قالت دار الإفتاء المصرية، إن الحكمة من تحديد السعي بين الصفا والمروة بسبعة أشواط غير معقولة المعنى، وهو ما يُعَبِّرُ عنه العلماء بأنَّها تعبدية، والأمور غير معقولة المعنى والمحددة من الشرع لا يتحقق الامتثال فيها إلا بالإتيان بها على الشكل الذي حدده الشرع الشريف، فلا يجوز الزيادة عليه ولا النقصان منه.

كل ما تريد معرفته عن السعي بين الصفا والمروة

الإفتاء توضح مفهوم السعي بين الصفا والمروة

أوضحت الإفتاء، أن السعي لغةً: المشيُ والعَدْوُ مِن غيرِ شَدٍّ؛ قال العلامة الزبيدي في "تاج العروس": [(سَعَى) الرجُلُ (يسعَى سَعْيًا، كرَعَى) يَرعَى رَعْيًا: إذا (قَصَدَ).. (و) سَعَى لهم وعليهم: (عَمِلَ) لهم فكَسَبَ. (و) سَعَى: إذا (مَشَى)، زاد الراغبُ: بسرعةٍ. ومنه: أُخِذَ السعي بين الصفا والمروة. (و) سَعَى: إذا (عَدَا)، وهو دون الشَّدِّ وفوق المشي].

والسعي شرعًا: المشي بين جبلي الصفا والمروة سبعةَ أشواطٍ بعد طوافٍ في نُسُكِ حجٍّ أو عُمرةٍ؛ قال تعالى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 158].

الحكمة من مشروعية التعبد بالسعي بين الصفا والمروة

الحكمة من مشروعية التعبد بالسعي بين الصفا والمروة بشكل عام، فهو إقامة ذكر الله تعالى؛ فعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّمَا جُعِلَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ، وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، وَرَمْيُ الْجِمَارِ، لِإِقَامَةِ ذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ» أخرجه الإمام أحمد في "مسنده"، وأبو داود في "السنن"، والترمذي في "جامعه" وصحَّحه، وابن خزيمة في "صحيحه"، والحاكم في "المستدرك" وقال: صحيح الإسناد.

الدليل على تقييد بعض العبادات بعدد معين والحكمة من ذلك

ورد في السُّنَّة المطهرة ما يدل على الحكمة من تحديد المقادير الشرعية التي اندرجت تحت سطوة السَّبْعِيَّة في الأمور الشرعية؛ كالسعي، والطواف، وركعات الصلاة، ومقادير الزكاة.. ونحو ذلك؛ ومن ذلك: ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا اسْتَجْمَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُوتِرْ؛ فَإِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ، أَمَا تَرَى السَّمَوَاتِ سَبْعًا، وَالْأَرْضَ سَبْعًا، وَالطَّوَافَ سَبْعًا» وَذَكَرَ أَشْيَاءَ.

أخرجه الإمام ابن خزيمة في "صحيحه"، والطبراني في "الأوسط"، وأخرجه الإمام الحاكم في "المستدرك" بدون إضافة «سَبْعًا» للطواف؛ وعلَّق عليه بقوله: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بهذه الألفاظ، إنما اتفقا على: «مَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ» فقط".

وفي بيان وجه دلالة تحديد هذه الأمور بهذه المقادير وأنَّ هذا من قبيل الوتر الذي يفضله الله سبحانه وتعالى ويحبه؛ قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم": [الوتر: الفرد، ومعناه في حق الله تعالى الواحد الذي لا شريك له ولا نظير، ومعنى «يحب الوتر»: تفضيل الوتر في الأعمال وكثير من الطاعات؛ فجعل الصلاة خمسًا، والطهارة ثلاثًا، والطواف سبعًا، والسعي سبعًا، ورمي الجمار سبعًا، وأيام التشريق ثلاثًا، والاستنجاء ثلاثًا، وكذا الأكفان، وفي الزكاة خمسة أوسقٍ، وخمس أواقٍ من الوَرِق، ونصاب الإبل وغير ذلك، وجعل كثيرًا من عظيم مخلوقاته وترًا؛ منها: السماوات والأرضون والبحار وأيام الأسبوع وغير ذلك، وقيل: إن معناه منصرف إلى صفةِ مَن يعبد الله بالوحدانية والتفرد مخلصًا له. والله أعلم].

 

ومن ذلك أيضًا: ما أخرجه الإمام ابن عبد البر في "التمهيد" رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما -في تحديد أي ليلة وترية هي ليلة القدر- قال: "سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان يسألني مع الأكابر منهم، وكان يقول: لا تَكَلَّمْ حتى يتكلموا، قال: لقد علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في ليلة القدر: اطلبوها في العشر الأواخر وترًا، ففي أيِّ الوتر؟

فأكثر القوم في الوتر، فقال: ما لكَ لا تَتَكَلم يا ابن عباس؟ قال: قلتُ إن شئتَ تكلَّمتُ، قال: ما دعوتك إلَّا لتتكلم، فقلت: "رأيت الله أكثر من ذكر السبع، فذكر السماوات سبعًا، والأرضين سبعًا، والطواف سبعًا، والجمار سبعًا، وذَكَر ما شاء الله من ذلك، وخُلِقَ الإنسان مِن سبعٍ وجعل رزقه في سبعةٍ".

وفي هذا المعنى يقول الإمام الزرقاني في "شرح الموطأ": [قال بعض العلماء: حكمة هذا العدد أنَّه لَمَّا كان للوترية أثرٌ عظيمٌ في التذكير بالوَتْر الصمد الواحد الأحد، وكان للسبعة منها مدخلٌ عظيمٌ في الشرع جعل تكبير صلاة العيد وترًا، وجعل سبعًا في الأولى لذلك، وتذكيرًا بأعمال الحج السبعة من الطواف والسعي والجمار تشويقًا إليها؛ لأنَّ النظر إلى العيد الأكبر أكثر، وتذكيرًا بخالق هذا الوجود بالتفكر في أفعاله المعروفة من خلق السماوات السبع والأرضين السبع وما فيها من الأيام السبع].

بيان مدى أفضلية الرقم سبعة على غيره من الأرقام

اختص الرقم سبعة من الأرقام الوترية بالتفضيل على ما ذكرنا؛ إذ إنه دليل على تمام الشيء واكتماله، حتى قيل: إن السَبْع سمي بذلك لتمام قوته، والأسبوع لاكتمال أيامه، ويُعَقُّ عن المولود في ليلة السبع لاكتمال أول مرحلة من مراحل حياته ودورته، وقد اكتمل الخلق في سبعة أيام، واستقرت السماوات على سبعٍ، والأرض على سبعٍ، وصار ذلك تمام أمرهما وأفضل أحوالهما على ما ثبت من الإبداع في الخلق، ولأجل ذلك طولب المؤمن بأن يطوف حول الكعبة سبعًا، وأن يسعى سبعًا، وسائر ما يكثر ذكره في العبادات مما يقصد بالعدد سبعة إنما هو لأجل كونه رمزًا للكمال وغاية في التمام في كل ما يقصد فعله من أفعال.

قال العلامة الفيروزآبادي في "بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز": [السَّبُع والسَّبْع والسَّبَع سُمِّي به لتمام قوَّته؛ وذلك لأَنَّ السَّبْع من الأَعداد التَّامَّة، كأَنه سَبْع حيوانات، والجمع: سِبَاع وأَسبُع. وأَرضٌ مَسْبعة: ذات سباع، وسَبَعَ القوم كمنع: كان سابعهم أَو أَخذ سُبْع أموالهم.

والأُسبوع من الأَيام، والجمع: أَسابيع. وطاف بالبيت أُسبوعًا وسَبْعًا وسُبُوعًا].

وهذا الأمر التعبدي تكليف من الله سبحانه وتعالى لا تخرج عهدة المكلف عنه إلا بالإتيان به على الحالة التي شرعه الله سبحانه وتعالى عليها، فالسعي بين الصفا والمروة سبعًا فلا يصح إلا أن يكون سبعًا، ولا تصح العبادة حجًّا كان أم عمرة إلَّا بأن يكون السعي بين الصفا والمروة سبعًا؛ فالأمر المُعَيَّنُ لا يقع الامتثال به إلا على الحالة التي شرع عليها، وهذا أمر مقرر عند العلماء.

قال الإمام الزركشي في "البحر المحيط": [لا خلاف بين المسلمين في أن المكلف مأمور بالإتيان بالفعل المأمور به قبل أن يشرع فيه، ولا يخرج عن عهدة الأمر إلَّا بالامتثال، ولا يحصل الامتثال إلَّا بالإتيان بالمأمور به].

ولا يتأتى الإتيان بالأمر المكلف شرعًا إلا بالصفة الشرعية له، ما دام أنَّه من الأمور المُعَيَّنة؛ قال الإمام العطار في "حاشيته على شرح جلال الدين المحلي على جمع الجوامع": [الأمر إذا تعلق بشيء بعينه لا يقع الامتثال إلَّا بذلك الشيء، فلا يخرج عن العهدة بغيره، سواء كان الذي تعلق به الأمر صفةً أو نعتًا].

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الصفا والمروة الشرع الشرع الشريف الحج الإحرام الطواف العمرة مناسك الحج السعی بین الصفا والمروة صلى الله علیه وآله وسلم رضی الله عنه الحکمة من من ذلک

إقرأ أيضاً:

الإمام الأكبر يحتفي بذكرى تأسيس الأزهر... ويوجه نداء للمسلمين

احتفى الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، بالذكرى الـ1085 لتأسيس الجامع الأزهر، والتي توافق السابع من شهر رمضان المبارك، حيث أكد في منشور عبر صفحاته الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" و"إكس (تويتر سابقًا)" أنه منذ أن أُقيمت أول صلاة في الجامع الأزهر العتيق، منذ 1085عاما، وبدأت معها مسيرة دعوة وحضارة، علم وعدل، هُوية ووطنية، وأثَّرت وأثمَرَت، وهوَت إليها أفئدة المسلمين من شتى بقاع العالم.

حكم صيام الصبي.. المفتي: فريضة على من توافرت فيه الشروطحكم تأخير غسل الجنابة في رمضان وهل الملائكة تعلن الجُنب؟ اعرف آراء الفقهاء

ووجَّه شيخ الأزهر نداءً إلى المسلمين في كل مكان، داعيًا إياهم إلى أن يُؤثِروا اتحادهم، ويجمعوا كلمتهم، مُتوجهًا إلى المولى عز وجل بأن يحفظ للأزهر دوره التاريخي كملاذٍ لوحدة الكلمة، ومرجعيةٍ جامعةٍ لجميع أطياف الأمة الإسلامية.  

يُذكر أن المجلس الأعلى للأزهر كان قد أقرَّ في مايو 2018 ، برئاسة فضيلة الإمام الأكبر ، اعتماد السابع من رمضان يومًا سنويًّا لإحياء ذكرى تأسيس الجامع الأزهر، الذي يُعد أقدم جامعة في العالم الإسلامي وأحد أبرز رموز الوسطية والاعتدال والإشعاع الفكري والثقافي عبر التاريخ.

وفي سياق آخر، قال الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، إن اسم الله الحفيظ ورد في 3 مواضع في القرآن الكريم، وقد يرد بعض اشتقاقات الاسم وصفاً لله سبحانه وتعالى، وورد حافظ لله سبحانه وتعالى لكن حافظ ليس اسمًا من أسماء الله الحسنى.

وبيّن شيخ الأزهر، خلال حديثه اليوم بالحلقة السابعة من برنامجه الرمضاني «الإمام الطيب»، أن الحفيظ الأقوى في معنى الحفظ، موضحا الآية "إن ربي على كل شيء حفيظ" أي شاهد وحافظ على أفعال العباد وأقوالهم.

وتابع شيخ الأزهر الشريف، أن الآية «وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ»، بمعنى أنه رقيب، والآية "الله حفيظ عليهم" بمعنى أنه محسن عليهم ورقيب.

 اسم الله "الودود"

ولفت شيخ الأزهر، إلى إن اسم الله "الودود" معناه المحب، ويجوز أن يوصف به العبد بعد أن وصف به الله تعالى كاسم من أسمائه، كون الود من العبد هو محبة العبد لطاعة الله وكراهية معصيته ـ جل وعلى ـ، أما الود من الله ـ تعالى ـ فهو محبة الله لعباده بتوفيقهم لطاعته وشكره، موضحا أنه يجوز للعبد الدعاء والتضرع باسم الله "الودود" في مقام الضر ومقام النفع كذلك، حيث يتسق الاسم في معناه مع الحالة التي أصابت العبد أو الحالة التي يدعو الله من أجلها.

وذكر أن حظ العبد من اسم الله تعالى «الودود» يتجسد في أن يحب للناس ما يحبه لنفسه، وقد قدم لنا النبي "صلى الله عليه وسلم" القدوة الحسنة في الاتصاف بهذه الصفة، ومن ذلك ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه لما كسرت رباعيته وشج وجهه يوم أحد شق ذلك على أصحابه شقا شديدا وقالوا: لو دعوت عليهم ! فقال: (إني لم أبعث لعانا ولكني بعثت داعيا ورحمة، اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)، وهذا مقام صعب لا يقدر عليه إلا من اتصف بالود، كما ورد عن علي "رضي الله عنه" قوله: " إن أردت أن تسبق المقربين فصل من قطعك، وأعط من حرمك، واعف عمّن ظلمك"، في وصف بليغ لمعنى الود.

وأوضح شيخ الأزهر أنه يمكن للعبد التدرب على مثل هذه الصفات شيئا فشيئا، خاصة خلال شهر رمضان، تحقيقا لمقولة الإمام أحمد بن حنبل: "ينبغي أن يكون العبد سائراً إلى الله بين الخوف والرجاء"، على أن يقدم الرجاء على الخوف في حال المرض، ويقدم الخوف على الرجاء في حال الصحة، مؤكدا أن الدعاء أمر شديد الأهمية للعبد، لأنه هو الذي يربط بين العبد وربه، ودليل ذلك أننا نجد أن الصلاة كلها دعاء، وفاتحة الكتاب كلها دعاء، والسجود دعاء، بما يؤكد أهمية أن يكون العبد دائم الصلة بالله تعالى من خلال الدعاء.


 

مقالات مشابهة

  • مصلحة مياه بلديات الساحل تقوم بإصلاح وتشغيل بئر مياه الصفا في رفح
  • شيخ الأزهر يوضح الدلالات اللغوية والشرعية لـ اسم الله «المقيت»
  • إبراهيم عليه السلام رمزٌ وقدوةٌ في البراءة من أعداء الله، لا التطبيع معهم!
  • شيخ الأزهر: الله حفظ القرآن الكريم من التحريف والتبديل والضياع
  • شيخ الأزهر: حفظ الله يشمل كل الناس.. سواء المطيعون أو العصاة
  • الإمام الطيب : حفظ الله يشمل كل الناس المطيعين والعصاة
  • شيخ الأزهر: حفظ الله يشمل كل الناس المطيعون منهم والعصاة
  • أنوار الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
  • لماذا فرض الله الصيام في رمضان؟ اعرف الحكمة الإلهية
  • الإمام الأكبر يحتفي بذكرى تأسيس الأزهر... ويوجه نداء للمسلمين