خطيب الجمعة بالأزهر: الحج مناقض للتقسيمات يجمع الأمة ويعيد ربطها بمصادر عزها
تاريخ النشر: 14th, June 2024 GMT
كتب - محمود مصطفى أبوطالب:
أكد الدكتور محمود الهواري الأمين العام المساعد للدعوة والإعلام الديني بمجمع البحوث الإسلامية، إنه لا ريب أن كثيرا من المسلمين تتحرك قلوبهم في هذه الأيام المباركة شوقًا لأداء هذه الطاعة العظيمة، وطمعًا في تحقيق هذا النُسك الجليل، ومحبة لرؤية بيت الله العتيق.
وأضاف خلال خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم من الجامع الأزهر بعنوان "الحج ووحدة الأمة"، أنه من كتب الله له زيارة بيته الحرام، فهو يطوف ويلبي، ومنا من يطوف بقلبه، وإن لم يتجاوز المكان بجسمه، كما أن رب العالمين قد رتب على عبادة الحج المنافع والفوائد والمنح، ولم يقع هذا الترتيب الإلهي منذ سنة ولا منذ مائة سنةٍ ولا منذ ألف سنة، وإنما رتب الله الكريم منحه وعطاياه لمن زار البيت الحرام منذ أن أذن لخليله إبراهيم عليه السلام أن يؤذن في الناس بالحج، فقال له: «وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ».
وأضاف الهواري أن موسم الحج يذكرنا بوصف قرآني وصف الله تعالى به أمة النبي صلى الله عليه وسلم بقوله سبحانه: «إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُون».
وأوضح أن من مظاهر الوحدة في موسم الحج ذلكم التذكير السنوي بمعنى الأمة، فهذه الألسنة واللغات، والألوان والصفات، والأفكار والعادات، كل هذا التنوع لم يبق له أثر مع هذه العبادة، فالحج مناقض للتقسيمات، يجمع الأمة ويعيد ربطها بمصادر عزها، حيث يجتمع المسلمون من أقطار الأرض حول هذا البيت العتيق، الذي يتجهون إليه كل يوم خمس مرات، البيت الذي يقصدونه بقلوبهم وأفئدتهم في صلواتهم في بلادهم المترامية، ها هم الآن يجتمعون حوله، وقد خلعوا ملابسهم، وتجردوا معها من عاداتهم، وأفكارهم، واحتكموا إلى الله وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. أين الأمير من المأمور؟!أين الغني من الفقير؟! أين الكبير من الصغير؟!، ثم أجاب: لا فرق بينهم.. كلهم على حال واحدة متساوون.
وبين الهواري أنّ مظاهر الوحدة في موسم الحج متعددة وكثيرة، منها: وحدة الزمان والمكان، فالحج له زمان محدد ومكان محدد يؤدى فيه لا يجوز أن يكون في غيره، قال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} (البقرة: 197)، وقال - صلى الله عليه وسلم – "الحج عرفة"، ووحدة المناسك: فالجميع مطالب بأداء مناسك الحج، من الإحرام، والطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، والوقوف بعرفة، والمبيت بمنى، ورمي الجمار...وكلهم يقومون بنفس الأعمال مما يجسد ويعمق هذه الأخوة والمحبة.وتابع قائلًا: أما وحدة الهدف والغاية والشعور: فالجميع قد جاؤوا من كل فج عميق، يرجون رحمة الله، ويخافون عذابه، رافعين أكف الضراعة إلى الله - عز وجل-، راغبين في مغفرته طامعين في فضله ورضوانه، ثم وحدة المنهج ومصدر التلقي: فلا يتحرك الحجيج حركة إلا بما أذن به رب العالمين على لسان نبيه الكريم، فهو صلى الله عليه وسلم الذي رسم لهم المنهج يوم أن حج بهم حجة الوداع وحوله من المسلمين مائة وعشرون ألفا، وأمام هذا الحشد الضخم من الأمة، كانت التوجيهات النبوية والوصية الختامية التي تحتاج البشرية الآن إلى أن تتأمل تفاصيلها.
وأشار إلى أن الأمة تملك كل مقومات الوحدة وتملك كل مقومات السيادة وكل مقومات الرقي فما الذي فرق جمعنا وشتت شملنا وجعلنا في مؤخرة القافلة؟!! إننا ينبغي أن نأخذ من الحج دروسا لا تنسى، نجعلها محل تطبيق في حياتنا ومجتمعاتنا ودولنا وعالمنا الإسلامي كله؛ فالقِبلة واحدة، والربُّ واحد، والمشاعر واحدة، واللباس واحد، وكل هذه الأمور تجتمع في هذا الموسم المبارك، وهي مدعاة للإحساس بوحدة الشعور، وموجبة لتعزيز التآخي، والتعارف بين المسلمين، ومشاطرة الآلام والآمال، والتعاون على مصالح الدين والدنيا.
وتساءل: كيف لا تكون هذه الأمة واحدة، وقد وحد الله عقيدتها وشريعتها، ووحد غايتها، ووحد مناهجها، ومن العجيب أن يكون المقصود الأعظم من الوحي الإلهي أن تكون الأمة واحدة ثم لا تفهم الأمة عن ربها، فتفرق بينها حدود وموانع، فهذه الأمة لم يخرجها ربها لتتقوقع على نفسها، وتعيش في حدودها، ولمنافعها المادية الخاصة، إنما أخرجها "للناس" كل الناس، بيضًا وسودًا، عربًا وعجمًا، فهي أمة "مبعوثة" للعالمين، كما أن كتابها أنزل ذكرًا للعالمين، ونبيها أرسل رحمة للعالمين. وهذا ما ينبغي أن تدركه الأمة المسلمة؛ لتعرف حقيقتها وقيمتها، وتعرف أنها أخرجت لتكون طليعة، ولتكون لها القيادة، وأن يكون لديها دائما ما تعطيه. ما تعطيه من الاعتقاد الصحيح، والتصور الصحيح، والنظام الصحيح، والخلق الصحيح، والمعرفة الصحيحة، والعلم الصحيح، هذا واجبها الذي يحتمه عليها مكانها، ومكانتها، ولهذا المكانة تبعاتها، فهو لا يؤخذ ادعاء، ولا يسلم لها به إلا أن تكون هي أهلا له.
المصدر: مصراوي
كلمات دلالية: حكومة مدبولي الطقس أسعار الذهب سعر الدولار معبر رفح التصالح في مخالفات البناء مهرجان كان السينمائي الأهلي بطل إفريقيا معدية أبو غالب طائرة الرئيس الإيراني سعر الفائدة رد إسرائيل على إيران الهجوم الإيراني رأس الحكمة فانتازي طوفان الأقصى الحرب في السودان الدكتور محمود الهواري مجمع البحوث الإسلامية خطبة الجمعة الجامع الأزهر صلى الله علیه وسلم
إقرأ أيضاً:
حكم التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته
النبي محمد.. قالت دار الإفتاء المصرية إن علماء الأمة من المذاهب الأربعة وغيرها، أجمعوا على جواز واستحباب التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم في حياته وبعد انتقاله صلى الله عليه وآله وسلم، واتفقوا على أن ذلك مشروعٌ قطعًا ولا حرمة فيه، وهو ما ندين الله به؛ أن التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم مستحبٌّ وأحد صيغ الدعاء إلى الله عز وجل المندوب إليها، ولا عبرة بمن شذ عن إجماع العلماء.
التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته
و أوضحت دار الإفتاء، مفهوم التَّوَسُّل وهو ما يُتَوَصَّلُ به الإنسان إلى الشيء ويُتَقَرَّبُ به، كما قال العلامة ابن الأثير في "النهاية" (5/ 185، ط. المكتبة العلمية).
وأكدت الإفتاء أن من رحمة الله بنا أن شرع لنا العبادات وفتح باب القربة إليه، ليتقرب المسلم إلى الله بشتى أنواع القربات التي شرعها الله عز وجل، والقرآن كله يأمرنا بالوسيلة إلى الله، أي بالتقرب إليه سبحانه.
وجاءت النصوص والأدلة المتكاثرة من الكتاب والسنة والآثار عن الصحابة بمشروعية التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأن ذلك حاصل قبل مولده، وفي حياته الدنيوية، وبعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى ذلك اتفقت المذاهب الأربعة:
فمن الكتاب قوله تعالى يخبر عن حال أهل الكتاب قبل مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبعثته: ﴿وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [البقرة: 89].
وقوله تعالى: ﴿ولو أَنَّهم إذ ظَلَمُوا أَنفُسَهم جاءوكَ فاستَغفَرُوا اللهَ واستَغفَرَ لهم الرسولُ لوَجَدُوا اللهَ تَوّابًا رَحِيمًا﴾ [النساء: 64].
وأما الأدلة من السنة النبوية المطهرة:
فحديث الأعمى الذي علَّمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يقول: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، يَا مُحَمَّد إِنِّي تَوَجَّهْتُ بِكَ إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ لِتُقْضَى لِيَ، اللَّهُمَّ شَفِّعْهُ فِيَّ» رواه الترمذي وابن ماجه والنسائي وصححه جمع من الحفاظ، وفي بعض رواياته أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له: «وَإِنْ كَانَ لَكَ حَاجَةٌ فَمِثْل ذَلِكَ»، وعند الطبراني وغيره أنَّ راوي الحديث عثمان بن حنيف رضي الله عنه علَّم هذا الدعاء لمن طلب منه التوسط له في حاجة عند عثمان بن عفان رضي الله عنه في خلافته، وفي ذلك طلب صريح للمدد من النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى.
وحديث الخروج إلى المسجد للصلاة: فعن سيدنا أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ قَالَ حِينَ يَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ السَّائِلِينَ عَلَيْكَ، وَبِحَقِّ مَمْشَايَ؛ فَإِنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشَرًا وَلَا بَطَرًا وَلَا رِيَاءً وَلَا سُمْعَةً، خَرَجْتُ اتِّقَاءَ سُخْطِكَ وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِكَ، أَسْأَلُكَ أَنْ تُنْقِذَنِي مِنَ النَّارِ وَأَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، وَكَّلَ اللهُ بِهِ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ وَأَقْبَلَ اللهُ عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ حَتَّى يَفْرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ» رواه أحمد وابن ماجه وابن خزيمة، وهو حديثٌ صحيحٌ؛ أشار إلى صحته الحافظ ابن خزيمة عندما استدل به في العقائد؛ قال الحافظ البوصيري في "مصباح الزجاجة" (1/ 98، ط. دار العربية): [رواه ابن خزيمة في "صحيحه" من طريق فضيل بن مرزوق؛ فهو صحيح عنده] اهـ.
وحديث أنس بن مالك رضي الله عنه عند موت فاطمة بنت أسد أم علي رضي الله عنهما، وهو حديث طويل، وفي آخره أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «اللهُ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، اغْفِرْ لِأُمِّي فَاطِمَةَ بِنْتِ أَسَدٍ ولَقِّنْهَا حُجَّتَهَا وَوَسِّعْ عَلَيْهَا مُدْخَلَهَا بِحَقِّ نَبِيِّكَ وَالْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِي، فَإِنَّكَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ» رواه الطبراني في "الأوسط" (1/ 67، ط. دار الحرمين)، و"الكبير" (24/ 351)، وأبو نعيم في "الحلية" (3/ 121، ط. السعادة)، وغيرهما. قال الحافظ الهيثمي في "مجمع الزوائد" (9/ 257): [رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وفيه روح بن صلاح، وثقه ابن حبان والحاكم، وفيه ضعف، وبقية رجاله رجال الصحيح] اهـ.
وورد عن سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما: ﴿وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ يقول: "يستنصرون بخروج محمد صلى الله عليه وآله وسلم على مشركي العرب -يعني بذلك أهل الكتاب- فلما بعث الله محمدًا صلى الله وآله عليه وسلم ورأوه من غيرهم، كفروا به وحسدوه".