مدفوعة بالحفاظ على مصالحها في السعودية -خصوصا في مدينة جازان جنوب غربي المملكة- وفي إطار تنافسها الشديد مع الولايات المتحدة، ألقت الصين بثقلها لإنهاء الخلاف بين الرياض وطهران وتوقيع اتفاق بكين الشهير.

فعلى ساحل المملكة الجنوبي، يسلط الاستثمار الصيني الضخم في منطقة جازان الضوء على التأثيرات المعاكسة لاهتمام بكين المتزايد في منطقة الشرق الأوسط.

وعلى وجه التحديد، قد يُعزى جزئيًا انخراط الصين مؤخرًا في المفاوضات لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران إلى مصالح الصين الاقتصادية المتنامية في مناطق السعودية التي قد تستفيد من المزيد من الاستقرار والهدوء على طول الحدود بين السعودية واليمن.

ويقول تقرير نشره "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط" إنه في عام 1938، حفر السعوديون والأمريكيون معاً بئر الدمام رقم 7، حيث اكتُشف النفط بكميات تجارية لأول مرة في شرق السعودية بعد ستّ محاولات باءت بالفشل.

وفي حين جرت عملية التنقيب في إطار شراكة اقتصادية بحتة بين السعودية والقطاع الخاص الأمريكي في البداية، فقد أرست الأساس لشراكة أمنية بين البلدين لا تقوم على مبيعات الأسلحة فحسب، بل على تضحيات الجانبين أيضًا.

ومعاً تصدّت السعودية والولايات المتحدة للسوفياتيين في أفغانستان وكبحت طموحات صدام حسين في ضم دولة الكويت المجاورة.

ولكن في عصر التغييرات الجذرية ووسط الجهود التي تبذلها السعودية لتنويع اقتصادها، سيفوّت البلدان فرصًا مفيدة إن لم يوسعا حدود هذه الشراكة الثنائية لتتجاوز نموذج "النفط مقابل الأمن".

فقد تعرّضت العلاقات بين الرياض وواشنطن لانتكاسات عدة في السنوات الأخيرة نظرًا لما أبدته الولايات المتحدة من عدم اهتمام بالشرق الأوسط.

وفي الوقت عينه، تذكّر مصالح عمالقة الأعمال الصينيين في المدن السعودية الكثيرين بعزم الشركات الأمريكية على البحث عن النفط في الصحراء السعودية منذ ما يقارب مئة عام. ويبدو أكثر فأكثر أن الصين أحد الرابحين في هذه الديناميكية المتغيرة.

اقرأ أيضاً

تحتاج لنفط السعودية وموقع إيران.. الصين تسير بحذر على حبل مشدود

ازدياد الاستثمارات الصينية

ويقول التقرير: "في حين يصعب تحديد حجم الاستثمارات الأمريكية في السعودية بالمقارنة مع الاستثمارات الصينية، يتجلى الانخراط الاقتصادي الصيني في المملكة بوضوح ويشهد نموًا".

وفي هذا الإطار، يكمن تناقض مثير للاهتمام في المؤتمرات المختلفة التي عقدتها السعودية مع الولايات المتحدة والصين على التوالي.

فعلى سبيل المثال، ركزت "قمة جدة للأمن والتنمية" التي جمعت الرئيس الأمريكي جو بايدن بمسؤولين سعوديين وغيرهم من القادة العرب في يوليو/تموز 2022، على الجانب الأمني من العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة، إلا أن اللهجة اختلفت لاحقًا في شهر ديسمبر/ كانون الأول عندما استضافت الرياض "القمة العربية الصينية للتعاون والتنمية".

ودفع هذا ببعض المحللين إلى التمييز بين توقعات السعودية بشأن الولايات المتحدة والصين وحدود علاقاتها الثنائية مع كل من الدولتين المتنافستين.

واستضافت أيضًا الرياض في شهر يونيو/حزيران الماضي "مؤتمر الأعمال العربي الصيني" الذي استقطب أكثر من 3600 مشارك، وضمت قائمة الانتظار أكثر من 1800 شخص إضافي بحسب ما علمتُ من أحد منظمي المنتدى. وبعد أسبوعين فقط، أرسلت السعودية وفدًا كبيرًا بقيادة وزير الاقتصاد السعودي إلى مؤتمر "دافوس الصيفي" في الصين.

وبالإضافة إلى هذا الزخم الحاصل، دعت الصين السعودية كضيف شرف إلى "معرض لانتشو الصيني للاستثمار والتجارة" الذي أقيم من 7 إلى 10 يوليو من هذا العام.

وازدادت التجارة الثنائية بين العامين 2014 و2021 بنسبة 24% تقريبًا، وارتفعت قيمتها من 70 مليار دولار إلى 87.3 مليار دولار في العام 2021. أما في العام 2022 فبلغت قيمة التجارة 106 مليارات دولار، في زيادة بنسبة 21% في سنة واحدة.

وخلافًا للرأي السعودي القائل إن الولايات المتحدة لا تستثمر بشكل كافٍ في رؤية التحول الاقتصادي في السعودية، تلقى الاستثمارات الصينية المتزايدة في المملكة الترحيب، الأمر الذي يدفع الصين إلى الابتعاد عن نهج المنفعة المجانية التي تعتمدها منذ وقت طويل، ويتجلى ذلك بوضوح في استثمارات بكين الكبيرة والمتنامية في المدن السعودية.

اقرأ أيضاً

هل تنجح دبلوماسية الصين بين السعودية وإيران في إنهاء حرب اليمن؟

دور منطقة جازان

ويشير التقرير إلى أن منطقة جازان الواقعة على الساحل الجنوبي للبحر الأحمر تعد خير مثال على هذا التحول، وتضع الاتجاهات الأوسع نطاقًا في العلاقات بين الصين والسعودية، مثل الوساطة الصينية الأخيرة بين الرياض وطهران، في إطارها الصحيح.

وتشكّل منطقة جازان هدفًا رئيسيًا للحوثيين نظرًا لموقعها بالقرب من الحدود اليمنية، ولكنها تواصل عملها بشكل طبيعي، مثل غيرها من المدن السعودية، بينما تحارب المملكة القوات الحوثية المدعومة من إيران في اليمن.

وتجذب منطقة جازان بفضل موقعها الاستراتيجي على البحر الأحمر مشاريع كبيرة مثل "مبادرة الحزام والطريق" الصينية، إذ تسهّل التجارة وتعزز الاتصال بين القارتين الآسيوية والأفريقية.

ومع أن جازان هي ثاني أصغر منطقة بين المناطق الإدارية الثلاث عشرة في المملكة، فهي تحتل مركز الصدارة في ما يتعلق بالمصالح الاقتصادية الصينية في السعودية حتى قبل إعلان ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عن رؤية السعودية 2030 لجذب الاستثمارات الأجنبية.

وفي العام 2009 استثمرت "شركة الألمنيوم الصينية المحدودة" المدعومة من الدولة مبلغ 1.2 مليار دولار لإنشاء مصهر ألمنيوم في مدينة جازان الاقتصادية.

وبذلك أصبحت "مدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية"، التي تفوق مساحتها 106 كيلومترات مربعة كما كان مخططًا، عماد الاستثمارات الصينية، بما في ذلك استثمار تفوق قيمته 21.3 مليار دولار لوصل شبكة طريق الحرير الصيني بأكثر من 100 سلسلة توريد محلية، بالإضافة إلى 570 مشروع تحت الإنشاء.

وتدفق آلاف العمال الصينين إلى المنطقة للعمل ضمن منطقة التنمية الخاصة بالمشاريع الصينية الممتدة على مساحة 19 كيلومترًا تقريبًا، ولا سيما في مجال الفولاذ والبتروكيماويات والسيليكون وخدمات السفن.

وتعتبر اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح في الصين هذه المنطقة واحدة من المناطق الصناعية الكبرى العشرين في العالم التي تتمتع بقدرة دولية مثبتة، وتشكل إحدى المناطق الصناعية التسع التي تم إنشاؤها في دول عربية.

اقرأ أيضاً

مركز أمريكي: السعودية وإيران منحتا الصين دورا في تقاربهما لإرسال رسالة إلى واشنطن

وبعد مرور أكثر من عشر سنوات، ما زالت المشاريع الصينية تشهد نموًا في "مدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية". ففي نوفمبر/ تشرين الثاني، بدأت "شركة الصين لهندسة الموانئ" (تشاينا هاربور للانشاء) ببناء نظام لتبريد مياه البحر داعم لـ "مدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية"، بعد منافسة مع مقدمي عطاءات محليين وأجانب.

وترى الصين أن العلاقة الاقتصادية مع جازان تسلط الضوء على فوائد استئناف العلاقات بين إيران والسعودية، بما يشمل حماية مصالحها في المدن السعودية من خلال الحدّ من خطر الهجمات بالطائرات من دون طيار والصواريخ التي قد يشنها حلفاء إيران في اليمن.

وتجدر الإشارة إلى أن جازان تعرضت لثلاث هجمات على الأقل في العام الفائت، من ضمنها الهجوم بطائرة من دون طيار على منشأة "أرامكو"، ولكن منذ التوصل إلى الاتفاق، لم يشن الحوثيون أي هجمات على جازان أو المدن السعودية الأخرى.

وقد يُعزى جزئيًا هذا الهدوء النسبي إلى الجهود التي بذلتها السعودية مؤخرًا لإحضار الأطراف اليمنية المتحاربة إلى طاولة المفاوضات في إطار سياسة "صفر مشاكل" التي انتهجتها والتي أنهت القطيعة مع إيران التي دامت سبع سنوات.

وتدحض أيضًا مصالح الصين في جازان الحجج التي تقلل من أهمية الدور الصيني في المصالحة بين السعودية وإيران.

ولعب العراق وعُمان والكويت دورًا في تيسير محادثات الخصمين الإقليميين، إلا أن التقارير الإعلامية الصادرة قبل الاتفاق تشير إلى أن مبادرة الرئيس شي جين بينج اتسمت بأهمية حاسمة في منع انهيار المحادثات.

وتجدر الإشارة إلى أن السعودية نقلت في نوفمبر معلومات استخباراتية إلى الولايات المتحدة حول هجوم إيراني "وشيك" على أهداف في المملكة قبل شهر واحد فقط من زيارة الرئيس الصيني إلى الرياض. ولكن الهجوم لم يحصل وهذا يبرز على الأرجح تأثير هذه المحادثات على وقف التصعيد.

اقرأ أيضاً

4 عوامل تحدد مستقبل الاتفاق السعودي الإيراني.. هل تضمنها الصين؟

الخطوات التالية للاستثمارات الصينية

إذا تم التقيد باتفاق بكين واستمر الضغط الإيراني على الحوثيين للكف عن مهاجمة السعودية، ستزداد الفرص أمام منطقة جازان.

وفي الواقع، أعلنت السعودية بعد شهر من الاتفاق عن إطلاق أربع مناطق اقتصادية خاصة، منها المنطقة الاقتصادية الخاصة في جازان الممتدة على مساحة 24 كيلومترًا تقريبًا، والتي تركز على قطاعات التعدين ومعالجة الأغذية والخدمات اللوجستية.

وتضم المملكة احتياطات تعدين كبيرة غير مستغلة تفوق قيمتها 1.3 بليون دولار، بما يتماشى مع هدف السعودية الاستراتيجي الذي ينطوي على الارتقاء بقطاع التعدين كركن أساسي من أركان الاقتصاد الوطني.

ووفقاً لمسؤول كبير في "هيئة المدن والمناطق الاقتصادية الخاصة"، تظهر الصين اهتمامًا كبيرًا في جني ثمار المناطق الاقتصادية الجديدة.

وعندما طلبت منه المقارنة بين الاستثمارات الأمريكية والصينية، أكد أن المناطق الاقتصادية الخاصة ترحب بالمستثمرين من البلدان كافة في سعي إلى سدّ أي ثغرات اقتصادية قائمة، مشيراً إلى وجود قطاعات لا يمكن فيها الاستغناء عن الشركات الأمريكية، لا سيما في منطقة رأس الخير التي ستركز على جذب الاستثمارات في مجال الحوسبة السحابية.

بيد أن الوجود الصيني يبدو واضحًا وملموسًا في مدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلة، وهذه هي الحال على الأرجح في المناطق الاقتصادية الخاصة الجديدة.

ويقع في جوار منطقة جازان الاقتصادية الخاصة مرفأ "مدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية" الذي بنته "شركة الصين لهندسة الموانئ" (تشاينا هاربور للإنشاء) وتشغله شركتا "هوتشيسون بورتس" و"تشاينا هاربور" في إطار اتحاد حصل على حق الاستثمار والتشغيل للمرحلة الأولى من الميناء لمدة 15 سنة.

ويضطلع هذا المرفأ بأهمية كبرى لـ"مدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية" والمنطقة الاقتصادية الجديدة، إذ يشكل بنية تحتية حيوية للشركات التي تسعى إلى ترسيخ وجودها هناك. وتجدر الإشارة أنه يمثل ثالث أكبر ميناء في السعودية، وييسّر مرور 13 إلى 15% من التجارة العالمية.

اقرأ أيضاً

الصفقة السعودية الإيرانية بعيون أمريكية: دور الصين مصلحة للولايات المتحدة

دعم رسمي وتضارب في الرأي العام

تملك العلاقات بين السعودية والصين القدرة على التطور بطرق مختلفة لا تقتصر على الاستثمار وحده. وفي هذا الإطار، أفادت تقارير غير رسمية في العام 2021 بأن الصين تساعد الرياض في بناء صواريخها الباليستية، كما تُعتبر الصين من مقدمي العطاءات المحتملين في برنامج المملكة النووي المدني. ومع ذلك، تتباين وجهات نظر الرأي العام السعودي تجاه الصين وتتضارب.

فمن ناحية تُعدّ الصين أكبر شريك تجاري للبلاد وتمتنع عمومًا عن التدخل في القضايا الداخلية، ولكن من ناحية أخرى، لم تُظهر الصين حتى الآونة الأخيرة نية قوية للاستفادة من نفوذها على إيران.

وسلّط الإعلام السعودي الضوء على هذه المسألة الأخيرة، إذ علّق الصحافي السعودي البارز عبدالرحمن الراشد في ديسمبر الفائت قائلًا إن الصين ترغب في التجارة مع السعودية وإيران، إلا أنها لا تلتزم بحماية الأسواق أو المضائق، ما يشكل عبئًا على دول المنطقة.

ومع ذلك، يمكن لمسعى بكين الأخير للتوسط في المصالحة أن يغير التصور السلبي لدى الجمهور السعودي بشأن عدم انخراط الصين.

ولا تزال السعودية ملتزمة أيضًا بتعزيز علاقتها مع الولايات المتحدة. وتتوفر فرص كثيرة لتنمية علاقات لا تقوم على صيغة النفط مقابل الأمن الحالية فحسب. وفي هذا الإطار، عبّرت رسائل من مسؤولين سعوديين بوضوح عن تفضيلهم مشاركة الولايات المتحدة على حساب الدول الأخرى.

وذكر تحديدًا وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في الشهر الماضي أن المملكة تفضل أن تكون الولايات المتحدة من مقدمي العطاءات لبرنامجها النووي المدني.

وعلى الرغم من هذه الرسائل، يمكن اعتبار العلاقة المتوترة بين إدارة بايدن والسعودية عاملاً يدفع المملكة إلى تعزيز التعاون مع الصين.

ومن جانب الصين، لا شكّ في أنها ستواصل استعراض قوتها في المنطقة من خلال الاستثمارات.

وإذا كان ثمة درس يمكن استخلاصه من عملية التنقيب على النفط التي تشاركت فيها السعودية والولايات المتحدة في ثلاثينيات القرن الماضي، هو أن المصالح الاقتصادية تستدعي أكثر من الاستثمارات، وأن هذا الاتجاه لا يظهر أي علامات على التباطؤ، لا سيما من دون زيادة المنافسة والمشاركة الاقتصادية الأمريكية.

اقرأ أيضاً

لـ6 أسباب.. إنجاز إيران والسعودية والصين "مهم لكن ضئيل"

المصدر | الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الصين جازان السعودية إيران المناطق الاقتصادیة الاقتصادیة الخاصة الولایات المتحدة السعودیة وإیران العلاقات بین بین السعودیة فی السعودیة ملیار دولار منطقة جازان ت السعودیة فی المملکة فی العام فی إطار أکثر من جازان ا إلى أن

إقرأ أيضاً:

مع اشتعال الحرب التجارية هل تنافس العملة الصينية الدولار؟

اليوان الصيني أو الرنمينبي عملة ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وهو الآن أحد أكبر المساهمين في النمو العالمي. وعام 2024، بلغ الناتج المحلي الإجمالي للصين 134.91 تريليون يوان (18.8 تريليون دولار) لتحافظ على مكانتها كثاني أكبر اقتصاد خلف الولايات المتحدة وفق منصة "شاينا بريفنغ".

والصين مصنع العالم وساهم قطاعها الصناعي بنحو 30.1% من ناتجها المحلي الإجمالي، وهو المساهم الأكبر على الإطلاق، يليه قطاع الجملة والتجزئة الذي يساهم بنحو 10.2% والقطاع المالي الذي يساهم بنحو 7.3% من الناتج الاقتصادي للبلاد وفق منصة ستاتيستا.

وارتفع اليوان مقابل الدولار، مما دفع الصين إلى خفض قيمته عدة مرات عام 2015، وقال القادة الصينيون إن هذا كان جزءًا من جهود إصلاح السوق في البلاد.

وأدى هذا بدوره إلى فتح حرب تجارية مع الولايات المتحدة التي وصفت الصين بالتلاعب بالعملة، وفرض الرئيس دونالد ترامب آنذاك رسوما جمركية على السلع الصينية بدءا من عام 2018، وردت الصين بفرض مجموعة من الرسوم الجمركية على المنتجات الأميركية وفقا لمنصة إنفستوبيديا.

ويعود هذا السيناريو من جديد الآن مع عودة ترامب للحكم والحرب التجارية التي بدأها مع كبريات اقتصادات العالم، ورد الصين بالمثل وبخفض قيمة اليوان.

إعلان

وقبل الدخول في تفاصيل تاريخ ومستقبل اليوان والحرب بينه وبين الدولارعلينا أن نفرق بين "اليوان" (Yuan) و" الرنمينبي" (Renminbi) وهما اسمان يستخدمان بالتبادل للدلالة على العملة الصينية، ولكنهما الشيء نفسه بالفعل؟

اليوان والرنمينبي

عُرفت العملة الصينية باسم اليوان منذ أن كانت الصين إمبراطورية، وتغير اسمها خمسينيات القرن الماضي عندما غيرتها جمهورية الصين الشعبية إلى الرنمينبي. ومع ذلك، لا يزال العالم يستخدم مصطلح اليوان وفقا لمنصة "ستدي".

ويعتبر اليوان بمثابة وحدة حسابية للنظام المالي والاقتصادي الصيني، وهو يمثل وحدة واحدة من النقود. ومن ناحية أخرى، فإن الرنمينبي هو الاسم الرسمي الذي تعتمده الدولة للعملة نفسها.

ويتم اختصار اليوان إلى "سي إن واي" (CNY) بينما يختصر الرنمينبي إلى "آر إم بي" (RMB) ويستخدم المصطلحان عادة بالتبادل أو معا في بعض دول العالم، لذا فليس من المستغرب أن يؤدي استخدامهما غالبا إلى إرباك المستثمرين وفق منصة "إنفستوبيديا".

ولتبسيط الأمر أكثر على القارئ فإن الأمر يشبه استخدام الدولار مرادفا لـ "الدولار" فرغم أن الاسم الرسمي للعملة بالولايات المتحدة هو "الدولار" فإنه في الحياة اليومية يشار إليها ببساطة باسم الدولار. وهما نفس الشيء، وكذلك الحال بالنسبة لليوان والرنمينبي، فهما اسمان لعملة واحدة وفقا لمنصة "وايز".

تاريخ اليوان

عندما نتحدث عن الصين فإننا نشير إلى واحدة من أقدم وأغنى ثقافات العالم والتي يعود تاريخها إلى آلاف السنين، وكانت الصين من الدول الرائدة في ابتكار العملة.

وكانت أولى الأشياء التي استخدمها الصينيون عملة هي الأصداف البحرية، وفي وقت لاحق، تم إنشاء العملات البرونزية بديلا لذلك النظام.

وتم تقديم العملة المسماة يوان لأول مرة عام 1889، متأثرة بالعملة الإسبانية (البيزو) التي كانت منتشرة على نطاق واسع جنوب شرق آسيا بسبب الوجود الإسباني في تلك المنطقة وفقا لمنصة "أي بانكس".

إعلان

وعام 1903، بدأ البنك الإمبراطوري الصيني في إنتاج اليوان على شكل ورق وعملات معدنية.

واستمر اليوان العملة الرسمية للصين الإمبراطورية حتى عام 1948، ومع الثورة الاشتراكية في أعقاب الحرب العالمية الثانية وتأسيس الجمهورية الشعبية تم تغيير اسم العملة اليوان بـ"الرنمينبي" مع تأسيس بنك الشعب، وتم إصداره عام 1949، وترجمة الرنمينبي هي "عملة الشعب" وفقا للمصدر السابق.

عملة احتياط رئيسية للبنك الدولي

ومع تحول الصين إلى أحد أبرز مراكز التمويل والتجارة في العالم أوائل القرن الـ21، ارتفع الرنمينبي كعملة عالمية.

وفي اعتراف بمكانته المرتفعة، أعلن صندوق النقد الدولي في نوفمبر/تشرين الثاني 2015 أن الرنمينبي ضم العملة الصينية كإحدى عملاته الاحتياطية، لينضم إلى الدولار واليورو والجنيه الإسترليني البريطاني والين الياباني كواحدة من عملات حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي المستخدمة في القروض بين الحكومات، وفق منصة بريتانيكا.

اليوان انضم للدولار واليورو والإسترليني والين كعملات حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد (الأوروبية) حروب اليوان والدولار

شهدت العلاقة بين اليوان والدولار صدامات كبيرة على مدى العقود الماضية، إذ تحولت الصين من اقتصاد مغلق إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وأدى هذا التحول إلى تنافس اقتصادي ونقدي بين العملتين، خاصة مع سعي الصين لتعزيز مكانة اليوان كعملة عالمية بديلة للدولار.

وكانت الصين تحافظ على سعر صرف ثابت لليوان عند 8.3 يوانات مقابل دولار أميركي واحد منذ عام 1997 إلى 2005 مما ساعدها على تعزيز صادراتها من خلال إبقاء اليوان منخفض القيمة، وانتقدت الولايات المتحدة هذه السياسة معتبرة أنها تمنح الصين ميزة غير عادلة بالتجارة الدولية، وفق رويترز.

وعام 2003 قدم السيناتور الأميركي شومر أول مشروع قانون في الكونغرس يستهدف قيمة اليوان.

وفي يوليو/تموز 2005 قرر بنك الشعب إنهاء ارتباط اليوان بالدولار، وتحديد قيمته عند 8.11 يوانات للدولار، ليطبق سعر صرف عائم مُدار يستند إلى العرض والطلب بالسوق في ضوء سلة من العملات، ويسمح لليوان بالارتفاع أو الانخفاض بنسبة 0.3% يوميا مقابل الدولار من سعر مرجعي يحدده بنك الشعب الصيني كل يوم.

إعلان

وأدى هذا إلى رعاية عضوين بمجلس الشيوخ الأميركي عام 2006 مشروع قانون لفرض رسوم جمركية عالية على السلع الصينية إذا لم تسمح بكين بارتفاع قيمة اليوان، وهو ما يعكس إحباط الكونغرس إزاء العجز التجاري الأميركي المتصاعد مع الصين، والذي بلغ مستوى قياسيا عند 233 مليار دولار عام 2006.

وفي 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2009 وصف رئيس البنك الدولي حينها زوليك دور الدولار كعملة احتياطية بأنه "آمن نسبيا" ولكنه قال إن الرنمينبي سوف يوفر خلال الأعوام العشرة إلى الـ15 المقبلة بديلا بمجرد تدويله وفقا للمصدر السابق.

وفي اليوم نفسه، أرسلت الصين أوضح إشارة حتى الآن بأنها مستعدة للسماح بارتفاع قيمة اليوان، قائلة إنها ستأخذ في الاعتبار العملات الرئيسية، وليس الدولار فقط، في توجيه سعر الصرف.

بنك الشعب الصيني قرر عام 2005 إنهاء ارتباط اليوان بالدولار ليستند للعرض والطلب وربطه بسلة من العملات (رويترز) طبول الحرب

بلغ الصراع ذروته عام 2019 عندما دفع وزير الخزانة الأميركي حينها ستيفن منوتشين، تحت رعاية الرئيس ترامب، بأن الصين دولة تتلاعب بالعملة، مما دفعه إلى العمل مع صندوق النقد الدولي للقضاء على الميزة التنافسية غير العادلة التي خلفتها تصرفات الصين الأخيرة.

ونفس العام أحدث تقرير للكونغرس -بشأن السياسات الاقتصادية الكلية وسياسات الصرف الأجنبي للشركاء التجاريين الرئيسيين للولايات المتحدة- أن الصين لديها تاريخ طويل في تسهيل العملة المقومة بأقل من قيمتها الحقيقية من خلال التدخل المطول والواسع النطاق في سوق الصرف الأجنبي.

وأوضح التقرير أن الصين اتخذت خطوات ملموسة لخفض قيمة عملتها، مع الحفاظ على احتياطيات كبيرة من النقد الأجنبي على الرغم من الاستخدام النشط لمثل هذه الأدوات في الماضي.

ويؤكد سياق هذه الإجراءات أن الغرض من خفض قيمة العملة الصينية هو الحصول على ميزة تنافسية غير عادلة في التجارة الدولية، على الرغم من أن صندوق النقد عارض هذا الرأي، ووجد أن قيمة العملة الصينية كانت عادلة.

إعلان

وأدى هذا إلى قيام الحرب التجارية ضد الصين والتي كانت قد بدأت شرارتها الأولى بالفعل في مارس/آذار 2018 عندما أعلن الرئيس ترامب أن فرض تعريفات جمركية على السلع المستوردة من الصين، وفق منصة "ساينس دايركت".

وبدأت إدارة ترامب بالفعل فرض سلسلة من التدابير التجارية، تستهدف على وجه التحديد الواردات من الصين، وفي المرحلة الأولى من المواجهة التجارية بين الولايات المتحدة والصين في 6 يوليو/تموز 2018 رفعت كل من الدولتين التعريفات الجمركية على ما يقرب من 34 مليار دولار من سلع كل منهما.

بعدها، وحتى يونيو/حزيران 2020، كانت كل واردات الولايات المتحدة تقريبا من الصين خاضعة لرسوم جمركية جديدة بمعدلات مختلفة، وردت الصين بفرض رسوم جمركية على الواردات من الولايات المتحدة، وفق المصدر السابق.

واستمرت هذه الحرب حتى عام 2020 عندما تراجعت الولايات المتحدة عن قرارها تصنيف الصين دولة متلاعبة بالعملة، وقالت الولايات المتحدة إنها أجرت هذا التغيير لأن الصين وافقت على الامتناع عن خفض قيمة عملتها لجعل سلعها أرخص بالنسبة للمشترين الأجانب.

مستقبل اليوان والتحديات

اليوان عملة ذات أهمية متزايدة في النظام المالي العالمي، وتسعى الصين إلى تعزيز دوره على الساحة الدولية من خلال عدد من المبادرات، ومن أهمها:

التدويل المتزايد: نجحت الصين في إقناع البلدان والشركات والبنوك المركزية في العديد من دول العالم بزيادة استخدام اليوان، وتحقيقا لهذه الغاية، عملت بكين على تعزيز التعاون الإقليمي والمتعدد الأطراف.
وعلى سبيل المثال، تعمل بكين على دفع البلدان التي تشكل مجموعة البريكس، بقيادة البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، إلى تعزيز استخدام العملات المحلية، بما في ذلك اليوان، في التجارة والاستثمار. نجحت الصين عام 2016، عبر مفاوضات مع صندوق النقد، في أن تجعل اليوان واحدة من العملات الدولية القابلة لتكون أحد مكونات الاحتياطيات من النقد الأجنبي للدول. اليوان الرقمي: تسعى الصين إلى رقمنة عملتها لتعزيز كفاءة نظامها المالي، وأكد مدير معهد أبحاث العملات الرقمية في بنك الشعب الصيني، مو تشانغتشون على ضرورة تبني قطاع التجزئة بالكامل للرنمينبي الرقمي لتحديث البنية التحتية المالية في الصين وفقا لمنصة التكنولوجيا المالية الحكومية العالمية، غلوبال غوفرنمنت فينتيك، ومنصة كوين تلغراف. إعلان أهم التحديات

رغم الجهود المستمرة لتعزيز دور اليوان في النظام المالي العالمي، فإن استبدال الدولار الأميركي باليوان كعملة احتياطية رئيسية يواجه تحديات كبيرة، ومن أهمها:

اليوان لا يزال غير قابل للتداول بحرية، مما يحد من اعتماده على نطاق واسع وفقا لرويترز. قوة الدولار وهيمنته على الأسواق العالمية: تمثل الولايات المتحدة نحو 25% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، لكن ما يقرب من نصف المدفوعات الدولية تمت تسويتها بالدولار العام الماضي وفق بيانات بنك الشعب الصيني، في حين أن ما يقرب من 60% من احتياطيات النقد الأجنبي لدى جميع البنوك المركزية العالمية مقومة بالدولار وفقا للمصدر السابق. تقلبات سعر الصرف: حدد بنك الشعب الصيني سعر تثبيت جديد لليوان مقابل الدولار في فبراير/شباط الماضي، فيما يبدو ردًا على التعريفات الجمركية التي فرضها ترامب على الصادرات الصينية، وحدد البنك سعر تثبيت اليوان عند 7.1693 مقابل الدولار مقارنة مع سعر 7.1698 الذي حدده أواخر يناير/كانون الثاني الماضي مما يؤجج الحرب التجارية مع الولايات المتحدة وفق صحيفة "جنوب الصين" الصباحية.
وتثير هذه العملية قلق المستثمرين والشركات، إذ تخشى الأسواق من تقلبات كبيرة في أسعار الصرف مع استمرار التأثيرات السلبية للرسوم الجمركية الأميركية على التجارة العالمية وتدفقات الأموال. التوترات الجيوسياسية: تؤثر العلاقات المتوترة بين الصين والولايات المتحدة على استقرار اليوان، حيث قد تؤدي السياسات التجارية والاقتصادية الأميركية إلى ضغوط إضافية على العملة الصينية. وعلى سبيل المثال هدد ترامب، مؤخرا بفرض رسوم جمركية بنسبة 100% على الواردات من الدول التي تتجنب استخدام الدولار في تعاملاتها التجارية.

وبينما يسعى اليوان لتعزيز مكانته العالمية من خلال مبادرات مثل الرقمنة وزيادة استخدامه بالتجارة الدولية، فإنه يواجه تحديات تتعلق بتقلبات سعر الصرف والتوترات الجيوسياسية التي قد تؤثر على استقراره ونموه المستقبلي.

مقالات مشابهة

  • مع اشتعال الحرب التجارية هل تنافس العملة الصينية الدولار؟
  • الصين تحذر تايوان وتعلن عن مناورات بحرية مع روسيا وإيران
  • محافظ الإسماعيلية يشهد وضع حجر الأساس لمشروع "دي سيتا" الصينية بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس بالقنطرة غرب باستثمارات ٤٠ مليون دولار للمرحلة الأولى
  • الصين وروسيا وإيران تجري مناورات بحرية مشتركة قبالة السواحل الإيرانية قريبا
  • الصين تعلن عن مناورات بحرية مشتركة مع روسيا وإيران
  • الخامسة منذ 2019..مناورة بحرية مشتركة بين الصين وإيران وروسيا
  • كلمة السر خلاف مالى.. حبس المتهم بقتل زوج شقيقته بأوسيم
  • قطر تؤكد الحاجة للتوصل إلى اتفاق بين أميركا وإيران
  • كيف أصبح ويتكوف كلمة السر في مصير اتفاق غزة؟
  • الصين تتعهد بدعم الدول الإفريقية في تسريع تنميتها الاقتصادية