كان موسم الحج وما زال موضوعا مهما في أدبيات التراث العربي والإسلامي، واحتلت قوافل ورحلات الحُجاج إلى الأراضي المقدسة لأداء مناسك الحج مساحة كبيرة في المكتبة العربية التي تزخر بالكثير من المؤلفات التي وثقت تفاصيل تلك القوافل والرحلات قديما.

وتُعد قافلة ومحمل الحج المصري وسفر المحمل إلى الجزيرة العربية، من أجمل الاحتفالات التي حرص الرحّالة على تسجيلها، وأفاض كثير من الرحّالة والمستشرقين الأوروبيين في وصف القوافل المتجهة إلى الحجاز وطريقة تزيينها وحراستها، وحضور حُكّام البلاد عند خروج المحمل من منطقة القلعة في العاصمة القاهرة، بقيادة أمير الحج يصحبه عدد من الحراس والجنود، كذلك أفاض الرحالة في وصف الاحتفالات التي تقام عند عودة القافلة من الحج حيث يتم تزيين منازل الحجاج وتقام الولائم احتفالا بهذه المناسبة.

ومن بين تلك الكتابات التي اهتمت بمظاهر وطقوس قافلة ومحمل الحج المصري قديما، تأتي يوميّات الرحّالة البريطاني إِدْواردْ وِلْيم لاين، التي جمعها في كتابه "عادات المصريين المحدثين وتقاليدهم"، حيث سجّل الكثير من المشاهد والتفاصيل المتعلقة بالحجاج المصريين وقافلة سفرهم وعودتهم.

قافلة الحجاج

وقد جاء في كتاب "لاين" الذي رصد فيه حياة المصريين ما بين عامي 1833 و1835، من ترجمة سهير دسّوم، والصادر بالقاهرة ما نصه:

"يُقال إن السلطان الظاهر بيبرس كان أوّل من أرسل محملا مع قافلة الحجاج إلى مكة في العام 670 هجريا 1272 ميلاديا، ويُقال إن تلك العادة تعود إلى ما قبل وصوله إلى العرش بسنوات قليلة.. وإن شجرة الدر هي أول من أرسلت كسوة الكعبة من مصر عندما ذهبت للحج فصُنع لها هودج مربع عليه قبة جلست بها ومعها الكسوة، وخلفها تسير قافلة الحجاج ومنها أطلق عليها مسمى المحمل".

والمحمل هو الموكب الذي كان يخرج من مصر كل عام حاملا كسوة الكعبة، وظل هذا المحمل يخرج منها منذ عهد شجرة الدر والمماليك حتى بداية منتصف الخمسينيات من القرن الـ20 الميلادي.

وتحدث إِدْواردْ وِلْيم لاين، عن "الموكب الطنان الرنان للمحمل عند انطلاقه إلى مكة"… وقدم وصفا مطولا له فقال: "المحمل عبارة عن مربع خشبي ذي قمة هرمية الشكل، وغطاء من القماش المقصب باللون الأسود نقشت عليه كتابات كثيرة، ومزين بتطريز ذهبي في بعض أجزائه فوق أرضية من الحرير الأخضر والأحمر مع هداب حريري… ولا يكون الغطاء مصنوعا دائما بهذا الشكل في زينته".

ويستدرك "ولكنني لاحظت في كل غطاء رأيته منظرا للكعبة مشغولا بالذهب في الجزء العلوي من واجهته الأمامية وقد جُعل فوقها رمز السلطان… وهو لا يضم سوى مصحفين، وقد وضع المصحفان في غلاف فضي براق معلق خارجا في أعلاه. كما أن الكرات الخمس ذات الهلال التي تزين المحمل مصنوعة من الفضة البراقة، ويوضع المحمل على ظهر جمل طويل يعفى بقية حياته من أي عمل شاق".

وبحسب يوميّات الرحّالة البريطاني إِدْوَاردْ وِلْيَمْ لاين، التي جمعها في كتابه "عادات المصريين المحدثين وتقاليدهم"، فإن قافلة الحجاج المصريين عامة العائدة من مكة إلى القاهرة، كانت تصل في نهاية شهر صفر (ثاني شهور التقويم الهجري)، ويعرف هذا الشهر عامة بنزلة الحج. وقد يصل بعض الحجاج العائدين عن طريق البحر الأحمر قبل القافلة نفسها كما تصل قافلة الحجاج التجار بشكل متأخر عن بقية الحجاج.

ومما سجّله "لاين" أن "شاويش الحج" يسبق قافلة الحجاج بـ4 أو 5 أيام بصحبة إعرابيين على ظهور الجمال ليعلن قرب وصول الحجاج ونهار وصولهم إلى العاصمة وليحضر رسائلهم إلى أصدقائهم… ويتوجهون إلى القلعة مباشرة لنقل الخبر إلى حاكم مصر أو ممثله".

ويشير الرحّالة البريطاني إلى أن بعض الأشخاص كانوا يخرجون في رحلة تستمر يومين أو ثلاثة أيام للقاء أصدقائهم الحجاج حاملين معهم الفاكهة الطازجة وغيرها من المأكولات والثياب إلى الحجاج التعبين… وقد يكتفي البعض بالتوجه إلى المحطة الأخيرة للقافلة. ويأخذون معهم عادة بعض الكماليات البسيطة من طعام أو بغل صغير وهو البديل الرائع لجمل الحاج المجهد الصعب المراس، إضافة إلى بعض الثياب النظيفة الجديدة، ويصطحب بعضهم فرقة موسيقية لتكريم أصدقائهم من القادمين".

أتراح وأفراح

ويصف إِدوارد وليم لاين، لحظة وصول الحجاج بأنه مشهد مثير للمشاعر، خاصة عندما ينطلق الناس بطبولهم عند اقتراب قافلة الحجاج للترحيب بالعائدين من أداء مناسك الحج والسير مع موكبهم إلى مدينة القاهرة.

ويضيف بأن "الأفراح قد تضحى أتراحا عند البعض الذين يعودون والأسى يعصر قلوبهم وعيونهم تسفح دمعا بدلا من الموسيقى والفرح، فالرحلة شاقة عسيرة على بعض الحجاج العائدين الذين يقضون نحبهم في الصحراء حيث لا يستطيعون تأمين لوازم علاجهم الضرورية. وكثيرات من النساء اللواتي ينطلقن لملاقاة أزواجهن أو أبنائهن فيتلقين الأنباء المحزنة بأن مسافريهن ذهبوا ضحية الحرمان والتعب. ويطفقن عائدات بخفي حنين إلى المدينة فيشق صراخهن السماء ويطغى على قرع الطبول وأصوات المزامير المعبرة عن فرحة الآخرين".

ولفت إِدوارد وليم لاين، إلى أنه دوّن مشاهداته تلك حول قافلة الحجاج المصريين سنة 1250 هجرية/1834 ميلادية، ويتابع تدوين يومياته بالإشارة إلى "وصول القافلة في محطتها الأخيرة إلى "الحوشة" وهي طريق مرصوفة بالحصى تقع بالقرب من ضاحية القاهرة الشمالية، وأنه كان يقف خارج جدران أسوار القاهرة حينما اقتربت القافلة منه، وأنه شاهد البعض فوق ظهور بغالهم يسبقهم موسيقيون أو حاملوا الرايات وتتبعهم النساء وهن يغنين، كما وصف احتفاء الناس بمحمل الحج، وكيف كانت تغلق المتاجر أبوابها ويتجمع الناس في كل مكان يسير فيه للفرجة وسط أجواء من البهجة، ورصد ما كانت تشهده شوارع القاهرة – آنذاك – من احتفالات بسفر محمل الحج وكسوة الكعبة المشرفة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات قافلة الحجاج

إقرأ أيضاً:

مهرجان القاهرة السينمائي.. أحلام وقضايا الشعوب العربية تتلاقى في رحلة من السعادة والمتعة

فى حضرة الشاشة الكبيرة تجوب الأنفس أرجاء العالم من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، حيث تتلاقى الثقافات والفنون والعادات والتقاليد من مختلف دول العالم فى مهرجان القاهرة السينمائى بدورته الـ45، التى تحمل تنوعاً وثراءً فنياً واضحاً من جميع الدول، فى رحلة لا منتهية من السعادة والمتعة، فمن بين الأعمال السينمائية المشاركة والتى تعرض لأول مرة ضمن فعاليات المهرجان، الفيلم المغربى «أنا مش أنا»، والسورى «سلمى»، كل منهما يحمل قصة ورسالة مختلفة بقضية إنسانية تلمس الوجدان.

«أنا مش أنا» فيلم مغربى مدبلج باللهجة المصرية

وقال هشام الجبارى، مخرج ومؤلف الفيلم المغربى «أنا مش أنا»، الذى جرى عرضه باللهجة المصرية بعد دبلجته، إن الفيلم يعد خطوة فى مسار تعزيز التبادل الفنى بين المغرب ومصر، وبخاصة أن اللهجة المغربية صعبة الفهم، لذا تمت دبلجة الفيلم لكسر الحاجز بين الشعوب العربية حتى يتمكنوا من فهم أحداث العمل. 

والأمر نفسه أكده بطل العمل عزيز داداس، الذى أعرب عن فخره وسعادته بمشاركته فى مهرجان القاهرة، قائلاً: «شرف كبير لى عرض الفيلم فى مهرجان القاهرة السينمائى الأهم والأعرق فى المنطقة العربية، وسعيد بدبلجته إلى اللهجة المصرية».

وشهدت قاعة العرض حالة كبيرة من التصفيق والتفاعل مع الحضور فور انتهاء عرض الفيلم، الذى حرص عدد من نجوم الفن والرياضة المغاربة على دعمه بمشاهدته بالمهرجان، حيث رفع الفيلم شعار كامل العدد قبل أيام من انطلاقه بدور العرض المصرية. 

فيلم «أنا مش أنا» من تأليف وإخراج هشام الجبارى، بطولة عزيز داداس، مجدولين الإدريسى، دنيا بوطازوت، وسكينة درابيل، ووِصال بيريز، وإنتاج فاطنة بنكران.

يأتى ذلك كجزء من مبادرة مهرجان القاهرة السينمائى لدعم التجارب السينمائية التى تعزز التواصل الثقافى بين الشعوب، إذ يمكن الجمهور المصرى من التفاعل مع إنتاجات دول أخرى خارج الدائرة المعتادة للسينما العالمية. 

وذكر مهرجان القاهرة السينمائى، فى بيان، أنه فخور بهذه التجربة التى تسعى إلى تقديم صورة جديدة للإبداع السينمائى، من خلال التفاعل بين الصورة والصوت والتجارب الثقافية المختلفة، وهو ما يعكس التزامه بدعم التنوع السينمائى عالمياً.

«سلمى» يسلط الضوء على معاناة الشعب السورى

أما الفيلم السورى «سلمى»، الذى يشارك فى مسابقة آفاق للسينما العربية، فهو من بطولة الفنانة السورية سولاف فواخرجى، التى أعربت عن سعادتها بالعرض العالمى الأول لفيلمها بمهرجان القاهرة السينمائى، موضحة فى تصريحات خاصة لـ«الوطن»، أن الفيلم يتناول قضية إنسانية رغم المآسى التى يتطرق إليها وتعبر عن واقع الشعب السورى إلا أنها حاولت أن يكون الفيلم رسالة قوية للقدرة على المواصلة فى تجاوز الصعاب بالإرادة.

«سولاف»: رسالة لتجاوز الصعاب بالإرادة

وقال جود سعيد، مخرج «سلمى»، الذى يشارك فى فعاليات مهرجان القاهرة السينمائى للمرة السادسة، منذ عام 2009، إنه كان يشعر بالحزن عندما لا يشارك بأفلامه ضمن المهرجان، مشدداً على رفضه لفكرة حمل الفيلم رسالة محددة، وأن كل مشاهد هو صانع العمل بعينه ويراه حسبما يشاء تبعاً لثقافته وما يشعر به.

وأضاف «سعيد» أنه مهووس بالقصص والحكايات الحقيقية وتحويلها لعمل فنى يتفاعل ويستمتع معه الجمهور، لافتاً إلى أنه تجمعه علاقة صداقة قوية مع «سولاف»، أفضت إلى مزيد من التعاون بينهما وحالة من الشراكة انعكست على الشاشة. 

من جانبه، أعرب الفنان السورى ورد، الذى يجسد دور شقيق بطلة العمل «سولاف» بالأحداث، أن مشاركة «سلمى» بالمهرجان حلم بالنسبة له وطموح لكل من يعمل فى صناعة السينما، معرباً عن فخره بفكرة الفيلم التى تنتمى إلى الكوميديا السوداء.

مقالات مشابهة

  • مهرجان القاهرة السينمائي.. أحلام وقضايا الشعوب العربية تتلاقى في رحلة من السعادة والمتعة
  • موسم حج 2025 بين التراث والحداثة واستعدادات استثنائية
  • فون دير لاين تعمل كطبيبة على متن رحلة إلى زيورخ
  • أسعار الحج السياحي 2025.. موسم كامل بالفنادق
  • مواصفات سكن الحج السياحي 2025.. اعرف موقعك من الحرم
  • تفاصيل حج 2025: الأسعار والتقديم والفئات المستثناة وإجراءات ضمان سلامة الحجاج
  • «الثقافة» تطلق الملتقى الـ19 لشباب المحافظات الحدودية «أهل مصر» في الإسكندرية
  • تأكيدا لانفراد «الوطن».. الأسعار الرسمية للحج السياحي تبدأ من 225 ألف جنيه
  • ننفرد بنشر أسعار برامج الحج السياحي 2025
  • جميع الخطوط.. مواعيد وأسعار قطارات النوم وخطوات الحجز «أون لاين»