لا تثير الحرب فى غزة القضايا الأمنية والاستراتيجية والجيوسياسية فقط، بقدر ما تثير أيضا العديد من القضايا والإشكاليات الفكرية والقيمية؛ تتعلق بالقيمة الأخلاقية فى الحروب، والمشروعية الأخلاقية للحروب، والحرب العادلة والحرب غير العادلة، والحديث عن تلك القضايا، وهذه الإشكاليات هو حديث قديم جديد. فالحديث عن القيم الأخلاقية فى الحروب، ومفاهيم كالحرب العادلة، قديم قدم الكون نفسه منذ أن عرفت البشرية الخير والشر، والانهزام والانسحاق فى مقابل النصر.
حديثًا؛ يعد مايكل وولترز من أبرز منظرى نظرية «الحرب العادلة» والذى يقول كما عرفتها الموسوعة السياسية إن «الحرب العادلة» ما هى إلا مجموعة من المبادئ والمعايير الأخلاقية التى تحدد الوسائل والغايات بالنسبة لاستخدام العنف من جانب الدولة وهذه المبادئ والمعايير الأخلاقية مُلزمة لأنها تقوم على الإجماع العام وهى مشتقة من المعايير القانونية والأفكار الدينية والفلسفية والشرائع الأخلاقية المختلفة والاتفاقيات المتبادلة التى تؤُسس تقليد الحرب الذى يتخلل المجتمع الدولى بأكمله، وتُعد حقوق الإنسان هى الأساس بالنسبة لنظرية وولترز فى الحرب العادلة.
بينما ويليام فيليس فى أطروحته «المسئولية الأخلاقية فى زمن الحرب» يذهب إلى أن محاولة الحفاظ على سلامة الإنسانية مثلت مبررًا لتدمير مجتمعات بكاملها عوضًا عن اللجوء للطرق القانونية والدبلوماسية لفض النزاعات ومنع الصراعات، وهو ذات المبرر الذى تستند إليه إسرائيل فى عدوانها الوحشى غير الإنسانى على غزة.
أما ديفيد فيشر فى كتابه «الأخلاقيات والحرب» الصادر عن سلسلة عالم المعرفة، يُشير إلى التحولات المهيمنة على فضاء العلاقات الدولية، حيث يقول «إن العالم المعاصر يعيش أزمة أخلاقية لا يمكن إنكارها. فمنذ القرن التاسع عشر أصبحت تسود المجتمعات المعاصرة نزعة تشكيكية فى الأخلاق الموروثة. وازداد الأمر تأكدا بعد فشل عصبة الأمم وانهيارها، وعدم قدرتها على الحد من الحربين العالميتين، الأولى والثانية، إلى درجة أصبح الكل يؤمن معها بأن العلاقات الدولية لا يمكن، بأى حال من الأحوال، أن تنضبط للمعايير الأخلاقية، وأن كل شيء يجب أن يتسم بالواقعية، والسياسات المرادفة لها». ويضيف فيشر «إذا كانت الفلسفة البراغماتية قد فرضت نفسها كثيرا فى القرن العشرين، حيث أصبحت الدول تجعل المصلحة الخاصة والنتائج النفعية فوق كل اعتبار، وتوجه السياسات نحو هذه الوجهة بالذات، فإن هناك تصورا آخر مختلفا، يضيف للاعتبارات النفعية اعتبارات أخرى لا تقل أهمية، وهى الاعتبارات الأخلاقية. إذ لا بد من التوفيق بين البراغماتية والأخلاق».
لكن من أبرز ما قرأت فى سياق الإجابة على هذا التساؤل دراسة بعنوان «المشروعية الأخلاقية للحرب بين ريتشارد نورمان وكارل فون كلاوزفيتز» للدكتورة هدى جاب الله، التى ذهبت فيها إلى «أن الحرب تعد مشروعة أخلاقيا حينما تكون حربًا عادلة، وحينما تكون وسيلة من أجل غاية أخلاقية، وهى إقرار السلام والأمن، وحينما تخاض من أجل قضية عادلة، وحينما يكون لها غاية عادلة وهى الانتصار للخير». وتضيف جاب الله «أنه يجب علينا أخلاقيا أن نتمسك بنظرية الحرب العادلة التى ترى أنه لا يجب علينا أنه نصبح من دعاة الحرب على الدوام، أو من دعاة السلام على الدوام، ومن ثم لا يجب علينا أن نقبل كل الحروب (عادلة أو ظالمة) بلا استثناء، ولا أن نرفض كل الحروب (عادلة أو ظالمة). فليست كل الحروب مبررة أخلاقيا، فهناك حروب مبررة أخلاقيا لأنها عادلة أخلاقيا مثل الحروب التحررية، وحروب مقاومة العدوان، ومن ثم لا يجب أن نتمسك بالنظرية الواقعية، أو نظرية المسالمة. بل بنظرية الحرب العادلة التى تؤكد على السلام العادل أخلاقيا، ونرفض السلام الظالم، وأن الحرب العادلة أفضل من السلام الظالم».
هذه القضايا تشتد وطأتها والحاجة للحديث عنها مع استمرار العدوان الغاشم الذى فاق كل حد فى غزة، أصبحت غزة أبرز نماذج العصر الحديث تجسيدًا لعدم العدالة فى الحروب، والافتقار للمشروعية الأخلاقية للحرب.
ما حدث ويحدث على مدار الساعة فى مخيمات النصيرات، جباليا، ومدينة رفح، وعموم غزة منذ السابع من أكتوبر ينافى ويناقض كل تلك النظريات المتعلقة بالعدالة والأخلاق، حتى على مستوى المساعدات الإنسانية والإغاثية؛ تستخدمها إسرائيل بما ينافى العدالة والأخلاق، تدعى أن مصر هى من تعرقل دخول المساعدات حتى لا يتم إدانتها بتهمة الإبادة الجماعية، ومن جانب آخر تعرقل وتعطل دخول المساعدات لتشديد ضغط الحصار والتجويع على سكان القطاع، لكى يضغطوا على قادة المقاومة والفصائل، ومن لم يمت بالقصف والرصاص، مات جوعًا.
قد يكون اعتراف العديد من الدول الغربية بالدولة الفلسطينية صحوة ضمير، لكن الواقع يقول إننا أصبحنا فى حاجة لصياغة نظريات جديدة فى مواجهة هيمنة النظرية الواقعية على مقدرات العلاقات الدولية وساحات السياسة الخارجية عالمياً؛ فالواقعية، بل الواقعية المفرطة المتطرفة هى من تسود وتحكم العالم الآن شرقا وغربا. فهل يستيقظ ضمير العالم؟
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: د وليد عتلم غزة الدولة الفلسطينية الحرب العادلة فى الحروب
إقرأ أيضاً:
القيصر الروسى فى عزلته المجيدة
???? الرأى
✍️صلاح جلال
(١)
???? بالأمس فى إجتماع مجلس الأمن بالأمم المتحدة كشر الدب الروسى العجوز عن أضعف أسلحته الصدئة حق النقض ( الفيتو) ، وهو سلاح من مخلفات الحرب العالمية الثانية من حيث القِدم بينما كان الرئيس بوتين قبل إسبوعين يتحدث فى مؤتمر الشراكة الروسي الإفريقي فى سوتشى نفاقاً ، عن ضرورة إنتاج نظام عالمى جديد بلا هيمنة ويعم فيه الخير والسلام ، والآن فى نيويورك تمارس روسيا البلطجة الدولية فى أبهى صورها ضد وقف إطلاق النار وتحقيق السلام فى دولة إفريقية مزقتها الحرب ، مشروع القرار المشترك البريطانى السيراليونى الذى يهدف لتحقيق وقف شامل لإطلاق النار ، وتنفيذ مقررات جدة لحماية المدنيين ، وتوصيل الغذاء والدواء للمحتاجين من النازحين واللاجئيين ، وإدانة إنتهاكات طرفى الحرب وعدم الإفلات من العقاب بتوسيع ولاية المحكمة الجنائية الدولية لتشمل الإنتهاكات الجسيمة فى كل أنحاء السودان الناتجة من هذه الحرب العبثية ، *وكان واسطة عقد المشروع ضرورة إعتماد آلية إمتثال ومراقبة لوقف إطلاق النار ولتنفيذ مقررات (جدة) ١١ مايو ٢٠٢٣م لضمان حماية المدنيين*
(٢)
???? وقفت روسيا القيصرية بكل صلف مستخدمة آخر سلاح لها حق النقض( الفيتو ) لتعطيل مشروع القرار الدولى ، لقد فضح القرار الموقف الروسى المخزى من الحرب فى السودان كما فضح العزلة العالمية التى تعيشها روسيا حيث صوت مجلس الأمن بالإجماع على القرار عدا روسيا التى وقفت منفردة أمام الإجماع العالمى لتأكيد عزلتها المجيدة ومتاهتها على المسرح العالمى، وقفت بمنطق غريب *أنها ضد توسيع نطاق محكمة الجنايات الدولية ICC فى السودان* وهى ذات روسيا القيصرية المتخلفة عن روح العصر ، عصر سيادة الشعوب وقيم السلام التى وقفت مع قرار مجلس الأمن بإحالة قضايا دارفور لمحكمة الجنايات الدولية قرار (١٥٩٣) بتاريخ ٣١ مارس ٢٠٠٥م ولم تعترض عليه ، *(شِن جدة على المخدة)* الدب العجوز هل فقد الذاكرة أم أنه التخبط على المسرح الدولى من وطأة شدة العزلة التى تعيشها روسيا *نتيجة لغزوها الغاشم على دولة أوكرانيا المستقلة فى إنتهاك صريح لسيادتها ولكل القوانين الدولية ذات الصلة بالعدالة والإنصاف الدولى ، *من تقف مناصرة له روسيا القيصرية خاسر لامحالة فى عالم متحد ومتماسك ضد البلطجة الروسية* .
(٣)
???? رسالة لحكومة الأمر الواقع فى بورتسودان ووزارة خارجية (ود إبراهيم) التى أصدرت بيان مباركة وتأييد للموقف الروسى فى مجلس الأمن ، لتأكيد إستمرار الحرب وتعزيز الإفلات من العقاب وتوسيع وديمومة معاناة الشعب السودانى فى اللجوء والنزوح وتحت فتك الأوبئة والأمراض والحاجة الماسة للطعام
نقول لهم ما أشبه الليلة بالبارحة فى العام ٢٠١٨م تمت دعوتنا للتشاور بالخارجية البريطانية فى لندن لقاء شارك فيه
الرفيق ياسر عرمان وعسكورى وشخصى إنحصر النقاش فى موضوعين الأول تنسيق المواقف فى مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان لإبقاء الإنقاذ تحت المراقبة الدولية فى ملف حقوق الإنسان والثانى ما تقدمت به بريطانيا معبرة عن إنزعاجها الشديد من منح نظام الإنقاذ قاعدة روسية (لفاغنر) فى منطقة أم دافوق بغرب السودان ويقوم الروس بتدريب عناصر مليشيا سيلكا لتغيير النظام فى أفريقيا الوسطى ويخططون للتوسع فى منطقة الساحل والصحراء وقد أُبُلِغنا بتشكيل لجنة دولية تشمل دول الترويكا وفرنسا وألمانيا لمتابعة هذا الأمر الذى يعتبر تجاوز خطير للتوازونات الدولية وان الدول المعنية لن تقف مكتوفة الايدى لهذا التدخل الروسى فى منطقة الساحل والصحراء بمعاونة نظام الرئيس المخلوع عمر البشير
نقول للفريق البرهان لقد دخلت عش الدبابير برجليك روسيا وإيران لهم أطماع فى تأسيس قواعد فى البحر الأحمر لتهديد السلم والأمن الدوليبن ما أشبه الليلة بالبارحة *إنتهى العبث بالبشير رئيس مخلوع ومطلوب للجنائية الدولية ومن سار على ذات الدرب وصل* .
(٤)
???? الفيتو الروسى اليوم مهم Wake Up Call لتأكيد عجز صيغة مجلس الأمن الراهنه لحفظ الأمن فى العالم
والموقف اليوم مفيد للشعوب والدول المحبة للسلام وإنهاء الحروب *للبحث عن تفعيل خيارات جبربة خارج مجلس الأمن الدولى من خلال المنظمات الإقليمية الإتحاد الإفريقى والإتحاد الأوربى والنيتو*
وهناك تجارب فى العراق وليبيا للحظر الجوى ومراقبة تدفق السلاح ومنعه بالحصار البحرى والجوى ومن خلال تأسيس تحالف الراغبين فى وقف الحرب من بقية دول العالم المحبة للسلام
لابد من تجاوز مجلس الأمن الدولى لفرض السلام وضمان حماية الشعوب ، *روسيا دولة فاسدة ومتسلطة تقود شعبها لتأسيس شمولية وأوتوقراطية قاهرة* لا تقدم أى نموذج لغدوة أو إلهام لشعوب العالم الأخرى روسيا تسعى لتأسيس نادى جديد للديكتاتوريات فى العالم
لابد من قطع الطريق أمام هذه التصرفات الخطرة وغير المسئولة التى تجعل العالم مكان غير آمن للحياة.
(٥)
???????? ختامة
نحن مع شعبنا وطموحاته فى السلام والتنمية والتقدم ومع الإستمرار فى البحث عن الشراكات الذكية مع الشعوب والحكومات لتقاسم الثروات الطبيعية وتطويرها لخير الإنسانية ورفاهيتها وإستقرارها، نعمل على توسيع التضامن الدولى مع *القوة الديمقراطية والمحبة للسلام فى العالم فهى حليفنا* من أجل المستقبل للتعاون الإقليمى والدولى ، نحن فى القوى الديمقراطية المدنية السودانية سنعمل على جعل القارة الأفريقية ومنطقة الشرق الأوسط مركز لتبادل المنافع بين كل دولها وحماية الأمن والسلم الدوليين *وتحقيق التعايش والسلام الذى تأمر به وتعززه رسالة الأديان الإبراهيمية الثلاثة* [الاسلام- المسيحية - اليهودية] ، *شعب السودان سينتصر على كل قوى الشر المحلية والإقليمية والدولية*ونغنى مع محجوب الشريف كما غنينا بالأمس فى ندوة إسفيرية عطرها الشعراء العظام أ.فضيلى جماع وأزهرى محمد على ووئام كمال وعالم عباس على منصة تمدن نهر النيل .
*حنبنيهو البنحلم بيهو يوماتى*
*وطن شامخ وطن عاتى*
*وطن خير ديمقراطى*
#لاللحرب
#لازم_تقيف
١٨ نوفمبر ٢٠٢٤م