يشهد الحرم المكي الشريف كل عام حدثا ذا دلالة كبرى يتمثل في تغيير كسوة الكعبة المشرفة التي يسهر على حياكتها حرفيون مهرة تتشرف أياديهم بتصنيع هذا الرداء الذي يروي قصة خيوط من ذهب وحرير تنسج لوحة من روحانية وجمال لأقدس مكان لدى المسلمين.
ففي مقر مجمع الملك عبد العزيز لكسوة الكعبة المشرفة بمكة المكرمة، تسلك هذه الكسوة مسارا دقيقا وفق معايير الجودة تتخلق فيه خيطا خيطا، وحرفا حرفا، في رحلة تمتد من 8 أشهر إلى 10 أشهر قبل أن تخرج في أبهى حلة وتعوض سابقتها التي زينت الكعبة المشرفة التي تهفو لها قلوب ملايين المسلمين من جميع أنحاء المعمور.
يبدأ كل شيء حسب معطيات قدمها المشرفون على المجمع أمام وفد من الإعلاميين الأجانب زاره أمس الخميس، بمرحلة جمع المواد الأولية المستخدمة في صناعة "رداء الجمال والجلال" ممثلة في خيوط حرير تغسل بدرجة حرارة دقيقة ووقت محدد، وتتم صباغتها باللون الأسود، قبل أن تنسج آليا ليصنع منها القماش الذي يتم تطريزه يدويا بآيات قرآنية وزخارف إسلامية بإبرة وخيوط فضة مطلية بالذهب.
وبإبرة وبخيوط فضة مطلية بالذهب جلس الحرفي يوسف زكي بسام على منضدته في ورشة التطريز بالمجمع، وأنامله تختال ببراعة على الثوب الأسود مقتفية أثر حروف آية قرآنية يقول إنه تم تخطيطها مسبقا عن طريق تقنيات الغرز والحشو والقبقبة بالقطن لتأخذ شكلها ثلاثي الأبعاد.
وبملامح تشي بالفخر بامتهان حرفة نسج هذا "الرداء العظيم"، يضيف بسام في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن عملية التطريز هذه تهم العديد من القطع التي يتم الاشتغال على كل واحدة منها في كل هذه المراحل لمدة تتراوح بين ثلاث أشهر وأربعة أشهر حسب مقاس كل قطعة.
ويقول بسام إنه يشرف في عمله هذا على باقي العاملين في ورشة التطريز الذين يشكلون فريقا متكاملا نال شرف إنجاز كسوة الكعبة المشرفة، بقطعها الأربعة التي تغطي كل واجهة من واجهاتها، إضافة إلى ستارة باب الكعبة.
وفي منضدة مقابلة، كان زميل لبسام في الحرفة مستغرقا في تطريز لوحة أخرى، قبل أن يرفع رأسه متفاعلا مع سؤال للوكالة عن الوقت الذي يستغرقه عمله هذا. ويستدرك على السؤال بالقول "انتهينا من إعداد الكسوة التي سترتديها الكسوة في فاتح محرم 1446 هـ (بعد أقل من شهر)، أما التي نحن بصدد الاشتغال عليها الآن، فهي للعام الذي يليه (1447)".
وكانت الكعبة المشرفة ترتدي حلتها الجديدة يوم عرفة من كل عام أثناء موسم الحج، قبل أن يتم تغيير موعد استبدال كسوتها سنة 2022، ليتحول إلى فاتح محرم من كل سنة بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود.
على أن بسام وزميله ليسا سوى اثنين من فريق عاملين يقول المدير العام للعلاقات العامة والإعلام بمجمع الملك عبد العزيز لكسوة الكعبة المشرفة، أحمد السويهري، إنه يضم "165 صانعا من أمهر الصناع يتميزون بإتقانهم فن النسيج بالذهب والفضة، وقوة تماسكهما مع الحرير"، بشكل يعكس القيمة الرمزية الرفيعة لهذا الرداء الاستثنائي.
ويضيف السويهري في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، متحدثا عن القيمة المادية لكسوة الكعبة المشرفة التي تكسو الكعبة بأجمل حلة إنها تناهز 25 مليون ريال سعودي (حوالي 66ر6 مليون دولار أمريكي) يقدمها خادم الحرمين الشريفين سنويا هدية للمسجد الحرام.
وتعزى هذه التكلفة المرتفعة بحسب المسؤول إلى ارتفاع كلفة أسلاك الذهب والفضة التي يتم استيرادها من ألمانيا، وأفضل وأنقى أنواع الحرير الخالص الذي يتم استيراده من إيطاليا".
وبلغة الأرقام، فإن كسوة الكعبة المشرفة تحتوي على 52 قطعة مذهبة يتم نسجها بواسطة 670 كيلو غراما من الحرير الطبيعي، وتتزين بأكثر من 120 كيلو غراما من الذهب ونحو 100 كيلو غراما من الفضة.
وأبرز السويهري خصوصية كسوة الكعبة باعتبارها تقاوم عوامل الطبيعة من جو ورياح وضغط وحرارة، مؤكدا أنه "بفضل جودة هذه المواد المستخدمة في حياكتها تبقى الكسوة على حالها وجمالها ورقيها لا تتغير ولا تتبدل طيلة السنة رغم تبدل الأحوال".
ورغم تبدل الأحوال إذن، وعلى مر السنين، تبقى كسوة الكعبة المشرفة علامة مميزة للبيت العتيق عبر العالم بكل ما يكتسيه هو من رمزية روحية ودينية باعتباره قبلة للمسلمين، وبكل ما تنطوي عليه هي من جلال وجمال تبدعه أنامل صناع ماهرين.
المصدر: أخبارنا
كلمات دلالية: کسوة الکعبة المشرفة قبل أن
إقرأ أيضاً:
غزة..العدو الصهيوني يوغل في تجويع الفلسطينيين والأزمة تبلغ مرحلة كارثية
الثورة نت../
يتعرض الفلسطينيون في قطاع غزة منذ 15 شهراً لحرب إبادة صهيونية وسياسة تجويع ممنهجة، بسبب عرقلة العدو الصهيوني إدخال المساعدات الإنسانية، بحسب مؤسسات أممية ودولية عديدة.
ولم تقتصر حرب الإبادة الصهيوني على القصف بالطائرات الحربية والمدفعية والقذائف التي أودت بحياة عشرات الآلاف، بل هناك حرب من نوع آخر تحدثت عنها الأمم المتحدة واليونيسف وحذرتا منها، وهي حرب التجويع الممنهجة بحظر المواد الغذائية التي يحتاجها الإنسان بشكل أساسي.
فمنذ السابع من أكتوبر 2023م، حرمت حرب الإبادة المتواصلة التي يشنها العدو الصهيوني على قطاع غزة، المواطنين بشكل عام، وأهالي خانيونس، جنوبه، بشكل خاص، من عادتهم التجمع لتناول وجبة غداء دسمة عامرة باللحوم والحلويات يوم الجمعة، لأن الحصول عليها أصبح مستحيلا أو ضربا من الخيال.
ومنذ بداية الحرب والقطاع يتعرض لسياسة تجويع ممنهجة، إذ يتم منع المواد الغذائية الأساسية التي تساعد على بناء الجسم، خاصة للأطفال والشباب، والسماح بإدخال المواد المعلبة والمصنعة التي تحذر وزارة الصحة من كثرة تناولها لما تحويه من مواد حافظة تضر الصحة.
وعند النظر لما يُسمح بإدخاله للقطاع، فهو معلبات بأنواعها المختلفة، إضافة إلى كميات قليلة من المواد الغذائية الأساسية مثل الطحين والخضروات والفاكهة واللحوم، الأمر الذي يجعل أسعارها مرتفعة جدا نظرا لقلة المتوفر منها.
وفي هذا السياق يؤكد مكتب الإعلام الحكومي في قطاع غزة، أن القطاع وصل إلى مرحلة كارثية بسبب انتهاج العدو سياسة التجويع، وأن العدو يواصل إغلاق جميع المعابر، ويمنع إدخال المساعدات والمواد الغذائية إلى القطاع.
ودان المكتب الإعلامي جرائم العدو الصهيوني المركبة بحق الشعب الفلسطيني، ومنها سياسة التجويع الممنهجة، كما طالب الدول العربية والإسلامية باتخاذ موقف واضح تجاه ما يتعرض له الشعب الفلسطيني.
وقال المكتب: “ندق ناقوس الخطر لجميع دول العالم، ونطالبها بوضع حد لما يعيشه القطاع”.
ودعت السلطات في غزة مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، لإدارة أزمة الغذاء الخطيرة في القطاع، كما طالبت الدول العربية والإسلامية باتخاذ موقف واضح تجاه الأزمة.
واستفحلت المجاعة في جُل مناطق قطاع غزة لا سيما في الشمال إثر الإمعان في الإبادة والتجويع، تزامنا مع حلول فصل الشتاء للعام الثاني على التوالي على نحو مليوني نازح فلسطيني، معظمهم يعيشون في الخيام.
ويُشار إلى أن الحرب على غزة تسببت في تدمير المزارع كافة، التي كانت تنتشر في المناطق الزراعية التي يقع معظمها شرق وشمال القطاع، تلك المناطق التي سيطرت عليها قوات العدو الصهيوني وحولتها لمنطقة عازلة لا يوجد بها أي مظهر للحياة.
وبحسب تقرير صادر عن منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، فإن أزمة الغذاء في قطاع غزة لا تزال الأكثر حدة في تاريخ التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، مع وجود ما يقرب من 2.2 مليون شخص من السكان ما زالوا في حاجة ماسة إلى الغذاء والمساعدة.
ويحظر القانون الدولي الإنساني تجويع السكان المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب.. كما تمنع “الأمم المتحدة” استخدام التجويع كسلاح في النزاعات، بعد قرار من مجلس الأمن صادر عام 2018، وتعتبر ذلك “جريمة حرب”.
فيما تنص المادة الثامنة من نظام المحكمة الجنائية الدولية على أن “تجويع المدنيين عمدًا بحرمانهم من المواد الضرورية التي لا غنى عنها لبقائهم، بما في ذلك تعمد عرقلة الإمدادات الإغاثية الإنسانية” يعد جريمة حرب.
ويعتبر ذلك نوعاً آخر من أنواع العقاب الجماعي، وهو مرفوض وفقا للقانون الدولي الإنساني واتفاقية جنيف خاصة المواد “33” و”55″ و”59″، وتُوجب المادة 27 على قوات الاحتلال بألا تجعل من المواد الغذائية والمياه والمواد الطبية بأي حال من الأحوال نوعا من العقاب الجماعي ضد المدنيين بالمناطق المحتلة.
ويقول مدير شبكة المنظمات الأهلية في غزة أمجد الشوا: إن العدو الصهيوني يستخدم التجويع كسلاح منذ بداية عدوانه على غزة، وكان أول قرار اتخذه هو وقف إمدادات الغذاء والدواء والماء، وما دخل كان استثناءات بسيطة بعد ممارسة ضغط دولي.
ويضيف الشوا خلال مداخلة لقناة القاهرة الإخبارية: إن التجويع أحد الأسلحة التي مورست ضد الشعب الفلسطيني، وما دخل من الطحين خلال الفترة الأخيرة هو ثلث الاحتياجات فقط، والتي تتزايد.. لافتًا إلى أن هناك شواهد على الأرض أن هناك حالات سوء تغذية شديدة بين الأطفال، وما يدخل القطاع لا يلبي سبعة في المائة من الاحتياجات الإنسانية للسكان.
ويُردف بالقول: إنه في ظل البرد القارس في خيام غزة، لا توجد مساعدات كافية وهذا واقع إنساني خطير يعيشه السكان.. مشدداً على أن العدو الصهيوني مُستمر في سياسة التجويع.
وأظهر مقطع فيديو تم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي ردة فعل طفل في قطاع غزة لحظة تذوقه الموز لأول مرة في حياته، ظنها قطعة من الدجاج.
ويأتي تداول هذا الفيديو، في وقت لا تكف منظمات أممية وإغاثية عن التنبيه إلى المستوى المثير للقلق من الانعدام الحاد للأمن الغذائي في قطاع غزة.. فالعدو الصهيوني فرض ولا يزال قيودًا صارمة على إيصال المساعدات للفلسطينيين في غزة ضمن سياسة التجويع الممنهجة واضحة المعالم.
ولاقى مقطع الفيديو تفاعلًا كبيرًا على منصات التواصل الاجتماعي، إذا علق مدونون بالقول: “إسرائيل كيان شر واستبداد”.
وفي الوقت الذي تتفشى فيه المجاعة وغلاء أسعار السلع الغذائية في قطاع غزة، يقف الغزيون في الطوابير لا لتناول الدجاج المفقود ولا الخضار والفواكه، بل للحصول على رغيف من الخبز أو أي نوع من الطعام يسد رمق الحياة، وفي بعض الأحيان تنفد كميات الوجبات الغذائية المتوفرة، لتنتهي محاولات البعض بالحصول على طعام بالفشل بعد طول انتظار.
وألقى النقص الغذائي وسياسة التجويع الممنهجة بتأثيره على الرضع أيضًا، إذ حذرت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” من نقص إمدادات حليب الأطفال في غزة وقرب نفادها مما يعرض حياة آلاف الرضع للخطر.. فستة صناديق فقط هو ما تبقى من حليب الأطفال في القطاع، وفقًا للوكالة، في وقت يفترض أن يعتمد عليها ما يقرب من 8500 رضيع في القطاع للحصول على الحليب.
وعلى إثر ذلك، تفاعلت منصات التواصل الاجتماعي مع سياسة التجويع الصهيونية في قطاع غزة، إذا قال مدونون: “يوم بعد آخر موت تلو موت، جوع وجوع، لا مأوى لا أمان.. هكذا هي أيام أهل غزة منذ أكثر من عام”.. متسائلين: “نستيقظ كل صباح ونحن نحمل معنا أسئلة حول ما سيأتي به اليوم، مثل هل سنجد طعاما نأكله؟ وإذا وجدناه فما هو الصراع أو المعركة التي سنواجهها للحصول عليه؟ هل سنكون جميعًا بأمان اليوم دون أن يتأذى أحد؟.
وبدعم أمريكي لامحدود يرتكب العدو الصهيوني منذ السابع من أكتوبر 2023 إبادة جماعية في غزة، خلفت أكثر من 149 ألف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين.
المصدر- سبأ