خطيب المسجد الحرام: الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكثيرها ودرء المفاسد .. فيديو
تاريخ النشر: 15th, June 2024 GMT
عرفات
أكد فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور ماهر بن حمد المعيقلي، أن الحج إظهار للشعيرة وإخلاص في العبادة لله ، حاثاً حجاج بيت الله الحرام على اغتنام الفضل العظيم خلال وقوفهم بمشعر عرفات الطاهر الذي يباهي الله – جل وعلا – بهم ملائكته في موطن شریف وزمان فاضل تُضاعف فيه الحسنات وتغفر فيه السيئات، وترفع فيه الدرجات.
جاء ذلك في خطبة عرفة التي ألقاها اليوم فضيلته بمسجد نمرة ، التي تقدم المصلين فيها صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن مشعل بن عبدالعزيز نائب أمير منطقة مكة المكرمة نائب رئيس لجنة الحج المركزية وسماحة مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء الرئيس العام للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ ومعالي وزير الشؤون الإسلامية والدعوة الإرشاد الشيخ الدكتور عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ و معالي رئيس الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس ، وفيما يلي نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الحكيم الخبير العليم القدير، (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ۗ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) ، ( ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) .
أنزل القرآن رحمة بالخلق، وإصلاحًا لأحوالهم ( كتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ) ، (إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ).
وأشهد أن لا إله إلا الله لا يُعبد أحد بحق سواه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
من لطف الله بالناس أن أرسل إليهم محمداً ـ صلى الله عليه وسلم ـ داعياً للخلق لما تحصل به مصلحتهم وتتنزل عليهم به رحمته كما قال تعالى: ( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ، الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ، قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) فصلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه.
أما بعد:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا ۚ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ).
فإن من كان من أهل التقوى تحققت له العاقبة الحميدة، والفوز الأكيد في الدنيا والآخرة، قال تعالى: ( ويُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) ، ( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) ، ( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ) ، ( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا).
وإن من تقوى الله الواجبة أن يفرد العبد ربه بالعبادة فــــلا يصرف شيئًا من العبادة لغيره سبحانه، كما قال تعالى: (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) ، ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ).
وهذا هو معنى شهادة التوحيد: لا إله إلا الله التي هي علامة الإسلام، وسبب النجاة قال تعالى: (وَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ) ، (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) .
ويضم لشهادة التوحيد شهادة الرسالة فمحمد رسول الله حقاً، كما قال تعالى: (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا).
وهاتان الشهادتان هما الركن الأول من أركان الإسلام ومن أركان الإسلام أيضا إقامة الصلوات الخمس كما قال تعالى: (وأقيم الصلاة إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).
وأداء الزكاة كما في قوله: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
وصوم رمضان كما قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) .
وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلا، قال سبحانه: (وأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ، لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ).
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا، والإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره، والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك).
أيها المؤمنون:
هذا هو دين الله وشريعته التي ارتضاها للخلق ورحمهم بها مما يجلب لهم الخيرات والمصالح ويدرأ عنهم السوء والمفاسد، ومن هنا نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عرفة قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا).
ووصف الله نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: (وَمَاً أَرْسَلْتُكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَلَمِينَ).
ومن هذه المنطلقات الواضحة جاءت الشريعة المباركة بتحصيل المصالح وتكثيرها ودرء المفاسد أو تقليلها، وقررت أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، كما جاءت بتحصيل أعلى المصالح ولو بتفويــــــت أدناهـــــا وبارتكاب أدنى المفسدتين لدرء أعلاهما، فعند التزاحم يتم اختيار أعلى المصلحتين واختيار أخف المفسدتين.
كما أن الشريعة أكدت أن الضرر يزال بلا ضرر كما في الحديث: (لا ضرر ولا ضرار) فالضرر يدفع بقدر الإمكان.
ومن هذا الباب جاءت الشريعة بكل ما تزدهر به الحياة، وتحصل به التنمية، ومنعت من الإضرار بالآخرين، أو إلحاق الأذى بهم، وأمرت بالعدل والأخلاق الفاضلة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، وصدق الحديث، وحفظ الحقوق مع إيصالها لأهلها، وأداء الأمانات، والوفاء بالعقود والعهود والسمع والطاعة لأصحاب الولاية قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ، وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلَا تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا ۚ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) .
وقال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) .
وقد أكد الشارع الحكيم وجوب المحافظة على الضروريات الخمس التي اتفقت الشرائع على العناية بها وهي حفظ الدين والنفس والعقل والمال والعرض بل اعتبر الشرع أن التعدي عليها جريمة تكون سببًا للعقوبة، ومن هنا كان الحفاظ على هذه الضروريات من أسباب دخول الجنان ورضا الرحمن، ومن أسباب الاستقرار والسعادة والرقي والحضارة في الدنيا، وبفقدها تختل الحياة، ويكون الإخلال بها سببًا لعقوبة الآخرة، ولذا كان من خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في الحج: ( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا).
فالدين ضرورة إذ لا غنى للإنسان عن طاعة ربه وعبادته التي خُلق من أجلها، قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنس إلَّا لِيَعْبُدُونِ ) وقال سبحانه : ( قلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ ۖ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ۚ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ) وقال : ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ۚ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ) .
وقال تعالى مقررًا ضرورة حفظ النفس ومحرمًا الاعتداء على الدماء ( وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ) ، ( وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ، وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْونًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذُلِكَ عَلَى الله يَسِيرًا ).
كما قال سبحانه مقررًا ضرورة حفظ المال: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۚ) .
وفي ضرورة حفظ العقل قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ، إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ )
وجاءت نصوص الكتاب والسنة بالنهي عن الوقوع في أعراض الناس، قال تعالى: ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا ) وقال سبحانه: ( إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) .
وقال جل وعلا: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ ).
ومما يكمل ذلك أن الوسائل لها أحكام المقاصد، وأن ما لا يتم المأمور إلا به فهو مأمور به، وأن مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فما أدى إلى حفظ مقاصد الشريعة من الوسائل فهو مأمور به شرعًا، فإنه لما كانت المقاصد والمصالح الضرورية لا يتوصل إليها إلا بأسباب وطرق مفضية إليها كانت طرقها وأسبابها تابعة لها في أحكامها.
ومن هنا فعلى كل مؤمن أن يسعى إلى المحافظة على الضروريات الخمس مما يؤدي إلى سلامة الخلق واستقرار الحياة وانتشار الأمن وتمكن الناس من تحصيل مصالحهم الدينية والدنيوية، وعليه أن يتعاون مع غيره في ذلك تقرباً لله، وطلباً لثوابه في الآخرة… وعلى كل مسلم عدم تمكين العابثين من محاولة التأثير في مقاصد الشرع في المحافظة على هذه الضروريات.
وعلينا جميعًا كل بحسب مهمته وعمله ومركزه مسؤولية تجاه ذلك وعلينا جميعا أن نربي النفوس وخصوصاً نفوس الناشئة على احترام هذه الضروريات ولئن كانت المحافظة على هذه الضروريات الخمس واجبةً في كل مكان وزمان فإن وجوبها يتأكد في هذه المواطن الشريفة كما قال تعالى: ( وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ).
ففي الحج إظهار للشعيرة وإخلاص في العبادة لله، وليس مكاناً للشعارات السياسية ولا التحزبات مما يوجب الالتزام بالأنظمة والتعليمات التي تكفل أداء الحجاج لمناسكهم وشعائرهم بأمن وطمأنينة.
حجاج بيت الله الحرام
إنكم في عرفة في موقف عظيم يباهي الله بكم ملائكته فهذا موطن شریف وزمان فاضل تضاعف فيه الحسنات وتغفر فيه السيئات، وترفع فيه الدرجات، فأروا الله من أنفسكم اتباعًا للسنة، واقتداء بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم الذي خطب في هذا الموطن ثم أمر بلالاً فأذن فأقام فصلى النبي فيه الظهر ركعتين، ثم أقام بلال فصلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ العصر ركعتين جمعًا، وقصرًا، ثم وقف على ناقته يذكر الله ويدعوه حتی غرب قرص الشمس، ثم ذهب إلى مزدلفة يوصي أصحابه بالسكينة والوقار والرفق فصلى بمزدلفة المغرب ثلاثا، والعشاء ركعتين وبات بها إلى أن صلى الفجر، ثم دعا إلى أن أسفر فذهب إلى منى فرمى جمرة العقبة بسبع حصيات وذبح هديه وحلق شعره، ثم طاف بالبيت طواف الإفاضة، ثم رجع إلى منى، وبقي فيها أيام التشريق يُكثر من ذكر الله تكبيرًا وحمدًا وتهليلاً، ويرمي الجمرات الثلاث بعد الزوال يوميًا، ويدعو بعد الصغرى والوسطى ورخص لأهل الأعذار في ترك المبيت بمنى.
وسنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ المكث في منى إلى اليوم الثالث عشر وهو الأفضل، وقد أباح التعجل في اليوم الثاني عشر، ولما فرغ صلى الله عليه وسلم من حجه وأراد السفر طاف بالكعبة المشرفة.
حجاج بيت الله الحرام
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف بعرفة مفطراً ليكون ذلك معينًا له على الذكر والدعاء، وقد وقف صلى الله عليه وسلم يذكر الله في عرفة ويدعوه فاقتدوا به صلى الله عليه وسلم (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) ، (وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ).
ادعوا الله لأنفسكم ولوالديكم ولمن له صلة بكم، فمن دعا لأخيه بظهر الغيب قال له الملك الموكل به آمين ولك بمثل، وادعوا لإخواننا في فلسطين الذين مسهم الضر وتألموا من أذى عدوهم سفكًا للدماء، وإفسادًا في البلاد، ومنعا من ورود ما يحتاجون إليه من طعام ودواء وغذاء وكساء.
وإن من أولى من يُدعى لهم من قدموا الجميل، وأقدموا على فعل الإحسان ومن ذلك الذين يقومون بخدمة الحرمين الشريفين، ويسهرون على راحة ضيوف الرحمن، وفي مقدمتهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده.
اللهم يا حي يا قيوم ياذا الجلال والإكرام نسألك بفضلك وإحسانك أن توفق خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان لكل خير، اللهم كـن لهما مؤيدا ونصيرًا، اللهم جازهما خير الجزاء على ما قدماه ويقدمانــــه من جهود عظيمة للإسلام والمسلمين، اللهم أعظم أجرهما، وأكثر ثوابهما، وأرض عنهما.
اللهم تقبل من الحجيج حجهم، ويسر لهم أمورهم، وأعدهم لبلدانهم سالمين غانمين قد غفرت ذنوبهم وقبلت توبتهم، وقضيت حوائجهم.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات واحفظهم من كل سوء واحفظ لهم دينهم وأمنهم، ودماءهم وأموالهم، وعقولهم، وأعراضهم واجلب لهم المصالح والخيرات وادفع عنهم الشرور والسيئات، اللهم أصلح قلوبهم، وآمنهم في أوطانهم، وسد جوعتهم، وبارك لهم في أرزاقهم، وتول جميع شأنهم.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).
https://cp.slaati.com//wp-content/uploads/2024/06/r720qPa4xZw8u5ZB.mp4 https://cp.slaati.com//wp-content/uploads/2024/06/pMZlIOFTaJrNFj-Q.mp4المصدر: صحيفة صدى
كلمات دلالية: الإضرار المفاسد تقوى الله خطبة عرفة ماهر المعيقلي صلى الله علیه وسلم بیت الله الحرام کما قال تعالى المحافظة على قال سبحانه رسول الله ال م ؤ م ن ا الله
إقرأ أيضاً:
حكم وجود طريق فاصل بين مصلى الرجال والنساء
قالت دار الإفتاء المصرية إن الأصل في المأموم أن يقتدي بإمامه، وأن يتبعه في أعمال الصلاة؛ إذ ورد عن عائشة رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا» متفق عليه.
وأضافت الإفتاء أن من شروط صِحَّةِ الاقتداء التي اشترطها العلماء ألَّا يكون بين المقتدي والإمام فاصل كبير، وهو محل اتفاق بين الفقهاء أصحاب المذاهب في الجملة على اختلافٍ وتفصيلٍ بينهم فيما يتعلَّقُ بالمسافة بين المأموم والإمام، وفي التفرقة بين المسجد وغير المسجد، وفي التفرقة بين ما إذا كانت الصلاة في فضاءٍ يلي المسجد، أو في حجرة خارج المسجد الذي به الإمام بحيثُ يكون بين الإمام والمأموم حائطٌ أو سُترةٌ.
الإفتاء توضح حكم وجود طريق فاصل بين مصلى الرجال والنساءواوضحت أن جماعة من العلماء سلفًا وخلفًا أجازوا صلاة المأموم خلف الإمام إن كان بينهما حائطٌ أو ساتر أو ممر أو طريق، سواء أكان في المسجد أم خارج المسجد.
وقالت الإفتاء : بوَّب الإمام البخاري في "الصحيح" بابًا أسماه: (باب إذا كان بين الإمام وبين القوم حائط أو سُترة)، وقال عقبه:
قال الحسن: "لا بأس أن تُصلي وبينك وبينه نهر"، وقال أبو مِجْلَزٍ: "يَأْتَمُّ بالإمام وإن كان بينهما طريقٌ أو جدارٌ؛ إذا سمع تكبير الإمام".
ثُمَّ ساق حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يُصلي من الليل في حجرته، وجدار الحجرة قصير، فرأى الناس شخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقام أناس يصلون بصلاته، فأصبحوا فتحدثوا بذلك، فقام الليلة الثانية، فقام معه أناسٌ يصلون بصلاته، صنعوا ذلك ليلتين أو ثلاثًا، حتى إذا كان بعد ذلك جلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يخرج، فلما أصبح ذكر ذلك الناس، فقال: «إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُكْتَبَ عَلَيْكُمْ صَلَاةُ اللَّيْلِ».
وروى الإمام أحمد في "المُسند"، ومسلم في "الصحيح"، وأبو داود والنسائي في "سننهما"، وأبو عوانة في "المستخرج"، وابن حبَّان في "الصحيح"، والطبراني في "المعجم الكبير"، والبيهقي في "السنن الصغرى" و"الكبرى" و"شعب الإيمان" عن زيد بن ثابت رضي الله عنه: "أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم احتجر حجرةً، وكان يُصلي فيها، ففطن أصحابه، فكانوا يصلون بصلاته".
وروى عبد الرزاق في "المصنف" عن القاسم بن محمد، عن عائشة رضي الله عنها: "أنها كانت تصلي بصلاة الإمام في بيتها وهو في المسجد".
وروى عبد الرزاق وابن أبي شيبة في "مصنفيهما" عن هشام بن عروة قال: "جئت أنا وأبي مرة، فوجدنا المسجد قد امتلأ، فصلينا بصلاة الإمام في دارٍ عند المسجد بينهما طريق".