أفراح وأتراح رحلة الحج المصرية بالقرن الـ19 كما دونها الرحالة البريطاني إدوارد وليم لاين
تاريخ النشر: 15th, June 2024 GMT
كان موسم الحج وما زال موضوعا مهما في أدبيات التراث العربي والإسلامي، واحتلت قوافل ورحلات الحُجاج إلى الأراضي المقدسة لأداء مناسك الحج مساحة كبيرة في المكتبة العربية التي تزخر بالكثير من المؤلفات التي وثقت تفاصيل تلك القوافل والرحلات قديما.
وتُعد قافلة ومحمل الحج المصري وسفر المحمل إلى الجزيرة العربية، من أجمل الاحتفالات التي حرص الرحّالة على تسجيلها، وأفاض كثير من الرحّالة والمستشرقين الأوروبيين في وصف القوافل المتجهة إلى الحجاز وطريقة تزيينها وحراستها، وحضور حُكّام البلاد عند خروج المحمل من منطقة القلعة في العاصمة القاهرة، بقيادة أمير الحج يصحبه عدد من الحراس والجنود، كذلك أفاض الرحالة في وصف الاحتفالات التي تقام عند عودة القافلة من الحج حيث يتم تزيين منازل الحجاج وتقام الولائم احتفالا بهذه المناسبة.
ومن بين تلك الكتابات التي اهتمت بمظاهر وطقوس قافلة ومحمل الحج المصري قديما، تأتي يوميّات الرحّالة البريطاني إِدْواردْ وِلْيم لاين، التي جمعها في كتابه "عادات المصريين المحدثين وتقاليدهم"، حيث سجّل الكثير من المشاهد والتفاصيل المتعلقة بالحجاج المصريين وقافلة سفرهم وعودتهم.
قافلة الحجاجوقد جاء في كتاب "لاين" الذي رصد فيه حياة المصريين ما بين عامي 1833 و1835، من ترجمة سهير دسّوم، والصادر بالقاهرة ما نصه:
"يُقال إن السلطان الظاهر بيبرس كان أوّل من أرسل محملا مع قافلة الحجاج إلى مكة في العام 670 هجريا 1272 ميلاديا، ويُقال إن تلك العادة تعود إلى ما قبل وصوله إلى العرش بسنوات قليلة.. وإن شجرة الدر هي أول من أرسلت كسوة الكعبة من مصر عندما ذهبت للحج فصُنع لها هودج مربع عليه قبة جلست بها ومعها الكسوة، وخلفها تسير قافلة الحجاج ومنها أطلق عليها مسمى المحمل".
والمحمل هو الموكب الذي كان يخرج من مصر كل عام حاملا كسوة الكعبة، وظل هذا المحمل يخرج منها منذ عهد شجرة الدر والمماليك حتى بداية منتصف الخمسينيات من القرن الـ20 الميلادي.
وتحدث إِدْواردْ وِلْيم لاين، عن "الموكب الطنان الرنان للمحمل عند انطلاقه إلى مكة"… وقدم وصفا مطولا له فقال: "المحمل عبارة عن مربع خشبي ذي قمة هرمية الشكل، وغطاء من القماش المقصب باللون الأسود نقشت عليه كتابات كثيرة، ومزين بتطريز ذهبي في بعض أجزائه فوق أرضية من الحرير الأخضر والأحمر مع هداب حريري… ولا يكون الغطاء مصنوعا دائما بهذا الشكل في زينته".
ويستدرك "ولكنني لاحظت في كل غطاء رأيته منظرا للكعبة مشغولا بالذهب في الجزء العلوي من واجهته الأمامية وقد جُعل فوقها رمز السلطان… وهو لا يضم سوى مصحفين، وقد وضع المصحفان في غلاف فضي براق معلق خارجا في أعلاه. كما أن الكرات الخمس ذات الهلال التي تزين المحمل مصنوعة من الفضة البراقة، ويوضع المحمل على ظهر جمل طويل يعفى بقية حياته من أي عمل شاق".
وبحسب يوميّات الرحّالة البريطاني إِدْوَاردْ وِلْيَمْ لاين، التي جمعها في كتابه "عادات المصريين المحدثين وتقاليدهم"، فإن قافلة الحجاج المصريين عامة العائدة من مكة إلى القاهرة، كانت تصل في نهاية شهر صفر (ثاني شهور التقويم الهجري)، ويعرف هذا الشهر عامة بنزلة الحج. وقد يصل بعض الحجاج العائدين عن طريق البحر الأحمر قبل القافلة نفسها كما تصل قافلة الحجاج التجار بشكل متأخر عن بقية الحجاج.
ومما سجّله "لاين" أن "شاويش الحج" يسبق قافلة الحجاج بـ4 أو 5 أيام بصحبة إعرابيين على ظهور الجمال ليعلن قرب وصول الحجاج ونهار وصولهم إلى العاصمة وليحضر رسائلهم إلى أصدقائهم… ويتوجهون إلى القلعة مباشرة لنقل الخبر إلى حاكم مصر أو ممثله".
ويشير الرحّالة البريطاني إلى أن بعض الأشخاص كانوا يخرجون في رحلة تستمر يومين أو ثلاثة أيام للقاء أصدقائهم الحجاج حاملين معهم الفاكهة الطازجة وغيرها من المأكولات والثياب إلى الحجاج التعبين… وقد يكتفي البعض بالتوجه إلى المحطة الأخيرة للقافلة. ويأخذون معهم عادة بعض الكماليات البسيطة من طعام أو بغل صغير وهو البديل الرائع لجمل الحاج المجهد الصعب المراس، إضافة إلى بعض الثياب النظيفة الجديدة، ويصطحب بعضهم فرقة موسيقية لتكريم أصدقائهم من القادمين".
أتراح وأفراحويصف إِدوارد وليم لاين، لحظة وصول الحجاج بأنه مشهد مثير للمشاعر، خاصة عندما ينطلق الناس بطبولهم عند اقتراب قافلة الحجاج للترحيب بالعائدين من أداء مناسك الحج والسير مع موكبهم إلى مدينة القاهرة.
ويضيف بأن "الأفراح قد تضحى أتراحا عند البعض الذين يعودون والأسى يعصر قلوبهم وعيونهم تسفح دمعا بدلا من الموسيقى والفرح، فالرحلة شاقة عسيرة على بعض الحجاج العائدين الذين يقضون نحبهم في الصحراء حيث لا يستطيعون تأمين لوازم علاجهم الضرورية. وكثيرات من النساء اللواتي ينطلقن لملاقاة أزواجهن أو أبنائهن فيتلقين الأنباء المحزنة بأن مسافريهن ذهبوا ضحية الحرمان والتعب. ويطفقن عائدات بخفي حنين إلى المدينة فيشق صراخهن السماء ويطغى على قرع الطبول وأصوات المزامير المعبرة عن فرحة الآخرين".
ولفت إِدوارد وليم لاين، إلى أنه دوّن مشاهداته تلك حول قافلة الحجاج المصريين سنة 1250 هجرية/1834 ميلادية، ويتابع تدوين يومياته بالإشارة إلى "وصول القافلة في محطتها الأخيرة إلى "الحوشة" وهي طريق مرصوفة بالحصى تقع بالقرب من ضاحية القاهرة الشمالية، وأنه كان يقف خارج جدران أسوار القاهرة حينما اقتربت القافلة منه، وأنه شاهد البعض فوق ظهور بغالهم يسبقهم موسيقيون أو حاملوا الرايات وتتبعهم النساء وهن يغنين، كما وصف احتفاء الناس بمحمل الحج، وكيف كانت تغلق المتاجر أبوابها ويتجمع الناس في كل مكان يسير فيه للفرجة وسط أجواء من البهجة، ورصد ما كانت تشهده شوارع القاهرة – آنذاك – من احتفالات بسفر محمل الحج وكسوة الكعبة المشرفة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات قافلة الحجاج
إقرأ أيضاً:
رحلة «طائر الإذاعة المصرية المهاجر» تصل لنهايتها.. من هو أحمد أبو زيد؟
خيّم الحزن على أروقة الإذاعة المصرية خلال الساعات الماضية، بعدما غيّب الموت الإذاعي أحمد أبو زيد، أحد أعمدة الإذاعة الذين أثروا أثيرها ببرامج وأعمال لا تُنسى، وترك إرثًا من الأعمال الإذاعية التي ستظل خالدة في ذاكرة المستمعين، فقد كان الإذاعي القدير له خبرات إعلامية كبيرة خرجت عن النطاق الإقليمي إلى الشرق الآسيوي.
من هو الإذاعي أحمد أبو زيد؟الإذاعي أحمد أبو زيد الذي رحل عن عالمنا أمس، عمل بالإذاعة المصرية وإذاعة الشعب في عام 1988، وبعد تشعب إذاعة الشعب عمل مذيعًا في إذاعة الشباب والرياضة، كما اختير في بعثة إعلامية بالصين آواخر القرن الماضي، وقد وصفه رضا عبد السلام رئيس إذاعة القرآن الكريم السابق في منشور عبر حسابه الشخصي على «فيسبوك»، بأنّه صاحب الأدب الجم والذوق الرفيع وطيبة القلب وطلاقة الروح وزكاة النفس، وذا سمت هادئ وأخلاق عالية ووجه راضِ وبسمته الدائمة على وجهه، سفير للأخوة بينه وبين كل من يعرفه وكل من يقابله.
وأضاف رئيس إذاعة القرآن الكريم السابق: «لا أنسى ولن أنسى تعليقاته على بوستاتي بهذا اللقب الأثير والمحبب إلى قلبي (ابني الغالي)، وأنا يا أبي بعد أبي أشهد أمام الله وأمام الناس أنك كنت مثالًا للدين الحي والأخلاق العالية والذوق الرفيع».
أبرز أعمال الإذاعي أحمد أبو زيدوبحسب القناة الرسمية للإذاعة المصرية على منصة يوتيوب، كان الإذاعي القدير أحمد أبو زيد له أرشيف إذاعي كبير يضم عدة تمثيليات إذاعية وصور غناية، فقد أخرج «أبو زيد» التمثيلية الإذاعية «لكم طول البقاء»، «آخر غلطة»، «ماما في إجازة»، «رفقًا أيها الحب»، «رجالة ورق»، «عروسة من باريس»، «تفيدة والحرامي»، «الرسول الأعظم»، «الأمل المشرق»، «بخيل دقة»، و«ست البنات».
ومن أبرز مؤلفاته التمثيلية الإذاعية الكوميدية «سي خليل البخيل» بطولة آمال شريف ورأفت فهيم ومن إخراج إسماعيل عبد الفتاح، كما أخرج المسلسل الإذاعي الشهير الذي تدور أحداثه في عالم الخيال العلمي والفانتازيا «حدث في يناير سنة 2000» من تأليف إيهاب الأزهري.
ويقول الكاتب سامي المرسي وصديق الإذاعي الراحل، إنّ أحمد أبو زيد عمل في إذاعة صوت العرب وإذاعة الشباب والرياضة، وتخرج على يديه مجموعة من شباب المذيعين الذين أثروا الإذاعة المصرية وأصبحوا نجومًا متفائلة، كما عمل في دول الخليج في الصحافة خاصة وأنّه ينتمي إلى الجيل الأول من خريجي الإعلام، وعمل في دولة اليمن أيضًا وإذاعة كوريا وإذاعة الصين التي أمضى فيها فترة طويلة عبّر خلالها عن أهمية اللغة العربية وقدم برنامجًا أكدت نجاحه كمبدع.
وأضاف سامي المرسي عبر منشور نعى خلاله صديقه الراحل قائلًا: «كان أحمد أبو زيد طائرًا مهاجرًا خلال رحلته في عالم الإذاعة، وكانت معرفته العميقة بشؤون الإعلام تتقاطع مع خلقه الرفيع، فلم يسعَ يومًا إلى مجد زائل أو شهرة جوفاء بل كان يحمل رسالة نبيلة، يُقدِّم فيها ما يفيد الناس ويُغني عقولهم في زمنٍ طغت فيه الأصوات الصاخبة والإعلام المبتذل، كان أحمد أبو زيد نجمًا هادئًا يضيء الطريق لمن يبحث عن الحقيقة بحب وصبر».
كما كتبت نهلة شافعي كبير مقدمي البرامج بإذاعة صوت العرب عبر صفحتها على «فيسبوك»، رسالة مؤثرة في وداع أحمد أبو زيد قائلة: «الزميل العزيز والغالي والأخ والصديق أحمد أبو زيد في رحاب الله، تزاملنا في البدايات بإذاعة الشعب وكان إنسانًا خلوقًا راقيًا طيب النفس لأبعد الحدود وجمعتنا برامج وتسجيلات لمحافظات مصر المختلفة وكانت صحبته نقية ثرية، عندما تزوج وأنجب سمى ابنته نهلة وكان كلما يقابلني ينادينى بابنتي نهلة من باب الطرفة وأناديه بابا أحمد، له خبرات إعلامية كبيرة خرجت عن النطاق الإقليمي إلى الشرق الآسيوي سنوات وسنوات ولم ينقطع التواصل والبر بينه وبين زملائه.. رحمك الله وأدخلك فسيح جناته بأخلاقك السمحة وفوقها رحمته وكرمه».