عربي21:
2025-04-07@11:34:03 GMT

المغرب العربي الكبير.. حلمٌ لا يمكن إقباره

تاريخ النشر: 14th, June 2024 GMT

في أبريل / نيسان 1958، انعقد في طنجة لقاءٌ تاريخي بين قادة الحركة الوطنية في المغرب وتونس والجزائر تم بموجبه وضع اللبنات الأولى للعمل المغاربي المشترك من أجل تحقيق الوحدة والاندماج. بعدها كانت محاولات متعددة في الستينات من أجل لَمِّ شمل دول المنطقة، إلا أن الحدث المفصلي وقع في الثمانينيات حين تمَّ التئام جمع قادة دول المنطقة الخمس في قمة زرالدة بالجزائر في العاشر من يونيو / حزيران 1988 للتحضير للتأسيس للوحدة المغاربية والتي التأمت في لقاء تاريخي في مراكش في 17 فبراير / شباط للتوقيع على معاهدة بناء المغرب العربي الممتد من ليبيا شرقا إلى المغرب وموريتانيا غربا.

 

الحلمُ الذي بدأ كفكرة في طنجة قبل ثلاثة عقود، أصبحت بوادر تحقيقه ممكنة في مراكش من خلال معاهدة تتوخى تمتين أواصر الأخوة التاريخية بين الشعوب، وخلق الاندماج الاقتصادي والتسهيل من حرية تنقل الأشخاص والبضائع، والحفاظ على الهوية المشتركة وغيرها…في الحقيقة، ما قام به القادة المغاربيون هو تجاوز خلافات الماضي أو وَضْعِها جانبا من أجل تغليب مصلحة الشعوب في الوحدة والتكتل والتآزر. 

ومن بين القضايا الشائكة التي وضعها القادة المغاربيون آنذاك جانبا هي قضية الصحراء المغربية. بعد قرار المحكمة الدولية الاستشاري بلاهاي في 16 أكتوبر/تشرين الأول 1975 بوجود روابط بيعة بين ملوك المغرب وقبائل الصحراء وهو ما يؤكد سيادة المغرب التاريخية على هذه المنطقة، دعا الراحل الحسن الثاني إلى تنظيم "مسيرة شعبية خضراء" (أي سلمية يحمل فيها 350 ألف رجل وامرأة القرآن الكريم في يدٍ والعلم الوطني المغربي في يدٍ أخرى) لاسترجاع الصحراء إلى حضيرة الوطن الأم، المغرب. وكان ذلك للملك الحسن والشعب المغربي حين تم التوقيع على اتفاقية مدريد في 14 نوفمبر 
/ تشرين الثاني 1975 تم بموجبها استرجاع الصحراء لتصبح جزءا لا يتجزأ من التراب المغربي. 

ملحمة استرجاع الأراضي المغربية لحضيرة الوطن لم ترُقْ آنذاك الرئيس الجزائري الهواري بومدين والعقيد الليبي معمر القدافي فقاما بتسليح "البوليساريو" لمناهضة المغرب في صحرائه. والبوليساريو هي فكرة تكونت في الرباط في أوساط طلابية صحراوية كان هدفها الأولي هو استرجاع الصحراء إلى حضيرة الدولة المغربية، ولكن القذافي شجعها آنذاك على مناوءة النظام المغربي وقام بتسليحها قبل أن يتبناها بومدين ويقوم بدعمها عسكريا وسياسيا ودبلوماسيا مما أثَّر على العلاقات بين المغرب والجزائر وعطَّل فكرة الاتحاد المغاربي في فترة السبعينات وبداية الثمانيات. 

في أواسط الثمانينيات، كان المغرب قد أكمل جداره العازل حول الصحراء المغربية ووضع حدّا للهجومات الآتية من التراب الجزائري، كما أنه اتخذ زمام المبادرة الدبلوماسية باقتراح الملك الحسن الثاني في 25 يونيو / حزيران 1981 خلال انعقاد قمة نيروبي للدول الإفريقية تنظيم استفتاء في الصحراء. بعد الخطأ الفادح الذي ارتكبه أمين عام منظمة الوحدة الإفريقية في 1984 بفبركة دخول ما يسمى بالجمهورية الصحراوية (والتي لا وجود فعلي لها إلا على الورق) إلى المنظمة الإفريقية، انسحب المغرب من العمل الإفريقي المشترك واتخذ قرارا بوضع الملف أمام أنظار الأمم المتحدة. بعدها أدرك العقيد القذافي والرئيس الشاذلي بنجديد ومعهم الزعماء المغاربيون أن المغرب لن يتخلى أبدا عن الصحراء وأنه مصصم على الذهاب إلى أبعد حدٍّ لإيجاد حلٍّ يخدم مصلحته الأولى ألا وهي الحفاظ على وحدته الترابية مهما كلف الأمر. 

هذه هي خلفيات قمة مراكش والآمال التي انعقدت عليها. وهي آمال سرعان ما بدأت تتبخر بعد دخول الجزائر ما يصطلح عليه بـ "العشرية السوداء" في التسعينيات من القرن الماضي، عِلْماً أن سنة 1991 شهدت التوقيع على وقف إطلاق النار بين المغرب والعناصر الانفصالية المسانَدة من طرف الجزائر وبداية مسلسل تحديد هوية من سيشارك في الاستفتاء. بعد تعثر مسلسل تحديد الهوية، أعلنت الأمم المتحدة في أواخر التسعينيات أن الاستفتاء هو حل غير قابل للتحقيق، وأنه على الأطراف أن تقترح أفكارا جديدة لحل النزاع المفتعَل. وهو ما قام به المغرب باقتراح حكم ذاتي للصحراويين تحت السيادة المغربية سنة 2007. 

كل هذا أثار حفيظة القادة الجزائريين خصوصا  الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة وكان لذلك أثرا سلبيا على العمل المغاربي المشترَك. هكذا تم إلغاء القمة المغاربية التي كان مزمعا عقدها في مايو/أيار 2005 في طرابلس في ليبيا بسبب رسالة الرئيس بوتفليقة إلى رئيس الحركة الانفصالية (البوليساريو) والتي يؤكد فيها دعمه لهذه الحركة، وهو ما فسره المغرب وقادة الدول المغاربية الأخرى على أنه ضرب لأهداف الاتحاد المغربي خصوصا الوحدة والتكتل، وذلك عبر زرع بذور التفرقة والانفصال.

كلما تقدم المغرب على درب تأكيد مغربية الصحراء، خصوصا مبادرة الحكم الذاتي (2007)، وقرارات مجلس الأمن التي تؤكد مصداقية المبادرة المغربية، وقبول الكونغريس الأمريكي ابتداء من 2014 إدماج الصحراء المغربية في برامج التنمية الدولية الممولة من طرف الحكومة الأمريكية، واعتراف الكثير من الدول بمغربية الصحراء وفتحها قنصليات في العيون والداخلة، والتي تُوِّجَتْ بالاعتراف التاريخي للولايات المتحدة في العاشر من ديسمبر / كانون الأول 2020 بسيادة المغرب على الصحراء، ودخول دول أوروبية (مثل إسبانيا وألمانيا وهولندا وهنغاريا وغيرها) على الخط مؤكدة مصداقية الحل المغربي (أي الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية)، كلما تقدم المغرب على هذا المستوى كلما حاول البعض افتعال الأزمات لإبعاد الحلم المغاربي عن إيجاد سبيل له على أرض الواقع.  

لكن وحدة المغرب العربي الكبير هو حلم شعوب المنطقة برمتها. والشعوب تدرك أن هذا الفضاء الرحب الممتد من الكفرة والجوف في الشرق الليبي إلى طنجة وأكادير والداخلة على المحيط الأطلسي، ومن بنزرت شمال تونس إلى انكزام في عمق الجنوب الجزائري، هو غنى جغرافي وإيكولوجي كفيل بخلق فرص التنمية والشغل والازدهار والتكامل والتعاضد، لما فيه مصلحة 105 مليون من الساكنة تتقاسم نفس التاريخ واللغة و العقيدة والمذهب والثقافة وغيرها. 

الناتج الداخلي لدول المنطقة يقارب 600 مليار الدولار ولكنه قد يصل إلى واحد تريليون دولار ومائتي مليار دولار في غضون عشر سنوات إن تم إدماج اقتصاديات دول المنطقة. الاندماج الاقتصادي سيعطي مابين 150 و200 مليار دولار  إضافية للمنطقة؛ إذا أضفنا إلى هذا 4 % كمعدل نمو سنوي لاقتصاديات دول المنطقة (أي حوالي 240 إلى 300 مليار دولار) متفرقة فإن التريليون دولار يصبح في متناول دول المنطقة. وهذا يعني مضاعفة الدخل الفردي على الأقل مرتين ونمو الطبقة المتوسطة وخلق العديد من فرص الشغل، ناهيك عن فرص الاستثمار والعمل المشترك على المستوى السياسي والدبلوماسي.

لا يجب ترك مشكل قد تم حسمه بشكل شبه نهائي لصالح الوحدة والسيادة المغربية يؤثر على مستقبل شعوب المنطقة. من جانب آخر، لا يمكن تبني الانفصال ومحاولة خلق دويلات غير قابلة للحياة، وفي نفس الوقت الدعوة إلى العمل المغاربي المشترك، وفي بعض الأحيان بطريقة تزرع مزيدا من التشردم كما حصل مؤخرا حين تم تنظيم لقاءات على مستوى بعض دول المنطقة دون الأخرى. على قادة دول المنطقة التحلي ببعد النظر وطي خلافات الماضي وسن سياسة اليد الممدودة التي نادى بها العاهل المغربي الملك محمد السادس من أجل تحقيق حلم أبناء المنطقة في الوحدة والتكتل والتكامل لمواجهة تحديات العصر وللعمل المشترك من أجل غد مشرق وأفضل. لا يجب علينا أن نضحي بآمال الأجيال الصاعدة عبر محاولات يائسة لتغيير مسار ماضٍ ولَّى إلى غير رجعة.

التاريخ سوف لن يرحم من لم يكن على موعد مع طموحات الشعوب في الحرية والانعتاق والكرامة والتآخي والحق في الأمل وفي مستقبل أكثر عدلا وإشراقاً. الحق في الحلم أجمل هدية يقدمها قادة المنطقة لشعوبهم.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المغرب المغرب العربي المغرب المغرب العربي مقالات سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة دول المنطقة من أجل

إقرأ أيضاً:

كأس العرش: يوسفية برشيد إلى ربع النهائي بعد انتصاره على سطاد المغربي

التحق يوسفية برشيد بركب المتأهلين إلى ربع النهائي، عقب انتصاره بهدف نظيف على سطاد المغربي، في المباراة التي جرت أطوارها اليوم الأحد، على أرضية ملعب أحمد شكري بالزمامرة، لحساب ثمن نهائي كأس العرش.

ودخل الفريقان المباراة في جولتها الأولى بعزيمة افتتاح التهديف مبكرا، لتسيير اللقاء بالطريقة التي يريدانها، في لقاء عرف غياب الجماهير، ناهيك عن أنه غير منقول تلفزيا، حيث يتطلع الطرفان معا إلى تحقيق الانتصار، لحجز مقعدا في ربع النهائي، لمواصلة البحث عن اللقب، في انتظار ما سيحققانه خلال منافسة البطولة الاحترافية في قسمها الثاني، كونهما معنيان بالمنافسة على إحدى بطاقتي الصعود، أو خوض مباراتي السد.

وحاول الطرفان الوصول إلى الشباك، بغية افتتاح التهديف، إلا أن تسرع وقلة تركيز اللاعبين في اللمسة الأخيرة بعد الوصول لمربع العمليات، حال دون تحقيق المبتغى، لتتواصل الدقائق دون أي جديد يذكر من ناحية عداد النتيجة، ما جعل الجولة الأولى تنتهي على وقع البياض، علما أن المتأهل منهما، سيواجه في دور الربع، المنتصر من لقاء الاتحاد البيضاوي والاتحاد الرياضي التوركي، الذي سيجرى اليوم الأحد، بملعب الأب جيكو.

وسارت الجولة الثانية كسابقتها، هجمات متكررة من الجانبين وقتما سنحت لهما الفرصة، في ظل الأداء المتواضع المقدم، حيث بحثا معا عن الهدف الأول، تجنبا للمرور إلى الشوطين الإضافين، إلا أن استمرار غياب النجاعة الهجومية، فوت عليهما زيارة الشباك، لتستمر الأمور على ماهي عليه، أملا في افتتاح التهديف، وحسم التأهل إلى دور الثمانية خلال الوقت الأصلي من المباراة.

وبعد العديد من المحاولات الفاشلة من الطرفين، تمكن يوسفية برشيد من افتتاح التهديف في الدقيقة 63 بفضل اللاعب عطف الله، ليجد سطاد المغربي نفسه مطالبا بإحراز التعادل للمرور على الأقل للشوطين الإضافيين، ما جعله يكثف من هجماته على أمل تحقيق مبتغاه، إلا أن الفشل كان العنوان الأبرز لكل فرصه، بينما لم تعرف الدقائق الأخيرة أي جديد، لتنتهي بذلك المباراة بانتصار برشيد بهدف نظيف، تأهل على إثرها إلى ربع النهائي.

وسيواجه يوسفية برشيد في ربع نهائي كأس العرش، المتأهل من مباراة الاتحاد البيضاوي والاتحاد الرياضي التوركي، الذي سيجرى اليوم الأحد، بملعب الأب جيكو بالدار البيضاء، بداية من الساعة السادسة مساء، لحساب ثمن نهائي الكأس الفضية.

كلمات دلالية الاتحاد البيضاوي الاتحاد الرياضي التوركي سطاد المغربي كأس العرش يوسفية برشيد

مقالات مشابهة

  • لم تتغير منذ ملايين السنين.. معالم الصحراء البيضاء بالفرافرة تضم منحوتات صخرية بديعة
  • ما جدوى التحشيد الكبير الذي تقوم به واشنطن لقواعدها العسكرية في المنطقة ..!
  • كأس العرش: يوسفية برشيد إلى ربع النهائي بعد انتصاره على سطاد المغربي
  • الخطوط الملكية المغربية تضاعف أسطولها قبل مونديال 2030
  • وزير يأمل بأن يكون التحول الكبير المرتقب في المنطقة مكسباً لاقليم كوردستان
  • القاعات السينمائية تحتضن الفيلم المغربي "رجل البريح"
  • في قلب باريس.. ساحة سان ميشيل الشهيرة تعيش على ايقاع فعاليات "الأيام الثقافية المغربية"
  • الأفوكادو المغربي يغزو أوروبا
  • العلمي: احترام الوحدة الترابية للدول يشكل الحجر الأساس لمواجهة تحديات المنطقة الأورومتوسطية
  • وزير الخارجية الإسباني يخاطب “العالم الآخر”: لا يمكن أن يظل نزاع الصحراء جامداً لقرن أو قرنين