خانيونس - خــاص صفا

"أي عيد؟ نحن لا ندري عن شيء غير القصف"، هكذا يجيب النازح بمواصي خانيونس جنوبي قطاع غزة الأربعيني مراد أبو حطب، على سؤال عن عيد الأضحى المبارك، والذي لم يكن نسيانه إياه مبالغةً، في ظل الحرب الإسرائيلية التي دمرت كل مناحي الحياة.

ويوافق عيد الأضحى المبارك يوم غدٍ الأحد، ويحيي المسلمون شعائره، في وقت تستمر الحرب على الفلسطينيين بقطاع غزة منذ تسعة أشهر.

ويفتقد الغزيون الذين نزحوا مراراً من مناطق عدة بالقطاع، هاربين من نيران الحرب التي تلاحقهم منذ تسعة أشهر، أي شعور بقرب العيد، بل إنّ مظاهره اختفت بينهم تمامًا.

"نسينا الأيام والأشهر، حتى شهر رمضان صمناه والله أعلم كيف، وما شعرنا بعيد الفطر، والآن تقولون لنا عيد الأضحى!؟"، يضيف أبو حطب.

ويتابع واصفًا الحال "لا بيوت ولا دخل ولا ملابس ولا طعام، نحن في صحراء، لا ندري عن العالم شيئًا، ولا ننتظر إلا رحمة الله".

أولويات أخرى

وبين خيام النازحين في  منطقة مواصي خانيونس، يعيش النازحون أوضاعًا صعبة في ظل طقس شديد الحرارة ومع عدم توفر أدنى مقومات الحياة، غير آبهين بالعيد، بعدما كانوا يحيون شعائره وأجواءه كل عام.

يقول النازح محمد المصري: "استشهد كثير منا وفُقد من فقد، أولادنا ماتوا وضاعوا وبعضهم ما زال تحت الركام منذ مدة، ودُمرت بيوتنا وحُرمنا العودة للشمال".

ويكمل "نموت كل لحظة في هذه الخيمة، من شدة الحر وتعب الوصول للماء".

أما النازح ماجد نصر الله فيتساءل "نحن نموت بالجوع وبالقصف والتهجير، فكيف نتذكر عيد؟!".

كما اختفت تمامًا الأضاحي في غزة، لانعدام قدرة شرائها، وندرتها بسبب إغلاق الاحتلال معابر القطاع، وتحكّمه حتى في كمية المساعدات المقننة البسيطة التي تدخل للأهالي.

ولم يذق غالبية الغزيين اللحوم الحمراء منذ بدء الحرب، لذا فإن النازحين يأملون وجود مشاريع لذبح الأضاحي، يمكن أن تقوم بها بعض الجمعيات الخيرية، ليتمكنوا من الحصول عليها "مجانا"، كما يقول النازح بمنطقة المواصي محمد عرمانة "43 عاما" .

ويقول لوكالة "صفا": "طول الحرب ما ذقنا طعم اللحمة الحمراء، وكان التجار يبيعونها بسعر جنوني، في وقت لا نملك فيه بجيبونا ما يسد جوع أولادنا".

والعام الماضي ضحّى أهالي قطاع غزة بنحو 17 ألف رأس من العجول، و24 ألفًا من الغنم، وهو العام الذي كان الأقل مقارنة بأعوام سابقة، نظرًا للأوضاع المعيشية الصعبة.

"عيد يبعث بالقهر"

ويسير النازحون في أسواق المواصي بمنطقة العطار قرب بحر خانيونس جنوبي القطاع، كالطيور مكسورة الجناح، إذ لا يمكنهم الشعور بأي فرحة بالعيد، وسط تكبيراته التي نبشت في ذاكرتهم، مأساتهم، مقارنين بين ما كان عليه العيد قبل الحرب وما حل بهم اليوم.

وتقول الفتاة إسلام النبيه (26 عامًا) لوكالة "صفا": "سماع كلمة عيد تبعث في قلوبنا القهر، كيف كنا وكيف أصبحنا مشردين".

وتضيف "لا محال ولا ملابس ولا فرحة أطفال.. في مثل هذه الأيام العام الماضي كنا صيامًا ونذهب للسوق لنشتري كل شيء، حلوى، ملابس، كعك العيد، ونرى الأضاحي في الشوارع".

وتستدرك "أما الآن، فالكل ينظر إلينا ونحن نباد، دمروا كل المتاجر، وحياتنا اختصروها في خيمة، واهتماماتنا اليوم، كيف نحصل على الماء، أما طعامنا فهو معلبات".

والعيد بالنسبة لوالد إسلام، الذي يعيل ثمانية أفراد، كما يقول لوكالة "صفا": "يوم أن أتمكن من تعبئة جرة الغاز"، في وقت يعاني القطاع من انعدام غاز الطهي والوقود بسبب منع الاحتلال إدخالها منذ بدء الحرب.

ويضيف "ما في عيد، قتلونا ودمرونا، نريد على الأقل فتح المعبر لإدخال الغاز لنرتاح قليلا من إشعال الحطب في هذا الحر".

وأمام الصورة القاتمة لحياة الغزيين، الذين فقد معظمهم بيوتهم؛ فإن العيد لديهم مؤجل حتى وقف الحرب وإعادة الإعمار.
 
وحصدت حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية المستمرة ضد القطاع نحو 47 ألف شهيد بينهم نحو 10 آلاف ما زالوا تحت الأنقاض، وأكثر من 85 ألف جريح، عدا عن تدمير ثلثي المباني والبنية التحتية والمشاريع الاقتصادية.

المصدر: وكالة الصحافة الفلسطينية

كلمات دلالية: طوفان الاقصى العدوان على غزة العيد

إقرأ أيضاً:

سلامتك يا غزة

بغض النظر عن تفاصيل ومضامين الاتفاق بين حماس والكيان الصهيوني، رغم أهميتها، يبقى أن توقف ماكينة القتل في غزة خبرا سعيدا لكل عربي شعر بالإحباط والعجز تجاه يوميات الموت الغزاوية، التي نكّلت بضمائرنا وعقولنا، ونحن نشاهد كيف يجري طحن نساء غزة وأطفالها بأقدام الغول الصهيوني الذي استأسد نتيجة فارق القوّة المذهل الذي أمّنته تكنولوجيا الحضارة الغربية وإنجازاتها العنصرية، لدرجة أن دونالد ترامب، الذي لم تفقأ عيونه عشرات آلاف القتلى الغزاويين، توعّد غزة بالويل والثبور ما لم يتم الإفراج عن عشرات الرهائن الإسرائيليين قبل تسلمه السلطة في العشرين من الشهر الجاري.

انتهى الجزء النشط من حرب غزة، وثمة أمل كبير أن يتوقف عداد القتل، لكن ينتظر أهل غزة استحقاقات داهمة ومؤلمة، إذ عدا عن البحث عن عشرات آلاف المفقودين تحت الردم، القطاع بأكمله بات ركاما، هناك عشرات آلاف الجرحى يحتاج أغلبهم لأنواع من العلاج لا تتوفر في غزة، نظرا للنقص الهائل في الإمكانيات الطبية بعد تدمير الجزء الأكبر من القطاع الطبي. وبالإضافة لتأمين أساسيات العيش وضرورات الحياة الملحة، فإن البنى التحتية في القطاع لم تعد موجودة أصلا لتسيير حياة أكثر من مليونيين يعيشون في القطاع، فلا بُنى الإنتاج يمكن تشغيلها بعد تدمير الورش والمصانع وحتى زوارق صيد السمك، ولا بنى التعليم (المدارس والمعاهد والجامعات) ستكون قادرة على العودة إلى أوضاع ما قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر ما يضع مصير مئات آلاف الطلاب في خطر.

لا شيء اليوم يعلو على هدف إعادة الإعمار وإزالة آثار الحرب المدمرة، وهو سؤال لاهث يبحث عن إجابات، من نوع كيف تتم إعادة بناء القطاع، وكيف يُصار إلى إطلاق ديناميات الحياة من جديد
لا تشبه الحرب التي شنتها إسرائيل على غزة، أي من مثيلاتها في التاريخ المعاصر، كل الحروب، بما فيها الحروب العالمية، الأولى والثانية، كانت تشهد فترات توقف وخفض في التصعيد، لأسباب عسكرية، مثل نقص الذخائر، والحاجة لإعادة تقييم الموقف العسكري، وبناء بنك أهداف جديد، كما أن الفعالية العسكرية كانت تنخفض بطبيعة الحال نتيجة المساحات الواسعة التي تتشكل منها نطاقات الحروب، مثل مساحة أوروبا في الحرب العالمية الأولى والثانية، ومساحة فيتنام في الحرب الفيتنامية، أو كوريا في الحرب الكورية.

فقط في غزة، وبالنظر لصغر مساحتها وضيق نطاقها، كانت فعالية الآلة العسكرية مضاعفة بشكل كبير، باستخدام أحدث تقنيات الأسلحة الفتاكة ذات القدرة التدميرية العالية، والتي أنتجتها المصانع الأمريكية بالأصل للعمل ضمن حروب كبرى ضد دول بأحجام الصين أو روسيا، أو معهما معا، وهو ما تكشفه النتائج الكارثية التي خلفتها على القطاع، دون وجود أي رادع أخلاقي أو قانوني يمنع قادة الصهاينة من ارتكاب هذا الكم الهائل من الدمار والقتل العشوائي.

لا شيء اليوم يعلو على هدف إعادة الإعمار وإزالة آثار الحرب المدمرة، وهو سؤال لاهث يبحث عن إجابات، من نوع كيف تتم إعادة بناء القطاع، وكيف يُصار إلى إطلاق ديناميات الحياة من جديد، من المعلوم أن أهل غزة سبق وأن عانوا، على الأقل خلال العقد الأخير من ويلات الحروب الإسرائيلية التي خلفت الدمار والقتل، وكانوا دائما بحجم التحدي، أعادوا بناء ما دمّرته الحروب، وبلسموا جراحات ذوي الشهداء، عبر تماسكهم الاجتماعي ووحدتهم الوطنية.

من المؤكد أن الحرب شكلت أهم درس، خاضه الغزاوي بدمه ولحمه، وتعلم منها أشياء كثيرة عن الحرب والسياسة وإدارة الصراعات والمفاوضات مع العدو، وهذا الأمر سينعكس حكما على أداء القادة المحليين، بمختلف انتماءاتهم وتوجهاتهم، كما سينعكس في نشاط وسلوك منظمات المجتمع المدني، والأهم في مطالب وتوقعات المجتمع المحلي
ورغم أن الجرح هذه المرة أكثر غورا وأعمق أثرا، إلا أن المطلوب من أهل غزة إنتاج الاستجابات المناسبة لتجاوز هذه الأوضاع الصعبة، وفرحهم بنهاية الحرب مؤشر مهم على عزمهم إيجاد مقاربات تخرجهم من أزمة ما بعد الحرب ومحاولة تجاوز آثارها المدمرة ولملمة جراحها. لقد جبلت سنوات الحصار والحرب على القطاع أهله على الصبر والسعي إلى تغيير الواقع رغم صعوباته وتعقيداته الهائلة.

من المؤكد أن الحرب شكلت أهم درس، خاضه الغزاوي بدمه ولحمه، وتعلم منها أشياء كثيرة عن الحرب والسياسة وإدارة الصراعات والمفاوضات مع العدو، وهذا الأمر سينعكس حكما على أداء القادة المحليين، بمختلف انتماءاتهم وتوجهاتهم، كما سينعكس في نشاط وسلوك منظمات المجتمع المدني، والأهم في مطالب وتوقعات المجتمع المحلي، ما يضع من هم في مواقع القرار والقيادة أمام تحديات كبيرة، تتطلب منهم تطوير أدائهم ليتناسب وحجم تلك التوقعات، سواء على المستويات السياسية أو الخدمية، في مجتمع يحتاج لكل شيء، كما يحتاج للإداري الكفء والقيادي الرشيد والمهني الماهر.

لغزة الفرح بعد أن ذوّب الحزن القلوب وتراكبت الهموم والمخاوف وتراكمت الأحزان، سلامتك يا غزة سلامة أهلك الطيبين والصابرين، يليق بك الفرح مثلما تليق بك الحرية.

x.com/ghazidahman1

مقالات مشابهة

  • فشل الغرب في الحرب التي شغلت العالم
  • الجيش: تفجير ذخائر غير منفجرة في الخيام
  • مأساة كبيرة| أميرة عبيد تطالب بتدخل عاجل لحل أزمة التعليم في قرية برك الخيام
  • سلامتك يا غزة
  • آلية عودة النازحين وفق اتفاق وقف إطلاق النار في غزة
  • الإعلامي الحكومي يعلن عن خطة لإعادة النازحين إلى وسط وشمال غزة
  • حكومة غزة بصدد نشر خطة لتسهيل عودة النازحين.. وتناشد العائدين بهذا الخصوص
  • فيديو.. تكبيرات العيد بالأردن احتفالا باتفاق وقف إطلاق النار بغزة
  • الرشق: شروطنا التي طرحناها في بداية الحرب انتزعناها كلها وجثى المحتل على الركب
  • ‏النمر: لا تمارس الرياضة عند الإصابة بنزلة برد وكحة وحرارة