يعدّ يوم عرفة من أعظم الأيّام التي تمرّ على المسلمين؛ إذ إنّه يوم توبة وإنابة العباد إلى ربّهم -عزّ وجلّ-، كما أنّه يوم الطاعات والعبادات التي تقرّبهم منه -سُبحانه-، ليُدركوا بأنّ ما أعدّه لهم من الأجر والثواب خيرٌ من الدُّنيا وما فيها من ملذّاتٍ وأهواءٍ، ولذلك يُستسحن بكلّ مُسلمٍ الإقبال على الطاعات والعبادات فيه، واستغلاله بما يحقّق رضى الله -سُبحانه وتعالى-، ويقي النّفوس من الشحناء والبغضاء.
ووردت العديد من الأقوال في بيان سبب تسمية يوم عرفة بهذا الاسم؛ ومنها ما يأتي:
قيل لأنّ الوقوف في عرفة يكون فيه.قيل لأن إبراهيم -عليه السلام- عَلِمَ في ذلك اليوم أنّ رؤيته حقٌّ. إذ كان قد رأى في منامه ليلة التروية أنّه يذبح ابنه إسماعيل -عليه الصلاة والسلام-، وقد تروّى بالحكم إن كان من الله أم لا، ثمّ عَلِم أنّه من الله -سُبحانه- في الليلة التالية.قيل إنّه سُمّي بذلك من العَرْفِ؛ أيّ الطِّيبُ، وقيل لأنّ العباد يعترفون فيه بما فعلوه من ذنوبٍ.قال النّسفي إنّه سُميّ بيوم عرفة لأنّ لقاء آدم بحوّاء كان في ذلك اليوم عند جبل عرفات، إذ كانا قد افترقا بعد هبوطهما من الجنّة.قيل إنّه سُميّ بيوم عرفة؛ لعلوّ العباد فيه على الجبل، إذ كانت العرب تُطلِق على ما علا عن الأرض عرفة.تاريخ يوم عرفةيوم عرفة؛ هو اليوم التاسع من شهر ذي الحِجّة، وهو الشهر الثاني عشر من أشهر السّنة الهجريّة؛ أي الشهر الأخير منها، ويأتي بعد شهر ذي القعدة، وتؤدّى فيه مناسك الحجّ، كما أنّه من الأشهر الحُرُم؛ أي الأشهر التي كان القتال مُحرّمًا فيها عند العرب قديمًا.
فَضْائل يوم عرفةفضائل يوم عرفة عظيمة جدًا وكثيرة، وسنذكر بعض فضائله بما يأتي:
يوم لنيل العتق من نار جهنّم، ومغفرة الذنوب
وثبت عن عائشة أمّ المؤمنين -رضي الله عنها-، أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (ما مِن يَومٍ أَكْثَرَ مِن أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فيه عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِن يَومِ عَرَفَةَ، وإنَّه لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بهِمِ المَلَائِكَةَ، فيَقولُ: ما أَرَادَ هَؤُلَاءِ)، لذلك يجدر بالمسلم اجتناب كلّ ما حرّم الله؛ لنَيْل العتق من النار، ومغفرة الذنب.
مُباهاة الله -تعالى- الملائكة بأهل عرفةوقال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّ اللهَ -عزَ وجلَّ- يباهي ملائكتَهُ عشيةَ عرفةَ بأهلِ عرفةَ فيقولُ: انظروا إلى عبادي أتوني شُعثًا غُبرًا)، ومن أتمّ النِّعم التي يمنّ بها الله -تعالى- على عباده يوم عرفة؛ نزوله إلى السماء الدُّنيا، إذ قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (ما مِن يومٍ أفضلُ عندَ اللهِ مِن يومِ عرفةَ ينزِلُ اللهُ إلى السَّماءِ الدُّنيا فيُباهي بأهلِ الأرضِ أهلَ السَّماءِ).
أفضل الأعمال يوم عرفةويستطيع المسلم التقرب إلى الله -تعالى- بما شاء من العبادات في يوم عرفة، وسنذكر بعض العبادات فيما يأتي:
الوقوف بعرفةويعدّ الوقوف بعرفة الركن الأعظم من أركان الحجّ، فقد قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (الحجُّ عرفاتٌ، الحجُّ عرفاتٌ، الحجُّ عرفاتٌ. أيامُ مِنى ثلاثٌ فمنْ تعجّلَ في يومينِ فلا إِثْمَ عليهِ ومن تأخّرَ فلا إثْمَ عليهِ، ومن أدركَ عرفةَ قبلَ أن يَطلعَ الفجرُ فقد أدركَ الحجَّ).
ومن فاته الوقوف بعرفة؛ فاته الحجّ، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "الحجّ عرفة؛ أيّ هو الأصل، والباقي تَبَعٌ"، ونقل ابن قدامة إجماع العلماء على ذلك.
ذِكْر الله تعالىويُسنّ الإكثار من ذِكْر الله -تعالى- يوم عرفة، في أي جزءٍ من أجزائه، وفي أي حالٍ من الأحوال؛ جلوسًا، أو قيامًا، أو إضجاعًا، ومن صور ذِكْر الله؛ التكبير، والتهليل، والتحميد، وغير ذلك، إذ قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (ما مِن أيَّامٍ أعظَمُ عِندَ اللهِ ولا أحَبُّ إليه مِن العَمَلِ فيهنَّ مِن هذه الأيَّامِ العَشرِ، فأكثِروا فيهنَّ مِن التَّهليلِ والتَّكبيرِ والتَّحميدِ).
صيام يوم عرفةوبيّن الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- فَضْل صيام يوم عرفة بقَوْله: (صِيَامُ يَومِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ علَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتي بَعْدَهُ)، وقال الإمام النوويّ -رحمه الله- مبيّنًا المقصود من الحديث النبويّ: "المراد غير الكبائر"، أيّ أنّ الذّنوب التي تُكفّر بصيام يوم عرفة صغائر الذنوب من غير الكبائر.
وقال البلقينيّ أيضًا: "الناس أقسام: منهم من لا صغائر له ولا كبائر؛ فصوم عرفة له رفع درجاتٍ، ومن له صغائر فقط، بلا إصرارٍ؛ فهو مكفّرٌ له باجتناب الكبائر، ومن له صغائر مع الإصرار؛ فهي التي تُكفّر بالعمل الصالح؛ كصلاةٍ، وصومٍ، ومن له كبائر وصغائر؛ فالمكفّر له بالعمل الصالح الصغائر فقط، ومن له كبائر فقط؛ يُكفّر عنه بقَدْر ما كان يُكفّر من الصغائر".
أفضل ما يقال في يوم عرفة فضل يوم عرفة الدعاء في يوم عرفةويُستحبّ الدُّعاء يوم عرفة؛ إذ إنّه من أوقات الاستجابة، كما أنّ ثوابه أعظم، قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (خيرُ الدُّعاءِ دعاءُ يومِ عرفةَ)، كما يُستحبّ الثناء على الله -عزّ وجلّ- قبل الدُّعاء.
ويبدأ الدُّعاء يوم عرفة بعد زوال الشّمس؛ أي بعد أداء الحجّاج لصلاتي الظُّهر والعصر، جَمْعًا وقَصْرًا وقت الظُّهر، بأذانٍ واحدٍ وإقامتَين، فيتوجّه الحجاجّ إلى عرفة، ويتقرّبون من الله -سُبحانه- بالدُّعاء، والذِكْر، والتلبية، والدُّعاء بعد حَمْد الله، والصلاة على النبيّ محمّد -صلّى الله عليه وسلّم-، ويستمرّ الحجّاج على ذلك الحال إلى غروب الشّمس.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: يوم عرفة دعاء يوم عرفة فضل دعاء يوم عرفة أفضل دعاء يوم عرفة دعاء ليلة يوم عرفة دعاء عرفة خير الدعاء دعاء يوم عرفة عيد الاضحى عيد الأضحى المبارك عيد الأضحى المعظم عيد الأضحى 2024 عيد الأضحى 1445 علیه الصلاة والسلام فی یوم عرفة قال النبی قال الن ومن له التی ت
إقرأ أيضاً:
كيف نعرف أننا صادقون مع الله؟.. الدكتور أسامة قابيل يجيب
أكد الدكتور أسامة قابيل، من علماء الأزهر الشريف أن الصدق مع الله ليس مقتصرًا على مواسم الطاعات مثل شهر رمضان أو الأعياد، بل يجب أن يكون أسلوب حياة مستمرًا يتبعه المسلم في كل وقت وحين.
وقال العالم الأزهري خلال حوار مع الإعلامية إيمان رياض، بحلقة برنامج "من القلب للقلب"، المذاع على قناة "MBC MASR2"، اليوم الاثنين: "الصدق مع الله هو من أهم القيم التي علمنا إياها سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ما يجب أن نتمسك به دائمًا في حياتنا، سواء في عباداتنا أو نوايانا أو حتى في تعاملاتنا اليومية مع الناس."
وأضاف: "خلال شهر رمضان وعيد الفطر وعيد الأضحى، عشنا أوقاتًا مليئة بالطاعات والتقرب إلى الله، وعلينا أن نستمر في هذه الروح بعد انقضاء هذه الفترات، لأن الصدق مع الله يجب أن يكون جزءًا من حياتنا اليومية، ولا يقتصر على أوقات معينة."
كما أشار إلى قوله تعالى: "فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله"، مؤكدًا أن هذه الآية تدعونا إلى الاستمرار في ذكر الله والتمسك بالصدق في جميع الأوقات، سواء في مناسك الحج أو الصلاة أو في غيرها من الطاعات، موضحا أن التراخي بعد موسم الطاعات يُعد من أكبر التحديات التي يواجهها المسلم، حيث إن الحفاظ على الصدق مع الله يتطلب جهدًا مستمرًا.
وأوضح أنه كما أن المسلم يضحي بماله وصحته في الحج تقربًا إلى الله، فإنه يجب عليه أيضًا أن يستمر في العبادة والصدق مع الله بعد أداء مناسك الحج، قائلاً: "إن الحياة في سبيل الله تتطلب منا الثبات على الطاعة في كل وقت، وليس في أوقات معينة فقط."
وأكد على أن الثبات على الصدق مع الله يفتح للإنسان أبواب الجنة، مستشهدًا بالآية الكريمة: "إن المتقين في جنات ونهر، في مقعد صدق عند مليك مقتدر"، مشدد على ضرورة الدعاء إلى الله بالثبات على الصدق في كل تفاصيل الحياة، وهذا ما يضمن للإنسان النجاح في الدنيا والآخرة.