خطبتا الجمعة بالحرمين: العبرة في هذا الدين العظيم بما وقر في القلب وصدقه العمل.. وإن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم
تاريخ النشر: 14th, June 2024 GMT
ألقى الشيخ الدكتور بندر بن عبدالعزيز بليلة خطبة الجمعة اليوم بالمسجد الحرام، وافتتحها بتوصية المسلمين بتقوى الله عزَّ وجلَّ، فإنَّ من اتّقاه وقاهُ، وفرَّجَ همّه وكفاهُ، ويسّرَ أمرَه وأدناهُ، وبلّغَه مُناه وحققَ له مُبتغاهُ، وصرفَ عنه السُّوءَ، وجنّبه خُطاهُ.
وقال فضيلته: ها قد دارَ الزَّمانُ دَوْرتَهُ، وأظلّتكُمْ فيه خيرُ أيام الدُّنيا، أيام عشْرِ ذي الحجّةِ، الَّتي عَظَّمَ الله أمرَها، ورفَع قدرَها، وأعلى شأْنَها، فنَهَلْتُم مِن مَنبعِها العذبِ، واغترفتُم مِن معِينِها الَّذِي لا ينْضَبُ، أفضْلَ الأعمال وأزْكاها، وأجلَّ القُرباتِ وأَسْناها، تَسلَّمها المولى منكُم كما سلَّمَكُم إيّاها، مقبولة بقَبُولٍ حسَنٍ، مشمُولة منه بالرِّضَا الأتمِّ الـمُستحْسَنِ.
وأضاف: لقد آذَنَتْ أيّامُكُم هذه بالرَّحيلِ، فلم يبْقَ منها إلّا القليلُ، بقي منها الثّلُثُ، والثّلُثُ كثيرٌ، كيف لا؟! وفيه يومكُم هذا يومُ التّرويةِ، يومُ سقاية الحجيجِ، وقد صادفَ يومَ جمعةٍ، الَّذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْه الشَّمْسُ» رواه مسلمٌ في صحيحِهِ. يليه يومُ عرفةَ، اليومُ الذي أكملَ الله فيه الدّينَ، وأتمَّ نعمتَه على سيّدِ المرسلينَ عليه الصلاة والسلام، ثم اليومُ العاشرُ، يومُ النحرِ، وما أدراكُم ما يومُ النحرِ، يومُ الحجِّ الأكبرِ، عنِ ابنِ عمرَ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم وقفَ بينَ الجمراتِ يومَ النحرِ في الحجّة التي حجَّها، وقال: «هَذَا يَوْمُ الحَجِّ الأكبر» أخرجه البخاري في صحيحهِ، وهو أعظمُ الأيام عندَ الله جلَّ وعلَا، فعنِ النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «إِنَّ أَعْظَمَ الأيام عِنْدَ الله يَوْمُ النَّحْرِ» أخرجه أبو داودَ في سننِهِ. أقسمَ الله به وبيومِ عرفة بعدَ أن أقسمَ بالعشرِ، لـمكانتِهِما وعظِيمِ منزلتِهِما عندَهُ، وإِنَّ العشرَ عَشرُ النَّحرِ، والوَتْرَ يَومُ عَرَفَةَ، وَالشَّفعَ يَومُ النَّحرِ. أخرجه الإمامُ أحمد في المسندِ والنّسائي في الكبرى.
وأوضح أن حج بيتِ الله الحرامِ مَنسكٌ عظيمٌ، فيه تتلاشَى النِّزاعاتُ، وتذوبُ الخلافاتُ، وتتهاوَى النَّعراتُ، وتتجه النفوسُ إلى ربِّ الأرضِ والسماواتِ، لا مجالَ فيه للتّباهِي بالألوانِ والأجناسِ، ولا فضلَ فيه لأحد من النَّاسِ على النَّاسِ إلّا بالتقوى، خيرُ لباسٍ.. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّـيَّة الْجَاهليَّةِ، وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ، مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ، وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ» أخرجه الإمامُ أحمد في مسنده وأبو داودَ في سننِهِ. والعُبِّـيَّةُ: الكِبْرُ والفَخْرُ.
وأكد إمام وخطيب المسجد الحرام أن العبرة في هذا الدّينِ العظيمِ بما وَقَرَ في القلبِ وصدَّقه العملُ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم: «إِنَّ الله لَا يَنْظُرُ إلى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إلى قُلُوبِكُمْ وَأعمالكُمْ» أخرجه مسلمٌ. فتزوَّدُوا عبادَ اللهِ، فإنَّ خيرَ الزّادِ التقوى، واستمسِكُوا مِن دينكُم بالعُروة الوثقى، وعليكُم بالجماعةِ، فإنَّ يدَ الله مع الجماعةِ، ومَن شذَّ شذَّ في النّارِ عياذًا بالله.
وبيّن الدكتور بندر بليلة أن كُبْرى القضايا التي قام عليها مَنسكُ الحجِّ العظيمِ، بل وقامَت عليه جميعُ الطَّاعاتِ والعِباداتِ، هي تحقيقُ التّوحيدِ، وتجريدُه لربِّ العبيدِ، وإظهارُ الاستسلامِ لله بالطاعةِ، والانقيادُ له بالعبادةِ، والبراءة من الشركِ وأهله.. يقولُ شيخُ الإسلام ابنُ تيمية رحمه اللهُ: التوحيدُ هو أصلُ الدِّينِ الذي لا يقبلُ الله من الأولينَ والآخرين ديناً غيرَهُ، وبه أرسلَ الله الرسلَ، وأنزلَ الكُتبَ. والتوحيدُ هو الحسنة التي لا تعدلُـها حسنةٌ، والقربة التي لا تُوازيها قربةٌ، فحسنة التّوحيدِ تأتي على السيئاتِ فتمحُوها، وعلى الآثامِ فتجلُوها. عن عبدِالله بنِ مسعودٍ رضي الله عنه حينما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم قال: «فَأُعْطِي رَسُولُ الله عليه الصلاة والسلام ثَلَاثًا: أُعْطِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَأُعْطِي خَوَاتِيمَ سُورَة الْبَقَرَةِ، وَغُفِرَ لِمَنْ لَمْ يُشْرِكْ بِالله مِنْ أُمَّتِه شَيْئًا، الْمُقْحِمَاتُ» أخرجه مسلمٌ. قال أهل العلمِ رحمهُم اللهُ: الـمُقْحِماتُ: الذنوبُ العظامُ التي تُقحمُ وتُدخلُ صاحبَها النارَ ـ عياذًا بالله ـ.
وشدد إمام وخطيب المسجد الحرام على وجوب تحقيقِ التوحيدِ، والحذر ممّا يُعكّرُ نقاءَهُ، ويَخدِشُ صفاءَهُ، والتمسك بالسنةِ، وجانبُوا أهل الأهواء والبدعِ المُضلَّةِ، فالعبادة لا تُصرفُ إلّا لله وحدهُ، لا لملَكٍ مُقرَّبٍ، ولا لنبي مرسلٍ، فضلًا عمّن دونهُم من الأولياءِ والصالحينَ، ممّن لا يملكُ لنفسه نفعًا ولا ضرًّا، ولا موتًا ولا حياة ولا نُشُوراً.
* وفي المدينة المنورة أوصى إمام وخطيب المسجد النبوي فضيلة الشيخ الدكتور عبدالباري الثبيتي المسلمين بتقوى الله تعالى، قال جل من قائل {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ واحدة وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كثيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّه الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِه وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّه كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}.
وقال فضيلته: في مثل هذه الأيام في موسم الحج تتجدد لدى المسلم بل المسلمين أجمع مواقف تنشرح بها صدورهم، وتهيم بها أرواحهم قبل مشاعرهم، يقلب المرء ناظريه فيرى بأم عينيه مشاهد تثلج الصدر، وتسر الخاطر في ردهات الحرمين، وفي صعيد المشاعر المقدسة. منظر مهيب حقاً، اجتماع الأمة في ملتقى إيماني روحاني، لباس واحد، نداء واحد، قبلة واحدة، نبي واحد، مقصدهم رضا رب واحد لا شريك له؛ فلا غرو أن أراد الله لهذه الأمة أن تكون عظيمة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكم تُتِمُّونَ سبعينَ أُمَّةً، أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللهِ» رواه الترمذي.
وبين فضيلته أن سنة الله وحكمته في هذه العبادات الموسمية يتجلى فيها التئام شمل الأمة متجردين من الشعارات والنداءات والعصبيات، في ظل أمن وارف، وحشد جبار للجهود، وبذل سخي من قيادة وولاة أمر هذه البلاد خدمة لوفد الله الحجاج والعمار.
ومضى فضيلته قائلاً: ما أعظم هذه الأمة المحمدية وهي ترفل في أبهى حلتها، وتكتسي أجمل كسوتها، متلبسة بعبادة تتساوى فيها مقامات الناس وطبقاتهم، دون اعتبار للون ولا جنس ولا مرتبة ولا منصب. مشيرًا إلى أنها تعلو قيمة المخبر على المظهر، والصدق في القول والفعل على الادعاءات، وتجلت هذه المعاني في خطبة الوداع بقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “يا أيُّها الناسُ إنَّ ربَّكمْ واحد. ألا لا فضلَ لِعربِي على عجَمِي ولا لِعجَمِي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلَّا بالتَّقوَى. إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّه أَتۡقَاكُمۡ”.
وأوضح فضيلته أن المشهد الذي نراه اليوم في مناسك الحج يحكي كثيرًا من قيم الإسلام: المساواة والعدل والألفة والمحبة والتآخي وتحقيق العبودية والتجرد لله والإخلاص والتواضع.. وهذا سبب الانجذاب الفطري لمبادئه السامية. أحب الناس الإسلام؛ وانتشر وينتشر لأنه واضح المعالم، وحق أبلج، يسعد النفوس، ويشرح الصدور، ويشبع فراغ القلوب، ويهذب حيرة الأرواح، ويملأ خواء الفكر، ويلبي حاجات النفس، ويروي ظمأها، ويمنح الأمن.. مستشهداً بقول الله تعالى: {فِطۡرَتَ ٱللَّه ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيۡهَاۚ لَا تَبۡدِيلَ لِخَلۡقِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُ}.
وأشار إلى أن هذه الجموع الغفيرة والألوف المؤلفة لم تأت إلى الحج بالقوة والقهر؛ بل سبقت أفئدتها أجسادها إلى أروقة الحرمين حبًا وشوقًا ورغبة، وتكبدت المشاق طلباً لرضا الرحمن، وهذا خير شاهد على أن انتشار الإسلام كان -وما زال- بالبرهان الساطع والدليل القاطع، والسماحة والقيم والأخلاق؛ إذ قال تعالى: {لَآ إِكۡرَاه فِي ٱلدِّينِۖ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشۡدُ مِنَ ٱلۡغَيِّۚ}، وقال: {أَفَأَنتَ تُكۡرِه ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤۡمِنِينَ}.
وأكمل فضيلته بقوله: فلا تعجب أيها المسلم إن اجتمعت هذه الوفود من أقطار الأرض كلها من كل حدب وصوب؛ فإن قيم الإسلام وركائز الإيمان تتجاوز السدود، وتخترق الحدود، وتصل إلى شغاف النفوس في أي بقعة في الأرض؛ فترقيها وتطهرها وتجعلها خلقا آخر؛ قال الله تعالى: {صِبۡغَة ٱللَّه وَمَنۡ أَحۡسَنُ مِنَ ٱللَّه صِبۡغَة}.
وبيّن فضيلته أن هذه الجموع أقبلت على الإسلام لأنه دين متوازن متجاوب مع متغيرات الحياة والعصور؛ يستوعب كل أحد، كل زمان، وكل مكان، يجيب عن كل مسألة، ويفكك رموز كل نازلة؛ قال الله تعالى: {ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِيناۚ}. مشيرًا إلى أن هذه الأمة الإسلامية أحبت دينها لأنه منبع الاستقرار ومصدره، الاستقرار النفسي، الاستقرار الأمني، الاستقرار الاجتماعي؛ يزيل أسباب القلق والتوتر، ويسكب في النفس الراحة والسعادة والطمأنينة؛ قال عز وجل: {فَمَن يُرِدِ ٱللَّه أَن يَهۡدِيَهُۥ يَشۡرَحۡ صَدۡرَهُۥ لِلۡإِسۡلَٰمِۖ وَمَن يُرِدۡ أَن يُضِلَّهُۥ يَجۡعَلۡ صَدۡرَه ضَيِّقًا حَرَجا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي ٱلسَّمَآءِۚ}.
وذكر فضيلته أن الإسلام قوى رابطة الأمة الإسلامية بتعزيز معاني الأخوة، والارتقاء بمشاعر المسلم ليكون محباً للخير لكل الخلائق؛ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حتَّى يُحِبَّ لأخِيه ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ”. مضيفاً بأن أمة الإسلام تقف شامخة بإسلامها، قوية بإيمانها، عزيزة بمبادئها؛ لأنها أمة القيم والمثل والأخلاق، هذا الذي نشاهده اليوم يجسد الأمة الواحدة المتحدة في الشريعة والشعور.. نعمة عظيمة، تستوجب معرفتها واستشعار قيمتها والحفاظ عليها بشكر المنعم، وقد كفل الله ديمومتها بنعمة أخرى عظيمة، هي نعمة كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم؛ الحصن الحصين والحرز المكين، وبقدر تمسك الأمة بها تدوم ألفتها، ويتماسك صفها، ويشتد بنيانها؛ وهذا يقتضي نبذ الفرقة بكل صورها بالقول أو بالفعل أو بحمل السلاح؛ قال تعالى: {وَلَا تَنَٰزَعُواْ فَتَفۡشَلُواْ وَتَذۡهَبَ رِيحُكُمۡۖ}.
ونبه إمام وخطيب المسجد النبوي إلى أن الأمة الإسلامية مطالبة بتحقيق الأمن الشامل الذي يتحقق به أمن الدنيا والآخرة، وذلك بتحصين العقيدة من الزيغ والشبهات، وتعزيز الأمن الفكري لشباب الأمة من التطرف والغلو والتحزبات، ومن السقوط في براثن الشبهات ومزالق الشهوات، قال تعالى: {فَأَي ٱلۡفَرِيقَيۡنِ أَحَقُّ بِٱلۡأَمۡنِۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ. ٱلَّذِينَ ءَامنواْ وَلَمۡ يَلۡبِسُوٓاْ إِيمَٰنَهُم بِظُلۡمٍ أولٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلۡأَمۡنُ وَهُم مُّهۡتَدُونَ}.
وأشار إلى أن الأمة الإسلامية أمة العلم والعمل؛ تواكب التطور النافع، وتشارك في تنمية الحياة، وتحفز على السعي في مناكب الأرض وبناء الأوطان، وتنأى بنفسها عن الجهل والكسل والتواكل، مع المحافظة على ثوابت الدين وركائز الإسلام والقيم، وفي هذا السياق يتحتم على الأمة إبراز سماحة الإسلام ويسره وعدله وسعة أحكامه، والبعد عن كل ما يشوه صورة الإسلام ونصاعة تشريعاته، مضيفًا بأن المتدبر في الكتاب والسنة، ومن خلال آيات المناسك وغيرها، يرى دعامة ثابتة من دعامات هذا الدين من الحث على التيسير لا التعسير، والتبشير لا التنفير؛ قال تعالى: {يُرِيدُ ٱللَّه بِكُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ}، وقال: {هُو ٱجۡتَبَاكُمۡ وَمَا جَعَلَ عَلَيۡكُمۡ فِي ٱلدِّينِ مِنۡ حَرَج}.
وختم إمام وخطيب المسجد النبوي فضيلة الشيخ الدكتور عبدالباري الثبيتي بأن المسلم يعتز بهذه الأمة؛ فهي أكرم الأمم؛ قال تعالى: {كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّة أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ}. أمة وسط، لا غلو ولا تنطع ولا تهاون، محفوظة من الهلاك والاستئصال، فلا تهلك بالسنين ولا بالجوع ولا بالغرق، باقية ما بقي الزمان؛ ألا ترون هذه الصفوف التي نصطف بها في الصلاة قد خصت بها هذه الأمة؛ إذ جعل اصطفافها كصفوف الملائكة، والتكريم الأكبر يوم القيامة حين تأتي هذه الأمة غراً محجلين من أثر الوضوء، وهي الصفة التي يعرف النبي صلى الله عليه وسلم بها أمته، ثم تترقى منزلتهم؛ فتكون هذه الأمة أول من يجتاز الصراط، وأول من يدخل الجنة.
المصدر: صحيفة الجزيرة
كلمات دلالية: كورونا بريطانيا أمريكا حوادث السعودية صلى الله علیه وسلم إمام وخطیب المسجد ى الله علیه وسلم الأمة الإسلامیة أمة الإسلام الله تعالى فضیلته أن هذه الأمة قال تعالى إلى أن ة التی
إقرأ أيضاً:
هل يسامح الله من تاب عن أذية الناس؟.. أمين الإفتاء يجيب
أكد الدكتور عمرو الورداني، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن من أساء إلى أحد الأشخاص في الماضي، ثم ندم على فعلته وانقطع تواصله مع هذا الشخص، فباب التوبة والمغفرة مفتوح ما دام الإنسان صادقًا في توبته وساعيًا في تصحيح خطئه.
وقال "الورداني"، خلال تصريحات تلفزيونية، اليوم الأربعاء: "السؤال عن الإساءة للغير والقلق من العقوبة يوم القيامة يدل على حياة القلب وصدق التوبة، ولكن يجب أن نُحذر من أن يتحول هذا الندم إلى جلد للذات، فجلد الذات مرفوض شرعًا، لأنه نوع من أنواع عدم الرضا بمراد الله في التوبة والمغفرة".
وأوضح أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية أنه على من أساء في الماضي أن يستغفر الله بصدق، ويدعو لمن أساء إليه، وإذا استطاع أن يبلغه أو يحسن إليه فليفعل، فالحسنات يذهبن السيئات، كما قال الله تعالى في كتابه الكريم.
وأضاف أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية "الأهم هو أن يكون هدفك هو رضا الله عنك، مش رضاك أنت عن نفسك. لو ركزت إن ربنا يرضى عنك، هتبدأ تعبد وتُقبل عليه بإخلاص، وتُحسن لمن حولك، بدل ما تفضل تعذب نفسك بالندم والتأنيب".
وتابع: "ربنا غفور رحيم، والتوبة ميثاق بين العبد وربه، وإن لم تستطع رد الحق ماديًا، فادع لمن ظلمته، واستغفر له، وابحث عن فرص لفعل الخير باسمه أو نيابة عنه".
هل يجوز الذهاب لعرفات مباشرة وترك المبيت يوم التروية؟.. الإفتاء تجيب
هل الصلاة بدون وضوء بعد الاغتسال من الجنابة باطلة؟.. الإفتاء تجيب
وكان الدكتور علي جمعة، مفتي الديار المصرية الأسبق، عرّف التوبة النصوح بأنها هي التي لا عودة بعدها كما لا يعود اللبن إلى الضرع.
وأوضح علي جمعة من خلال الصفحة الرسمية لفضيلته عبر فيسبوك، مفهوم التوبة النصوح قائلاً: قيل هي: "الندم بالقلب، والاستغفار باللسان، والإقلاع عن الذنب، والاطمئنان على أنه لا يعود".
وأشار إلى أنه لا بد من المراجعة الدائمة لأنها عظيمة النفع في ترقي الإنسان وخلاصه من الدنايا، ولقد ضرب لنا المصطفى صلى الله عليه وسلم مثلًا من نفسه؛ حيث قال: «يا أيها الناس توبوا إلى الله، فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة».. [رواه الترمذي].
وأوضح المفتي السابق أن سُنة الله في طبيعة البشر اقتضت أن تكون تلك التوبة والمراجعة دائمة، فلا ينبغي أن نمل من كثرة التوبة إلى الله، ولا نمل من مصارحة النفس بالعيوب والقصور، ولا نمل من الإقلاع بهمة متجددة لرب العالمين، والله يحب من عبده إذا أخطأ أن يرجع عن خطئه، حتى لو تكرر الخطأ أو الخطيئة، فهو يقبل التوبة من عبادة ويعفو عن كثير.
واستشهد فضيلته بما جاء بالحديث النبوي الشريف قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : «كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون».. [رواه أحمد والترمذي وصححه الحاكم في المستدرك].
وأوضح جمعة أن التوبة تخرج الإنسان من ذنوبه، وكأنه لم يفعل ذنبا قط، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- :«التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ».. [رواه ابن ماجه].
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الاستغفار والتوبة إليه ليترقى في درجات القرب، وليعلمنا كثرة الاستغفار، فقال -صلى الله عليه وسلم- : « إِنِّى لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِى الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً ».. [رواه ابن ماجة في سننه].
وأضاف فضيلته أن التوبة منها توبة عن المعاصي والذنوب، ومنها الإنابة وهي أعلى من التوبة، حيث يخرج الإنسان كل ما سوى الله من قلبه، فيفرغ قلبه من السوى، وينشغل بالله سبحانه وتعالى وحده، ثم تترقى الإنابة إلى أن تكون أوابا، والأوبة هي الرجوع التام إلى الله سبحانه وتعالى، ويتأتى ذلك بإقامة الدين في النفس، قال تعالى : {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ * مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلاَ تَكُونُوا مِنَ المُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُم وَكَانُوا شِيَعًا كُلّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}.. [الروم : 30 -36].