يكبر المرء، ويدرك ما أدركه الغزالي في قوله: «ميزة العقل في قدرته على كشف عجزه»، على أن عجز العقل ميزة عقلانية بمعنى أننا كلما أدركنا أن هناك أمراً يعجز عقلنا عن كشفه فهذا يدفع بنا إلى التواضع العلمي، ومن ثم البحث عن الحكمة العلمية، ولكن بعقل مفتوح على الاحتمالات، وتعدد الوجود ومتغيرات الأحوال، وبما أن الأحوال تتغير، فالأحكام حولها وعليها يجب أن تتغير، وما كان معقولاً في حال معينة سيصبح غير معقول حين تتغير تلك الحال، ومثال ذلك هو قانون العبودية، وهو قانون قديم أقرته الفلسفة الإغريقيّة، وقال به أفلاطون، وميّز بين العبد والسيد، وكذلك ميّز بين الرجل والمرأة بقناعة عقلية راسخة حينها، وبقبول مطلق منه، ومن عصره وثقافة زمنه، ثم تبدلت الأحوال، وأصبحت التمييزات هذه عنصريةً وطبقيةً ومناقضة للعقل والعقلنة، ويقاس عليها فكرة إصلاح العالم، وهي فكرة رومانسية تولد كرغبة مع طفل، وكأنها هبة فطرية، وكلما تفتح عقل الطفل وتنامى تبارد عليه حس برغبات لإصلاح العالم، وقد مررنا في مرحلتنا ومطالع أعمارنا بأنواع من هذه الرغبات، وظلت تتحرك بها نفوسنا لنتطلع لصياغة الكون حسب متخيلاتنا للصيغ التي ترضي وجداننا وعقولنا التي تظل تكبر إلى أن تتعلم أن الواقع أكبر من عواطفنا وربما نزواتنا، فنشرع في تعديل خططنا لنكتشف في النهاية أننا نواجه صعوبات حتى في إصلاح أنفسنا، وستهولنا كمية السقطات التي نقع فيها رغم دعوانا بكمال العقل ورزانة البصيرة.


ولكن الخطير في الأمر حقاً هو توظيف اللحظات المبكرة من أعمار الجيل الشاب في تكريس فكرة إصلاح العالم، وهذه هي البوابة التي تدخل عبرها الأيديولوجيات الشريرة، حيث تزين للنفوس فكرة الحق الذي يطرحه الفكر المؤدلج، وما عداه شرور لا بد أن تستأصل، وقد روي عن أسامة بن لادن أنه كان يحرص أعوانه على انتقاء ذوي الأعمار الصغيرة من شباب البيئات المتدينة تحديداً، لتحفيز فكرة الجهاد والتضحية لمشروعهم المؤدلج تحت معاني مقدسة يجري تحويلها من معانيها التعبدية والإنسانية إلى معانٍ عدوانية تميل لشيطنة المختلف عنهم، وذلك من باب توظيف العقول الفتية واستنهاض العقل الفطري لمشروع تغيير العالم من فاسد إلى عالم صالح، حسب نموذج معمم بعمامة الأدلجة، وكما جعل أفلاطون العبودية حقاً للسيد في استعباد الآخرين، وتملك أجسادهم، فإن أمثال بن لادن يملكون مهارات لاستعباد الصغار فيلبسونها لبوس الدين، في حين كان أفلاطون يتلبس بلبوس العقل، وفي الحالين تتم نمذجة العقول حسب قوانين اللعبة ذاتها، على أن أفكار الأحزاب المؤدلجة، قومياً أو دينياً أوعرقياً، تسير في المسار نفسه، ومن ثم تنمو دعوى إصلاح العالم، لكنها تنتهي بإفساد العالم.

أخبار ذات صلة د. عبدالله الغذامي يكتب: اشتعال الأفكار/ وجع الكتابة د. عبدالله الغذامي يكتب: الألفاظ أجساد وجمالها في ملابسها

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الغذامي عبدالله الغذامي إصلاح العالم

إقرأ أيضاً:

أستاذ علاقات دولية: قمة العشرين تكتسب أهميتها نتيجة للظروف التي يمر بها العالم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

قال الدكتور حامد فارس أستاذ العلاقات الدولية، إن قمة مجموعة العشرين تنعقد في توقيت حساس يسبق تولي إدارة أمريكية جديدة بقيادة دونالد ترامب رسميًا، إذ تأتي القمة وسط أزمات متفاقمة، أهمها الصراع الروسي الأوكراني، وتصاعد التوترات في منطقة الشرق الأوسط، مما يجعلها محورًا مهما للبحث عن حلول للملفات الشائكة.

وأضاف "فارس"، خلال مداخلة لبرنامج "ملف اليوم"، المُذاع على فضائية "القاهرة الإخبارية"، من تقديم الإعلامية أية لطفي، أن القمة تكتسب أهمية مضاعفة نظرًا للزخم الذي تضفيه مشاركة دول ذات ثقل اقتصادي وسياسي عالمي، مشيرًا إلى أن القمة لا تقتصر على الشؤون الاقتصادية، بل تمتد لمناقشة أزمات سياسية تؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد العالمي، مثل الحرب في أوكرانيا والتوترات في الشرق الأوسط.

وأشار إلى أن تفاقم الأزمات السياسية يؤدي إلى تعطيل سلاسل الإمداد، خاصة في البحر الأحمر، وتأثير سلبي على إمدادات الغذاء العالمية، وهي قضايا لا يمكن لدول مجموعة العشرين تجاهلها، متابعا، أنّ منطقة الشرق الأوسط تعد عاملًا محوريًا في النقاشات، حيث أن التصعيد في المنطقة، خصوصًا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والتوترات مع إسرائيل، يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي العالمي.

مقالات مشابهة

  • عدنان الروسان يكتب ..  عصا السنوار تلقف ما صنعوا .. و حالة الضياع الكبير تلف أمريكا..!!
  • د.حماد عبدالله يكتب: مطلوب تطوير النظم !!
  • د.حماد عبدالله يكتب: "عهر" الإعلام الخاص !!!
  • أستاذ علاقات دولية: قمة العشرين تكتسب أهميتها نتيجة للظروف التي يمر بها العالم
  • أحمد الليموني يكتب: لماذا الصين؟!
  • رونالدو يطلب من النصر التعاقد مع محمد صلاح
  • مؤمن الجندي يكتب: صلاح والحمار
  • د.حماد عبدالله يكتب: " مطبلاتية " حول المسئول !!
  • كريستيانو رونالدو يكتب صفحة جديدة في مسيرة محمد صلاح
  • آخرهم داليا فؤاد.. بلوجرز استغلوا شهرتهم في إفساد المجتمع