وضعت أحزاب اليسار الفرنسي، الجمعة، انقساماتها بشأن أوكرانيا والشرق الأوسط جانباً لتقدّم برنامجاً مشتركاً يشكّل "قطيعة كاملة" مع الماضي، وذلك في محاولة منها لقطع الطريق أمام اليمين المتطرف الذي وعد من جانبه بتشكيل حكومة "وحدة وطنية" في حال فوزه بالانتخابات التشريعية المبكرة.

وبعد هزيمة المعسكر الرئاسي في الانتخابات الأوروبية وحلّ الجمعية الوطنية من جانب الرئيس إيمانويل ماكرون، اجتمعت أحزاب اليسار الرئيسية، الجمعة، لكي تحتفي بوحدتها التي تحقّقت بشقّ الأنفس ولكي تعرض برنامجها للحُكم في حال فازت في الانتخابات المقررة على دورتين في 30 حزيران/ يونيو و7 تمّوز/ يوليو.



ومن أبرز الوعود التي أطلقتها الأحزاب اليسارية إطلاق إجراءات اجتماعية وزيادة الحدّ الأدنى للأجور وإلغاء إصلاح نظام التقاعد وإعادة فرض ضريبة على الثروة.


والتحالف الجديد الذي أطلق عليه اسم "الجبهة الشعبية الجديدة" هو ثمرة مفاوضات شاقة وتضمن برنامجه توافقاً على مسائل تتعلق بالسياسة الدولية انقسم حولها اليسار بعمق في الأشهر الأخيرة.

فعلى صعيد الشرق الأوسط، يدعو البرنامج إلى "التحرّك من أجل الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين... والإفراج عن المعتقلين السياسيين الفلسطينيين".

وكان توصيف الهجمات التي شنّتها حركة حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 أثار انقساماً في اليسار الفرنسي إذ كان حزب فرنسا الأبيّة (يسار راديكالي) يرفض خصوصاً اعتبار حماس "منظمة إرهابية" كما تصنّفها "إسرائيل" والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

ويومها، أدّى هذا الاختلاف بين فرنسا الأبيّة وشركائها إلى انفراط عقد تحالف اليسار السابق (نوبيس) الخريف الماضي بعدما شُكّل في إطار الانتخابات التشريعية التي أجريت في 2022.

وتشكّلت "الجبهة الشعبية الجديدة" على عجل في محاولة من اليسار لقطع الطريق على حزب التجمّع الوطني (يمين متطرف) بعد فوزه في الانتخابات الأوروبية.

وينصّ برنامج الجبهة أيضاً على "الاعتراف فوراً بدولة فلسطين إلى جانب دولة إسرائيل على أساس قرارات الأمم المتّحدة" و"فرض حظر على إرسال الأسلحة إلى إسرائيل".

وعلى صعيد الحرب في أوكرانيا التي تثير بدورها خلافاً في صفوف اليسار، تعهّدت الجبهة الشعبية الجديدة بـ"الدفاع من دون كلل عن سيادة الشعب الأوكراني وحريّته" وضمان شحنات أسلحة "ضرورية" لكييف.

واقترح الائتلاف كذلك "إرسال جنود دوليين لضمان أمن المحطات النووية" الأوكرانية.

ووضع الائتلاف جانباً مسائل خلافية أخرى مثل حلف شمال الأطلسي (ناتو).

كذلك، فإنّ كبار المسؤولين في الأحزاب؛ الاشتراكي والشيوعي والخضر وفرنسا الأبيّة، لم يتّفقوا بعد على الشخصية التي ستتولّى رئاسة الحكومة في حال فوز ائتلافهم في الانتخابات.

وبهذا الصدد، قال الاجتماعي-الديمقراطي رافاييل غلوكسمان الذي حلّ في المرتبة الأولى في صفوف اليسار في الانتخابات البرلمانية الأوروبية: "يجب اختيار شخصية تحظى بتوافق"، مستبعداً جان-لوك ميلانشون زعيم "فرنسا الأبيّة" الذي يثير انقسامات والمتّهم بأنّه قريب من روسيا، وتبنّي مواقف يعتبرها البعض مبهمة بشأن معاداة السامية.

وأثار ميلانشون مؤخّراً جدلاً بقوله إنّ معاداة السامية "هامشية" في فرنسا.

وفي برنامجها المشترك تؤكّد "الجبهة الشعبية الجديدة" أنّ "الأعمال العنصرية والمعادية للسامية والمعادية للإسلام (...) تشهد انفجاراً مثيراً للقلق وغير مسبوق".


القضاء
وبعد توحيد صفوفه بات اليسار يأمل في "الفوز" إلا أنّه يواجه التجمّع الوطني الذي يبقى في موقع قوة مدفوعاً بنتيجته غير المسبوقة في الانتخابات الأوروبية مع حصوله على 31.,3 بالمئة من الأصوات.

ويُعتبر التجمّع الوطني الأوفر حظاً للفوز، وفقاً لنتائج استطلاعات الرأي، وهو يسعى لتوسيع قاعدته للوصول للمرة الأولى في تاريخه إلى السلطة.

وقالت زعيمته مارين لوبان، الجمعة، إنّ حزبها سيشكّل "حكومة وحدة وطنية" لإخراج فرنسا "من المأزق" في حال فوزه بالانتخابات.

ووعدت لوبان بالإعلان عن "عدد من المفاجآت"، الأحد، آخر يوم لتقديم الترشيحات.

وأضافت خلال زيارة إلى إينان-بومون في شمال فرنسا: "سنجمع كلّ الفرنسيين، رجالاً ونساءً، من أصحاب الإرادة الطيبة الذين يدركون الوضع الكارثي لبلادنا".

ومنذ الأحد، نجح التجمّع في الحصول على دعم أطراف عدّة من بينها إريك سيوتي رئيس حزب "الجمهوريين" المحافظ الرئيسي.

إلا أنّ الدعوة غير المسبوقة التي وجّهها سيوتي للتحالف مع اليمين المتطرّف أدّت إلى تشرذم في حزبه الذي أتى من صفوفه كثير من رؤساء البلاد السابقين.

وأقالت هيئات الحزب سيوتي إلا أنّ الأخير تمسّك بمنصبه وتقدّم بشكوى ضدّ قرار الحزب أمام محكمة في باريس. ومساء الجمعة قضت المحكمة بإبطال قرار إقالة سيوتي.

وفي إزاء تبدّلات المشهد السياسي السريعة، ندّد رئيس الوزراء غابرييل أتال بـ"اتفاقات هامشية ضيّقة" في أوساط اليمين واليسار على السواء، وحاول رفع معنويات المعسكر الحكومي الذي تُظهر استطلاعات الرأي أنّه سيمنى بهزيمة كبيرة.

ومن باري في إيطاليا حيث يشارك في قمة مجموعة السبع، اعتبر إيمانويل ماكرون أنّ وضعه على الساحة الدولية "لم يضعف" رغم احتمال كبير أن يضطر إلى تعيين رئيس وزراء من المعارضة بعد الانتخابات التشريعية.

وردّ رئيس حزب التجمّع الوطني جوردان بارديلا على ولادة هذا الائتلاف اليساري، الجمعة، بالقول إنّه سيكون "خصمه الرئيسي" في الانتخابات التشريعية، فيما يتأخّر معسكر ماكرون في استطلاعات الرأي.

وارتفعت في فرنسا أصوات تحذّر من صعود اليمين المتطرف.

وأطلق حساب "سكويزي" على "يوتيوب" الذي يحتلّ المرتبة الثانية في فرنسا من حيث عدد المشتركين (19 مليون مشترك) تحذيراً من "صعود جذري لليمين المتطرّف".


ومساء الجمعة شارك آلاف المتظاهرين في مونبيلييه (جنوبا)، وحوالي ألفين آخرين في ليون (جنوب شرق) في احتجاجات ضدّ اليمين المتطرف، على أن تجرى في مدن عديدة أخرى تظاهرات مماثلة يومي السبت والأحد تلبية لدعوة أطلقتها هيئات نقابية.

وردّ بارديلا بإدانة الدعوات "الخطرة للغاية" إلى "التمرّد"، مؤكّداً أنّه "متمسّك بشدّة بحرية التعبير".

وكان ماكرون أبدى الخميس أمله في أن يؤدّي اقتراب موعد دورة الألعاب الأولمبية التي تستضيفها باريس (من 26 تمّوز/ يوليو إلى 11 آب/ أغسطس) إلى ثني الفرنسيين عن اختيار قادة "غير مستعدّين" لضمان تنظيم العرس الرياضي العالمي.

وردّ بارديلا عبر منصة "إكس" على ماكرون، بالقول إنّه لن "يعدّل" في تركيبة "الجهاز التنظيمي" للألعاب الأولمبية إذا ما ترأّس الحكومة المقبلة.

وفي مطلق الأحوال، أثارت حالة عدم اليقين في البلاد قلق أسواق المال، إذ سجّلت بورصة باريس أسوأ أسبوع لها منذ آذار/ مارس 2022 بتراجعها بنسبة 6.23 بالمئة، لتخسر بذلك كل المكاسب التي حققتها هذا العام.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية سياسة دولية اليسار اليمين الانتخابات فرنسا فرنسا انتخابات اليسار اليمين المزيد في سياسة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الانتخابات التشریعیة الیمین المتطرف فی الانتخابات فی فرنسا فی حال

إقرأ أيضاً:

ما الذي نعرفه عن المظلة النووية بعد عرض فرنسا توفيرها لحلفائها بأوروبا؟

مع إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إمكانية استخدام الردع النووي أو ما يطلق عليه المظلة النووية، لتوفير الحماية لبعض الدول الأوروبية الحليفة، خاصة من التهديد الروسي، تثار أسئلة حول ما نعنيه بالمظلة وما هي القدرات الفرنسية نوويا.

وتعد فرنسا الدولة الأوروبية حاليا، التي تمتلك ترسانة نووية تعود إلى ستينيات القرن الماضي، بالإضافة إلى العضو السابق في الاتحاد الأوروبية بريطانيا، التي تمتلك السلاح ذاته.

ونستعرض في التقرير التالي، المظلة النووية والقدرات الفرنسية من أجل توفيرها لحلفائها غير النوويين:

ما هي المظلة النووية:

المظلة النووية، هي الحماية التي توفرها دولة نووية، لامتلاكها السلاح النووي، لحلفائها الذين لا يمتلكون هذا السلام، وتضمن لهم الدفاع ضد أي تهديد نووي محتمل، وهي عملية ردع تشن بموجبها الدولة هجوما نوويا إذا تم شن هجوم عدواني ضد أحد حلفائها.

ظهرت فكرة المظلة النووية، خلال الحرب الباردة، بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، في وظل سباق التسلح بأسلحة الدمار الشامل.

دول تندرج تحت المظلة النووية:

بموجب علاقات الولايات المتحدة، فقدت وفرت ضمن اتفاقيات أمنية، المظلة النووية، لكل من دول حلف شمال الأطلسي "الناتو"، واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ودول في المحيط الهادي وجزر في المحيط الأطلسي.

ما هي القدرات النووية الفرنسية؟‎ ‎

تعتبر فرنسا واحدة من 9 دول في العالم، تمتلك السلاح النووي، ويعتمد ردعها وتوفيرها المظلة النووية على 3 عناصر هي الصواريخ الأرضية، وأنظمة الإطلاق من الجو، والمنصات البحرية.

وتأتي فرنسا مع الولايات المتحدة الأمريكية ‏وروسيا والصين والمملكة المتحدة والهند وباكستان وكوريا الشمالية، في امتلاك السلاح النووي.



وبحسب التقديرات، تمتلك فرنسا، 290 رأسا نوويا، تتوزع على نطاقات استراتيجية، من بينها، 64 صاروخا، موزعة على 4 غواصات استراتيجية، و50 صاروخا من طراز كروز جو أرض تحمل على مقاتلات ميراج ورافال الفرنسية.

ومن حيث ترتيب القوة النووية الفرنسية على مستوى العالم، تعتبر الرابعة، بعد الولايات المتحدة وروسيا والصين، ولا يمكن مقارنتها بالسابقين، حيث تمتلك واشنطن وموسكو، أكثر من 5 آلاف رأس نووي.

الردع النووي البحري:

تمتاز فرنسا، بقدرة ردع نووية بحرية، مكونة من مجموعة من الغواصات المزودة بصواريخ باليستية عابرة للقارات من طراز "أم 51"، يمكنها الوصول إلى آلاف الكيلومترات مع قدرة تخف في عمق المحيط.

وتمتلك فرنسا، 4 غواصات نووية، من طراز "تريومفانت"، تحمل صواريخ باليستية نووية، وتحتفظ بمواقع سرية، في البحار، من أجل توفير الردع النووي في حال مهاجمة فرنسا أو أحد حلفائها.

وتعمل الغواصات بالطاقة النووية، وهو ما يميزها بالقدرة على البقاء لفترات طويلة تتجول في المحيطات دون الحاجة للتزود بالوقود.

وتعتبر الغواصات النووية من أهم الأسلحة الاستراتيجية الردعية لفرنسا، خاصة في حال تحييد قدراتها النووية البرية أو الجوية، لتقوم بالمهمة.

مقالات مشابهة

  • كيف قادت الكراهية سياسيا هولنديا من اليمين المتطرف إلى الإسلام؟
  • منع مرشح اليمين المتطرف كالين جورجيسكو من الترشح في الانتخابات الرئاسية الرومانية بسبب مزاعم تدخل روسي
  • سموتريتش: خطة ترامب لتهجير سكان غزة تتبلور
  • ماكرون ردًا على ترامب: الفرنسيون حلفاء أوفياء ومخلصون
  • اليمين الأوروبي المتطرف بين ترامب وزيلينسكي... كيف كان التفاعل؟
  • سياسي فرنسي: ماكرون يستخدم الحرب في أوكرانيا لصرف الأنظار عن المشاكل الداخلية
  • ما الذي نعرفه عن المظلة النووية بعد عرض فرنسا توفيرها لحلفائها بأوروبا؟
  • ماكرون يواجه تشكيك ترامب: فرنسا كانت وستبقى حليفًا مخلصًا للناتو
  • خبير سياسي: استمرار الحرب يمنع إجراء الانتخابات وزيلينسكي لا يتمسك بالسلطة
  • لافروف: تصريحات ماكرون بشأن السلاح النووي تهديد لروسيا