الوطن:
2024-12-24@18:34:32 GMT

الدكتور يوسف عامر يكتب: ثواب الحج

تاريخ النشر: 14th, June 2024 GMT

الدكتور يوسف عامر يكتب: ثواب الحج

يقول سيدُنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَن حجَّ للهِ فلم يَرفُثْ، ولم يَفسقْ، رَجَع كيَوْمَ ولدتْهُ أمُّه» [متفق عليه]. إنها منزلةٌ عظيمةٌ حقاً أن يتطهرَ العبدُ من ذنوبِه ويصبحَ كيوم ولدتْه أُمّه!

إنَّ النفسَ البشريةَ خُلقتْ طاهرةً نقيةً، ولكنها تتلوثُ بمرورِ الأيامِ، تتلوثُ بشىءٍ مِن تقصيرِ الآباءِ، وبشىءٍ من آثارِ البيئةِ المحيطةِ، ثم تجنى عليها يدُ صاحبِها حينَ يَقترفُ الآثامَ غيرَ مبالٍ بها، وهذا مؤثّرٌ فيه لا شكَّ.

وفى هذا الحديثِ الشريفِ يبينُ لنا سيدُنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم كيفَ يفوزُ العبدُ بالمغفرةِ التى تمحُو ذنوبَه، فيعودُ طاهراً كما ولدتْه أُمُّه، إنه يتجنبُ (الرفثَ) والرفثُ: الكلامُ الفاحشُ.

ويطلق أيضاً على المعاشرةِ الزوجيةِ، فالحاجّ منهىٌ عن الجماعِ مدةَ إحرامِه، والحجُّ يجعلُ النفسَ مسيطرةً على شهواتِها لا منقادةً لها، وإذا استطاع الحاجُّ أن يتحكمَ فى شهوتِهِ، ولم ينقدْ لها، وأمسكَ عليه لسانَه، فإنه بذلك يكونُ قد قطعَ الخُطوةَ الأُولى فى سبيلِ المغفرةِ.

ثم تأتى الخطوةُ الثانية وهى فى قولِهِ صلى الله عليه وسلم: «ولم يفسقْ»، أى لم يقترف المعاصى، ويَحسنُ بنا هنا أن نقفَ على أصلِ معنَى كملةِ (فسق)، تقولُ العربُ: فسَقَتِ الرطبَة عن قشرِها؛ أى: خرجتْ عنه، فالفاسقُ خارجٌ عن حدودِ الشرعِ الشريفِ، سواءٌ أكان مُخلاً بجميعِ أحكامِ الشرعِ أو ببعضِها.

والحديثُ الشريفُ هنا اشترطَ لحصولِ المغفرةِ عدمَ وجودِ الفسق، فكما أنَّ الحاجَّ حفِظَ لسانَهُ من الكلامِ الفاحشِ (الرفث)، وكما أنه تحكمَ فى نفسِه ولم يرتكبِ الشهوةَ التى أحلَّها الله تعالى له فى غيرِ وقتِ الإحرامِ، فكذلك عليه أن يتحكمَ فى نفسِهِ ويسيطرَ عليها فلا يدعَها ترتكبُ إثماً كبيراً أو صغيراً حتى يفوزَ بمغفرةِ الذنوبِ.

ثم تأتى البشارةُ فى قولِه صلى الله عليه وسلم: «رَجَع كيَوْم ولدتْهُ أمُّه»، وكلمةُ (رجع) تبينُ أنه يعودُ من حَجِّهِ نقىَّ اللسانِ، طاهرَ الأركان، مشابهاً يومُه يومَ ولادتِه فى خلوه من الذنوب، ومثلُ هذه النفسِ تتأثرُ بالقرآنِ الكريمِ إذا تَلَتْ، وبالذكرِ إذا ذكرَتْ، وبالصلاةِ إذا صَلَّتْ، وبالزكاةِ والصدقةِ إذا زكَّتْ وتصدقَتْ، وبالصيامِ إذا صامَتْ.

كيف لا وهى نفس نقية تقية التزمت الخير وتزودت التقوى؟ وكانت كما أمر الله تعالى فى كتابه: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِى الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِى الْأَلْبَابِ}، فاجتنبتِ الرفثَ والفسوقَ والتنازعَ، وعمِلَتِ الخير، وتزودتْ مِن التقوى!

والمسلمُ بالحجِّ قد أكملَ أركانَ دينِهِ، ولا يصحُّ أن يكملَ أركانَ دينِهِ فى الصورةِ الظاهرةِ ثُم يخلُّ بها فى الباطنِ، والبعضُ قد يعودُ بعودتِهِ مِن الحجِّ إلى ما كان قد هجره من سيِّئ الأخلاقِ والأفعالِ والأقوالِ، وهذا انتكاسٌ لا يليقُ بمسلمٍ عاقلٍ أن يرتكبَه، خصوصاً بعد أن غُفرَتْ له ذنوبُه وأعطىَ فرصةً عظيمةً فى أن يبدأَ الحياةَ بدايةً جديدةً يجمعُ فيها بينَ طهارةِ الولادةِ وخبرةِ النضجِ الذى اكتسَبَهُ فى أيامِ عُمرِةِ، إنه مكسبٌ عظيمٌ لا يليقُ بعاقلٍ ناضجٍ أن يَفقده.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: فريضة الحج صلى الله علیه وسلم ولدت ه

إقرأ أيضاً:

الأمل بالله وتأثيره على حياتنا

 الأمل هو الرجاء، الاعتقاد والظنّ بحصول ما فيه خير وسعادة، ونصر على الأعداء، وجبر لكسر النّفس، على الرّغم من كلّ المظاهر التي تدعو لليأس وتُثقل كاهلنا بالأحمال، وقد خُلقت النّفس البشريّة بطبيعتها على الأمل، وجعله الله سبحانه وتعالى مُلازمًا لنا في كلّ مراحل حياتنا، فيشتعل الرأس شيبًا، ويبقى القلب بالأمل شابًا، وقد أكّد على هذا الرسول الكريم -صلّى الله عليه وسلم- ع في حديث عن أبي هريرة قال: "سمعت رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- يقول: لا يزال قلب الكبير شابًّا في اثنتين: في حبّ الدنيا وطول الأمل".[٢]

ذكر نبوي لقضاء الديون: دعاء يعينك على التوفيق

وجهان لعملة

الأمل هو الحياة، وجهان لعملة واحدة لا ينفصلا عن بعضهما، مَن منّا يستطيع العيش بدون أمل؟، لو تأمّلنا قليلًا في حالنا لوجدنا أنّنا نحيا على الأمل في أن الساعة القادمة ستحمل بُشرى تُسعد قلوبنا، وأنّ الغد سيحمل معه أطنانًا من الفرح، نحيا على أمل أنّنا سنكون أفضل وأحسن، وأنّ القادم سيكون أجمل من الفائت، وهذا ما يجعلنا نعيش، الأمل يزرع الورد بداخلنا، يجعل قلوبنا تزهر، فنُصبح أشخاصًا إيجابيّين مُقبِلين على الحياة.

دعاء نزول المطر المستحب والمنقول من السنة

لو طالَتنا خيبة الأمل وتمكّنتْ منّا فسنحتاج حينها وقتًا كبيرًا للاستشفاء؛ لأنّ الآثار الجانبيّة التي ستتركها لن نتخلّص منها بسهولة، ففقدانه سيؤثّر علينا من الناحية النفسيّة ويُصيبنا بنظرة سلبيّة تجاه كلّ ما هو جميل، وهذا سيجعل داوخلنا هشّة لا تَقْوى على الوقوف والاستمرار في الحياة، لذا فخيبة الأمل هي السلاح الوحيد الذي يمُكنه قتلنا حقًّا ونحن على قيد الحياة

مقالات مشابهة

  • حكم التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته
  • صلاة هى الأفضل بعد الفرائض.. لا تتركها كل يوم
  • عضو مركز الأزهر العالمي: الله أقرب إلينا من أنفسنا.. ولا يغضب علينا بسهولة
  • عضو بـ«العالمي للفتوى»: إطعام الطعام لأفراد العائلة له أجر مضاعف عند الله
  • دعاء في الصلاة للنجاة من عذاب يوم القيامة
  • خالد عامر يكتب: حديث الرئيس.. الرسالة وصلت
  • الدكتور سلطان القاسمي يكتب: ميدان الرولة... شاهد على التاريخ
  • الأمل بالله وتأثيره على حياتنا
  • يوسف غيشان يكتب : أحمد حسن الزعبي …والعدّ بالشقلوب
  • ما حكم إلقاء السلام على قارئ القرآن؟.. الإفتاء تجيب