العنوان أعلاه هو السؤال الذى ساد كل أنواع الفضاء الإعلامى، خلال الأيام القليلة الماضية، فى سياق ترقب الإعلان عن أسماء الحكومة الجديدة، بعدما أعيد تكليف الدكتور مصطفى مدبولى بتشكيلها مرة ثانية، بعد مضى ستة أعوام على رئاسته للحكومة الحالية منذ يونيو 2018. والسؤال عما يريده المواطن من الحكومة الجديدة، قد يكون استنكاريا ينطوى على معنى مضمر يقول: هو المواطن عايز إيه أكثر من كده.
لا أظن أن من يسألون السؤال عن ماذا يريد المواطن من الحكومة الجديدة لا يعرفون إجابته. ومن المؤكد أن الحكومة تعلم جيدا ماذا يريد المواطنون منها، لأن ما يريده المواطن من الحكومة الجديدة ببساطة، هو نفسه ما كان يريده من الحكومة السابقة: المساواة فى تحمل تكاليف وأعباء السياسات الاقتصادية والاجتماعية المنفذة، وحد أدنى معقول من العدالة الاجتماعية، بوضع أولويات لإعادة توزيع الدخل القومى، تقوم على دعائم ثابتة متراكمة لتوفير متطلبات الحياة الكريمة فى مجالات العلاج والغذاء والتعليم والسكن، وليس القائمة على التبرعات والحماية الاجتماعية باجراءات مؤقتة.
ولأن سوء الظن من حسن الفطن، فقد أثار الريبة والمخاوف المشروعة من استمرار السياسات التى دامت خلال السنوات الست الماضية مع تشكيل الحكومة الجديدة، لماذا؟ لأن خلالها ارتفع بشكل مخيف حجم الدين العام، بسبب إفراط الحكومة فى سياسات الاقتراض من صندوق النقد الدولى، وتجاهلها للنتائج الضارة على الاقتصاد القومى من القبول بشروطه، والتخلى عن سياسات التنمية والانتاج، والاعتماد على الاقتصاد الاستهلاكى غير المنتج، بما كان يسميه المفكر الاقتصادى الدكتور إسماعيل صبرى عبدالله «تنمية التخلف».
وخلال الأعوام الستة الماضية، بات من الصعب السيطرة على غلاء الأسعار وارتفاع معدلات التضخم، مع الفشل التام فى السيطرة على الأسواق، والعجز الحكومى عن التصدى لغلاة المحتكرين من التجار. فى نفس الوقت الذى تم فيه رفع أسعار الوقود، وتخفيض الدعم عن السلع الغذائية ورغيف الخبز.
ومع أن تخفيض قيمة الجنيه عام 2016من 8 جنيهات إلى 15 فى مواجهة الدولار، ساهم فى زيادة تكاليف المعيشة، ولعب دورا فى ارتفاع حدة الأزمة الاقتصادية، فقد لجأت الحكومة مؤخرا، مرة أخرى إلى تخفيض جديد فى قيمته، ليصل لأكثر من 47 جنيها فى مواجهة الدولار، بسبب رفضها الدائم لاقتراح بالاعتماد على سلة متنوعة من العملات الصعبة فى التعاملات الاقتصادية للتخفيف من وطأة ضغوط الدولار فى الأسواق العالمية. ومن المعروف أن تلك الضغوط ما هى إلا شروط تصنعها الولايات المتحدة الأمريكية تعزيزا لمصالحها، من خلال المؤسسات المالية الدولية التى تمتلك النفوذ الأكبر بها كالصندوق والبنك الدوليين، وتروج عبرهما لأكذوبة أن تخلى الدولة عن دورها السيادى فى وضع السياسات العامة لإدارة الاقتصاد القومى، وانسحابها من الخدمات الاجتماعية، واللجوء إلى خصخصة كل مؤسساتها، بحيث يؤول إلى الصندوق وضع السياسات المالية والنقدية والتجارة الخارجية، لمن يقبل بشروطه، هو توجه يخدم اقتصاديات الدول الفقيرة!
الحكومة القادمة تعلم تماما أن المواطن لا يريد سوى الإنصاف فى السياسات التى تأخذ بها، وعليها أن تدرك أن رضا الناس على ما تقوم به الحكومات، جزء لا يتجزأ من الأمن القومى بمعناه السياسى والاجتماعى الشامل.
وجه الرئيس «السيسى» فى خطاب تكليفه للدكتور «مصطفى مدبولى» بضرورة أن يضم التشكيل الحكومى الجديد عناصر من ذوى الكفاءات والخبرات والقدرات المميزة، وهو ما يعنى التفكير من خارج نطاق الاختيارات الفاشلة السابقة بين الولاء والكفاءة، لأن مصر تحظى بكثيرين من أبنائها ممن يتمتعون بالحسنيين معا الكفاءة والولاء للوطن. وحدد الرئيس أهدافها بالحفاظ على الأمن القومى المصرى، وبناء الإنسان خاصة فى مجالات التعليم والصحة. ولو حكومة الدكتور مدبولى أولت اهتماما حقيقيا بتنفيذ تلك الأهداف، لسهل عليها ذلك الانتقال بسلاسة لبقية أهداف خطاب التكليف، وبينها مواصلة الجهود للحفاظ على الأمن والاستقرار ومكافحة الارهاب، وتطوير ملفات الثقافة والوعى الوطنى والخطاب الدينى المعتدل، وزيادة الاستثمارات، وتشجيع نمو القطاع الخاص.
توقفت طويلا أمام خلو خطاب التكليف من أية إشارة إلى مكافحة الفساد الذى بات يستشرى فى مؤسسات الدولة، ويلتهم جزءا لا يستهان به من مواردها، ويهدرها فى نواحى الخلل السائد فى أوجه إنفاقها. كما أثار التساؤل افتقاد الخطاب لفقرة واضحة لدعم الحياة الحزبية والنهوض بها، والاكتفاء بإشارة تحتمل كل تأويل عن «مواصلة جهود تطوير المشاركة السياسية». والغريب أننا فى دولة يقوم نظامها السياسى كما ينص دستورها على التعددية الحزبية، لكن الحكومة طوال عقد كامل لا تتذكر ذلك، إلا حين تحتاج دعمها فى وقت المحن الأزمات.
الحياة الحزبية السليمة والنظام النيابى الديمقراطى، لا يقران فقط بالقوانين والدساتير، بل بالممارسة الحرة المتراكمة، التى ترفع كل القيود المفروضة على حريات الرأى والتعبير فى المجال العام وفى المؤسسات الإعلامية، وفى الأحزاب وداخل الجامعات والمنظمات والاتحادات الجماهرية، لكى يصبح الطريق إلى التغيير ممكنا بالطرق السلمية والأدوات الديمقراطية.
لعل ما سبق يشكل إجابة عما يطلبه المواطنون من الحكومة الجديدة، فليتها تنصت قليلاً.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: على فكرة أمينة النقاش أسماء الحكومة الجديدة من الحکومة الجدیدة
إقرأ أيضاً:
ترك بصمة فنية كبرى| نبيل الحلفاوي.. قائد مسرحي أضاء خشبات الفن المصري.. «اضحك لما تموت» آخر ما قدمه على خشبة القومى 2018
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
على الرغم من دراسة الفنان الراحل نبيل الحلفاوى فى كلية التجارة، إلا أن شغفه بالفن دفعه لترك هذا المجال والالتحاق بالمعهد العالى للفنون المسرحية لصقل موهبته، حيث تخرج فيه عام 1970، وقدم مجموعة من الأعمال المسرحية المهمة التى تركت بصمة واضحة فى تاريخ المسرح المصرى.
التزم بالنصوص الكلاسيكية واهتم بالمسرح ذى الرسالة الثقافيةتميز نبيل الحلفاوى بموهبته الفريدة وقدرته على تجسيد الأدوار المركبة بأسلوب مؤثر، حتى أصبح أحد أعمدة التمثيل فى مصر، حيث تألق على خشبة المسرح، وفى الدراما التليفزيونية، والسينما.
يعد الحلفاوى من أبرز نجوم التمثيل المصرى الذين أثروا فى المسرح بشكل خاص والدراما عموما، انطلق فى مسيرته الفنية منذ السبعينيات، واشتهر بأسلوبه المميز وصوته الرصين الذى أضاف ثقلا إلى أدواره، ففى مجال المسرح، قدم أعمالا تتنوع بين الكلاسيكية والمعاصرة، وغالبا ما أبدع فى تقديم الشخصيات القوية والمؤثرة.
أعمال مؤثره
«الزير سالم» إحدى روائع الفنان نبيل الحلفاوى المسرحية التى قدمت على خشبة المسرح القومى عام 1985، وشاركه البطولة الفنانون: مفيد عاشور، فايق عزب، ثريا إبراهيم، خليل مرسى، أحمد فؤاد سليم، خالد الذهبى، منال سلامة وآخرون، ومن تأليف ألفريد فرج، وإخراج حمدى غيث وعبدالرحيم إبراهيم.
«رجل القلعة» إنتاج فرقة المسرح القومى عام 1987، وقدم خلالها «الحلفاوى» دور «صالح – عمر مكرم»، تناولت المسرحية تاريخ والى مصر محمد على باشا مؤسس مصر الحديثة، ويدور مضمونها حول مأساة مجتمعاتنا مع التجربة الديمقراطية من خلال أحداث هذه الفترة.
شاركه البطولة الفنانون: يوسف شعبان، سميرة عبدالعزيز، فايق عزب، حسن العدل، خالد الذهبى، وآخرون، ومن تأليف محمد أبو العلا السلامونى، وإخراج سعد أردش.
«بيت في الهوا» قدمت هذه المسرحية عام 1988، ومن بطولة الفنانين: حمدى غيث، أمينة رزق، سامح الصريطى، نبيل الحلفاوى، أحمد بدير، أحمد فؤاد سليم، آمال شريف، محمد الشرقاوى، يوسف عيد، ومن تأليف آرثر ميلر، إعداد وتمصير أحمد عفيفى، وإخراج سمير العصفورى.
مسرحية عفريت لكل مواطن«عفريت لكل مواطن» وهى من المسرحيات الكوميدية الذى قدمها «الحلفاوى» عام 1988، وجسد خلالها دور «راضى»، وشاركه البطولة الفنانون: عبلة كامل فى دور «مسعدة بنت البواب»، حسن حسين، ثريا حلمى، رياض الخولى، فادية عكاشة، عائشة الكيلانى، وآخرون، ومن تأليف لينين الرملى، وإخراج محمد أبو داود.
«طقوس الإشارات والتحولات» إنتاج فرقة المسرح القومى عام 1996، ومن تأليف السورى سعد الله ونوس، وقدم خلالها «الحلفاوى» دور «المفتي»، وشاركه البطولة الفنانون: «سوسن بدر، حمدى الوزير، وفاء الحكيم، خالد الصاوى، خالد صالح، ألفريد كمال، ومن إخراج حسن الوزير، وغيرها من المسرحيات التى أظهرت مهاراته فى الأداء المسرحي الكوميدي الساخر، وقدرته على تقديم نصوص ذات طابع تاريخى.
اضحك لما تموت
آخر أعمال «الحلفاوى» التى قدمت على خشبة المسرح القومى عام 2018، وتدور أحداثها فى إطار اجتماعى كوميدى، حيث تناولت التحولات السياسية والاجتماعية التى مرت بها مصر على مدار العقود الماضية، من خلال شخصيتين تمثلان أجيالا مختلفة وتناقشان بأسلوب ساخر مواقف مختلفة فى الحياة.
شاركه البطولة الفنانون: محمود الجندى، سلوى عثمان، إيمان امام، تامر الكاشف، زكريا معروف، وآخرون، ومن تأليف لينين الرملى، وإخراج عصام السيد.
تميزت المسرحية بلغة حوارية عميقة تطرح تساؤلات فلسفية عن معنى الحياة والموت والضحك في مواجهة الأزمات والضغوط، وقد حققت نجاحاً كبيراً عند عرضها بسبب النص القوي والأداء المميز من أبطالها.
قدم نبيل الحلفاوى» واحدا من أبرز أدواره على خشبة المسرح، حيث جسد شخصية «حسن»، وهو رجل مسن عاش حقبا مختلفة من تاريخ مصر، يمثل جيلا له موروثات فكرية ومفاهيم معينة حول الحياة والسياسة والمجتمع، ويدخل فى نقاشات طويلة ومواقف طريفة مع شخصية «حجازى» التى جسدها الفنان محمود الجندى من خلال هذه النقاشات، تتجسد التغيرات الاجتماعية والسياسية التى طرأت على المجتمع المصرى على مدار العقود.
مسرحية اضحك لما تموتأبدع نبيل الحلفاوى» فى أداء الشخصية بطريقته المميزة التى مزجت بين الجدية والسخرية، حيث قدم رؤية فلسفية ساخرة حول الحياة والموت، جعلت الجمهور يتفاعل معه، خاصة بفضل إتقانه لأداء الشخصية بلغة حوارية سلسة وعميقة تعكس فكر لينين الرملى المتميز.
شخصية «حسن» التى أداها «الحلفاوى» تتفاعل مع شخصية «حجازى» فى ثنائية كوميدية فلسفية، حيث يمثل الاثنان وجهات نظر متباينة حول الزمن والواقع، هذه العلاقة كشفت التباينات بين الأجيال المختلفة وتفاعلها مع التغيرات فى المجتمع المصرى.
لعب نبيل الحلفاوى» دورا كبيرا فى نجاح العرض، نظرا لما يتمتع به من خبرة مسرحية كبيرة وقدرة على جذب الجمهور من خلال أدائه المتميز، فقد حظيت المسرحية بإشادات نقدية واسعة، خاصة حول أدائه الذى استطاع بمهارة تقديم شخصية معقدة تحمل مزيجا من الضحك والحزن فى الوقت نفسه.
برز الفنان نبيل الحلفاوى» فى المسرح بفضل التزامه الشديد بالنصوص الكلاسيكية واهتمامه بالمسرح ذى الرسالة الثقافية، وعمل فى المسرح القومى، حيث شارك فى إنتاج أعمال ذات مستوى فنى عالٍ، إلى جانب تعاونه مع كبار المخرجين مثل سعد أردش، سمير العصفورى، كرم مطاوع، أحمد عبدالحليم، وغيرهم، فعزز ذلك من مكانته كممثل مسرحى بارز.
دوره فى تطوير المسرح المصرى
حرص الفنان نبيل الحلفاوى» على المشاركة فى نصوص ذات قيمة أدبية وفكرية، مما أسهم فى رفع جودة المسرحيات التى عمل بها، كما شارك فى أعمال تحمل قضايا إنسانية ووطنية، ما جعله من الفنانين الذين يسهمون فى توصيل رسائل عميقة للجمهور، إلى جانب تعاونه مع أسماء بارزة فى التأليف مثل سعد الدين وهبة، لينين الرملى، بهاء طاهر وغيرهم فى نصوص مسرحية قوية.
بصمته الشخصية
كان «الحلفاوى» دائما ما ينظر إلى المسرح كفن جاد، ويدعو إلى الحفاظ على قيمته وسط التحديات التى تواجه هذا النوع من الفنون، بالإضافة إلى التواصل مع الأجيال الجديدة من خلال مقابلاته وحضوره الفعاليات المسرحية، وحرصه على دعم الشباب فى المجال الفنى، فهو فنان يُعبر عن قيمة المسرح كأداة للتغيير والتنوير، وقد ظل رمزا للالتزام الفنى والوطنى.
يشار إلى أن الفنان نبيل الحلفاوى قد رحل عن عالمنا الأحد الماضى، الموافق 15 ديسمبر الجارى عن عمر ناهز 77 عاما، تاركا إرثا فنيا يظل حاضرا في أذهان الجميع رغم رحيله.