البوابة نيوز:
2025-02-03@00:24:05 GMT

إبداع|"الموعد الأخير".. قصة لـنور الهدى فؤاد

تاريخ النشر: 15th, June 2024 GMT

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

جلس محسن على مسطبة المنزل التماسا لنسيم الليل، وبجواره أخته ثريا التي كانت تقزقز اللب من الكيس وتضع القشر في الطبق! بينما تشاهد التليفزيون الذي يتردد صدى صوته في تلك الحارة الصغيرة الريفية، كان المشهد من مسلسل هندي عاطفي، حيث كان البطل يحاول إقناع حبيبته بالعدول عن قرار السفر بعيدا، وبينما انتهت الحلقة بهروب الحبيبة مسرعة من أمام البطل، أخرج محسن سيجارته الكليوباترا وأشعلها.

قال: "عارفه شفت مين امبارح يا بت يا ثريا؟" 

قالت: "مين يا خويا؟ أنت مش كنت في المركز امبارح عشان تشوف فواتير الكهرباء اللي جت بألفين جنيه؟" 

فرد: "ايوه مانا رحت اتخانقت معاهم وطلع في غلط من عندهم، بس واني راجع ببص لقيت مين جنبي في العربية.. فاطنة بنت ابو عوف.. فاكراها".

-"أيوه جارتنا بنت ابو عوف اللي كانوا ساكنين في اول بيت الي هناك داهوه"

="آيواه.. زي ماهي يابت يا ثريا زي البدر المنور ولا كنو الزمن فات عليها يوم واحد.. سلمت عليها عرفتني على طول".

-"معقول عرفتك دي بقت هانم عربيات ايه وصيغة ايه وبقالها مسافرة مع جوزها بلد اجنبية كده مش فاكرة اسمها ييجي 20 سنة وزيادة" 

="طبعا عرفتني.. انتي نسيتي زمان ولا ايه؟ هو اخوكي يتنسي يابت".

-"ههههه طب يااخويا متتنفخش كده ما انت الي سبتها وخطبت ضاحية وانت عارف انها كانت بتحبك".

=" فضلت طول الطريق احكيلها عن الحارة ومين مات ومين اتجوز مين وهي حكيتلي عن عيالها وجوزها الدكتور وبيتهم الي في مصر.. وافتكرنا لعب الدرة والمرة الي ذقتوها وقعتوها في الترعة انتي والبنات وعمك الشيخ عادل المجنون وهو بيرمي الواد سامي بقوالح الدرة الوالعة عشان 5 نمر نقصهم في الشهادة.

جلسا يضحكان حتى كادت عيناهما تدمعان. ثم قالت ثريا: "والله كانت أيام حلوة".

يستكمل محسن: "وفضلنا نضحك طول الطريق.. ياسلام ع الزمن.. هي طول عمرها جدعة ومكنش في زي أدبها في الحارة كلتها" 

-"عشان ايه يعني.. كانت طالعة فيها وهي مقشفة ومحدش من شباب الحتة كان معبرها".

="هي مين دي الي مكنش حد معبرها.. اسكتي مانتي كنتي ملمومة على منى وعارفة الي كانو ماشيين مع نص شباب البلد.. ولا عمرها قابلت واحد ولا راحت مواعيد م الي كنتو بتروحوها".

وهنا، بدأ محسن يسعل، تجاهلت ثريا سعاله وأكملت حديثها: "فشرت... ده أنا كانوا بيتخانقوا عليا.. الواد ابن سعيد أفندي وابن عمه ضربوا بعض في مرة.. وبعدين أنا اتجوزت عبده اللي قعدنا نحب بعض 4 سنين.. هي بقى النحنحة الخرسة دي عملت لها ايه؟"

وهنا، بدأ سعال محسن يعلو ويشتد ووضع يده على صدره ثم قال: "قومي هاتي كوباية مية"؛ فقامت ثريا وجلبت الكوب مسرعة، فالتقطته محسن من يدها وتجرعه دفعة واحدة؛ ثم قال: "نفسي مخنوق مش عارف ليه".

-"من سيرة الحبايب يا أبو محمد".

اللوحة للفنان حسن الشرق

يسعل محسن من جديد ثم أشار إلى الغرفة التي ترقد فيها زوجته نائمة في عمق، وقال: "بذمتك مش كانت أحسن من البومة اللي نايمة جوه دي". ضحكت ثريا وهمست بمرح: "بلاش أحسن البومة تسمعك"، وتجاهلت سعال محسن المستمر وهي تستكمل: "البت فاطنة برضه كانت حلوة الحق يعني وكان عليها شعر وكحكة عالية كده تقولش 2 كيلو.. الا مقولتلهاش تبقى تيجي تزورنا ليه؟" 

محسن: "قلت لها والله ابقى تعالي شوفي ثريا والعيال والبيت اتغير ووضبناه ولازم تيجي تنورينا"، يسعل حتى يحمر وجهه بشده ولكنه أكمل: "ونزلت معاها واتحايلت عليها اشيلها الشنطة وأوصلها البيت ولا أشربها حاجة ساقعة ما رضيتش أبدا.. فضلت معاها لحد ما جه توك توك وركبتها ومشيت". 

كانت الكحة تزداد سوء بينما يحاول محسن التقاط نفسه بصعوبة وصوت عالي. هنا، بدأ ثريا تدرك خطورة الوضع، هرعت نحوه قائلة: "الله الله.. في إيه؟ مالك؟"، ثم تنزل من البسطة وتنادي بصوت عالي: "يا محمد يا محمد.. تعالي بسرعة أجري". جاء الفتى مسرعا فقالت: "الحق ابوك مش عارفة ماله". صعدا المسطبة، وجاءت ضاحية تجري بعد استيقاظها على صوت نداء ثريا وزوجها الذي يتعالى سعاله، صرخت: "في إيه يا ثريا؟ مالك يا محسن". كانت تمسح على صدره ووجهه يحمر بشدة، وصوت التقاط أنفاسه العالي، فقط استطاع أن يقول: "خدوني على الدكتور عبد الله".

قفز محمد وهرع ليجلب توك توك، ثم جلس بجوار السائق بينما ركب محسن ومعه زوجته وأخته، وأصوات كحته تتصاعد في الطريق ثم قال لضاحية: "حاسس بوجع في صدري" فترد: "سلامتك يا أخويا، تلاقيك خدت شوية هوا، ولا النوم تحت المروحة تعبك.. دا أنت من الشتا اللي فات ما كحتش كده".

هنا يقاطعها محسن: "بتقري عليا يا ولية.. هو حد هيجيب أجلي غيرك؟"، تعود الكحة وتقول ثريا: "اسكتي يا ضاحية، ما شفتيش جوزك كان امبارح مع واحدة راح يقابلها وقعد يحكيلي عليها اديله ساعتين لما تعب". عاد محسن يقاطع كحته: "يعني أزقك من التوك توك ارميكي في الترعة يا بهيمة أنتي". تضحك ثريا وتقول: "والله كان مع واحدة يابت.. فاكرة فاطنة بنت ابو عوف"، ترد ضاحية: "بس يا ثريا دلوقتي، أما نشوف أخوكي ماله. ماشي يا محسن، أما نشوف حكاية فاطنة دي بعدين يا محسن".

يصل التوك توك لطرف الكوبري الواصل بين ضفتي الترعة المقابلة لمنزل الدكتور عبد الله، ينزلون ويرحل التوك توك، وبمجرد عبورهم الكوبري، وبينما يسعل محسن، سقط أرضا. فزعت أخته وزوجته، ووقف خلفه محمد يسنده والتفوا حوله. حاولت ثريا مداعبته قائلة: "إيه الحكاية يا محسن؟ مش شوية كحة دول". صار محسن لا يستطيع الرد ويغيب في عالم آخر فاتحا عينيه. صاحت ضاحية في ابنها: "اجري نادي الدكتور يجي هنا"، يهرع محمد بينما استطاع محسن أن يفتح فمه قائلًا: "أشوفك على خير يا فاطنة". ثم يخمد صدره وسقطت رأسه للأبد وسط صراخ المرتين.

في الوقت نفسه، وبينما كانت الشمس لا تزال تسطع من البلكونة، وتضفي بهجة على صالة منزل فاطمة التي كانت تجلس مع اختها سعاد "تقمع" البامية مفترشين الأرض، كان صوت أم كلثوم يدوي من الراديو "كانت الأيام في قلبي دموع بتجري وأنت تحلى لك دموعي وهي عمري". فيما أم فاطمة واقفة تسقي أوراق الرقاق بشوربة البط، ثم ترصهم في الصينية. ثم استدارت باتجاه باب المطبخ وصاحت: "ابعتي أحمد يجيب بيضتين يا سعاد بسرعة.. البيض كله خلصتوه ع الكيكة". أسرعت سعاد وذهبت للباب المفتوح وصاحت: "يا أحمااااد". 

هنا صاح عامل المسجد في الميكروفون "إنا لله وإنا إليه راجعون"، صاحت فاطمة في أختها: "بس يا سعاد أسمعي لما نشوف مين اللي مات"، يستكمل المنادي: "توفى إلى رحمة الله تعالى الأستاذ محسن فتحي عبد الشافي الموظف في مدرسة عمر بن الخطاب الابتدائية.

صاحت سعاد: "ده محسن جارنا من الحارة القديمة"، قالت فاطمة وهي تسرح مع صوت المنادي: "محسن.. لسه صغير يا محسن.. لا إله إلا الله.. الله يرحمك.. لا إله إلا الله" بدا عليها التأثر وهي تنكس رأسها وبصرها لحلة البامية، فتقول أمها: "الواد محسن ابن الست بهيرة الخياطة.. ده لسه عياله صغار.. لا حول ولا قوة إلا بالله.. ده كان عيان ولا حادثة"، تقاطعها فاطمة: "مش واجب يا أمه نروح نعزي؟". فأكدت أمها: "واجب طبعا.. مهما كان دول كانوا جيرانا سنين.. عايزة تيجي معانا يعني؟"، أسرعت تقول: "طبعًا، وليه لأ.. فرصة أشوف الحارة، بقالي سنين ما رحتش هناك".

في مساء اليوم التالي، خرج الثلاثة متجهين للحارة القديمة التي تبعد عن مسكنهن بما يقارب نصف ساعة من السير، وما إن وصلن إلى البيت حتى يلتفت الجميع إليهن، خرجت ثريا من إحدى الغرف قائلة: "أهلًا يا فاطنة"، ثم تصيح: "يا ضاحية تعالي دي فاطنة هنا أهي.. يا مديحة، يا عائشة، يا وفاء، تعالو دي فاطنة اللي حكيت لكم عليها، ومحسن كان بيحكي عليها قبل ما يموت". وقفت فاطمة وأمها واختها يتبادلن النظرات في ذهول تام من استقبال النساء الغريب، وما أن أجلسوهن حتى قالت ثريا بينما تحدق ضاحية في فاطمة: "ازيك يا خالة.. شفتي يا خالة أخويا اللي ليَّ في الدنيا راح وبقيت مقطوعة خلاص. وآخر حاجة قالها يا حبيبي كان بيودع فاطنة وكان بيتكلم عنها".

قابلت أم فاطمة الكلام بتعجب وتنظر لابنتها ثم تعود لثريا قائلة: "والله زعلنا على محسن أوي يا بنتي. لسه لا راح ولا جه، بس ده قضاء ربنا، وربنا يصبركم. احنا عرفنا من الجامع والله، حتى بلغت خالد وطه وسبقونا على عزاء الرجالة". تقاطعها ضاحية: "متأخذيناش يا حاجة.. جوزي فضل يتكلم على مقابلته لفاطنة يوم السبت، وركوبه معاها عربية المركز، لحد ما وقع مننا، وفضل يكح، وروحه راحت ونفسه راح بالبطيء، وآخر كلمه قالها أشوفك على خير يا فاطنة كأنها كانت قدامه. وكل اللي بيسأل حصل إيه ثريا بتحكي له.. فالناس كانت عايزة تشوف مين فاطنة دي"، وبينما تستمع فاطمة إلى الحديث الدائر وهي في حالة من الصدمة وعاجزة عن الرد. صاحت أم فاطمة قائلة: "أيوة يا بنتي، بس إزاي؟! إذا كانت بنتي جوزها جايبها بعربيته لحد البيت من مصر إمبارح قبل ما نسمع الخبر، وما نزلتش من البيت إلا معانا النهاردة!"

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: إبداع قصة الموعد الأخير محسن توک توک ثم قال

إقرأ أيضاً:

خير صديق (2).. فاطمة بارودي تكتب: ماذا قرأ الناطقون بالفرنسية العام الماضى؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

جيل كيبيل: هجوم 7 أكتوبر قلب الموازين الجيوسياسية بالشرق الأوسط والعالم

فرنسا نحو اليمين أم اليسار؟.. فنسنت تيبيرج يفكك الأسطورة

 

استعرضت الصحف والمواقع الفرنسية، أهم الكتب التي صدرت خلال عام ٢٠٢٤، وتعددت الترشيحات حسب اهتمام كل موقع أو صحيفة، لكن مجموعة معينة من الإصدارات كانت محل اهتمام كبير لقراء اللغة الفرنسية، وكان من الملاحظ أن أفريقيا حاضرة بقوة ضمن تلك الإصدارات. 

في السطور التالية، نعرض لأهم ما ذكرته المواقع الفرنسية، سواء بالنسبة للكتب أو الروايات.

جيل كيبيل: اضطراب العالم بعد ٧ أكتوبر

"مجزرة في غزة، تصفية قادة حزب الله وحماس، سقوط بشار الأسد في سوريا، إضعاف إيران.. تأثيرات هجوم ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ الذى نفذته حماس لا تنتهي أبدًا فى ظل إعادة تشكيل المشهد السياسي فى الشرق الأوسط".. هكذا تحدث أستاذ الجامعات الفخري والمستعرب الكبير، جيل كيبيل، عندما دعاه معهد العالم العربي فى باريس لمناقشة أحدث كتبه "اضطراب العالم بعد ٧ أكتوبر" الصادر العام الماضى (طبعة بلون، ٢٠٢٤)، لمحاولة فهم تداعيات هذا الحدث على المنطقة.

وجيل كيبيل، أستاذ جامعي وعالم سياسي ومستعرب معروف لدى المثقفين والقراء العرب. من مؤلفاته: الأزمات في البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط (٢٠١٨)، والنبي في بلاده (٢٠٢٣)، والمحرقة (٢٠٢٤). وترجمت كتبه إلى نحو عشرين لغة. ويرى كثيرون أن قراءة جيل كيبيل تحتاج إلى التعامل مع أفكاره باعتبارها ترياقًا للتطرف الديني سواء بين الأصوليين اليهود الموجودين في حكومة بنيامين نتنياهو الذين يحلمون بطرد جميع الفلسطينيين من الأراضي "التي يعتبرونها توراتية"، أو بين الإسلاميين المتطرفين الذين ليس لديهم سوى "هاجس مسح الدولة اليهودية من الخريطة" على حد قوله فى ظل الدعوات العالمية بحل الدولتين. وبعد تقديم تحليل متعمق للمنطق السياسي الديني الذي يطلق العنان لهذه المشاعر القاتلة، يقدم جيل كيبيل رؤيته من خلال منظور متكامل للتحول الذى يشهده العالم. حيث أدى الهجوم الذي نفذته حماس في ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، ثم المذبحة التي تعرض لها الفلسطينيون في غزة، إلى تعطيل النظام العالمي الذي تم إنشاؤه بعد الحرب العالمية الثانية، حسبما يقول جيل كيبيل. ويشير جيل كيبيل إلى الاضطرابات الجيوسياسية، مع ظهور "الجنوب العالمي" الذي يحاول أن يلغي هيمنة "الشمال"، وبروز مصطلح "الإبادة الجماعية"، المرتبط تاريخيًا بإنشاء دولة إسرائيل.. وأخيرًا، الانقسام المجتمعي، في دول "الشمال" المبتلاة باستقطاب غير مسبوق للهوية، بين الشعارات اليسارية المتطرفة والشعبوية اليمينية المتطرفة.

وتعرض، فى كتابه، إلى أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني اخترق أيضًا قلب الدول الغربية، حيث انطلقت المظاهرات وأدت إلى انقسامات داخل الحرم الجامعى خاصةً فى أعرق الجامعات، مثل هارفارد فى الولايات المتحدة ومعهد العلوم السياسية فى باريس، إلى جانب إثارة القضية الفلسطينية في الانتخابات الكبرى في أوروبا وأمريكا.

فنسنت تيبيرج: اليمين الفرنسى بين الأسطورة والواقع

في أي اتجاه تميل فرنسا؟ كان التوجه الأيديولوجي للبلاد أحد الأسئلة الكبرى خلال عام ٢٠٢٤، خاصةً بعد قرار إيمانويل ماكرون بحل الجمعية الوطنية وما تلا ذلك من تداعيات.

يبدو الأمر فى نظر كثيرين أن المجتمع الفرنسي سيصبح أكثر تحفظًا. لكن أستاذ علم الاجتماع السياسي في معهد العلوم السياسية في بوردو، فنسنت تيبيرج، يطرح فى كتابه الجديد "اليمين الفرنسي بين الأسطورة والواقع" رؤية بانورامية متكاملة قد تصل إلى حد التشكيك في الكليشيهات الجاهزة عن صعود اليمين. حيث يتحدى هذا الكتاب، في الوقت المناسب، بعض الأفكار المسبقة.

ويقدم فنسنت تيبيرج، المتخصص في علم الاجتماع الانتخابي، فى أحدث أعماله، تطبيقًا عمليًا للبديهية التي بموجبها يمكن كسر تلك المفاهيم المسبقة. ويرى أن هناك في الواقع ملاحظة مشتركة على نطاق واسع في المناقشة العامة مفادها أن فرنسا تتحرك نحو اليمين. ويبدو أن النتائج الانتخابية وكذلك استطلاعات الرأي تؤكد هذه الفرضية، إلا أن فنسنت تيبيرج يأخذ على عاتقه إثبات أنه على الرغم من المظاهر، فإن فرنسا تشهد حركة يسارية بالكاد مرئية ومعاكسة جذريًا للمظهر العام. ويشير إلى الطريقة التي يتحدث بها السياسيون عن الفوارق الاجتماعية والقضايا المجتمعية «في الأعلى»، والتي تتعارض مع هموم المجتمع فى «الأسفل». إنه يسلط الضوء على الاستسلام الكبير للمواطنين في مواجهة الأحزاب ويرى أن اليمين هو مجرد أسطورة، ولكنه مثل كل الأساطير قد يخلف تداعيات خطيرة على التوازن السياسي ومستقبل الفرنسيين.

ويذكر فنسنت تيبيرج أن الدراسات تصور الفرنسيين الذين أصبحوا متسامحين ومنفتحين بشكل متزايد في المسائل المتعلقة بالجنس أو الحريات الفردية، كما لو كانوا فى حالة غموض على المستوى الاقتصادي بين المطالبة بدولة أكثر اجتماعية وبين تفضيل الليبرالية. ويقول: "نحن بعيدون كل البعد عن حركة يمينية في المجتمع الفرنسي". ويميل تيبيرج إلى اليسار، ويقلل من موضوعات الهجرة أو انعدام الأمن. ويرى أن فرضية "التلاعب اليميني" من قبل وسائل الإعلام والنخبة السياسية تجعلنا نبتسم عندما نعرف حقيقة تأثير اليسار الثقافي في وسائل الإعلام العامة.

وبوحه عام، إذا كان كتاب تيبيرج يدعو إلى التفاؤل على المدى الطويل، فإنه لا يبدد تمامًا أسباب التشاؤم على المدى القصير، خاصةً فى ظل تنامى اليمين واليمين المتطرف فى عدة دول غربية.

راينر زيتلمان: كيف تنجو الأمم من الفقر؟

في عام ١٩٩٠، كانت فيتنام أفقر دولة في العالم، حيث بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي ٩٨ دولارًا، وهو أسوأ من الصومال أو سيراليون. وكانت بولندا واحدة من أفقر الدول في أوروبا، حيث كان متوسط دخل المواطن البولندي أقل من ٥٠ دولارًا شهريًا. ومنذ ذلك الحين شهدت فيتنام معدل نمو سنوي متوسط بلغ ٧٪، ويعاني أقل من ٥٪ من الفيتناميين اليوم من الفقر المدقع. وشهد نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في بولندا ثلاثة أضعافه بفضل متوسط نمو بلغ ٣.٥٪، مما جعلها وسط الاقتصاد الأوروبي الأكثر ديناميكية لمدة ثلاثين عاما.

في كتابه "كيف تنجو الأمم من الفقر؟" الذى تمت ترجمته للفرنسية، يحلل الليبرالي الألماني راينر زيتلمان ما يطلق عليه "المعجزات الاقتصادية" في هذين البلدين. ومن خلال استخلاص الدروس، تمكنت فيتنام وبولندا من إجراء إصلاحات جذرية، والارتباط بالاقتصاد العالمي. وبطبيعة الحال، تظل فيتنام نظامًا ماركسيًا. وفي بولندا، شكك حزب القانون والعدالة، وهو الحزب الشعبوي الذي تولى السلطة من عام ٢٠١٥ إلى عام ٢٠٢٣، بجدية في الليبرالية الاقتصادية، قبل أن ينتقم دونالد تاسك الليبرالي المؤيد لأوروبا. ولكن بالنسبة للمؤلف راينر زيتلمان فإن التقدم المذهل الذي حققته بولندا وفيتنام يؤكد أن النمو والحرية الاقتصادية هما أفضل الأدوات لتحسين ثروة ورفاهية الأمم.

ثروة أدبية فى ٢٠٢٤

تميز عام ٢٠٢٤ بغناه الأدبي، حيث قدم لقراء الفرنسية مجموعة متنوعة من الأعمال الجذابة والمبتكرة التي تتميز بأصالتها وعمقها وقدرتها على التعبير عن المشاعر الإنسانية. 

"النفوس الشريرة" وظلمة النفس البشرية

في نسختها الثالثة والعشرين، مُنحت جائزة "فناك" للرواية في سبتمبر إلى ماري فينجترا عن رواية "النفوس الشريرة ". حازت هذه الرواية على موافقة لجنة تحكيم مكونة من ٤٠٠ بائع كتب و٤٠٠ قارئ من أعضاء العلامة التجارية من بين الثلاثين عنوانًا المتنافسة، حسب التقليد المتبع فى تحديد العمل الفائز. هذا الكتاب هو الثاني للروائية، وتدور أحداثها بين الإثارة والتأثيرات النفسية، في بلدة صغيرة في الولايات المتحدة. قُتلت فتاة صغيرة وتم تكليف الشريف هوبلر بالتحقيق، حيث الادعاءات الكاذبة والألغاز والأقدار المتشابكة لا تكشف إلا ظلمة النفس البشرية.

"حورس" وحرب الاستقلال والعشرية السوداء بالجزائر

جائزة أخرى لا يمكن تفويتها، وهي جائزة جونكور، والتي ذهبت العام الماضى إلى الكاتب والروائى الفرنسى الجزائرى كامل داود عن روايته "حورس". يتناول المؤلف تاريخ الجزائر من خلال أحداث تتعلق بكلٍ من حرب الاستقلال والحرب الأهلية أو العشرية السوداء في تسعينيات القرن الماضى، من خلال شخصية أوب.. عبر سرد رحلة مظلمة للغاية إلى الجزائر في التسعينيات، يكتشف القارئ قصة أوب، الطفلة التي نجت من مذبحة عائلتها بالكامل على يد الإرهابيين، لكنها تحمل الندوب ومنها ندبة كبيرة على رقبتها إلى جانب تلف في الأحبال الصوتية. عندما أصبحت بالغة كانت مذهولة للغاية بشأن الحياة التي تعيشها، فتقرر العودة إلى مكان المأساة..تتحدث إلى طفلها الذي تحمله أثناء عودتها إلى قريتها الأصلية. في مواجهة الصدمات والوفيات والأسئلة العديدة، تحاول أوب إعادة بناء نفسها، ويتعامل معها كامل داود فى إطار إعادة إعمار البلد بالكامل.

"جاكاراندا" وتاريخ الإبادة الجماعية للتوتسى فى رواندا

كانت عودة "جايل فاي" إلى الأدب مدوية مع رواية "جاكاراندا"، التي فازت بجائزة رينودو.. تدور أحداث الرواية للمؤلف الفرنسي الرواندي الأكثر مبيعًا في بوروندي خلال تسعينيات القرن العشرين، ويستحضر الحنين الرهيب لعالم دمرته الحرب، وتتناول الرواية تاريخ الإبادة الجماعية للتوتسي في رواندا، لتضاف إلى الفسيفساء الغنية للأدب الفرنسي والفرانكفوني المعاصر، في رواية تتناقلها الأجيال.

الهجرة إلى المجهول فى "حلم الصياد" 

رواية "حلم الصياد" للروائية الكاميرونية الفرنسية هيملي بوم تأخذك إلى تداعيات الهجرة وعبور المحيط فى محاولة لإعادة اختراع الحياة في فرنسا.. في "حلم الصياد"، يفقد زكريا كل شيء بينما يحلم بتحقيق مستقبل جيد لعائلته.. يقتلعهم الحلم، ويلقي بهم في دروب المنفى، من الساحل الكاميروني إلى باريس. وبعد جيلين، يستعد حفيده زاك لسلوك الطريق المعاكس.. قصة حب، في غاية الجمال. 

زكريا، صياد سمك، يعيش في كامبو بالكاميرون، ربما في السبعينيات.. زاك، حفيده عالم النفس، يعيش في باريس اليوم. وتنسج هيملي بوم مساراهما، في الخيال على الأقل، لأنهما لا يعرفان بعضهما البعض. كلاهما ينتمي إلى سلالة ملعونة من الرجال الهاربين الذين لا يعرفون كيف يعيشون. هيملي بوم تبدأ قصتهما وتنتهي عند مصب نهر نتم، كمكان للحبكة. وتصف هذا المكان المتناقض "للقاء والصدام"، حيث يمتزج كل شيء: الحياة والموت، الجمال والخطر، الأساطير الملحمية وسبل العيش البسيطة. هنا، تتدفق مياه النهر البنية إلى المياه الصخرية للمحيط، والتي يتم حملها لعدة كيلومترات، ويمكن رؤيتها بوضوح.. تتشابك الدراما والشعر في هذا النص مع دقة الصياغة.

"الشاطئ الآخر للبحر" بداية نهاية أنجولا البرتغالية

في روايته الجديدة "الشاطئ الآخر للبحر"، يتناول الكاتب البرتغالي أنطونيو لوبو أنتونيس ثورة في مزرعة قطن فى أنجولا، عام ١٩٦١، والقمع الوحشي لها والذى كان بمثابة الشرارة التي أشعلت حرب الاستقلال (١٩٦١-١٩٧٥). فى روايته المترجمة من البرتغالية إلى الفرنسية، يتناول الكاتب هذا الحدث ليس كمؤرخ، بل مثل سيل ينفجر فى جملته المتدفقة دون بداية أو نهاية تحمل مآسى ودموع سنوات طويلة من الاستعمار والتحرر.

كان لأنطونيو لوبو أنتونيس صورة في أوائل السبعينيات، التقطت على متن قارب. في المقدمة، مدفع رشاش. وفى الخلف، يجلس شابًا بالزي العسكرى الرسمي. كان قد أنهى للتو دراساته الطبية، وكما هو الحال مع العديد من البرتغاليين من جيله، تم إرساله إلى أنجولا للمساعدة في "استعادة النظام بين الملونين"، وهي العبارة التي وضعها فيما بعد على لسان أحد شخصيات الرواية. على القارب، كان لا يبدو كجندي. بنظرة بعيدة ومتأملة، يحمل دفترًا مفتوحًا على ركبتيه، كما لو أنه، ككاتب مستقبلي، كان يدون بالفعل ملاحظات للمستقبل.

وستظل آثار حرب إنهاء الاستعمار والمذابح محفورة في ذاكرته. منذ رواياته الأولى (مذكرات فيل، ١٩٩٨)، تعود أنجولا كفكرة مهيمنة على أحاسيسه. في "الشاطئ الآخر للبحر"، تستغل شركة كوتونانج البرتغالية البلجيكية العمالة المحلية لإنتاج القطن. في عام ١٩٦١، اندلعت ثورة: تمرد العمال على ظروف عملهم. كان القمع بلا رحمة، إذ سقط من سبعة آلاف إلى عشرة آلاف قتيل اعتمادًا على المصادر. تتشابك فى الرواية ثلاثة أصوات: صوت ابنة المزارع التي تتذكر شبابها وسط حقول القطن، وصوت مسئول استعماري سابق متزوج من امرأة أنجولية، وأخيرًا صوت عقيد في الجيش البرتغالي عند التقاعد.. وتتداخل القصص حتى تصبح كل صفحة فى الرواية أشكالًا من الأصداء المتنافرة التي لا تعبر إلا عن همجية العالم.

وتطول قائمة الكتب والروايات المميزة فى إصدارات عام ٢٠٢٤ باللغة الفرنسية، لكن المساحة لا تسمح بأكثر من ذلك.

مقالات مشابهة

  • إبداع ورسائل كالرماح.. مغردون يصفون عملية تسليم القسام دفعة الأسرى الرابعة
  • كواليس زيارة غامضة.. هل كانت رحلة علم‌ الهدى إلى بغداد بغطاء دبلوماسي أم شخصي؟
  • 80 برنامجًا تدريبيًا.. أكاديمية «إبداع» تستعد لإطلاق منصتها التفاعلية بالتعاون مع «إضافة ڤينتشر كابيتال»
  • صور | ”إبداع في كل ركن“.. زوار سوق المزارعين بالرامس يشيدون بتنوعه
  • خير صديق (2).. فاطمة بارودي تكتب: ماذا قرأ الناطقون بالفرنسية العام الماضى؟
  • طريقة عمل البسبوسة بدون فرن.. وصفة الشيف فاطمة أبو حاتي
  • الصالون الثقافي بمعرض الكتاب يناقش تأثير الإسكندرية في إبداع أونجاريتي
  • "ثريا" يفتتح مهرجان الإسماعيلية في عرضه العالمي الأول
  • ثريا يفتتح مهرجان الإسماعيلية في عرضه العالمي الأول
  • عرض فيلم ثريا في افتتاح مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة