بينما يستعد المسلمون في هذه الأيام العشر لاستقبال عيد الأضحى المبارك بالعبادة والدعاء وإكمال تجهيزاتهم للعيد من مأكل وملبس ومشرب، يتضور أبناء غزة جوعا جراء الحصار الغاشم الذي فرضه عليهم العدو الصهيوني، فلا مكان يؤويهم، ولا لقمة تسد جوعهم، والموت يحوم حولهم في كل لحظة، والعالم يكتفي بالمراقبة والتنديد بالإبادة الجماعية، ولكن رغم كل هذه الظروف القاسية لا يزال المجاهدون يكبدون العدو الغاشم الخسائر والهزائم، وهم موقنون بنصر الله لهم مستبشرون طالبون النصر أو الشهادة، وفي برنامج سؤال أهل الذكر الذي يبثه تلفزيون سلطنة عمان ويعده ويقدمه د.

سيف الهادي، ويستضيف فيه فضيلة الشيخ د.كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان، تحدث فيه عن فضل هذه الأيام العشر، وكيف أن الله أقسم بها وبالأزمنة الأخرى ليذكر إهلاكه للأقوام السابقة التي طغت وتجبرت وظنت أنها أعطيت من التمكين والقوة والقدرة ما تستطيع به البطش والجبروت، ولكن الله قام بإهلاكهم، وهذا فيه ربط زماني للأحداث الدائرة الآن في فلسطين، وفيه بشارة للمؤمنين.

وقد طرح مقدم البرنامج هذا السؤال: بما أننا الآن نحن نستقبل العشرة الأوائل من ذي الحجة أيضا في الوقت نفسه نستقبل مجموعة من الآلام التي يقوم هذا الكيان الصهيوني الغاصب بتسجيلها في حق الأمة الإسلامية وفي حق إخواننا في فلسطين وآخرها مجزرة النصيرات التي ذهب ضحيتها أكثر من مائتي شهيد ولا يزال العالم يتفرج على هذه المجازر ويقدم ويؤخر لكنه لا يتخذ إجراءات صارمة في وقف هذه المجازر ونحن في هذه العشرة ما الذي نقوله في حق هذا العدوان؟

المواساة بالقرآن

أجاب فضيلة الشيخ د.كهلان بقوله: خير ما يمكن أن يقال في مثل هذا الحدث الجلل هو ما نأخذه من كتاب الله عز وجل وقد كشف لنا القرآن الكريم كل ما نحتاج إليه في مثل هذه الابتلاءات والمحن التي تمر بالمسلمين ويمرون بها إلا أن نرجع إلى كتاب ربنا لنأخذ منه العبر والعظات ولنستلهم منه الأنوار والهدايات التي نحتاج إليها ويواسي بها بعضنا بعضا، فإن ربنا تبارك وتعالى يقول في كتابه الكريم: «الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (175) وَلَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ۚ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا ۗ يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ» فإن صدر هذه الآيات من سورة آل عمران فيه تثبيت للمؤمنين حتى وإن كاد الناس جميعا للفئة المؤمنة، فإن الله تبارك وتعالى يمتدح عباده الذين لا يكترثون بكيد الأعداء وبمكرهم الذي يمكرونه، ولو تألب عليهم الناس جميعا، فإن المطلوب من الفئة المؤمنة أن يزدادوا إيمانا ويقينا وثباتا وصبرا وأن يفوضوا أمرهم إلى الله تبارك وتعالى فهو حسيبهم وكافيهم، «وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل، فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم» ثم يحذرهم من أن الشيطان إنما يخوفهم بأوليائه «إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم» يبعث في نفوس هذه الفئة المؤمنة الطمأنينة وينفي عنهم خوفهم من كيد الشيطان وأولياء الشيطان وحزب الشيطان «فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين» ثم يوجه الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأنه من هذه الفئة المؤمنة التي كانت تخوف بجمع الناس وبحشودهم وبتألبهم وبتحزبهم على الفئة المؤمنة، فيقول القرآن الكريم مخاطبا نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم والمؤمنين معه «ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر»، لكن الغريب اللافت أن هذا التدافع لم يعد بين الشيطان وحزبه وأولياء الشيطان والأعداء وبين الفئة المؤمنة وإنما تكفل الله -عز وجل- بها ففي هذه الآية الكريمة مع أن السياقة في المتقدم يتحدث عن الفئة المؤمنة ويكشف هذه الحقائق للفئة المؤمنة لكن هذا السياق يختم بقول الله تبارك وتعالى «إنهم لن يضروا الله شيئا»، وكأن هذه الحرب لم تعد بين هؤلاء الأعداء وبين الفئة المؤمنة، وإنما تكفل الله تبارك وتعالى بها «يريد الله أن لا يجعل لهم حظا في الآخرة ولهم عذاب عظيم»، فالله تبارك وتعالى هو الذي يتولى الأمر عن المؤمنين، هو الذي ينصرهم هو الذي يؤيدهم هو الذي يثبتهم هو الذي يكيد بعدوهم وفي هذا ما يبعث في نفوس المؤمنين من الطمأنينة والاستبشار ما لا مزيد عليه.

يألمون كما تألمون

وأضاف: وهذا أيضا ما نجده في قول الله تبارك وتعالى: «وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (139) إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141)»، ولعل هذه الأحداث كشفت كيف أن العدو كان في قرح عظيم وفي كآبة وكرب مما أصابه على خلاف ما يدعي، فإنما قام به من مجزرة عظيمة ادعى فيها أنه حرر أربعة من المحتجزين وما تلا ذلك من تصريحاته فيها من الزهو والفخر والخيلاء ما لا مزيد عليه، مع أن الأحداث قد انكشفت عن إصابة ضابط من كبار ضباطهم وعن مقتل ثلاثة من الأسرى في صف العدو نفسه، فهذا دليل على أنهم قد بلغوا من اليأس والضعف والذلة والهوان ما لا يوصف، لأنهم أظهروا ما هو هزيمة نكرة وكأنه انتصار صحيح، وزادوا خيلاء وبطرا، فكشف الله تبارك وتعالى أمرهم للناس ولذلك جاء هذا الحدث ليؤكد ما تضمنته هذه الآيات الكريمات، يقول تعالى: «وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (104)»، فقد كشفت هذه الحقيقة ما كان الناس يظنون أنه غير واقع من ضعف هذا العدو ومن شعوره بالهزيمة والخسارة ومن تضعضع أوضاعه واختلال أركانه ومن تشتت جمعه وتفرق كلمته، فكشف هذا الحدث الذي أرادوه ليكون علامة نصر مزعوم إذا به يكشف خلاف ما يدعون، وإذا بالنزاع بينهم يحتدم، وإذا بالمطالبات تزداد وإذا بكلمة أهل الحق أهل الأرض والمقدسات المقاومين المدافعين عن حقوقهم إذا بها تعلوا في هذه الأرض ويزداد المؤيدون لها في العواصم الغربية وفي مقار صناعة القرارات والسياسات نفسها خلال هذين اليومين، ليؤكد مرة أخرى ما تضمنته هذه الآيات الكريمة من أن القوم في قرح عظيم، وعلى المؤمنين أن يتذكروا ذلك.

الشهادة اصطفاء

أما إذا أردنا أن نواسي به أنفسنا ونواسي به إخواننا المجاهدين المقاومين، فإن الله تبارك وتعالى يقول: «وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ (154) وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ»، فالشهادة في سبيل الله اصطفاء من الله عز وجل، وارتقاء إلى الحياة عنده، ولذلك صدرت هذه الآيات بما صدرت به، ثم إن الله تبارك وتعالى يبشر المؤمنين هؤلاء الذين بيّن أنهم سيصيبهم بلاء فقال: «ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات» فورا قال: «وبشر الصابرين» هذه بشارة من الله تبارك وتعالى لمواساتنا ولبعث الرجاء فينا وبعث البشارة في نفوسنا

بأن الأمور بيد الله تبارك وتعالى وهذا المعنى وهو من لطائف ما في كتاب الله عز وجل أن هذه الصيغة صيغة البشارة وردت في سياق الجهاد في سبيل الله عز وجل متأخرة في سورة الصف، فالله تبارك وتعالى يقول: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ»، هذه كلها تتعلق بالاستشهاد في سبيل الله، فلم يبدأ ببيان النصر وإنما بدأ ببيان عواقب من يصطفيهم الله تبارك وتعالى من الشهداء في سبيله فيقتلون في هذا السعي في سبيل الله ثم بعد ذلك قال «وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب»، أخر النصر وأخر الفتح لذكر الاستشهاد وذكر عاقبة الشهداء في سبيل الله الذين يقتلون لإعلاء دين الله مدافعين مقاومين البغي والعدوان ورافعين لراية الجهاد في سبيل الله محررين لمقدسات المسلمين دافعين للظلم والطغيان، فبيّن عاقبة هؤلاء الذين يصطفيهم ثم قال: «وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين»، وليؤكد لهم هذه البشارة يضرب لهم المثل في الآية التي بعدها التي تختتم بها سورة الصف فيقول: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ ۖ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ ۖ فَآمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ ۖ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَىٰ عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (14)».

لأن هذه القضية الإيمانية -التي تفضلتم بها- هي التي تصنع القوة سواء كانت السلام الداخلي الذي يتمتع به ذلك الشعب الصابر أو ذلك الثبات الذي تتمتع به المقاومة، ويبدو من خطابكم أن التعويل على هؤلاء جميعا في النصر، لكن المسلمين دائما يسألون: هل لم تعد هناك فائدة من التعويل على موقف إسلامي صارم أو دولي على الأقل وأن المسألة في النهاية تنتهي بهذه القضية الإيمانية التي تصنع ذلك المشهد؟

لا يمكن الفصل بين دفع الباطل ونصرة الحق وبين لزوم قيام المسلمين وكل القادرين على نصرة إخوانهم المستضعفين، ولكن لله تبارك وتعالى في خلقه من تدبير الأمور وتصريفها ما هو به عليم وهذه ابتلاءات للناس جميعا، فمن أدى الذي عليه بنصرة الحق ودفع الباطل والقيام مع المستضعفين وأبرأ ذمته، فإن ذلك يعود إليه هو، فإن السياق الذي وردت فيه هذه الآيات الكريمة من سورة الصف صدِّرت قبل أن يأتي هذا الخطاب «يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم» صدرت بقوله تبارك و تعالى: «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَىٰ إِلَى الْإِسْلَامِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)».

هلاك الطغاة

وهذا يقودني إلى ما كنت أريد أن أقوله أيضا فإننا ونحن في هذا الزمن في هذه الأيام المباركة التي لا يخفى فضلها على أحد من المسلمين، إن سئل عن سبب فضلها فإن الجواب يكمن في أن الله تبارك وتعالى هو الذي اختصها بهذا الفضل، ولذلك تجد أن جماهير المفسرين يقولون إن الليالي العشر التي أقسم الله تبارك وتعالى بها في سورة الفجر، هي هذه الأيام، أيام العشر من ذي الحجة والله تعالى يقول: «وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذَٰلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ (5)» هذه الأيام المباركة التي أقسمها بهذا الفجر في الأقسام يأخذ منها أولا جذب الانتباه إلى ما سيأتي، والتشويق إلى هذا الذي يقسم عليه ربنا تبارك وتعالى بهذه الأقسام، ثم إنه يدل على عظم مكانة المقسم به، «والفجر وليال عشر والشفع والوتر والليل إذا يسر»، فكل ما أقسم الله تبارك وتعالى به فهذا دليل على أن له خصوصية أراد لفت الأنظار إليها، وأن له فضلا ومنزلة لا بد أن ينتبه إليها المخاطب، وهذه الأقسام كلها تتعلق بأزمان، الفجر هو وقت، والليالي العشر هي زمن، وسنأتي إلى الشفع والوتر لأن مما يؤكد أن الشفع والوتر هي أيضا أزمان هذا السياق، والليل إذا يسر هو أيضا زمن، والشفع والوتر والليل إذا يسر، عند كثير من المفسرين أن الشفع هو يوم النحر والوتر هو يوم التاسع من ذي الحجة وهذا يتناسب مع السياق المتقدم هذا في سورة الفجر.

ما الذي تتحدث عنه سورة الفجر؟ تتحدث عن مصارع الطغاة الظالمين، هذا الذي يريد أن يلفت الله تبارك وتعالى أنظارنا إليه بعد بيان عظيم فضل هذه الأيام وما اختارها جل وعلا إلا لحكمة عنده ولأجل أن نتبين هذه الحكمة، فإنه قال بعد هذه الآيات الكريمات المتقدمة تلاوتها قال: «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10)»، ذكر هؤلاء الطغاة في تاريخ الإنسانية وخص منهم أخص أوصافهم التي ظنوا بها أنهم تمكنوا من أسباب السيطرة والتملك والقوة والجبروت فقال: «ألم تر كيف فعل ربك بعاد، إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد»، الجانب المادي الحضاري جانب القوة والتمكن، وكذا الحال عندما ذكر ثمود، «وثمود الذين جابوا الصخر بالواد»، وكذا الحال حينما تحدث عن فرعون «وفرعون ذي الأوتاد»، هذا التمكن دفعهم إلى الجبروت والطغيان فقال: «الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد»، فماذا كانت النتيجة «فصب عليهم ربك صوت عذاب إن ربك لبالمرصاد».

إذن تلك الأزمان التي أقسم الله تبارك وتعالى بها ومنها عند كثير من المفسرين يوم عرفة ويوم النحر فيها ربط بين هذه الأزمان التي أعلى الله تبارك وتعالى منزلتها ومكانتها وبين الأحداث التي يلفت أنظارنا إليها من إهلاكه للقوم الطغاة المستبدين الظالمين ومن نصرته لدينه، ومن نصرته لعباده المؤمنين، وهنا معنى آخر أن هذه الأزمان في كل منها ليست أحداثا قارة، ليست أحداثا ساكنة، فالفجر هو انتقال من الظلام الدامس إلى ضياء النهار، الليالي العشر عند جمهور المفسرين قالوا هي الأيام، عبر عنها بالأيام، هي الأيام العشر الأولى منذ الحجة فهي أيام حبلى بالأحداث وفيها كثير من الأعمال من الفرائض والواجبات وفضائل الأعمال وعند المسلمين فيها كثير من أعمال الحج وتجتمع فيها الكثير أيضا من المزايا، فهي من الأشهر الحرم، وهي من الأشهر المعلومات، «الحج أشهر المعلومات» وفيها يوم عرفة وفيها يوم النحر، وفيها أيام التشريق، وفيها نزل قول الله تبارك وتعالى: «الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ۚ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا».

وحتى لما أقسم بالشفع والوتر، ولذا قلنا كما يقول كثير من المفسرين وفيها أثر مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن الشفع هو يوم النحر وأن الوتر هو يوم التاسع ويوم عرفة، فهذه أيضا فيها كثير من الأعمال الموسومة بالحركة والأحداث، ثم نأتي إلى الليل، الأصل في الليل السكون لكن الله تبارك وتعالى ما أقسم به بذاته وإنما قال: «وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ» فحتى الليل نُسبت الحركة إلى الليل نفسه لأنه كما قال ربنا تبارك وتعالى فيما تقدم: «وتلك الأيام نداولها بين الناس»، فلئن ظن ما جاء من بعد عاد وثمود وفرعون وجنوده أنهم متمكنون مسيطرون وأنهم ذوو جبروت وطغيان واستبداد وقوة، فإن الله تبارك وتعالى هو الذي يدبر فقال: «إن ربك لبالمرصاد»، ففي هذا من البشارات للمؤمنين في مثل هذه الأيام ما يبعث في نفوسهم الطمأنينة وما يحملهم واجب النصرة بما يستطيعون، وأن يعينوا إخوانهم المستضعفين وأن يقفوا معهم وأن يعرفوا بقضيتهم وألا يترددوا في مناصرتهم بما يستطيعون. والله تعالى أعلم.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الله تبارک وتعالى الشفع والوتر فی سبیل الله الله عز وجل هذه الآیات هذه الأیام تعالى یقول یوم النحر کثیر من هو الذی یبعث فی من الله هو یوم فی هذا أن هذه فی هذه

إقرأ أيضاً:

الخروجُ الأسبوعي واجبٌ والتزام إيمَـاني

مشول عمير

الخروج المليوني في جميع المحافظات والخروج بزخم كبير في كُـلّ أسبوع لتلبية دعوة السيد عبدالملك من بداية عملية (طُـوفَان الأقصى) إلى يومنا جهاد في سبيل الله وتعبير عن غضب واستنكار الشعب اليمني على مجازر الإبادة ومساندة لإخوانهم في فلسطين ولبنان.

الجموع المليونية التي نشاهدها والتي نشارك فيها والتي تتزايد أسبوعاً بعد أسبوع إنما تدل على أن الشعب ثائر وغاضب، وهذا الشعب يقوم بكل ما يستطيع من المساندة لإخوانهم بالدعم المالي والخروج الأسبوعي المليوني، وفرض الحظر البحري على سفن الأعداء (ثلاثي الشر) وضربها وضرب المواقع المحتلّة التي تصل إليها قدراتهم، وهو يقدم الغالي والنفيس في نصرتهم.

وهذه الحشود المليونية الأسبوعية هي تتمنى لو تتمكّن من وجود منافذ أَو معابر تصل بهم إلى فلسطين ولبنان لمساعدتهم وإدخَال الأكل والشرب والأدوية، وأن يقوموا بالقتال معهم كتفًا بكتف، والقتل والتنكيل في الصهاينة وتحرير أراضيهم من اليهود الأنجاس الذين دنسوا البلاد ولكنهم لا يستطيعون المشاركة معهم في القتال البري؛ بسَببِ عدم وجود أي منافذ للعبور، وذلك كله؛ بسَببِ بعض حكام العرب الذين يفصلون بيننا وبين فلسطين ولبنان ومنع عبور اليمنيين؛ بسَببِ أنهم هم واليهود إخوة وتجمعهم علاقات مشتركة وبسبب توليهم اليهود الذين ضربت عليهم الذلة والمسكنة، وأصبحوا لا يستطيعون أن يرفضون لهم أي طلب، وجعلهم ضعفاء أمامهم وينفذون ما يوجهونهم به حتى أنهم يقومون بالدعم لهم بالمال ويعطونهم ملايين الدولارات.

ترامب سمّاهم بالبقرة الحلوب وَإذَا جف لبنها قطعنا رأسها.

هم نسوا الله ولم يتمسكوا بالقرآن الكريم وتعاليم الدين الإسلامي، بل تمسكوا بمن قد ضُربت عليهم الذلة والمسكنة، وأصبحوا أذلاء، ويحاربون إخوانهم؛ مِن أجلِ الدفاع والحماية لليهود ومن أجل إظهار الولاء لهم، ولم يكن لهم موقف أمام الجرائم المرتكبة في إخوانهم الفلسطينيين، ولكن نحن لا نريد منهم أي شيء إلا أن يقيسوا مصداقية الشعب اليمني ويفتحوا لهم الحدود، ولكنهم لم يفعلوا شيئًا، بقوا على ما هم عليه من التخاذل والسكوت، ولكن الله يجعل نهاية كُـلّ متخاذل ومتكبر على أضعف خلقه على أيدي مَن ضُربت عليهم الذلة والمسكنة.

مقالات مشابهة

  • عملت خير مع ناس وردوه شر؟.. عالم بالأوقاف: أنتى بتعملى لله
  • اعلام عبري: حزب الله يعتزم تكثيف عملياته في إسرائيل الأيام المقبلة
  • حزب الله سيكثف عملياته في الأيام المقبلة.. إعلام إسرائيلي يكشف
  • الخروجُ الأسبوعي واجبٌ والتزام إيمَـاني
  • البعريني قدّم واجب العزاء بالعريف الاول الشهيد محمد حسين
  • الطريق إلى الله مقيد بالذكر والفكر ... علي جمعة يوضح
  • هل قراءة توقعات الأبراج في بداية السنة الجديدة حرام؟.. جائزة بشرط واحد
  • المجاهدين: جريمة اغتيال محمد عفيف تعكس فشل وعجز الاحتلال أمام المقاومة
  • رئيس حزب الإصلاح اليدومي: ''الأيام القادمة تشير إلى انفراجة ونصر''
  • لو مش بتعرف تدعي ربنا ردد هذا الدعاء .. فيه خير الدنيا والآخرة