الوطن:
2025-04-26@23:26:44 GMT

الشيخ ياسر السيد مدين يكتب: كيف وصلتنا السُّنة؟ (6)

تاريخ النشر: 14th, June 2024 GMT

الشيخ ياسر السيد مدين يكتب: كيف وصلتنا السُّنة؟ (6)

رأينا فى المقال السابق بإيجاز كيف كانت صورة المجالس العلمية على عهد سيدِنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلمنا أن التدوين العلمى للوحى بدأ مع بدايات الوحى بمكة المكرمة، كما رأينا من خلال ما سبق من مقالات أن التدوين كان على مَنحيَيْنِ؛ فهناك تدوين أمَرَ به سيدُنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بنفسه، وهناك تدويناتٌ شخصيةٌ كان يقوم بها الصحابةُ الكرامُ لأنفسهم.

وتدوين الصحابة للسُّنة المطهرةِ باعتبارها وحياً شريفاً أمرٌ لا يحتاج إلى أدلةٍ بعد أن علمنا أنَّ العرب قبل الإسلام كانوا يعتنون بأمرِ الكتابة والتسجيل لما هو أقلُّ شأناً من الوحى الشريف، فليس مستغرباً أن يعتنوا بكتابة القرآن والسنة!

وكيف لا يعتنون بتسجيل الوحى الشريف وقد افتُتح بالتنويه بشأنِ العِلم وأدواتِ كتابته وتعليمه، قال سبحانه: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِى عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)} [العلق]، والأمرُ بالقراءة فى هذه الآيات مرتين، مع ذكرِ (القلم).

وذكرِ أنه الأداة التى علَّم الله تعالى بها خَلقه ما لم يكونوا يعلمون، كلُّ هذا يشير إلى أهمية الكتابة والتدوين للوحى، ولذا اهتم الصحابة بكتابة الوحى عملاً بالمفهوم من هذه الآيات القرآنية، ثم نزل الوحى بعد ذلك مُقْسماً بـ(القلم) هذه الأداة الكريمة وبما سطَّره الكاتبون، فقال سبحانه: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} [القلم: 1]، وليس المقسَم به ما يُسطّرُ من كذبٍ أو مجونٍ، وإنما هو شىء عظيم يستأهل أن يُقسم الله تعالى به، وأيُّ شىء أعظم من الوحى؟! فهذه الآياتُ قسَمٌ بما سجّلُوه.

وادعاءُ أن التدوين كان مقصوراً على القرآن الكريم وحده دون السُّنّة المطهرة -مع كونِها وحياً مثله- ادعاء تشهد الأدلة ببطلانه.

فقد ذكرنا أنّ كتابة السُّنة كانت تتم تحت سمع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبصره، هذا بخلاف ما أمر هو بكتابته، وقد بدأت هذه الكتابة مع بدايات الوحى، ولهذا كان للصحابة الكرام صُحفٌ، والصحف هى الكُتُب كما فى قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَفِى الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} أى: الكُتب المنزلة عليهم.

فكان لعبدالله بن عمرو بن العاص مثَلاً أكثر من صحيفة، إحداها صحيفة سمَّاها «الصحيفة الصادقة»، فقد دخل عليه مجاهد بن جبر (ت 104هـ) فأراد أن يتناول الصحيفة الصادقة فتمنَّعَ عليه، فقال متعجباً: أتمنعنى شيئاً من كُتبِك؟!

وهذه العبارة صريحة جداً فى بيان تعدُّدِ كتبه، وأنها كانت معروفة لدى الجيل التالى لجيل الصحابة وهو جيل التابعين، وأنه رضى الله عنه لم يكن يمنعهم من النظر فيها والإفادة منها.

ولكن كان لهذه الصحيفة مَنزلةٌ خاصة عند سيدنا عبدالله بن عمرو بيَّنها له بقوله: هذه الصحيفة الصادقة، هذه ما سمعتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بينى وبينه أحد، وعبارته هذه يُفهم منها أنّ له صُحفاً أخرى رواها عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بواسطةٍ إضافة إلى ما سجَّله من أحكام بعض الصحابة كسيدِنا عمر في بعض المسائل الفقهية، وكان له كتاب آخر سجَّل فيه ما يكون من الأحداث إلى يوم القيامة؛ أى: الأحاديث التى ذُكر فيها ما سوف يقع قبل يوم القيامة، وهذا الكتاب كان يحفظه فى صندوق خاص.

وظلت كتب عبدالله بن عمرو بن العاص هذه متوارثة فى أحفاده، وكانوا يُحدّثون منها، فكان حفيده فقيهُ أهل الطائف ومحدُّثهم عمرو بن شعيب بن محمد بن عبدالله بن عمرو بن العاص (ت 118هـ) يروى منها، ولهذا تكلَّم البعض فى روايته عن أبيه عن جده عبدالله بن عمرو باعتبار أنه اعتمد فى أغلبِ روايتِه على هذه الكُتُب المتوارثة دونَ سماعٍ لأكثرها.

وهذا له دلالات مهمة، وهى أن ثبوت هذه الكتب أمرٌ مقطوع به غيرُ مشكوك فيه عند العلماء، وأن المحدّثين كانوا يرون أن الأوثق وجود السماع مع الكتابة وعدم الاقتصار على الكتابة وحدها، وهذا تعمُّقٌ منهم فى التدقيق فى نقل السنة المطهرة.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: السنة النبوية المطهرة رسول الله صلى الله علیه وسلم عمرو بن

إقرأ أيضاً:

تغلق كل شر.. علي جمعة: 3 أعمال تفتح لك أبواب الغفران والخير

قال الدكتور علي جمعة ، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك لنا وصايا جامعة تصلح أن تكون برنامجًا لعمل المسلم اليومي في كل يوم، وفي كل حين، وفي كل مكان، منوهًا بأنها تصلح أن تكون مفتاحًا لكل خير، مغلاقًا لكل شر.

لماذا أوصى الرسول بقراءة أذكار النوم؟.. لـ 13 سببا الشياطين أبرزهاهل يجوز قراءة سورة الكهف بعد العشاء يوم الجمعة؟.. لديك فرصة بــ10 آياتأقوى آية بالقرآن لجلب الرزق في ثانية.. رددها الآن واستعد لغنى فاحشمغلاق لكل شر

وأضاف «جمعة» ، أنه قال -صلى الله عليه وسلم- : «اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلقٍ حسن» ، مشيرًا إلى أنها وصيةٌ جامعة عجيبةٌ غريبة نجعلها شعارًا لنا فنفوز بالجنة بعد أن نفوز برضا الله، ونبعد عن النار بعد أن نبعد عن سخط الله سبحانه وتعالى «اتق الله حيثما كنت».

وأوضح أن التقوى كما فسرها الإمام علي: [الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل] تذكَّر ربك في كل ساعةٍ، وفي كل لحظة {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ}، والعلاقة بيننا وبينه سبحانه وتعالى مبنيةٌ على الرحمة، والرحمة في قلبها الحب، ولذلك واجهنا أول شيءٍ في القرآن الكريم فقال: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، وأسماء الله سبحانه وتعالى قد تكون أسماء جلال كـ "المنتقم الجبار"، أو تكون أسماء جمال كـ "الرحمن الرحيم"، أو تكون أسماء كمال كـ "الأول الآخر الظاهر الباطن".

التشريف والتكليف

وأشار إلى أنه اختار الله سبحانه وتعالى لنا أن يبدأ كتابه وخطابه وتكليفه وتشريفه بالرحمن الرحيم، جمالٌ في جمال، حبٌّ في حب، حتى يدعوك هذا الحب إلى إنزاله في قلبك المنزلة التي هو أهلٌ لها سبحانه وتعالى، "الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل" فالله سبحانه وتعالى ما شرفك إلا لمَّا كلفك، كلفك فشرفك، وشرفك فكلفك؛ فالتشريف والتكليف وجهان لعملةٍ واحدة، إذا رأيت تكليفًا من ربك فاعلم أنه يشتمل على تشريف، وإذا شرَّفك في القرآن أو في السنة فاعلم أنه قد أمرك بتكليف، ولذلك فإن التشريف والتكليف وجهان لعملةٍ واحدة.

ونبه إلى أنه عليك أيضًا أن "ترضى بالقليل"؛ والرضا بالقليل يجعلك راضٍ عن رب العالمين {رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} ، وإذا نظر الله إلى قلبك فرآك راضٍ عنه فإنه يُنزِّل عليك الرحمات، ويؤيدك بمددٍ من عنده، وينوِّر قلبك، ويغفر ذنبك، ويستر عيبك، أما "الاستعداد ليوم الرحيل" فهو التذكرة {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ} التذكرة التي تُذكِّر بها نفسك فتمنعها من المعاصي، أو ترجع مرةً أخرى إلى طريق الاستقامة، وتخرج من الطريق الأعوج، تساعدك على التوبة، وعلى الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى «اتق الله حيثما كنت».

وتابع: واعلم أنه معك في ظاهرك، وفي علانيتك، وفي خفائك، وفي سرك، ولذلك فحيثما كنت اتق الله سبحانه وتعالى، والتقوى خيرٌ كلها؛ فالحمد لله الذي أرشدنا إلى هذا، وعلمنا كيف نتعامل معه في هذه الدنيا التي هي دار اختبار وامتحان، حتى نعود إليه سبحانه وتعالى وهو عنا راضٍ، وقد حققنا عبادته، وعمارة الدنيا، وتزكية النفس.

فتح باب الغفران

وواصل: «وأتبع السيئة الحسنة تمحها» ولذلك فتح لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العمل الصالح على مصرعيه؛ فجعل التبسم في وجه أخيك صدقة، وجعل الوضوء تنزل المعاصي من أعضاء الوضوء فتخرج بعده طاهرًا تبدأ حياةً جديدة مع ربك، وكان يقول -صلى الله عليه وسلم- : «جددوا إيمانك» كيف يا رسول الله؟ «قولوا لا إله إلا الله» فلا إله إلا الله عندما تذكرها من قلبك وفي وعيك فهذا هو الوعي الذي يبدأ قبل السعي، تبدأ حياةً جديدةً مع الله.

ولفت إلى أنه جعل الاستغفار من موجبات المغفرة، جعل وضع يدك على رأس يتيم من موجبات المغفرة، جعل كفالتك لليتيم أمرًا عظيما، تعطيك مكانةً هائلة فيقول: «أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة» أي أن كفالة اليتيم تساوي مكانتك في الجنة في مقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو المصطفى المختار كلامٌ عجيب، لكنه يفتح لك باب الأمل، باب الغفران، باب الحب.

وأكمل فكما أحببت هذا اليتيم، وكفلته في الدنيا لوجه الله سبحانه وتعالى؛ فإن الله سبحانه وتعالى يعطيك مكانًا في جوار سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الجنة، كلامٌ عجيب، لكنك لو تأملته لوجدته يفتح لك باب الأمل لأن «كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون» فبادروا بالأعمال حتى تغفر لكم هذه الأعمال عند غفورٍ رحيم سبحانه وتعالى.

نحن في أشد الحاجة إليه

وأفاد بأن الله سبحانه وتعالى واسع، مالك السماوات والأرض، يقول للشيء كن فيكون ، كريم، ونحن نرجو منه سبحانه وتعالى المغفرة، والتوفيق، واللطف، والنصر على أنفسنا، وعلى شهوات الدنيا حتى نعبده، وحتى نُعمِّر هذه الأرض، حتى ندخل في نظر الله ورحمته سبحانه وتعالى؛ فنحن في أشد الحاجة إليه «وأتبع السيئة الحسنة تمحها» «الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار» .

وأشار إلى أنه جاء أحدهم يشكو إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه ارتكب ذنبًا ورآه كبيرًا؛ فقال له: «اذهب فتوضأ وصلِّ ركعتين» بنية أن يغتسل من هذا الذنب، وأن يفق في نفسه، وفي علاقته مع ربه، وأن يسير بعد ذلك في الطريق المستقيم.

واستطرد : «وخالق الناس بخلقٍ حسن» والخلق الحسن يتأتى مع الجار، ومع الأهل، الزوجة، مع الأبناء، والزوجة مع زوجها «خياركم خياركم لأهله، وأنا خيركم لأهله» سيد الأكوان -صلى الله عليه وسلم- تصفه السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها فتقول: «كان في مَهنة أهله» يعني لو كان يراها تغسل يغسل معها، أو تطبخ يطبخ معها.

المثال الأسوة

وأردف: نحن نتكلم عن سيد الخلق أجمعين، عن المصطفى المختار -صلى الله عليه وسلم- ، عمن كان له عند الله سبحانه وتعالى ولا يزال إلى يوم القيامة الأولية؛ فهو أول الخلق -صلى الله عليه وسلم- في مكانته، وفي رحمته «إنما أنا رحمةٌ مهداة» ،{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}.

ونوه بأن هذا المصطفى المختار المثال الأسوة كان في مَهنة أهله وأنا خيركم لأهلي صلى الله عليك وسلم يا سيدي يا رسول الله، وعن الحسن عن أبي الحسن عن جد الحسن -صلى الله عليه وسلم- : «أحسن الحسن الخلق الحسن» اللهم حَسِّن أخلاقنا.

طباعة شارك مغلاق لكل شر أبواب الغفران والخير أبواب الغفران الدكتور علي جمعة علي جمعة التشريف والتكليف فتح باب الغفران

مقالات مشابهة

  • المولد النبوي الشريف.. طقوس الاحتفال في مصر وسر أكل الحلوى
  • تغلق كل شر.. علي جمعة: 3 أعمال تفتح لك أبواب الغفران والخير
  • ما حكم ترديد الصلاة على النبي أثناء الصلاة؟.. الإفتاء تجيب
  • دار الإفتاء تكشف حكم سجود التلاوة بدون وضوء
  • هل الحج يغني عن الصلاة الفائتة لشخص كان لا يصلي؟.. الإفتاء ترد
  • سامح قاسم يكتب | فتحي عبد السميع.. الكتابة من الجهة التي لا يلتفت إليها الضوء
  • الشيخ كما الخطيب يكتب .. لولا غزة لعلفتكم خيول التتار ولرعيتم خنازيرهم
  • ما هي الأعمال المستحبة عند زيارة مسجد النبي؟.. داعية يُوضح
  • أحمد ياسر يكتب: مثلث التوترات (إسرائيل - سوريا - تركيا)
  • دعاء الرزق وقت الفجر.. احرص عليه سترى العجب العجاب