لماذا تغض أوروبا الطرف عن تجاوزات رئيس تونس قيس سعيد؟
تاريخ النشر: 15th, June 2024 GMT
نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرًا تحدثت فيه عن استمرار دول الاتحاد الأوروبي، بقيادة إيطاليا، في إيلاء الأولوية للسيطرة على تدفقات الهجرة في تعاملها مع تونس، وذلك على الرغم من "الخطاب المعادي" للغرب الذي يتبناه رئيسها قيس سعيّد.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن الرئيس التونسي قيس سعيّد اعتذر عن دعوةٍ لحضور قمة مجموعة السبع المنعقدة يومي 13 و15 حزيران/ يونيو جنوب إيطاليا، وأرسل بدلًا منه رئيس حكومته أحمد الحشاني، وذلك دون أن يقدّم أي تفسير- مع العلم أن العلاقات بين روما وتونس في وضع جيد.
ويُعزى تهاون الغرب النسبي في تعامله مع قيس سعيّد إلى حقيقة أن الاتحاد الأوروبي يمنح الأولوية لمساعي التحكّم في تدفقات الهجرة، خاصة من الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، وذلك في إطار مذكرة تفاهم موقّعة مع تونس في 16 حزيران/ يوليو 2023. والتوتّرات الأخيرة المتعلقة بالمخاوف التي عبّر عنها الاتحاد الأوروبي وفرنسا والولايات المتحدة عقب موجة الاعتقالات التي طالت الصحفيين والمحامين ومسؤولي المنظمات غير الحكومية في أيار/ مايو لم يكن لها تأثيرات عميقة على هذه العلاقة.
وأكدت الصحيفة أن انتقادات بروكسل وباريس وواشنطن أثارت غضب قيس سعيّد، الذي استدعى السفراء المعنيين وأكّد رفضه لأي تدخل أجنبي. ومن جانبه، فضّل الجانب الأوروبي التريث وترك العاصفة تمر وذلك لسبب واضح: وهو أن التعاون بين تونس والاتحاد الأوروبي على كبح تدفقات الهجرة يؤتي ثماره. فمنذ بداية السنة، وصل أقل من 23 ألف مهاجر إلى السواحل الإيطالية مقارنةً بحوالي 60 ألف خلال نفس الفترة من سنة 2023. وفي أيار/ مايو، كشف وزير الداخلية التونسي كمال الفقي للبرلمانيين، في جلسة استماع مغلقة، أن الحدود مراقبة بشكل دقيق استجابةً لطلبات بعض القادة الأوروبيين مع اقتراب الانتخابات الأوروبية، وذلك وفقاً لتقارير جريدة الشرق المغاربي التي أكدها النائب ياسين مامي.
قلب الطاولة
نقلت الصحيفة عن حمزة المؤدّب، الباحث في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، أنه "لطالما نادت إيطاليا إلى الحفاظ على الروابط مع قيس سعيّد وما زالت تراه رهانًا لضمان استقرار البلاد". وعمومًا، تفضّل العواصم الأوروبية اليوم نهجًا براغماتيًا أولوياته الهجرة والأمن أو الطاقة، حتى "إذا كان ثمن تحقيق هذه الأولويات هو التغاضي عن غياب جدول زمني للانتخابات أو حقوق الإنسان".
وصل قيس سعيّد، أستاذ القانون الدستوري الذي وُصف حينها بـ "المحافظ الراديكالي"، إلى السلطة في تشرين الأول/ أكتوبر 2019 بعد فوز كاسح في الانتخابات الرئاسية. وكانت حملته تتركز على مكافحة الفساد، ورفض النخب السياسية التقليدية، والترويج لنظام ديمقراطية تشاركية لا مركزية، وهو ما لاقى استحسانًا بين التونسيين وخاصةً الشباب الذين شعروا بخيبة أمل عقب عشر سنوات من الأزمات السياسية بعد الثورة وعملية انتقال ديمقراطي اعتبروها غير مرضية.
ويوم 25 تموز/ يوليو 2021، في خضم أزمة كوفيد-19 ومع تفاقم الجمود السياسي والأزمة الاقتصادية، قلب قيس سعيّد الطاولة بتعليق البرلمان ومنح نفسه كامل الصلاحيات، وهي خطوة وصفها معارضوه بأنها "انقلاب" لكنها قُبلت بشكل عام من قبل المجتمع الدولي. وبعد سنة، رسّخ توجّهه نحو نظام رئاسي مطلق من خلال تبني دستور جديد يمنحه صلاحيات واسعة.
ومنذ انقلابه، شرع الرجل القوي في قرطاج في عملية تفكيك منهجي للهيئات والمؤسسات التي أُنشئت بعد الإطاحة بزين العابدين بن علي في سنة 2011، وهي فترة ما بعد الثورة التي يسميها مؤيدوه "العشرية السوداء". حكم سعيّد البلاد من خلال مراسيم، واتخذ قرارًا أحاديًا بحلّ البرلمان نهائيًا في آذار/ مارس 2022 بعد تعليق العمل بالدستور وحلّ مجلس القضاء.
وفي نفس السنة، شدّد سعيّد قبضته على السلطة القضائية بإقالة حوالي خمسين قاضٍ، قبل أن يهاجم حرية التعبير بإصدار المرسوم عدد 54 في أيلول/ سبتمبر 2022 لمكافحة "الأخبار الكاذبة". ومنذ سنة 2023، اعتُقل عشرات المعارضين من مختلف الأحزاب السياسية ومعظمهم من قادة حزب النهضة الإسلامي- بما في ذلك زعيمه راشد الغنوشي- بتهمة التآمر على أمن الدولة أو التخابر مع قوى أجنبية. كما طالت حملة الاعتقالات العديد من الصحفيين والنقابيين ورجال الأعمال والمحامين أو المسؤولين في المنظمات غير الحكومية الذين وُجّهت إليهم نفس التهم.
مطاردة المهاجرين
أشارت الصحيفة إلى أن وتيرة القمع ضد المهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء زادت بعد اتهامهم من قبل رئيس الدولة بالمشاركة في مؤامرة تهدف إلى تغيير "التركيبة الديموغرافية" للبلاد، ليصبحوا هدفًا لمطاردات حقيقية منذ تموز/ يوليو 2023. طُرد عدة آلاف منهم من منازلهم ووظائفهم أو نُقلوا إلى الحدود، في وسط الصحراء، تزامنًا مع توقيع مذكرة التفاهم مع الاتحاد الأوروبي.
وذكرت الصحيفة أن خطابات الرئيس تميل إلى أن تكون ناريّة في تعامله مع الغرب، رافضًا أي نقد – مهما كان طفيفًا – من الخارج باعتباره مساسًا بسيادة البلاد. ورغم دعوته للتقارب مع روسيا أو الصين، حيث تم استقباله في نهاية أيار/ مايو خلال زيارة دولة، إلا أنه لا يمكنه بسهولة قطع العلاقات مع الغرب ذلك أن أوروبا هي الشريك التجاري الأول لتونس بينما تقدّم الولايات المتحدة دعماً مالياً كبيراً لجيشها. والتحوّل المفاجئ لقيس سعيّد، الذي رفض في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 تبني قانون يجرّم العلاقات مع إسرائيل، دليلٌ على وسائل الضغط التي لا تزال واشنطن تملكها حسب العديد من النواب التونسيين.
وفي 19 أيار/ مايو، أثار مقال نشرته صحيفة "لا ريبوبليكا" الإيطالية حول هبوط طائرات "عسكرية روسية" في جزيرة جربة الجدل. ورغم نفي موسكو وتونس لهذه المعلومة، إلا أن الخوف من تحول تونس نحو روسيا سيمثل قطيعة مع الغرب الذي لطالما كانت تونس مرتبطة به - مع أن تغيير المسار الدبلوماسي الذي يدعيه الرئيس وخطابه "المناهض للإمبريالية" بالكاد كان له آثار ملموسة على أرض الواقع. لهذا السبب، يعتقد حمزة المؤدّب أنه "لا أحد يأخذ [قيس سعيّد] على محمل الجد. فجميع مناوشاته الدبلوماسية لا تتبعها أفعال ملموسة، بل هي مجرد خطب وشعارات".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية تونس المهاجرين أوروبا تونس أوروبا المهاجرين تجاوزات قيس سعيد صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاتحاد الأوروبی قیس سعی د
إقرأ أيضاً:
لا إيران تنهي الحزب ولا إسرائيل تنهي الحرب
كتب طوني عيسى في" الجمهورية": هناك أفخاخ عدة زرعها بنيامين نتنياهو في صلب الورقة التي يعمل هوكشتاين على تسويقها، وأبرزها على الإطلاق شرط احتفاظ إسرائيل ب »حقّها » فيرصد أجواء لبنان بالطيران الحربي والمسيّرات، وبأن تكون لها صلاحية تنفيذ عمليات عسكرية داخل الأراضي اللبنانية، في أي لحظة، إذا اكتشفت أنّ«حزب الله » أو أي طرف آخر يقوم مجدداً بالتسلح أو الانتظام عسكرياً.طبعاً،المفاوض اللبناني هرب من هذا البند باعتماد صيغة «حق كل من الطرفين في الدفاع عن النفس »، إذا اكتشف أنّ الطرف الآخر يخرق الاتفاق. ووفق الصيغة المتداولة، يتقدّم الطرف المشتكي باعتراضه إلى الهيئة المعنية بمراقبة الاتفاق،التي يرئسها جنرال أميركي، وهي تتولّى المعالجة. ولكن السؤال هو: ماذا لواعتبر الطرف الشاكي أنّ المعالجة لم تتمّ كما يجب؟ هل سيحصّل حقه بيده؟ أيهل يلجأ إلى القوة في التعاطي مع الطرف الآخر؟ هذه الصيغة التي طرحها لبنان، كبديل من النص القاسي الذي كان قد صاغه الإسرائيليون، تبقى أيضاً قاسية، وهي عملياً تخدم المصلحة الإسرائيلية في التنفيذ. فإسرائيل لا تحتاج إلى خرق القرار 1701 لتحافظ على قوة ردعها. وأما «حزب الله » فمضطر للحصول على السلاح من الخارج وتخزينه من أجل البقاء كقوة عسكرية، وإّ لّافإنّه سيصبح حزباً سياسياً لا أكثر. وكذلك، الإسرائيليون مؤهلون أكثر من«الحزب » لإقناع أركان الهيئة بوجهة نظرهم. فهي برئاسة أميركي وتضمّ دولاً أطلسية، بعضها يعتبر الجناح العسكري ل »الحزب » منظمة إرهابية، ما يعني أنّ احتمال تحرّك الهيئة ضدّ«الحزب » يفوق بكثير احتمال تحركها ضدّ إسرائيل. وللتذكير أيضاً، إسرائيل تمتلك قدرة عملانية كبيرة على ضرب أهداف لـ «الحزب » في لبنان، إذا قرّرت ذلك، فيما قدراته على القيام بالمثل ضدّها هي اليوم محدودة، وستكون محدودة أكثر بعد تنفيذ الاتفاق وتوقفه عن التزود بالسلاح.
في أي حال، ربما تكون صيغة «الدفاع عن النفس » هي أفضل ما استطاع المفاوض اللبناني تحقيقه، كبديل من الطرح الإسرائيلي القاضي بالتدخّل العسكري، في أي لحظة، علماً أنّ إيراده ضمن ملحق خاص بينهم وبين الأميركيين يشكّل إلزاماً إضافياً لواشنطن. والتدقيق في هذا الشرط يكشف أبعاداً بالغة الخطورة حاول المفاوض اللبناني تجنّبها .
في أي حال، قرار لبنان الرسمي ليس عنده. والمفاوض الفعلي هو إيران. فهل ستترك لإسرائيل أن تهزم «الحزب » نهائياً؟ وهل تعتبر أنّ «الحزب » في موقع ضعف في لبنان يفرض عليها الاستسلام؟ المطلعون على أجواء «الحزب » يقولون إنّ إيران لن توافق في أي شكل على انكسار «الحزب » أمام إسرائيل في لبنان، كما لم توافق على انكسار «حماس » في غزة، وستقاتل حتى النهاية سعياً إلى تدارك الخسارة. وهي تراهن على أنّ إسرائيل قد تتعب وتدفعها الظروف الدولية إلى تسوية أكثر توازناً تسمح ل «الحزب » بأن يحتفظ بقوته، وأن يبقى لها نفوذ من خلاله على حدود إسرائيل وشاطئ المتوسط. ففي الواقع،لن توافق طهران بأي ثمن على نهاية «حزب الله ». وفي الموازاة، لن توافق إسرائيل على نهاية الحرب الدائرة حالياً. ولذلك، سيراوح هوكشتاين طويلاً في الدوامة باحثاً عن تسوية. وسيناور بنيامين نتنياهو وشركاؤه في حكومة اليمين واليمين المتطرف ويرفضون أي تسوية حتى يبلغوا أهدافهم المرسومة، في المراحل المقبلة من الحرب. وهذه الأهداف ستؤدي على الأرجح إلى إحداث تحولات جديدة في لبنان والمنطقة كلها.