تَكْرِيرِ هَذَا الْخَطَأِ مَرَّةً ثَالِثَةً.
للاعْتِذَارِ صُورٌ كَثِيرَةٌ وَمُتَنَوِّعَةٌ عَلَى حَسَبِ الْمَوَاقِفِ، وَأَصْحَابِ هَذِهِ الْمَوَاقِفِ، وَالْبِيئَةِ الْمُحِيطَةِ بِهَذِهِ الْمَوَاقِفِ. لَكِنَّ جَمِيعَ صُورِ الاِعْتِذَارِ مَهْمَا تَنَوَّعَتْ تَتَحَدَّ فِي كُونِ الاِعْتِذَارِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ صَادِرًا عَنْ نَفْسٍ مُؤْمِنَةٍ بِقُوَّةِ هَذَا الاِعْتِذَارِ، وَإِمْتِلاكِ الشُّجَاعَةِ الأَدَبِيَّةِ الَّتِي تُقَادِي إِلَى إِرْضَاءِ خَصُومِنَا الَّذِينَ حَقُّهُمْ أَخْطَأْنَا، وَتُوجِبُ عَلَيْنَا تَقْدِيمَ الاِعْتِذَارِ إِلَيْهِمْ. وَعَلَامَةُ ذَلِكَ أَنْ يَسْتَشْعِرَ الْمُعْتَذِرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ أَنَّهُ أَرْضَى خَصْمَهُ، أَوْ قَدَّمَ مَا حُكِمَ بِهِ الْعُرْفُ الْمُحِيطُ أَنَّهُ يُكَافِئُ خَطَئَهُ الَّذِي بِسَبَبِهِ يَتَوَجَّبُ عَلَيْهِ الاِعْتِذَارُ. إِنَّ التَّجْرِبَةَ الْإِنْسَانِيَّةَ عَلَى كَوْكَبِ الْأَرْضِ سَجَّلَتْ بِمَاءِ الذَّهَبِ الِاعْتِذَارَاتِ الصَّادِقَةِ الَّتِي صَدَرَتْ عَنْ نُفُوسٍ رَاقِيَةٍ، وَسَجَّلَتْ هَذَا لَهُمْ بِعَيْنِ الِاحْتِرَامِ وَالتَّوَقُّيْرِ.
فالاعْتِذَارُ فِطْرَةُ الأَنْبِيَاءِ، ومَا تَوَصَّلَتْ إليْهِ عُقُولُ الحُكَمَاءِ، وَزِينَةُ النُبَلَاءِ.الإعْتِذَارُ يأَبَّاهُ اللئامُ وَتَقْبَلَهُ النُّفُوسُ الكَرَامُ. فَهَذَا يُوسُفُ الصَّدِيقُ عليه السلام، وَبَعْدَمَا رَمَوْهُ إِخْوَتُهُ فِي الْجُبِّ، وَبِيعَ فِي مِصْرَ بِدَرَاهِمٍ مُعَدَّدَةٍ. وَذَاقَ مُرَارَةَ الإِغْتِرَابِ عَنْ وَطَنِهِ وَأَهْلِهِ بِسَبَبِ فَعْلَتِهِمْ إِلَى أَنْ مَكَّنَهُ اللَّهُ مِنْهُمْ فَجَاؤُوهُ طَالِبِينَ مِنْهُ الْعَوْنَ بَعْدَ إِنْ صَارَ عَزِيزًا لِمِصْرَ، وَعِنْدَمَا أَدْرَكُوا إِنْفِضَاحَ أمرَ مَا فَعَلُوا جَاؤُوا إِلَيْهِ مُعْتَذِرِينَ فَمَا كَانَ مِنْهُ إِلا أَنْ قَالَ لَهُمْ "لا تثريب عليكم اليوم، يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين."يوسف(29). إن الإعْتِذَار لَيْسَ مُجَرَّدَ اعْتِرَافٍ بالخَطَأ، بَلْ هُوَ عَمَلِيَّةٌ تَصَالُحِيَّةٌ عَمِيقَةٌ تَتَطَلَّبُ شُجَاعَةً وَتَوَاضُعًا. ومَتَى كَان الاعْتِذَارُ يُعْبِرُ عَنْ نَدَمِنَا الصَّادِقِ،فإنه من زاويةٍ أخرى يُدَلِلُ على اسْتِعْدَادِنَا لِلتَّعَلُّمِ وَتَطْوِيرِ ذُواتِنَا لِتَصْحِيحِ مَسَارَاتِنَا الخَاطِئَةِ.
سَجَّلَ التَّارِيْخُ اعْتِذَارًا لِلنَّبِيِّ الْكَرِيمِ مُحَمَّدٍ ﷺ لِلصَّحَابِيِّ الْجَلِيلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُمِّ مَكْتُوْمٍ. وَالْقِصَّةُ تَبْدَأُ عِنْدَمَا أَقْبَلَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُوْمٍ وَالنَّبِيُّ ﷺ مُشْتَغِلًا بِمَنْ حَضَرَهُ مِنْ وُجُوهِ قُرَيْشٍ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ قُوِيَ طَمَعُهُ فِي إِسْلَامِهِمْ وَكَانَ فِي إِسْلَامِهِمْ إِسْلَامٌ مِنْ وَرَاءِهِمْ مِنْ قَوْمِهِمْ، فَجَاءَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُوْمٍ وَقَالَ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي مِمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ"، وَجَعَلَ يُنَادِيهِ وَيَكْثُرُ النِّدَاءُ، وَلَا يَدْرِي أَنَّهُ مُشْتَغِلٌ بِغَيْرِهِ، حَتَّى ظَهَرَتْ عَلَامَاتُ الْإِعْرَاضِ وَالْعَبُوْسِ فِي وَجْهِ النَّبِيِّ ﷺ لِقَطْعِهِ كَلَامَهُ. فَنَزَلَتْ الْآيَةُ. فَجَاءَ الْقُرْآنُ مُعَاتِبًا لِلرَّسُولِ فِي قَوْلِهِ ﷻ: "عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ (1) أَن جَاءَهُ الْأَعْمَىٰ (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَىٰ (4)" (سورة عبس). وَهُنَا تَبرُزُ عَظَمَةُ النَّبِيِّ الْكَرِيمِ بَعْدَ ذَلِكَ، إِنَّهُ كُلَّمَا رَأَى ابْنَ أُمِّ مَكْتُوْمٍ كَانَ يَبْسُطُ لَهُ رِدَاءَهُ وَيَقُولُ: "مَرْحَبًا بِمَنْ عَاتَبَنِي فِيهِ رَبِّي"، وَيَقُولُ: "هَلْ مِنْ حَاجَةٍ"؟ وَاسْتَخْلَفَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ مَرَّتَيْنِ فِي غَزْوَتَيْنِ غَزَاهُمَا.
رؤي الصحابي الجَليِّل أبَا ذَرٍّ بالرَّبَذَةِ، وعليه حُلَّةٌ، وعلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ، فسؤل عن ذلكَ، فَقالَ: إنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بأُمِّهِ، فَقالَ لي النبيُّ ﷺ،: "يا أبَا ذَرٍّ أعَيَّرْتَهُ بأُمِّهِ؟ إنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، إخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أيْدِيكُمْ، فمَن كانَ أخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ ممَّا يَأْكُلُ، ولْيُلْبِسْهُ ممَّا يَلْبَسُ، ولَا تُكَلِّفُوهُمْ ما يَغْلِبُهُمْ، فإنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فأعِينُوهُمْ".
سِرُ الاِعْتِرَافِ هُوَ أَحَدُ الْمُقَدَّسَاتِ السَّبْعَةِ الَّتِي تَتَبَنَّاهَا الْمَسِيحِيَّةُ، وَالاِعْتِرَافُ هُوَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الاِعْتِذَارِ يَضْمَنُ عَدَمَ تَكْرَارِ الْخَطَأِ، كَمَا يَضْمَنُ السَّلَامَةَ النَّفْسِيَّةَ وَالتَّصَالُحَ مَعَ الذَّاتِ لِنَفْسِيَّةِ الْمُعْتَذِرِ.
وَأَيْضًا عِنْدَمَا وَعَدَ اللَّهُ نَبِيَّهُ مُوسَى عليه السلام بِثَلَاثِينَ لَيْلَةً، جَعَلَ أَخَاهُ هَارُونَ عليه السلام لِيَخْلُفَهُ فِي قِيَادَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِمُدَّةِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا.
أَخْبَرَ السَّامِرِيُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّ مُوسَى ضَلَّ الطَّرِيقَ إِلَى اللَّهِ، فَصَنَعَ لَهُمْ عَجْلًا وَأَمَرَهُمْ بِعِبَادَتِهِ. تَقَسَّمَ بَنُو إِسْرَائِيلَ بَيْنَ مُؤْمِنٍ وَمُكَذِّبٍ، وَحَاوَلَ هَارُونَ عليه السلام تَوْحِيدَ صَفِّهِمْ عَلَى الْحَقِّ وَلَمْ يَفْلَحْ. وَعِنْدَمَا عَادَ أَخُوهُ نَبِيُّ اللَّهِ مُوسَى غَاضِبًا عَلَيْهِ مُعَاتِبًا لَهُ. أَعْتَذَرَ هَارُونَ لِأَخِيهِ بِأَنَّهُ خَشِيَ التَّفْرِيقَ بَيْنَهُمْ، وَأَمَرَهُمْ بِالتَّوْحِيدِ.
حتى فِي الْجَاهِلِيَّةِ، كَانَتْ هُنَاكَ حَرْبُ الْبَسُوسِ التِّي اسْتَمَرَّتْ قُرَابَةَ 40 سَنَةً بِسَبَبِ نَاقَةٍ؛ قَتَلَهَا كُلَيْبُ لِكُونِهَا شَرِبَتْ دُونَ إِذْنِهِ. فَمَا كَانَ مِنْ خَالِهِ جَسَّاسٍ إِلَّا أَنْ أَخَذَ بِثَأْرِ نَاقَةِ خَالَتِهِ وَذَلِكَ بِقَتْلِ كُلَيْبَ، لِيَأْتِيَ الزَّيْرُ سَالِمَ أَبُو لَيْلَى الْمُهَلَّهَلُ وَيُقَودُ حَرْبًا جَدِيدَةً انتقاما لمقتل أخيه كُلَيْب، وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ بَيْنَ الْقَبِيلَتَيْنِ قُرَابَةَ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَوُضِعَتْ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا بَعْدَ مَقْتَلِ الْعَدِيدِ وَالْعَدِيدِ مِنْ أَفْرَادِ الْقَبِيلَتَيْنِ، مَعَ إِنَّ الْأَمْرَ بِرَمْتِهِ كَانَ سَيَتَوَقَّفُ مَتَى لَوْ كَانَ كُلَيْبُ أَقْدَمَ عَلَى الِاعْتِذَارِ عَنْ قَتْلِهِ النَّاقَةِ. هَذَا مَثَالٌ يُوضِحُ خَطَرَ الْكِبْرِ وَالتَّعَالِي عَنْ عَدَمِ الِاعْتِذَارِ من أولئك الذين يتملكهم التعنت ولا يملكون قوة الإعتذار. إنَّ نَتِيجَةَ ضَعْفِ أَحَدِهِمْ أَنْ يَتَحَمَّلَ نَتَائِجَ خَطَأِهِ وَعَدَمِ الِاعْتِذَارِ. يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا بَالْطَّبْعِ خِسَارَةٌ فَادِحَةٌ قَدْ تَمْتَدُّ كَمِيرَاثِ غَضَبٍ تَدْفَعُ ثَمَنَهُ الْأَجْيَالُ الْقَادِمَةُ.
مِن المُؤَكد إِنَّ عَدَمَ الِاعْتِذَارِ هُوَ ضَعْفٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ خِسَائِرُ مُتَرَاكِبَةٌ عَلَى الصَعِيدِ الشَّخْصِي حَيْثُ تُدْمِرُ ذات الشخص  مِنَ الدَّاخِلِ، فَضْلًا عَنِ الْخِسَائِرِ التِّي سَتَطَولُ الْمَجْتَمَعَ الْمُحِيطَ.
عَلَى النَّقِيضِ الْآخَرِ، فَإِنَّ أُولَئِكَ الَّذِينَ تَحَمَّلُوا نَتَائِجَ أَخْطَائِهِمْ وَاعْتَذَرُوا عَنْهَا قَدَّمُوا نُمُوذَجًا نَاجِحًا لِقُوَّةِ السَّيْطَرَةِ عَلَى الذَّاتِ وَالسَّلَامَةِ النَّفْسِيَّةِ الَّتِي تَظْهَرُ فِي صُورَةِ تَحَسِنٍ عَامٍّ عَلَى مُسْتَوَى الشَّخْصِ وَالْمَجْتَمَعِ.
أن قوة الاعتذار هي ثقافة وفن تَتَطَلَّبُ شُجَاعَةً وَتَوَاضُعًا، وَهُوَ أيضًا عَمَلِيَّةٌ تَصَالُحِيَّةٌ عَمِيقَةٌ تَعْبِرُ عَنْ نَدَمِنَا الصَّادِقِ وَاِسْتِعْدَادِنَا لِلتَّعَلُّمِ وَالتَّطَوُّرِ لِتَصْحِيحِ مَسَارَاتِنَا الْخَاطِئَةِ وَتَجْنُبِ تَكْرَارِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ.
أَنَّ المجتمعَاتِ الَّتِي تَتَبَنَّى فِكْرَةَ ثَقَافَةِ الاِعْتِذَارِ وَتَرْبِي أَبْنَاءَهَا عَلَى أَنَّ الاِعْتِذَارَ قُوَّةٌ، تَكُونُ مَجْتَمَعَاتٍ أَكْثَرَ حَضَارَةً. وَتَمْتَلِكُ آلِيَّاتِ التَّطَوُّرِ مُقَارَنَةً بِتِلْكَ الَّتِي لَا تَتَبَنَّى فِكْرَةَ ثَقَافَةِ الاِعْتِذَارِ، وَلَا تَرَى أَنَّ الاِعْتِذَارَ قُوَّةً. فَنَرَى هَذَا لِمَجْتَمَعَاتٍ غَارِقَةٍ فِي لُجِّ التَّخَلُّفِ، مَلِيئَةً بِالْأَحْقَادِ وَالثَّأْرِ وَالْأَفْكَارِ الْعَفِنَةِ الَّتِي لَا تُسَاهِمُ إِلَّا فِي تَرْوِيجِ الْفِكْرِ الْإِبْلِيسِيِّ عَلَى الْأَرْضِ.
عِنْدَمَا نَتَحَدَّثُ عَنْ الاِعْتِذَارِ فَإِنَّنَا نُقْصِدُ فَقَطَ حقيقة الاِعْتِذَارَ النَّاتِجَ عَنْ إِحْسَاسٍ حَقِيقِيٍّ بِالنَّدَمِ وَالرَّغْبَةِ الصَّادِقَةِ فِي عَدَمِ تَكْرَارِ الْفِعْلِ الَّذِي أَوْجَبَ الاِعْتِذَارَ.
أَوَّلَ اِعْتِذَارٍ عَرَفَتْهُ الْأَرْضُ كَانَ اِعْتِذَارَ سَيِّدِنَا آدَمَ "عليه السلام" لِرَبِّهِ، حَيْثُ إِنَّهُ اخْتَارَ بِوَاعِزَ مِنْ إِبْلِيسَ، اخْتِيَارًا خَاطِئًا تَرْتَبَ عَلَيْهِ نُزُولُهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَلَكِنْ سَيِّدِنَا آدَمَ اتَّخَذَ مِنْ مَرْكَبِ الاِعْتِذَارِ مَسْلَكًا يَتُوبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ.قال الله ﷻ ﴿ فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾.البقرة 37. وَكَانَتْ هَذِهِ بِمَثَابَةِ قَبُولٍ لِإِعْتِذَارِهِ.
عَلَى النَّقْيضِ، اخْتَارَ إِبْلِيسُ اللَّعِينُ أَلَّا يَسْتَجِيبَ لِأَمْرِ اللَّهِ فِي السُّجُودِ لِآدَمَ. وَلَمْ يَسْعَ إِلَى الِاعْتِذَارِ عَنْ هَذَا الْخَطَأِ الَّذِي أَدْخَلَهُ دَائِرَةَ لَعْنَةِ اللَّهِ. وَجَعَلَهُ رَأْسًا لِلْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُعَانِدِينَ، وَكُلُّ هَذَا كَانَ بِسَبَبِ ضَعْفِهِ وَعَدَمِ امْتِلاكِهِ لِقُوَّةِ الْاِعْتِذَارِ. وَمَعَ الْأَسْفِ، أَصْبَحَ يَتَشَارَكُ مَعَ إِبْلِيسِ اللَّعِينِ الْكَثِيرُ والكثير مِنَ الْبَشَرِ الَّذِينَ إصطَبغُوا بالصِبغَة الإبليسِية وأصبَحُوا لَا يَمْلَكُونَ قُوَّةَ الْاِعْتِذَارِ.
أن قوة الإعتذار التي لم يطيقها إبليس وأعوانه لها أَهَمِّيَّةَ وَشُرُوطَ حيث، يُعْتَبَرُ الاِعْتِذَارُ بِمَفْهُومِهِ الْحَقِيقِيِّ رُكَيْزَةً أَسَاسِيَّةً فِي بِنَاءِ الْعَلاقَاتِ الإِنْسَانِيَّةِ الْقَوِيَّةِ وَالْمُسْتَدَامَةِ، ومن أهم هذه الشروط:
سُرْعَةُ الْمُبَادَرَةِ بِالِاعْتِذَارِ والتي هِيَ دَلِيلٌ قَوِيٌّ عَلَى صِدْقِ الْمُعْتَذِرِ، وَإِنَّ اِعْتِذَارَهُ نَابِعًا عَنْ نَفْسٍ قَوِيَّةٍ تَدْرُكُ مَعْنَى قُوَّةِ الْاِعْتِذَارِ، لَهَذا كَانَ الْاِعْتِذَارُ فَوْرًا بَعْدَ اِكْتِشَافِ الْخَطَأِ، دُونَ تَأَخُّرٍ أَوْ تَرَدُّدٍ، لِتَجْنُبِ تَفَاقُمِ الْأَمْرِ وَتَعْقِيدِ الْعَلَاقَةِ. يُعْدُ مِنْ أَبْرَزِ عَلَامَاتِ صِدْقِ الْمُعْتَذِرِ عَدَمُ مُحَاوَلَةِ تَبْرِيرِ الْخَطَأِ، بَلْ إِنَّ اِعْتِرَافَهُ الصَّرِيحَ بِالْخَطَأِ يُعَدُّ دَلِيلًا يُعْبِرُ عَنْ نَدَمِهِ الْحَقِيقِيِّ. الْكَيَاسَةُ فِي اِخْتِيَارِ وَقْتٍ وَمَكَانٍ وَظُرُوفٍ الاِعْتِذَارِ بِحَيْثُ تَكُونُ مُلَائِمَةً لِلْغَرَضِ الْحَقِيقِيِّ مِنْ إِصْلَاحِ عَطَبِ الاِخْتِيَارِ الْخَاطِئِ وَالسِّيرِ قَدْمًا نَحْوَ إِصْلَاحِ الْأَمْرِ عَلَى نَحْوٍ يَرْضَى مَنْ وَجَبَ لَهُ حَقُّ الاِعْتِذَارِ.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: الرسول اختيارات خاطئة ه ذ ا ال خ ط أ علیه السلام ال ا ع ت ذ ار ل ا ع ت ذ ار ال م ع ت ذ ر ع ت ذ ار ه ت ک ر ار ح ق یق ی ع ت ر اف إ ب ل یس ع ل ى ال خ ت ی ار ال أ م ر ال أ ر ض إ ل ى ال الخ ط أ

إقرأ أيضاً:

عليه وزر.. دار الإفتاء تكشف حكم صيام تارك الصلاة

هل صيام تارك الصلاة باطل؟ يتساءل كثيرون عن هذه المسألة الفقهية وهل من لا يصلي تكاسلاً يعد داخلا في هذا الحكم أو من يؤدون الصلاة ولكن غير منتظمين حيث يؤدون فرضًا وباقي الفروض لا يؤدونها، ولذلك ردت دار الإفتاء المصرية، عن هذا التساؤل حيث أفتت بأن عدم صلاة الصائم قد يكون مانعا من قبول العمل أو نقص الثواب، ولكن يكون صومه صحيحًا.

ما حكم صيام تارك الصلاة وهل يؤثر تركه الصلاة على صيامه؟ 

وأوضحت دار الإفتاء المصرية، أن الصوم فريضة وركن من أركان الإسلام، وكذلك الصلاة وكلاهما لا يغني عن الآخر.

وأشارت إلى أنه يجب على كلِّ مسلم أنْ يؤدي جميع الفرائض التي فرضها الله عليه؛ حتى يصلَ إلى تمام الرضا من الله، والرحمة منه، وحتى يكون قربه من الله وزيادة ثوابه وقبوله أوفر ممَّن يؤدي بعضها ويترك البعض الآخر، وتكون صلته بالله أوثق، إلا أنَّه لا ارتباط بين إسقاط الفرائض التي يؤديها والفرائض التي يتهاون في أدائها، فلكلٍّ ثوابه ولكلٍّ عقابه.

دار الإفتاء: ترك الصلاة لا يبطل الصيام لكنه يضعف قيمة العبادةهل ترك صلاة الفجر بسبب البرد حرام؟.. لا إثم في هذه الحالة

هل يقبل صيام من لا يصلي؟

وتابعت دار الإفتاء أن مَنْ صام ولم يُصَلِّ سقط عنه فرض الصوم ولا يعاقبه الله عليه؛ كما أنَّ عليه وزر ترك الصلاة، يلقى جزاءه عند الله.

وبيّنت في فتواها أنه ممَّا لا شك فيه أنَّ ثواب الصائم المُؤَدِّي لجميع الفرائض، والمُلْتَزِم لحدود الله أفضلُ من ثواب غيره وهو أمر بدهي.

مقالات مشابهة

  • موعد إجازة عيد الفطر 2025 في مصر.. تعرف عليه
  • أطلق النار عليه من مسدسٍ حربيّ بسبب خلافات عائليّة
  • دعاء اليوم الرابع عشر من شهر رمضان 2025.. تعرف عليه
  • شاهد| لماذا اختار نبي الله إبراهيم عليه السلام بالتحديد عبارة {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي}[الشعراء:77]؟
  • من مقامات نبي الله إبراهيم عليه السلام، وهو يسعى لهداية قومه.. الموقف الحاسم
  • من مقامات نبي الله إبراهيم عليه السلام، وهو يسعى لهداية قومه.. التنوع في أساليب الإقناع
  • من جامع زوجته في نهار رمضان.. لا كفارة عليه في هذه الحالة
  • عليه وزر.. دار الإفتاء تكشف حكم صيام تارك الصلاة
  • مصرع عامل إثر انهيار مبنى ‬⁩عليه.. فيديو
  • هبوط طائرة رئيس الفلبين السابق المقبوض عليه في هولندا