لبيك اللهم لبيك، وكأنها دقات قلوب المشتاقين، تخرج من الأعماق ممزوجة بالرجاء والخشوع والشكر وحمد مالك الملك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك..
إنه اليوم الذي يكتسى فيه الجبل بالأبيض الذى يلف أجساد هؤلاء الذين جاءوا شعثًا غبرًا من كل فج عميق، تركوا الدنيا وراء ظهورهم، وردوا مظالم العباد، وتابوا توبة صادقة عن كل ذنب، وأتوا إليك وحدك سبحانك، دون شك فى ربوبيتك، أو رياء لخلق، دون أمل فى سواك، دون ولد أو حبيب، أو وسيط أو شفيع، أنت وحدك من أرادوا، طائعين طاعة عبد ينفذ كل ما طلب منه سيده دون سؤال عن المعنى والقصد فذلك تمام عبوديته واكتمال خضوعه، لا رفث ولا فسوق ولا جدال، فالكل مشغول بعبادتك سبحانك، جاءوا يا رب فرادى، مثقلين بالمعاصى، واليقين بأن يعودوا طاهرين مطهرين، كما ولدتهم أمهاتهم على فطرة الإسلام، ذلك الدين الحنيف، إنه حقًّا يقين من أتى ربًا كريمًا، بل أكرم الأكرمين.
ثياب إحرامهم كالأكفان البيضاء، يتساوى فيها الغنى والفقير، كما هو حال الدنيا وحقيقتها، فخلق الله متساوون أمامه لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى، خلت القلوب من التعلق بمن سواك، أجابوا النداء "وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ". هنا البيت العتيق، والصفا والمروة، وجبل عرفات، هنا منى والمزدلفة، هنا رمى الجمرات، ولكل مكان منسك، وقصة، أطع واسجد واقترب، وطف وابتهل، ولن تحرم جمال زيارة مدينة رسول الله.
تلك مكافأة حجك المبرور، تلك راحة النفس ولذة القرب من الحبيب صلوات الله وسلامه عليه.
أما بيتك يا رب فعليه نور، وجمال ومهابة ووقار، ويا لجمال النظرة الأولى، لحظة تأخذ أنوار كعبتك قلوب من جاءوك ملبين، نظرة المكافأة وبداية رحلة الحج الذى تحملوا لأجله مشقة ترك الأهل، والبعد عن الوطن، لحظة يطفئون الشوق، ويتدثرون بالنور، ويسكبون دمع الحنين ويروون شيئًا من عطش القلب بطواف القدوم، يطوفون كملائكتك الكرام، يسبحون ويكبرون ويهللون ويبتهلون إليك راجين طامعين صادقين مخلصين شاكرين أن دعوتهم إلى بيتك وحرمك.
أما من أقعدتهم الموانع، وقلوبهم معلقة هناك، لا يسكت عنها الحنين، ولسان حالهم: يا رب إن القلوب محكومة بالأجساد، والأجساد فى أرض غير الأرض، فلا تحرم المشتاقين شيئًا من فيض الأنوار، نعم، وحقا، إنه لألم لأمثال هؤلاء، بعيدة هى أجسادهم فى أرض الله الواسعة، تهفو إلى عظمة تجلي أنوار نزولك إلى السماء الدنيا فى خير أيام الأرض، يوم عرفة.. خير خير الأيام، ولِمَ لا وقد أقسمت يا رب بالفجر وليال عشر، ويوم عرفة هو تاسع العشر الأوائل من ذي الحجة هو الأفضل بينها، يعقبه عاشر الأيام وهو أول أيام عيد الأضحى المبارك، والعشر قال فيها الحبيب المصطفى: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام)، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: (ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء).
يتألم البعيدون، لكن ليس كل بعيد مبعد، إن العطاءات تأتى على قدر المحبة واليقين، والشوق من فيض المحبة قد يطوي المكان، وتحلق الأرواح، وللروح عيون، وللفؤاد لسان، تعلو به التلبية: لبيك اللهم لبيك، لبيك طاعةً، وحبًّا، لبيك شوقًا لقرب بيتك، لبيك يا رب أنى أردت أن أكون ضيفك، فلا تحرم عبدك، إنى فقير إليك يا ربي، مشتاق أن أكون بين من قال فيهم المصطفى: "الحجاج والعمار وفد الله، إن دعوه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم"، مشتاق أن أكون ضيفك، فكل ضيف فى بيت من بيوتك مكرم، فما بالنا بالضيف فى حرمك، عند كعبتك، ومن لا يشتاق إلى مس "ياقوتة الجنة" الحجر الأسود ليشهد له يوم القيامة، لبيك شوقًا إلى لمس الركن والمقام فتتساقط الذنوب، وتمحى الخطايا، شوقًا إلى دعوة من أعماق القلب بين الركن اليماني والحجر الأسود: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار".
تطوف أرواح العاشقين طواف حمام الحمى، تدور حول بيتك المعظم بجناحى شوق ورجاء، وتغبط أسراب الحمام التى لا تكل، ولا تمل فى دوائرها المتعبدة فى سماء يعلوها البيت المعمور، تسبح تسبيحها، لم يعلمها مخلوق سر الطواف، فالسر تعرفه أفئدة الطير، هذا الذى تطوف أعلاه هو البيت العتيق، الذى تهوى إليه الأفئدة فى البلد الأمين، أحب البلاد إلى الحبيب المصطفى عليه صلوات الله، وسلامه، وقبلة صلاة المسلمين في كل بقاع الأرض.
وفى المسعى كانت هنا أمنا هاجر، والطفل إسماعيل عليه السلام، تبدأ السعى خفيفًا ثم تثقل الأقدام، وكأنك تعيد تجربة إنسانية فريدة، يحدوك الأمل فى شربة ماء فى أرض كانت قفرًا، بين جبلى الصفا والمروة، أشواطك السبعة هى نفس أشواطها، ومشقتك لا تقارن بمشقتها، فقد كانت تحت الشمس الحارقة، على الحصى والرمل تسعى، وأنت الآن فى نعيم وظل ظليل، لكنك رغم كل هذا تستشعر تلك المشقة، تلك التى كانت مكافأتها تفجر بئر زمزم تحت قدمى نبى الله إسماعيل عليه السلام، ماء ترتوى منه الأمة منذ آلاف السنين، شفاء ورواء وذكرى لواد غير ذى زرع تفجر فيه بئر فجعل الله أفئدة الخلق تهوي إليه ورزق أهله من الثمرات.
الحج عرفة، ومن لا يتوق إلى جبل وقف عليه نبينا! وخطب فى صحابته رضوان الله عليهم خطبة الوداع وأعلن تمام الدين والنعمة علينا بقول رب العزة سبحانه: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام دينا"، هو اليوم المشهود في قوله تعالى: "وشاهد ومشهود"، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اليوم الموعود يوم القيامة، واليوم المشهود يوم عرفة، والشاهد يوم الجمعة"، في ذلك اليوم العظيم تجتمع العبادات، صومًا وصلاةً وحجًّا وصدقةً ودعاءً وتلاوةً للقرآن، لكن الذين لا يحجون يصومون، وصومه لمن قعد عن الحج يكفر السنة الماضية والقابلة.
هو الحج الذى بدأت أيامه، ركن من أركان الإسلام لمن استطاع إليه سبيلاً، وهو جبل عرفات الذى لا يكتمل الحج إلا بالوقوف عليه فى يوم الحج الأعظم، هناك ينـزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا، فيباهي بالحجيج الملائكة، ومن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يقول: "هؤلاء عبادي جاءوني شعثًا سُفْعًا، يرجون رحمتي ومغفرتي، فلو كانت ذنوبكم كعدد الرمل، وكعدد القطر، وكزَبَد البحر، لغفرتُها، أفيضوا عبادي مغفوراً لكم، ولمن شفعتم له".
أما راحة القلوب ففى تلك الزيارة التى ربما تكون قبل الحج أو بعده، مسجد رسول الله فى المدينة المنورة، الذى قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاةٌ في مسجدي هذا، خيرٌ من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام" وقال: " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى".
زيارة هى اكتمال رحلة العمر، ومن زار عرف، وليس من رأى كمن سمع، أنوارك يا حبيب الله تفيض على مسجدك، سلام عليك، وعلى جاريك، صاحبيك، أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب رضى الله عنهما، وأرضاهما، سلام على مدينة الأنوار التى فتحت لك ذراعيها، لتضيء رسالتك العالم، سلام على أهلها الذين مسهم من نورك، وحضورك فازدادوا سماحةً وجمالاً، وركعتين فى مسجد قباء، وزيارة لأهل البقيع، وشهداء أحد، سلام سلام، ودعوة خالصة فى أيام مباركة: لا حرم الله المشتاقين.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الحج المسجد الحرام المسجد الأقصى المسجد النبوي نفيسة عبد الفتاح حج 2024 رسول الله الله علیه
إقرأ أيضاً:
شاهد.. فرحة هستيرية لزوجين من المنوفية بعد فوزهما بقرعة الحج
لا مجال للحديث، الأعين تنهمر بالمشاعر، والأفواه تمتلئ بالزغاريد، حالة فرحة عارمة تجتاح مشهد لحظة إعلان نتيجة قرعة الحج 2025 في محافظة المنوفية، ليردد جميع الحضور: «يا رب ارزقنا فرحة زيارة بيتك الحرام، يا رب اختارنا من أهل الحج السنة دي».
وتعيش الحاجة ثناء محمود طه 61عام وزوجها الحاج مهدي موسى دويدار 68 ،من قرية سنجرج منوف بمحافظة المنوفية فرحة عارمة عقب الفوز بقرعة الحج ، بعد 42عام زواج، و4ابناءكلل الله الرحله بالفوز بقرعة الحج لهذا العام.
كشف الزوجين أنهم عقدوا اتفاق سويا علي أنهم يذهبون لأداء فريضة الحج مع بعضهم البعض، واذا جت لأحدهم لن يطلع هذا العام أملا في التقديم مره أخري وينتظران العام القادم ، وقام بناتهم عندما وجدوا والديهم يشتاقون الي زياره بيت الله سويا راحوا قدموا في القرعه وعزموا إذا فوزن سيتنازلوا الي أبيهم وأمهم .
وكان فضل الله عليهما عظيم إذ فزن البنات وكسبوا القرعة وسوف يتنازلون الي الأب والأم
وقالت الأم إنها كانت بتدعي ربنا طول الوقت وتقول اللهم ارزقني زيارة بيتك الحرام حجة له.
وعلى ألحان أغنية «رايحة فين يا حاجة»، وفلكلور شعبي، بدأ أهالي قرية سنجرج في محافظة المنوفية بالاحتفاء بزوجين فاز في قرعة الحج لعام 2025، إذ شارك الأهالي والأقارب الفرحة معهما، وذلك قبل السفر إلى الأراضي السعودية.
وعلى مداراالأيام الماضية، كنا في قلق خوفاً من عدم الفوز ولكن الحمدلله ربنا كتبها لنا وعمت الفرحة في قلب الزوجين، إذ الأغاني والأناشيد الدينية، والرقص على الطبل والفلكلور، وتستمر الاحتفالية حتى سفر الزوجين إلى الحج بلحظات.
وعبر الأهالي عن فرحتهم، إذ قال جميل زكي، ابن مركز منوف بالمنوفية لـ«الوفد» إنه جرى الاحتفال وفقا للعادات الخاصة بالحج وفرحته، إذ بدأ الاحتفال منذ أيام، ويستمر حتى سفرهم
وأضاف أن أقاربه جاءوا من القرى المجاورة لمشاركتهم الاحتفال: «فرحة بسيطة، بالأغاني الخاصة بالحج، كان هدفنا نشر البهجة والفرحة في البيت، والناس والجيران شاركوا الاحتفال معنا».
استمرار الحفلات داخل منزل زوجين
وأضافت الحاجة ثناء، الفائزة بقرعة الحج، أن الاحتفالات ستستمر في داخل منزلهم بالقريةالي موعد اللقاء بالحبيب الغالي، قائلة: «بعد فوزنا بقرعة الحج، كل الجيران والحبايب موجودين في فرحتنا، بأغاني وترديد وذكر رسول الله كلنا كنا فرحانين، وهتفضل الاحتفالات حتى سفرنا».