د. عبدالله الغذامي يكتب: صلاح العالم/ إفساد العالم (أدلجة المعاني)
تاريخ النشر: 15th, June 2024 GMT
يكبر المرء، ويدرك ما أدركه الغزالي في قوله: «ميزة العقل في قدرته على كشف عجزه»، على أن عجز العقل ميزة عقلانية بمعنى أننا كلما أدركنا أن هناك أمراً يعجز عقلنا عن كشفه فهذا يدفع بنا إلى التواضع العلمي، ومن ثم البحث عن الحكمة العلمية، ولكن بعقل مفتوح على الاحتمالات، وتعدد الوجود ومتغيرات الأحوال، وبما أن الأحوال تتغير، فالأحكام حولها وعليها يجب أن تتغير، وما كان معقولاً في حال معينة سيصبح غير معقول حين تتغير تلك الحال، ومثال ذلك هو قانون العبودية، وهو قانون قديم أقرته الفلسفة الإغريقيّة، وقال به أفلاطون، وميّز بين العبد والسيد، وكذلك ميّز بين الرجل والمرأة بقناعة عقلية راسخة حينها، وبقبول مطلق منه، ومن عصره وثقافة زمنه، ثم تبدلت الأحوال، وأصبحت التمييزات هذه عنصريةً وطبقيةً ومناقضة للعقل والعقلنة، ويقاس عليها فكرة إصلاح العالم، وهي فكرة رومانسية تولد كرغبة مع طفل، وكأنها هبة فطرية، وكلما تفتح عقل الطفل وتنامى تبارد عليه حس برغبات لإصلاح العالم، وقد مررنا في مرحلتنا ومطالع أعمارنا بأنواع من هذه الرغبات، وظلت تتحرك بها نفوسنا لنتطلع لصياغة الكون حسب متخيلاتنا للصيغ التي ترضي وجداننا وعقولنا التي تظل تكبر إلى أن تتعلم أن الواقع أكبر من عواطفنا وربما نزواتنا، فنشرع في تعديل خططنا لنكتشف في النهاية أننا نواجه صعوبات حتى في إصلاح أنفسنا، وستهولنا كمية السقطات التي نقع فيها رغم دعوانا بكمال العقل ورزانة البصيرة.
ولكن الخطير في الأمر حقاً هو توظيف اللحظات المبكرة من أعمار الجيل الشاب في تكريس فكرة إصلاح العالم، وهذه هي البوابة التي تدخل عبرها الأيديولوجيات الشريرة، حيث تزين للنفوس فكرة الحق الذي يطرحه الفكر المؤدلج، وما عداه شرور لا بد أن تستأصل، وقد روي عن أسامة بن لادن أنه كان يحرص أعوانه على انتقاء ذوي الأعمار الصغيرة من شباب البيئات المتدينة تحديداً، لتحفيز فكرة الجهاد والتضحية لمشروعهم المؤدلج تحت معاني مقدسة يجري تحويلها من معانيها التعبدية والإنسانية إلى معانٍ عدوانية تميل لشيطنة المختلف عنهم، وذلك من باب توظيف العقول الفتية واستنهاض العقل الفطري لمشروع تغيير العالم من فاسد إلى عالم صالح، حسب نموذج معمم بعمامة الأدلجة، وكما جعل أفلاطون العبودية حقاً للسيد في استعباد الآخرين، وتملك أجسادهم، فإن أمثال بن لادن يملكون مهارات لاستعباد الصغار فيلبسونها لبوس الدين، في حين كان أفلاطون يتلبس بلبوس العقل، وفي الحالين تتم نمذجة العقول حسب قوانين اللعبة ذاتها، على أن أفكار الأحزاب المؤدلجة، قومياً أو دينياً أوعرقياً، تسير في المسار نفسه، ومن ثم تنمو دعوى إصلاح العالم، لكنها تنتهي بإفساد العالم. أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الغذامي عبدالله الغذامي إصلاح العالم
إقرأ أيضاً:
دمج المليشيات في الجيش الصومالي.. إصلاح أمني ومخاطر محتملة
سعيا إلى تعزيز قدرات الجيش الصومالي من حيث التعداد وإضافة خبرات قتالية، برزت فكرة دمج المليشيات المسلحة في الجيش لما لها من دور بارز في المكاسب الأمنية الأخيرة التي حققها الجيش الصومالي على مقاتلي حركة الشباب جنوب ووسط الصومال.
وقد استعاد الجيش بدعم من المليشيات المحلية في المرحلة الأولى من العمليات العسكرية التي انتهت أواخر العام الماضي أكثر من 70 منطقة بين مدينة وقرى وبلدات منها مناطق إستراتيجية كانت تحت سيطرة حركة الشباب.
وأعلن وزير الدولة بوزارة الدفاع الصومالية عمر علي عبدي، بدء عمليات دمج المليشيات المحلية المعروفة بـ "معويسلي" في المؤسسة العسكرية نظرا لما قال إنها تقدير لتضحيات أفرادها الذين قاتلوا مع الجيش لدحر حركة الشباب التي تنشط جنوب ووسط البلاد.
وقد تباينت الآراء بشأن خطة وزارة الدفاع الصومالية لدمج المليشيات المحلية في الجيش، حيث يرى بعضهم أنها خطوة إستراتيجية يمكن أن تسهم في توحيد القوى المسلحة تحت مظلة الدولة تعزيزا للجيش، ويرى آخرون أنها خطة غير مدروسة وقد تؤدي إلى اختراق عسكري للمؤسسة العسكرية بسبب أن هذه العناصر ذات ولاءات متعددة.
وفي هذا التقرير ترصد الجزيرة نت من خلال سؤال وجواب كافة وجهات النظر بشأن هذه الخطوة التي بدأ تنفيذها فعلا.
يقول وزير الدولة بوزارة الدفاع الصومالي، عمر علي عبدي، في تصريح خاص للجزيرة نت، إن الخطة الحكومية لدمج المليشيات المحلية في الجيش الصومالي من شأنها توحيد القوة القتالية تحت قيادة واحدة، ما يمهد الطريق لجهود الحكومة الصومالية لتجاوز مرحلة الأمن الهجين التي قد تخلق إشكالية لتعدد الجهات الأمنية الفاعلة في البلاد.
إعلانوأضاف وزير الدولة، أن دمج المليشيات يعزز قدرات الجيش الصومالي وتموضعه في جميع المناطق المحررة التي كانت شبه خالية من الوجود الأمني الحكومي نظرا لقلة أفراد الجيش، كما أن هذه الخطوة ستساهم في الحد من تدخل الجهات غير الرسمية من ممارسة أدوار أمنية خارج سلطة الدولة.
ويوضح أن دمج المليشيات تحت مظلة المؤسسة العسكرية، وتلقي الأوامر من مصدر واحد، يساهم في تعزيز قوة الجيش في حربه مقاتلي حركة الشباب، الذين يعتمدون على إستراتيجية الكر والفر، كما أن نشر نفوذ الجيش في المناطق المحررة سيقلص سياسة الحكم المؤقتة للشباب في المناطق الريفية.
كيف يمكن للدولة ضمان نجاح هذه الخطة دون تعريض الجيش لخطر الاختراق؟وفقا لوزير الدولة بوزارة الدفاع الصومالية، فإن آلية توظيف ودمج المليشيات المسلحة ستحد من مخاطر تسلل واختراق منتمين لحركة الشباب، لأن الوزارة اتخذت جميع الإجراءات المطلوبة لضبط سلوكيات العناصر الجديدة وبناء عقيدتها الوطنية.
وأوضح الوزير أن العناصر الجديدة ستخضع لفحوصات أمنية دقيقة كما ستتلقى تدريبات مكثفة داخل البلاد وخارجها بطريقة تجردها من أي انتماءات أو ولاءات أخرى، بهدف تسليحها بعقيدة وطنية موحدة تضمن تحقيق وحدة القيادة والتحكم داخل الجيش.
يقول عبد الفتاح حسن القيادي الميداني لإحدى فصائل المليشيات المسلحة التي تقاتل في إقليم هيران للجزيرة نت، إن المليشيات المسلحة هي عناصر مسلحة تنتمي إلى قبائل صومالية مختلفة وقد ظهرت في القرى والبوادي، لا سيما في المناطق الخاضعة لسيطرة "الشباب"، وسميت بـ"معويسلي" نظرا لارتدائها الإزار التقليدي.
وقد تشكلت هذه المليشيات كرد فعل على الضرائب التي تفرضها حركة الشباب، حيث يدفع السكان القرويون نسبة معينة من أموالهم ومحاصيلهم بزعم أنها "زكاة" ويعاقب الممتنعون بعقوبات قاسية تصل إلى حد الإعدام أو الضرب المبرح أو التهجير القسري، وقد حملت هذه العناصر السلاح في وجه الشباب بدعم من المجتمعات المحلية، وتطور الأمر لاحقا إلى التنسيق مع الحكومة الصومالية ليتم تحرير مناطق شاسعة كانت في قبضة "الشباب" جنوب ووسط البلاد.
إعلانوأبرز فصائلها هي المليشيات، الفصائل المسلحة بإقليم هيران وإقليم جلمدغ وإقليم شبيلي الوسطى وإقليم جنوب غربي الصومال.
وأوضح عبد الفتاح حسن القيادي الميداني، أن الدور الذي تلعبه المليشيات المسلحة على أرض الواقع ضد حركة الشباب يختلف تماما عند دمجها في الجيش الصومالي، نظرا للبيئة العسكرية التي سينضمون إليها، والتي تختلف كليا عن النمط والعقيدة القتالية التي اعتادوا عليها، لأن المؤسسات العسكرية الرسمية تلتزم بضوابط وسلوكيات وأوامر صارمة موحدة، وبعد تلقي أفراد المليشيات التدريبات العسكرية سينخرطون ضمن صفوف المؤسسة، وقد يرسلون إلى مناطق أخرى غير مناطقهم، ما قد يقلل من تأثير دورهم داخل الجيش.
أما عن مدى فاعليتهم القتالية، فإن معظم هذه المليشيات إما جنود سابقون متقاعدون أو جنود حكوميون تخلوا عن الخدمة العسكرية، إضافة إلى قلة من الشباب ذوي الخبرات القتالية، ما يعني أن لديهم مستوى جيد من الفاعلية.
ويضيف حسن أن الفارق الأساسي بين الجيش والمليشيات يكمن في أن هذه الأخيرة تشكلت كرد فعل على تهديدات حركة الشباب، بهدف الدفاع عن قراهم وأهلهم وأموالهم وكرامتهم، ما يجعل دافعهم للقتال أكثر تجذرا مقارنة بأفراد الجيش الذين يقاتلون انطلاقا من عقيدة وطنية شاملة، والتي تبدو أقل ارتباطا بالعاطفة مقارنة بدوافع القبيلة لدى أفراد المليشيات المسلحة.
ما أبرز التحديات والعقبات التي تواجه عمليه دمج المليشيات في الجيش الوطني؟يقول محمد الشيخ الخبير الأمني في المعهد العالي للدراسات الأمنية "حكومي" للجزيرة نت، إن فكرة دمج المليشيات المسلحة ليست خالية من المخاطر فإن لم تطبق بشكل مخطط ومدروس قد تعرض المؤسسة العسكرية للاختراق ما قد يؤثر على فاعليتها.
ولخّص الخبير الأمني مجموعة من العقبات التي قد تحول دون نجاح فكرة دمج المليشيات في الجيش الصومالي منها:
إعلان إتمام عملية دمج المليشيات على أساس جماعات وليس أفرادا مما قد يؤدي إلى وجود ولاءات مزدوجة داخل المؤسسة العسكرية. عدم وجود مراكز تدريب خاصة للمليشيات وفق معايير الجيش قبل انضمامهم إليه، ما يعزز مخاوف عدم الانضباط وهي إحدى الإشكاليات التي قد تواجه عملية الدمج. مخاوف من عدم قدرة الحكومة الصومالية على تحمُّل الأعباء المالية الإضافية للعناصر الجديدة ما قد يؤدي إلى فشل العملية. غياب التوافق السياسي وعدم تحقيق تطور في الجوانب التنموية والاقتصادية وهي عوامل إن لم تتحقق ستُحول عملية الدمج إلى عائق أمني. إلى أي مدى يمكن أن يؤثر تعدد الولاءات داخل الجيش على تماسكه وعقيدته العسكرية؟وبحسب الخبير الصومالي محمد شيخ فإن تعدد الولاءات داخل المؤسسة العسكرية، مهما كان نوعها يشكل تهديدا مباشرا لتماسك الجيش وعقيدته العسكرية، لأن غياب عقيدة وطنية موحدة لأفراد الجيش سيكون نقطة ضعف يمكن أن تستغلها الجهات الخارجية أو الجماعات الإرهابية.
وأضاف شيخ أن أي انقسامات في الولاء داخل الجيش تجعل الأوامر موضع جدل وليس ملزمة، مما يؤثر سلبا على فعالية الجيش في مواجهة الأزمات الأمنية، ولا سيما خلال الأزمات السياسية التي تثار مع اقتراب الانتخابات العامة في البلاد، كما حدث في مرات سابقة.
وتابع إن تعدد الولاءات قد يؤدي إلى اختراقات أمنية، حيث يمكن للجماعات الإرهابية استغلال ذلك لتحقيق إستراتيجيتها وضرب مصالح الوطن.