يظهر يونوس السوري بين ثنايا التاريخ، شخصية أسطورية، جعلت منها المصادر الرومانية مثالا للقسوة والعنف و"الدجل". هذا الرجل ظهر قبل "سبارتاك"، وقاد أول ثورة للعبيد في صقلية.
إقرأ المزيد "أم سيتي".. والعلاقة المحرمة بوالد رمسيس الثاني!لا يقل حجم وأهمية الانتفاضة العارمة التي قادها يونوس "Yunus" السوري في صقلية بين عامي 135 – 132 قبل الميلاد، عن تلك التي قادها "سبرتاك" في وقت لاحق منطلقا من مدينة "كابوا" جنوب إيطاليا عام 74 قبل الميلاد.
من يكون يونوس السوري؟
تذكر المصادر القديمة أن أصل يونوس يعود إلى "أفاميا" وهي حاليا مدينة أثرية سورية تقع شمال غرب مدينة حماة بمسافة 60 كيلو مترا.
اللافت أن قائد ثورة العبيد الشهير "سبارتاك"، لا توجد معلومات دقيقة عن اسمه الحقيقي وعن موطنه الأصلي، ولا يعرف عنه إلا أنه كان عمل جنديا في الجيوش الرومانية، في حين لا يوجد جدل حول موطن قائد ثورة العبيد الأولى الأصلي.
ترجح المعلومات المتوفرة أن يونوس كان قبل استرقاقه، كاهنا في موطنه في معبد الآلهة الفينيقية عشتروت، فيما تظهره المصادر الرومانية رجلا يتمتع بقدرات سحرية خارقة، يدعي قدرته على التنبؤ بالغيب وأن الآلهة تأتيه في منامه وتتواصل معه حتى أثناء اليقظة.
يذكر المؤرخ الروماني ديودوروس سيكولوس "80-29 قبل الميلاد"، أن يونوس تنبأ قبل الانتفاضة بأنه سيصبح ملكا، وأنه أبلغ الجميع بذلك بما في ذلك سيده.
يروي هذا المؤرخ قصة ثورة العبيد في مدينة إنا بجزيرة صقلية، مشيرا إلى أن أرستقراطيا رومانيا يدعى "داموفيلوس"، كان يعامل عبيده بقسوة بالغة. يجرهم بالسلاسل ويعذبهم بلا رحمة، ويجبرهم على العمل من دون أن يوفر لهم ملابس أو طعام.
ضاق عبيد هذا الروماني الثري به ذرعا، وانتفضوا ضده وقاموا بقتله وزوجته وأضرموا النار في فيلته. تسلح العبيد الثائرون ومضوا إلى الفيلات الأخرى وانضم إليهم الكثير من نظرائهم، ثم مضوا إلى مدينة "إنا".
كان يونوس شخصية صاحبة نفوذ في أوساط العبيد، ولذلك لجأ إليه الثائرون وطلبوا منه قيادتهم. نصب العبيد يونوس ملكا عليهم باسم "أنطيوخس" وكونوا مجلسا يعمل تحت إمرته. أصبحت مدينة "إنا" في صقلية عاصمة مملكة يونوس التي سميت "نوفوسيريان".
تمددت انتفاضة العبيد في صقلية بقيادة يونوس السوري إلى معظم نواحيها. تكونت بؤرة انتفاضة جديدة في جنوب غرب صقلية قادها عبد آخر يدعى كيلون. هذا الأخير انضم إلى يونوس واتحد الرجلان وتمكنا من هزيمة جيش الحاكم الروماني، وأصبحت الجزيرة بكاملها تحت سيطرة العبيد الثائرين.
تمثال للعبيد في مدينة إنا الإيطاليةبقيت الانتفاضة مشتعلة لعدة سنوات، ولم تتمكن عدة حملات عسكرية رومانية من القضاء بشكل كامل على مملكة يونوس السوري في صقلية.
في عام 132 قبل الميلاد، أرسل مجلس الشيوخ الروماني جيشا ضخما إلى صقلية بقيادة القنصل بوبليوس روبيليوس. تمكن هذا القائد العسكري من الاستيلاء على عدة مدن، وفرض طوقا من الحصار على عاصمة مملكة يونوس "إنا".
بنهاية المطاف أجبر الجوع العبيد الثائرين على الاستسلام، وفي المعركة الأخيرة قتل كيلون، حليف يونوس، وتم القبض على الملك يونوس أنطيوخس. زج به في السجن وتوفى هناك بعد فترة وجيزة.
بعد أن استولت القوات الرومانية على مدينة "إنا"، قامت بمذبحة رهيبة للعبيد الأسرى، وجرى صلب أكثر من 20 ألف شخص. انتهت الثورة التي قادها يونوس السوري، وظل هذا البطل شخصية مجهولة في حين حظي سبرتاك الذي جاء بعده، بشهرة منقطعة النظير.
المصدر: RT
المصدر: RT Arabic
كلمات دلالية: أرشيف روما قبل المیلاد فی صقلیة
إقرأ أيضاً:
هل ينخرط النظام السوري في مخطط تحجيم إيران؟
أثارت الأنباء التي كشفتها صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، عن مساع من الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة لتحجيم نفوذ إيران في سوريا، بالتعاون مع رئيس النظام السوري بشار الأسد؛ تساؤلات حول قدرة النظام على الحد من نفوذ حليفته طهران.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين أن تل أبيب وواشنطن تريدان مساعدة النظام في منع إيران من الاستمرار في إمداد "حزب الله" اللبناني، عبر الحدود السورية، مؤكدة أن "الأسد قد يدعم منع إيران من إمداد حزب الله عبر سوريا، لأنه أصبح مستاء من الوجود الإيراني في العاصمة دمشق".
وذكرت مصادر "واشنطن بوست" أن "الإدارة الأمريكية مستعدة لمنح بشار الأسد بعض الفوائد إذا تمكن من إيقاف تدفق الأسلحة إلى "حزب الله"، موضحة أن "إدارة بايدن تبدو راغبة في تحقيق بعض المصالح للأسد، فيما لو قبلَ المضي في هذا الطريق".
ولم يصدر تعليق رسمي من أي طرف، على الأنباء التي ذكرتها الصحيفة الأمريكية.
هل بمقدور النظام تحجيم إيران؟
الباحث والخبير بالشأن الإيراني، نبيل العتوم، يقول إنه على الرغم من أن النظام السوري برئاسة بشار الأسد قد يتلقى دعماً مادياً وسياسياً إذا انخرط في أي تعاون لتحجيم إيران، إلا أن قدرته الفعلية على الحد من النفوذ الإيراني تبقى محل شك.
ويوضح لـ"عربي21" أن لدى إيران النفوذ العسكري والاقتصادي الواسع في سوريا، الذي يشمل قواعد عسكرية، وميليشيات محلية تابعة، وتعاوناً سياسياً طويل الأمد، وهو ما يجعل أي تقليص لهذا النفوذ يتطلب قرارات استراتيجية صعبة قد لا يمتلك النظام السوري القدرة أو الإرادة على اتخاذها.
في الاتجاه ذاته، يشكك الباحث المختص بالشأن الإيراني مصطفى النعيمي، بقدرة النظام السوري، ويقول لـ"عربي21": "حتى روسيا لم تستطع ضبط الميليشيات الإيرانية، بدلالة وجود الأخيرة بمحاذاة الحدود السورية مع الأردن ومع الجولان المحتل، رغم تعهد موسكو سابقاً بإبعاد المجموعات الإيرانية عن الحدود لمسافة عشرات الكيلومترات".
ووفق النعيمي، فإن انخرط النظام في مخطط تحجيم إيران في سوريا، يعني فتح باب الاغتيالات التي قد تستهدف شخصيات من ضمن دائرته الضيقة، وخاصة أن طهران حددت دور النظام بدعم "محور المقاومة" سياسياً.
النظام متمسك بتحالفه مع إيران
وبالبناء على ما سبق، يستبعد النعيمي أن يكون لدى النظام أي توجه حقيقي للانفكاك عن إيران، التي ربطت الدولة السورية بعشرات الاتفاقيات الاقتصادية والتعليمية والسياسية، ويلفت إلى "انتشار الميليشيات الموالية لإيران في مختلف مناطق سوريا".
على النسق ذاته يؤكد نبيل العتوم، أن النظام السوري يعتمد بشكل كبير على الدعم الإيراني، خاصة بعد سنوات الحرب التي أضعفت بنيته التحتية وعلاقاته الدولية، ويقول: "إيران كانت من الداعمين الأساسيين للنظام السوري، وفقدان هذا الدعم أو تضييقه قد يشكل تهديدا للنظام في ظل عدم وجود بديل قوي، ومن هنا، قد يكون النظام متمسكا بالحفاظ على علاقاته مع إيران"، ويستدرك: "لكن ربما يقبل بتقليص محدود لبعض الأنشطة الإيرانية بهدف تعزيز علاقاته مع الدول العربية وتحقيق بعض الانفتاح الدولي".
بهذا المعنى لا يستبعد العتوم أن يفرض النظام رقابة أو بعض القيود على الأنشطة العسكرية الإيرانية، أو الحد من حرية حركة الميليشيات التابعة لإيران في المناطق الاستراتيجية، مضيفاً: "قد تكون هناك أيضاً إجراءات محدودة ضد المنشآت الإيرانية، وذلك بالتنسيق مع الأطراف العربية والدولية لتقديم بدائل اقتصادية، ولكن دون القطيعة الكاملة مع إيران".
ويكمل قائلاً: "بالعموم تظل هذه الاستراتيجية معقدة، إذ تتطلب توافقات داخلية وإقليمية دقيقة، نظراً لتشابك المصالح السياسية والاقتصادية في سوريا، والواقع أن النظام قد يتخذ خطوات بسيطة، ولكن من غير المرجح أن يكون بمقدوره تحجيم النفوذ الإيراني بشكل كامل".
مصلحة مضاعفة
من جهته، يتحدث الكاتب والباحث بالشأن الإيراني عمار جلو، عن "مصلحة مضاعفة" للنظام في تقليص النفوذ الإيراني في سوريا، ويقول لـ"عربي21": إن "النظام ممتعض من وجود هذا العدد الكبير من الميليشيات الإيرانية في مناطق سيطرته، وخصوصاً أنها تسبب الحرج الدبلوماسي والسياسي له، لجهة استهدافها من الاحتلال ومن الولايات المتحدة".
واعتبر أن التقليل من وجود الميليشيات غير المنضبطة يخدم النظام كذلك لجهة المطالب العربية، المتعلقة بتجارة وتهريب المخدرات.
أما بخصوص قدرة النظام على تحجيم الميليشيات، يقول جلو إن النظام يستطيع بكل تأكيد ذلك، فهو بالحد الأدنى يستطيع تسريب المعلومات عن وجودها ونشاطها في سوريا، وكذلك يستطيع أن يطالب إيران بعد شكرها على مساندتها له في "الحرب"، بسحب وجودها العسكري.
من جهة أخرى، لا يمكن إغفال قدرة النظام السوري في مجال المناورة السياسية، بحيث يمكن أن يُظهر النظام استجابة للخطة "الأمريكية- الإسرائيلية"، لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، من دون أن ينفذ المطلوب منه، كما هو الحال مع المطالب العربية منه، قبل إعادته إلى جامعة الدول العربية، وفق قراءات أخرى.
يذكر أن بعض الأوساط الإيرانية كانت قد عبرت عن غضبها، من مواقف النظام السوري "الخجولة" من التصعيد الحالي الذي تشهده المنطقة.