محلل بريطاني: الرغبة الخليجية بالحفاظ على مصر مستقرة باتت ماضيا لهذه الأسباب
تاريخ النشر: 6th, August 2023 GMT
اعتبر الباحث والمحلل البريطاني آيه.اتش هيلير، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أن الرغبة الخليجية في الحفاظ على استقرار مصر باتت فكرة من الماضي.
وذكر هيلير في تحليل نشره بموقع المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية، أن الرغبة الخليجية في الحفاظ على استقرار مصر كانت في تزايد بعد نهاية الفترة الثورية الممتدة من 2011-2013 في مصر.
وذكر على الرغم من التباينات، يمكن القول إن دول الخليج الغنية بالنفطة كان لديها اتجاه عام لإنقاذ مصر من مشاكلها المالية، لا سيما خلال العقد الماضي.
وأشار هيلير إلى أنه خلال الفترة الأولى، كانت القوى الخليجية الإقليمية مانحة بشكل أساسي لمصر، وقدمت سخاءً نقديًا ضخمًا في ضوء قلقهم المشترك على استقرار أكبر دولة في العالم العربي. وتم إيداع مليارات الدولارات في البنوك المصرية خلال تلك الفترة.
لكن مع مرور الوقت أصبحت العواصم الخليجية أكثر ترددًا في تقديم تغطية مباشرة للقاهرة، وفضلت إعادة توجيه أموالها، وإن كانت لا تزال تستهدف مصر.
وأوضح أنه في الماضي، كان التركيز في المقام الأول على ما تعتبره هذه الدول دعماً للاستقرار، لكن المخاوف الأمنية الخليجية من تداعيات عدم الاستقرار في مصر تراجعت، وأصبحت تلك الدول أكثر اهتمامًا بالحصول على عوائد مقابل استثماراتها.
اقرأ أيضاً
الاقتراض يعيد مستثمري الديون لمصر ويهز الاقتصادات الخليجية
وأضاف هيليرأن هذا الاتجاه الناشئ لم يكن يعني إنهاء الأموال الخليجية لمصر، ولكنه يعني أن حصة من الصناديق الخليجية قد أعيد تخصيصها للاستثمارات التجارية، وليس حصريًا كمنح وقروض بفائدة منخفضة، كما كان يُرى في كثير من الأحيان سابقًا.
فقد أنفق صندوق الاستثمارات العامة في السعودية وصندوق الثروة السيادي الإماراتي ADQ 4 مليارات دولار في عام 2022 وحدهما في الاستحواذ على حصص تجارية في شركات مصرية مختلفة.
مصاعب اقتصادية وإصلاحات
على مدار السنوات الأخيرة، واجه الاقتصاد المصري على مستوي الاقتصادي الكلي والجزئي صعوبات هائلة، وكان السعر الرسمي للجنيه المصري في عام 2016 حوالي 8 جنيهات للدولار، ثم شهد أول تخفيض كبير لقيمة الجنيه أكثر من النصف،
حتى مارس/ آذار 2022، ظل هذا السعر (حوالي 15 جنيهاً للدولار) قائماً؛ لكن اليوم يتم تداول الدولار الواحد مقابل 31 جنيه.
كان لذلك آثار غير مباشرة على التضخم وأسعار المواد الغذائية، حيث شهدنا ارتفاعات هائلة؛ وسجل أبريل/نيسان 2023 تضخمًا بنسبة 32.7٪ مقارنة بالشهر السابق، بينما بلغ معدل التضخم الأساسي السنوي في مصر 38.5٪.
وقال صندوق النقد الدولي (IMF) إن هناك قضايا هيكلية عميقة في الاقتصاد المصري جعلت هذا النموذج غير مستدام إلى حد ما، وفاقمت تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا الأزمة المالية المصرية.
كما سحب مستثمرو السندات الأجنبية في القاهرة حوالي 20 مليار دولار من ديون مصر، والتي احتاجتها السلطات لتمويل عجز الحساب الجاري، ونتيجة لذلك كان على القاهرة أن تطلب من صندوق النقد الدولي والخليج مساعدتها في أزمتها المتفاقمة.
ولكن على عكس الفترات السابقة المماثلة، هناك الآن اختلاف كبير في وجهات النظر يصل لحد الصدام فيما يتعلق بطريقة الحفاظ على مصر مستقرة.
عدم توافق
وذكر المحلل أن هناك عدم توافق كامل بين القاهرة والخليج بسبب القلق المتزايد من قبل دول مجلس التعاون الخليجي بشأن الاقتصاد المصري، كما أن هناك حالة من الإحباط بسبب عدم تنفيذ الحكومة المصرية الإصلاحات المتوقعة.
وفي مقدمة ذلك تلك الإصلاحات غير المحققة، النسبة الكبيرة في ملكية الدولة، بما في ذلك تزايد ملكية الجيش لجزء كبير من الاقتصاد المصري، إذ يمكن القول إن ذلك أصبح مشكلة المشاكل بالنسبة للمستثمرين الأجانب، وكذلك صندوق النقد الدولي، الذي قدم عدة قروض لمصر خلال السنوات الأخيرة.
ورأي الكاتب أن سياسات الاقتصاد الكلي في مصر بما في ذلك ملكية الدولة هي الآن مسألة ذات أهمية، لأنها قد تؤثر على عوائد استثمارات دول مجلس التعاون الخليجي، وضرورة مشاركة دول مجلس التعاون الخليجي مالياً في مصر في المقام الأول.
في هذا الصدد، فإن صندوق النقد الدولي، وشركاء مصر في مجلس التعاون الخليجي، متفقون وموحدون على هدف طموح: "الضغط على القاهرة لإجراء إصلاحات هيكلية".
ولكن في حين يمكن القول إن مثل هذه الإصلاحات مهمة للغاية على المدى الطويل، فمن المرجح أن تكون آثارها على المدى القصير مؤلمة إلى حد ما على المجتمع لتحملها، مما يثير مخاوف بشأن عدم الاستقرار السياسي.
اقرأ أيضاً
بلومبرج: دول الخليج احتجزت حزمة نقدية لمصر حتى تنفذ وعودها الاقتصادية
في الوقت الذي تسعى فيه القاهرة إلى إيجاد طرق لتخفيف نقص العملة الأجنبية، وسد فجوة تمويلية تقدر بنحو 17 مليار دولار، اقترحت بيع أصول مختلفة مملوكة للدولة.
من المرجح أن يكون المشترون لهذه الأصول من الحلفاء الخليجيين، لكن لم يحدث شيء يذكر عن طريق المبيعات الجماعية، حيث يقترح المحللون أن القاهرة تضغط بشدة من أجل التوصل إلى صفقة.
وكما قال أحد المصرفيين الدوليين لصحيفة فاينانشيال تايمز، فإن "موقف مصر هو بيع الأشياء بأعلى من أسعارها في السوق لأن المصريين يجادلون بأن أسعار الأسواق الحالية متدنية ولا تمثل القيمة طويلة الأجل".
ورأي المحلل البريطاني أنه بصرف النظر عما إذا كانت القاهرة محقة في هذا الصدد، فإن مصر تحتاج إلى الأرباح المالية من المبيعات، أكثر من احتياج دول مجلس التعاون الخليجي للشراء.
بالإضافة إلى التناقض في التوقعات فيما يتعلق بالأسعار، هناك أيضًا عدم توافق أوسع فيما يتعلق بالإصلاحات الاقتصادية الهيكلية، التي تصر دول الخليج بشكل متزايد على تنفيذها من قبل مصر.
آفاق المستقبل
وبالرغم من المعطيات السابقة فإنه يبدو أن المزاج السائد في القاهرة في الوقت الحالي هو أن "مصر أكبر من أن تفشل"، وأن الجهات الخارجية ستتدخل لضمان عدم تخلف مصر عن سداد ديونها والدخول في حالة من السقوط الاقتصادي الحر.
وعقب هيلير أنه ربما كان هذا هو الحال في الماضي، لكن الحقائق الاقتصادية في المنطقة وفي دول مجلس التعاون الخليجي لم تعد كما كانت من قبل، وإحباط دول مجلس التعاون الخليجي المتزايد من فشل مصر في تنفيذ إصلاحات، كما يظهر في استبدالها المنح والودائع بالاستثمارات المجدية تجاريًا، قد يغير هذا الحسابات.
قد يكون ترك مصر تتخلف عن سداد ديونها كارثيا بالنسبة لدول الخليج ولكن قد يكون من وجهة نظر دول مجلس التعاون الخليجي حاليا أنه سيكون أكثر كارثية إذا تم دعم مصر مجددا.
علاوة على ذلك، فإن من مصلحة دول مجلس التعاون الخليجي المباشرة تمامًا اتخاذ خطوات معينة، مثل المزيد من تخفيض قيمة الجنيه المصري - مما سيجعل مشترياتها الإضافية ميسورة التكلفة اقتصاديًا.
وبحسب هيلير فإن الوضع الجيوسياسي العام لمصر على هذه الخلفية
يستحق أيضًا النظر فيه والمراقبة، فلا تزال القاهرة في الوقت الحالي تحظى بأهمية أكبر بكثير في الملف الفلسطيني الإسرائيلي من أي دولة عربية أخرى حتى الآن – ولكن مصر تلعب دورا أساسيا في هذا الصدد وقت الأزمات في الأراضي الفلسطينية الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي، خلاف ذلك، فإن عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين قد تجاوزت مرحلة الاحتضار.
في ملفات أخرى أوسع، اتخذت دول الخليج المختلفة، ولا سيما السعودية، موقع الصدارة من حيث القوة والنفوذ الجيوسياسي، كما يتضح من إعادة دمج الرئيس السوري بشار الأسد في جامعة الدول العربية، أو المصالحة بين السعودية وإيران، في كلتا الحالتين، لم تكن القاهرة منخرطة بشكل حاسم.
وأشار إلى أنه في الأزمة السودانية الجارية حاليًا، كان دور السعودية في معالجة الصراع منافسًا لمصر، في حين أن هذا كان سيكون مختلفًا تمامًا منذ عقد أو نحو ذلك، لافتا إلى أنه يكون لمشاكل القاهرة الاقتصادية عواقب متوقعة في طرق أخرى.
اقرأ أيضاً
دول الخليج لمصر: تنفيذ شروطنا قبل أي مساعدة اقتصادية
المصدر | آيه.اتش هيلير/ المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية- ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: مصر دول الخليج دول مجلس التعاون الخلیجی صندوق النقد الدولی الاقتصاد المصری دول الخلیج فی مصر
إقرأ أيضاً:
بهلوي: العلاقات الإيرانية الخليجية قبل الثورة الإسلامية كانت مثمرة
تحدث رضا بهلوي، ولي عهد إيران السابق ونجل شاه إيران الراحل، عن رؤيته لمستقبل العلاقات بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي، مشيرًا إلى أن التغيير السياسي المحتمل في إيران يمكن أن يكون نقطة انطلاق لتعزيز التعاون الإقليمي.
وأوضح بهلوي، في حواره مع CNN، أن العلاقات بين إيران ودول الخليج قبل الثورة الإسلامية كانت مثمرة للغاية، مؤكدًا أن هناك إمكانات هائلة لاستعادة تلك العلاقات وبنائها على أسس من الاستقرار والاحترام المتبادل.
وقال: "إذا سألنا قادة دول مجلس التعاون الخليجي، وخاصة محمد بن سلمان أو محمد بن زايد، عن العلاقة التي كانت تربط والديهما بإيران قبل الثورة، ما نوع العلاقة التي كانت قائمة، كانت مثمرة للغاية ويمكن أن تكون أفضل بكثير حتى في المستقبل".
وأكد أن مصلحة إيران الوطنية تكمن في أن تكون عنصرًا فاعلًا في تعزيز السلام والاستقرار في المنطقة.
وأضاف: "نحن بحاجة إلى العمل مع دول الجوار لمواجهة التحديات المشتركة وتحقيق الازدهار للجميع، بما يشمل الإيرانيين والعراقيين والسعوديين والإماراتيين والمصريين والسوريين".
وأشار إلى أن تحقيق هذه الرؤية يتطلب تعاونًا إقليميًا فعالًا، مع التركيز على المصالح المشتركة التي تخدم تطلعات شعوب المنطقة بأكملها.
وفي نيسان/ أبريل عام 2023، وبوساطة صينية، اتفق وزيرا الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، والإيراني الراحل حسين أمير عبد اللهيان، على فتح سفارتي البلدين.
جاء ذلك بحسب بيان مشترك بين البلدين نقلته وكالة الأنباء السعودية، عقب لقائهما في العاصمة الصينية بكين، بعد الاتفاق على عودة العلاقات الدبلوماسية في 10 مارس/آذار 2023.
وأفاد البيان، بأنه جرت مباحثات بين الوزيرين في بكين، "في إطار التنسيق بين البلدين حيال الخطوات اللازمة لاستئناف العمل الدبلوماسي والقنصلي بينهما".
وأكد الجانبان خلال المباحثات على "أهمية متابعة تنفيذ اتفاق بكين وتفعيله، بما يعزز الثقة المتبادلة ويوسع نطاق التعاون، ويسهم في تحقيق الأمن والاستقرار والازدهار في المنطقة".