مَن يُنزل القوى السياسية عن شجرات مواقفها المتصّلبة؟
تاريخ النشر: 14th, June 2024 GMT
على ما هو ظاهر للعيان فإن الحركة السياسية لكل من "اللقاء الديمقراطي" برئاسة النائب تيمور جنبلاط، و"التيار الوطني الحر" برئاسة النائب جبران باسيل، لم تؤدِّ حتى الآن سوى إلى المزيد من التشرذم والانقسام العمودي بين ثلاثة محاور: الأول محور "الممانعة" المتمثّل في شكل أساسي بـ "الثنائي الشيعي"، والثاني محور "المعارضة" والمتمثّل بـ "القوات اللبنانية" وحزب "الكتائب اللبنانية" وعدد من النواب "التغييريين" و"المستقلين"، ومحور ثالث يضم جميع الذين يسعون إلى أرضية مشتركة بين المحورين الأولين، وهو أمر متعذّر، ويكاد النائبان باسيل وجنبلاط يقولان نتيجة جولتهما المكوكية الانفرادية إنه أمر مستحيل.
وهذا يعني بـ "التقريش" السياسي أن "الطبخة الرئاسية" لم تنضج بعد. ويكاد المريب يقول إن لا أحد في ظل هذه الأوضاع يريد أن يرى الدخان الأبيض يتصاعد من مدخنة "ساحة النجمة". فالرئيس نبيه بري، كما تقول أوساطه، لن يدعو إلى جلسة انتخابية جديدة ما لم يتأمن نصاب الثلثين زائد واحدًا، أي 86 نائبًا لنصاب الجلسة الأولى، التي سيليها جلسات متتالية حتى انتخاب الرئيس العتيد، الذي يحتاج فقط إلى 65 صوتًا ليصبح الرئيس الرابع عشر للجمهورية اللبنانية. وهذا يعني بلغة الأرقام أن "أستاذ البونتاجات" لن يدعو إلى أي جلسة ما لم يضمن أن مرشح "الثنائي الشيعي"، أي رئيس تيار "المردة" الوزير السابق سليمان فرنجية سيفوز في الجلسات المتتالية. وهذا الأمر مضمون في حسابات الرئيس بري. أما ما هو ليس مضمونًا فهو تأمين نصاب الجلسة الأولى، أي حضور 86 نائبًا من أصل 128.
من جهتها، فإن قوى "المعارضة" تبدو وكأنها "تنام على حرير" عدم تأمين نصاب الجلسة الأولى ما لم تضمن أن مرشحها، الذي لا يزال حتى هذه اللحظة الوزير السابق جهاد أزعور، وبالتالي هي لن تقدم لـ "الثنائي الشيعي" الانتخابات الرئاسية على طبق من ذهب. وهذا يعني في المحصّلة النهائية أن الفراغ الرئاسي سيبقى حتى اشعار آخر "سيد المواقف"، وأن لا مؤشرات تلوح في أفق الأزمة الرئاسية، التي يمكن أن تشي بإمكانية الوصول إلى برّ الأمان في المدى المنظور، مع ما تسجّله أوساط سياسية مراقبة من ملاحظات على أداء مختلف القوى السياسية بالنسبة إلى هذا الاستحقاق، الذي يجمع مختلف الأفرقاء على وصفه بأنه "مصيري". ومن بين هذه الملاحظات ما هو مستغرب نتيجة حالة التناقض، التي يعيشها الجميع، ويعملون بوحيها. فكيف يمكن أن يقنع هذا الأداء الجماعي لسياسيي لبنان الموفدين الدوليين بصوابية ما يقوم به كل فريق على انفراد وكأن ثمة قاسمًا مشتركًا بينهم جميعًا يتعلق بنوع من التوافق الضمني على إبقاء الكرسي الرئاسي في بعبدا شاغرًا، مع العلم أنهم يلتقون على توصيف حال البلاد بـ "المزرية" في استمرار تعطيل مركزية القرار بهذا الشكل الفاضح والمكشوف.
وإذا استمرّ كل فريق "متعمشقًا" على شجرته فإن فترة الشغور في مقام المسؤولية الأولى ستطول أكثر مما طالت في العام 2014، ولن يقتصر التأجيل على سنتين ونصف السنة، بل قد يمتدّ إلى أكثر من هذه الفترة بكثير، خصوصًا أن ظروف الشغور الذي سبق انتخاب العماد ميشال عون رئيسًا للجمهورية مختلفة كليًا عن الظروف التي تعيشها البلاد اليوم، في ظلّ الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على القرى الحدودية وما تسبّبه من أضرار بشرية ومادية. وهذا ما فصّله رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بالتحديد في الكلمة التي ألقاها في مؤتمر مؤتمر الاستجابة الانسانية الطارئة في غزة الذي عقد في منطقة البحر الميت في الأردن، فضلًا عن ربط "حزب الله" الجبهة الجنوبية كساحة من ساحات الجهاد ضد العدو الإسرائيلي بالحرب الضروس ضد فلسطينيي غزة، مع احتمال أن تطول هذه الحرب بما لم يكن بالحسبان.
المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
ما الرسائل التي حملها ممثل الرئيس الروسي للجزائر؟
الجزائر– حملت زيارة نائب وزير الخارجية والممثل الخاص للرئيس الروسي للشرق الأوسط وأفريقيا ميخائيل بوغدانوف إلى الجزائر دلالات عدة عن طبيعة العلاقات الثنائية بين البلدين، خاصة مع ظهور مؤشرات توتر غير معلن خلال الأشهر الماضية على خلفية وجود قوات فاغنر الروسية ونشاطها في مالي.
ووصف بوغدانوف علاقات بلاده بالجزائر بالجيدة وعلى مستوى إستراتيجي، مؤكدا أن اللقاء الذي جمعه رفقة نائب وزير الدفاع الروسي إيونوس بيك إيفيكوروف، بالرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ورئيس أركان الجيش الفريق أول السعيد شنقريحة، ووزير الخارجية أحمد عطاف، لم يناقش فقط العلاقات الثنائية بل الأحوال في المنطقة ومنطقة الساحل إلى جانب تبادل الرؤى والنصائح، مشيرا إلى استعداد روسيا لمواصلة اللقاءات والتعاون مع الجزائر بما في ذلك النقاش السياسي.
وتأتي زيارة المسؤول الروسي إلى الجزائر بالتزامن مع تقارير إعلامية حول سحب روسيا عتاد عسكري متطور من قواعدها في سوريا ونقله إلى ليبيا بعد أيام من سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، وعقب تجديد الجزائر دعوتها بمجلس الأمن إلى انسحاب القوات الأجنبية والمقاتلين والمرتزقة الذين يفاقم وجودهم حدة التوترات ويهدد سيادة ليبيا.
الجانبان الجزائري والروسي ناقشا العلاقات الثنائية وعددا من الملفات الإقليمية والدولية (الخارجية الجزائرية) تنشيط بعد فتوريقول أستاذ العلاقات الدولية والخبير في القضايا الجيوسياسية محمد عمرون إن زيارة ممثل الرئيس الروسي إلى الجزائر تُعد "مهمة" إذا ما وضعت في سياقها الإقليمي والدولي الذي يشهد عدة تطورات، منها سقوط نظام الأسد، والأوضاع في غزة، والحرب الأوكرانية الروسية المتواصلة، إلى جانب الوضع المتأزم في منطقة الساحل الأفريقي.
ويؤكد عمرون، في حديثه للجزيرة نت، أن الزيارة تعد مهمة أيضا بالنسبة للعلاقات الثنائية بين البلدين كونها اتسمت بالفتور الأشهر الماضية لاعتبارات عديدة، من بينها وجود قوات فاغنر الروسية في شمال مالي.
وتطرق إلى العلاقات التاريخية التقليدية بين الجزائر وروسيا في جميع المستويات السياسية والدبلوماسية وحتى العسكرية، مما يجعل روسيا "بحاجة إلى التشاور مع شركائها الموثوقين مثل الجزائر بخصوص التطورات في سوريا، وهو ما سيرفع حالة البرودة والفتور عن العلاقات الجزائرية الروسية".
إعلانواعتبر أن انعقاد الدورة الرابعة للجنة المشتركة الجزائرية الروسية فرصة لترميم الثقة بين الجانبين بعد فترة من الفتور، والتباحث حول واقع منطقة الساحل، ورفع التنسيق والتشاور وتبادل الرؤى في ما يتعلق بمجمل الملفات.
رسائل وتوضيحاتوأشار أستاذ العلاقات الدولية والخبير في القضايا الجيوسياسية إلى أن ممثل الرئيس الروسي قد حمل دون شك مجموعة من الرسائل من الرئيس بوتين إلى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، تضاف إلى قضايا التعاون وكيفية تقريب وجهات النظر، وتتعلق بتقديم تفسيرات وتوضيحات من الجانب الروسي، خصوصًا فيما يتعلق بمنطقة الساحل، والاستماع للرؤية الجزائرية في هذا السياق.
وبخصوص إذا ما حملت هذه الزيارة تطمينات للجزائر، يقول إن الجزائر أثبتت عدة مرات أنها قادرة على حماية أمنها القومي بنفسها، مما يجعل مسألة التطمينات الروسية فيها نوع من المبالغة.
وأشار إلى أن الجزائر لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تُستبعد من ترتيبات منطقة الساحل لاعتبارات كثيرة، كما أن الرؤية الجزائرية القائمة على ضرورة الحوار والتعاون، ورفض التدخلات العسكرية، ورفض اللجوء إلى القوة لحل الأزمات، تعتبر في كثير من الأحيان رؤية صائبة، مما يجعل روسيا مطالبة بالتنسيق بشكل أكبر مع الجزائر.
من جانبه، توقع الخبير في القضايا الجيوسياسية والأمنية وقضايا الهجرة، حسان قاسمي، أن يكون ملف فاغنر قد طوي نهائيا بعد ردود الفعل القوية للطرف الجزائري على نشاط القوات الروسية في مالي، مؤكدا أن روسيا بلد حليف للجزائر، ولو كان هناك عدم توافق في بعض الأحداث التي تطورت على حدود الجزائر.
قواعد روسية بليبياواعتبر قاسمي، في حديثه للجزيرة نت، أن الأخبار المتداول لوسائل إعلام غربية حول نقل القواعد العسكرية الروسية بسوريا إلى ليبيا هي محاولات مغرضة لنقل الصراع إلى ليبيا، لعدم وجود لتهديد مباشر للقواعد العسكرية الروسية في سوريا، مع إمكانية تطور الصراعات الجيوسياسية في المستقبل.
إعلانومع ذلك، اعتبر أن نقل روسيا المحتمل لقواعدها العسكرية من سوريا إلى ليبيا لا يمكن أن تشكل تهديدا لأمن الجزائر كونها ليست عدوا لها، مما يفرض التنسيق والتشاور مع الجزائر بالموضوع إلى جانب الأطراف الأخرى على غرار السلطة الليبية ومصر.
وقال الخبير حسان قاسمي إن التطورات التي حدث في مالي مع وجود قوات فاغنر الروسية هناك لا يمكن أن تتكرر في ليبيا.
ويرى المحلل السياسي علي ربيج أن موقف الجزائر واضح جدًا فيما يخص القواعد العسكرية في منطقة الساحل أو في منطقة المغرب العربي بشكل عام، كونها رفضت أن تكون هناك قواعد عسكرية على ترابها، أو في ليبيا أو تونس أو مالي، لتأثير مثل هذه التجارب على أمن البلدان بتحولها لمدخل مباشر للانتشار العسكري للقوات الأجنبية.
ويقول ربيج، في حديثه مع الجزيرة نت، إن موقف الجزائر ثابت فيما يتعلق بالقواعد العسكرية، مما قد يجعله أحد النقاط الخلافية بينها وبين روسيا، التي ربما ترغب في إقامة قاعدة عسكرية في ليبيا، معتبرا أن هذا قد يزيد التوتر بين الجزائر وروسيا، وبين أي دولة أخرى تريد إقامة قواعد عسكرية في المنطقة.
بالنسبة للرسائل التي قد يحملها الطرف الروسي بالنسبة للجزائر في القضية الليبية، اعتبر أنها لن تخرج عن محاولة إقناع الجزائر لتغيير موقفها، فروسيا لا يمكنها التنازل عن وجودها في ليبيا.
وأشار إلى أن الجزائر ستبقى صامدة ومتمسكة بموقفها كونها تؤمن بنظرية واحدة، وهي أنه "لا يمكن الخروج من الأزمة الليبية إلا عن طريق جلوس الأخوة الليبيين معًا، والليبيين فقط، لإجراء حوار ومفاوضات وتقديم تنازلات فيما بينهم من أجل التوصل إلى حل يفضي إلى إجراء انتخابات دون تدخل أجنبي".