(مرت في 5 يونيو الذي مضى واحد وخمسون عاماً على نقض الرئيس جعفر نميري لاتفاقية أديس أبابا (1972) التي كان وقعها مع حركة أنيانيا القومية الجنوبية بقيادة جوزيف لاقو، وكان جون قرنق الشاب مجناً فيها).

نيو الماضي حين اقرأ لأحد صفوتنا يجزم واثقاٌ أن الرئيس نميري هو الذي حنث باتفاقية أديس أبابا (1972) أسال نفسي إن كان ذلك اجتهاده عن معرفة أم أنه نقله عن القوميين الجنوبيين، ممن يحسنون لعب دور الضحية، واستحسنه؟ هل قرأ القائل مثلاً كتاب “اللامركزية: ضرورة للمديريات الجنوبية في السودان ( 24 صفحة، مطبعة سمر بالخرطوم) الذي دعا فيه الفريق جوزيف لاقو، زعيم حركة أنيانيا الموقعة على اتفاقية أديس أبابا، إلى استفتاء لتعديل الاتفاقية ليصبح الجنوب ولايات بدلاً عن إقليم واحد؟ فحوى كتاب لاقو أن يعاد تقسيم الجنوب لأن شعب الدينكا سيطر عليه عن طريق حكومة الإقليم الجنوبي الواحدة فظلم الآخرين.

وبدأ الكتاب بالمثل: “حين يأكل الرجل الأناني لحد التخمة يصف الرجل الجائع حقاً بأنه طمّاع”. فقد أتخمت السلطة الدينكا ومتى راجعها الآخرون وصفتهم ب”الجوع إلى الحكم”.

وكتاب لاقو في وجه من وجوهه “كتاب أسود” عن استئثار الدينكا بالسلطان. وقال إن زعمهم السلطان بذريعة الأغلبية باطل في ظل اللامركزية. وقد وترت حكومة الجنوب الناس ولن نلوم سوى الدينكا الذين اختاروا طريقاً مغروراً لفرض أنفسهم كمؤسسة حاكمة. وأخذ يحصي وجود الدينكا بالأسماء في مؤسسات الحكم الذاتي: فهم 10 من 20 في المجلس التنفيذي العالي، وهم 3 من 6 بين المحافظين، وهم 6 من 12 في مجلس الشعب الإقليمي، وهم 2 من 3 في مجلس الاتحاد الاشتراكي الإقليمية، وهم 1 من 6 في سكرتاريته، وهم 18 من 34 من مدراء الوزرات المختلفة. وفي غياب اللامركزية لم يرع الدينكا حرمة الجماعات الصغرى. فقد زعزعت تحركات الدينكا وسكنهم العشوائي حياة أهل منقلا والليري ولاقو وكولي حول الرجاف. وليس بوسع هذه المناطق اتخاذ قرار بشأن حياتها لأن الحكومة الإقليمية تنظر لتصرفات الدينكا بعين الرضا.

وأقام لاقو حجته لتفكيك الإقليم الجنوبي الواحد على تناقض رآه بين دستور السودان (المادة 182) وقانون الحكم الذاتي للإقليم الجنوبي (المادة 18). فمادة الحكم الذاتي مركزية بينما قضت مادة الدستور تطبيق اللامركزية حتى يأمن الناس إلى خصائصهم الثقافية فيدوم التقدم. وكان مأمولاً أن تطبق حكومة الجنوب هذا المبدأ تنزيلاً للحكم إلى الناس، ولكنها تغاضت عنه. واستخدم الدينكا الخوف من استغلال الشماليين للجنوب ذريعة لتعطيل اللامركزية الجنوبية على أنهم هم الذين استحق أن يخاف الجنوب منهم لعزتهم بقبيلتهم دون الجنوب.

وقال لاقو إن مشروعه لتقسيم الجنوب لينعم أهله باللامركزية بمثابة خدوش قط بأظافره على وجه من وضعه في ركن ضيق. وهكذا اضطرهم الدينكا لعزتهم بأغلبيتهم فصارت مبررهم للهيمنة على آلة الحكم في الجنوب. وايأسوا الناس من تنزل اللامركزية عليهم. فقد منعت الدينكا ملاعق الذهب التي ولدوا بها من موالاة اللامركزية وجعلها خياراً جاذباً في اتفاقية أديس أبابا. وأضاف قائلاً إنه واثق بأن إرادة ثورة مايو واتحادها الاشتراكي، التي حملت من عارضوا الحكم الذاتي للجنوب بين الشماليين لقبوله، ستعلو على إرادة من عطلوا اللامركزية في الجنوب. وزاد بأن مديريات الجنوب تستحق مثل غيرها أن تكون لها الولاية على شؤونها الخاصة عملاً بدستور السودان والنظم التي دعا لها الاتحاد الاشتراكي. ومن إرتاب في هذا فليطلب النصح من نميري أو أي عضو مؤسس لثورة مايو.

في تحميل النميري وحده وزر قتل اتفاقية أديس بابا إعلاء لدور الفرد في التاريخ منكور عند صفوة اليسار. أهم من ذلك أن إعفاء الجنوبيين من ذلك الوزر هو نوع من الوصاية عليهم. ما مؤاخذين يعني.

عبد الله علي إبراهيم

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الحکم الذاتی أدیس أبابا

إقرأ أيضاً:

من الجنوب.. أخبار تثير الخوف

تساءلت أوساط متابعة لأحداث الجنوب عن مدى حقيقة الأخبار التي يتمّ نشرها بين الحين والآخر بشأن توغلات إسرائيلية ضمن مناطق لبنانية عديدة في حين أنَّ بعضها ليس صحيحاً على الإطلاق.   وذكرت المصادر أن بعض الأخبار يثير الرعب والخوف لدى السكان لكن  بعد التدقيق في المضمون، يتبين أنه مُضخّم وعارٍ من الصحة جُملة وتفصيلاً.   وفي مثال على ذلك، نُشر قبل يومين خبرٌ يفيد بأن دبابات إسرائيلية دخلت إلى قلب بلدة ديرميماس في الجنوب وتمركزت هناك، لكن تبين أن هذا الأمر غير صحيح في مضمونه، فشوارع هذه البلدة ضيقة ولا يمكن للدبابات الضخمة أن تمرّ بها. المصدر: خاص "لبنان 24"

مقالات مشابهة

  • موجة الإعدام .. قرار لبايدن قبل وصول ترامب للحكم
  • “مرشح الضرورة”.. جوزيف عون يطرح كخيار شعبي في لبنان وسط انقسامات حادة
  • العماد عون يتفقد الالوية العسكرية في الجنوب
  • ميقاتي في الجنوب لتفقد وحدات الجيش
  • السطان دينق قوج ايوال … مثال لروعة الدينكا ونبل الجنوبيين
  • بعد حجز قضيتها للحكم.. حكاية هدير عبد الرازق صاحبة الفيديوهات المثيرة
  • سامي الجميّل: لإقرار قانون اللامركزية وتحقيق إنماء متوازن على كامل الأراضي اللبنانية
  • حجز قضية اتهام هدير عبد الرازق بنشر مقاطع فاضحة للحكم بجلسة 28 ديسمبر
  • من الجنوب.. أخبار تثير الخوف
  • هل يجوز للخاطب رؤية شعر خطيبته بعد قراءة الفاتحة؟.. انتبه للحكم