* إذا أقدم مجرمٌ على قتل مواطنٍ بريء يسكن بالقرب من أحد أقسام الشرطة، وأخفقت الشرطة في ضبط القاتل فإن المُلام عند هواة (ومحترفي) تبرير القتل هو الشرطة، لا القاتل المجرم!

* وإذا تعرّض منزل قريب من أحد أقسام الشرطة إلى السطو، وفشلت الجهات الأمنية في ضبط السارق فهي الملامة عندهم، لا المعتدي الأثيم.

* بمثل ذلك القول اللئيم، يبرر الدكتور علاء الدين نُقد؛ المتحدث الرسمي باسم (تقدم) مذبحة قرية ود النورة، التي أزهقت فيها مليشيات الدعم السريع الإرهابية أكثر من مائتي نفس زكية لمدنيين عُزَّل وقرويين مسالمين بدمٍ باردٍ، قصفاً بالمدافع ورمياً بمضادات الطيران، لا لشيء إلا لأن بعضهم رفضوا استباحة المجرمين للقرية، وحاولوا حماية أنفسهم وأعراضهم وممتلكاتهم، بحقٍ جوَّزته لهم كل الشرائع السماوية والقوانين الوضعية.

* يندفع المبرراتي الفاشل، (حليف الجنجويد المجاهر بدعمهم، المجتهد في تبرئتهم من جرائمهم المنكرة) في دفاعه المفضوح عنهم، بقوله: (ود النورة دي أي نعم مأساة كبيرة، لكن أيضاً السبب فيها الجيش، والتجييش والتحشيد والمقاومة الشعبية، في تلاتة فيديوهات واضحة جداً جداً، تقوم فيها الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني بتزويد المواطنين بالسلاح، ويضعونهم أمام الآلة العسكرية للدعم السريع)!

* إذا صحّ زعمه، وصدقنا أن الكيزان أحضروا السلاح ووزعوه على المواطنين، وصدقنا كذلك أنهم حرصوا على توثيق فعلهم بالفيديو ونشروه على الملأ، فسنسأله: هل سيبرر ذلك الفعل قتل غير المسلحين من أهل ود النورة.. وهل كان الأطفال الذين قتلتهم المليشيات (وتعدادهم 35) من بين حملة السلاح في القرية المنكوبة؟

* وهل كانت النساء اللواتي مزق الرصاص والمدافع أجسادهن الطاهرة من بين المسلحين والمستنفرين في ود النورة؟

* فعلت هذه المليشيات المثل، بل تفوقت على نفسها في الإجرام والوحشية عندما قتلت أكثر من 15 ألفاً من أبناء قبيلة المساليت في الجنينة وأردمتا وبعض نواحي ولاية غرب دارفور في بدايات الحرب، فهل كان أولئك الضحايا من المستنفرين؟

* هل كانوا يحملون سلاحاً وزعه عليهم الكيزان؟
* بعد الجنينة قتل المرتزقة آلاف المواطنين في ولاية الخرطوم، وهجروا الملايين من سكانها، واقتحموا المنازل وطرودا أهلها منها ونهبوها وسكنوها، وحدث ذلك منذ اليوم الأول للحرب في أحياء وسط الخرطوم والخرطوم 2 والعمارات والصفا وبري، فهل كان أولئك من المستنفرين؟
* وهل كان فيهم حملة للسلاح؟

* اجتاحت مليشيات الدعم السريع الإرهابية مئات القرى في ولاية الجزيرة، وقتلت واغتصبت وسلبت ونهبت وهجّرت وبغت وأذنبت، وكانت غالبية تلك القرى خاليةً من أي مستنفرين، ومنزوعة السلاح ولا يوجد بها جندي واحد من الجيش، ومع ذلك تعرض أهلها إلى أبشع تنكيل، فكيف سيفسّر فلنقاي الجنجويد كل تلك الجرائم البشعة؟

* كيف سيفسّر المذبحة التي ارتكبها المتمردون وقتلوا فيها أكثر من مائة مواطن في قرية الحُرقة المغاربة، التي تخلو تماماً من المستنفرين.. وكيف سيفسّر اجتياح قرية التكينة التي لم يكن بها حتى مسدس واحد، ولم تشهد أي دعوات للاستنفار، وكيف سيفسّر اجتياح المتمردين لقرية معيجنة وقتل 12 وجرح أكثر من 30 من موطني قرية لم يكن للجيش وجود فيها، ولم يكن بها سلاح ولا استنفار؟

* كيف سيعفي نقُد جناحهم العسكري من المجازر التي ارتكبها في قرى ود حسين الخوالد وأب قوتة والكشامر وود البصير ومريود وتنوب وغريقانة وقرى شبونات والدوحة وتباخة وأبو عدارة وود البلية والفريجاب وأم دوانة وأم عضام وأم جرس وقرى الحلاويين وغيرها من القرى الوادعة المطمئنة المسالمة التي أحالها القتلة إلى جحيم؟

* ومن أين سيأتي هذا الطبيب المُدلِّس لكل هؤلاء الضحايا بمستنفرين وسلاح كيزاني أثيم، كي يبرر به جرائم حلفائه، الذين نافسوا المغول والتتار والقرامطة في الوحشية والبربرية والولع بقتل الأبرياء وسحلهم وإذلالهم ونهب ممتلكاتهم؟

* على درب الطبيب (منزوع الإنسانية)؛ سارت رحاب مبارك، المحامية وعضو المكتب التنفيذي لمحاميي الطوارئ، عندما تكرمت بتخفيض عدد الضحايا إلى 109، ثم رفعته في البيان نفسه إلى 132، مع أن العدد الذي أوردته بنفسها في بيانها شارف على 140، وزعمت أن خمسة عشر من الضحايا ماتوا (غرقاً) لأنهم (سقطوا) في الكنار مع بداية الهجوم وغرقوا (وظهرت جثامينهم في الموية أمس)!! مثلما اجتهدت لتحميل الجيش وزر بعض المقتلة، بادعاء أن خمسة من أطفال ود النورة ماتوا نتيجة قصف جوي نفذه الجيش في اليوم التالي للمذبحة!!
* إذا قبلنا روايتها العجيبة، سنصدق أن الجيش يمتلك قذائف زكية، تنتقي الأطفال وحدهم، وتقتلهم بمعزل عن ذويهم الموجودين بقربهم، وقد استبان دجلها في عبارة: “الدعم السريع هجم على القرية بعد (المعركة)”، ولا ندري عن أي معركة تتحدث، لإن ما وقع في ود النورة كان (مذبحة).. لا (معركة)!

* لم يقصف الجيش قرية ود النورة مطلقاً ولم تكن هناك معركة بين الجيش والمتمردين في ود النورة كما زعمت رحاب، التي لم توضح لنا، هل حوت قرى الخروعة الجديدة والخروعة القديمة وتحاميد القديمة وعراق والقلعة وشكير وود الجترة مستنفرين أيضاً أم تم اقتحامها ونهبها وترويع أهلها وتهجيرهم (مزاج كدة ساي)، بعد أن أثبتت تلك الجرائم المروعة اضطراراً على المتمردين، نتاجاً لهول المجزرة وبشاعة المذبحة التي استعصت على الإنكار وصعُب الصمت عنها، فجاءت إدانتها كما ترون!

* إدانة خجولة وعامرةً بالكذب والتدليس والمراوغة ومحاولات رمي بعض أوزار المجزرة المروعة على الجيش، لتخفيف الجرم وتهوينه ومقاسمته مع جيش لا يتحرجون في إدانته اختلاقاً.. علماً أن (تقدم) نفسها لم تجرؤ على إدانة تلك المجزرة المروعة حتى اللحظة.. فما أعظم الجرم، وما أحقر الصمت.. وما أثقل عار التبرير!!

د. مزمل أبو القاسم

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: ود النورة أکثر من

إقرأ أيضاً:

فيصل القاسم يكتب .. دساتير أكلتها الحمير

#سواليف

#دساتير أكلتها #الحمير

د. #فيصل_القاسم

ليس هناك أدنى شك بأن الدستور يُعد واحداً من أهم الاختراعات البشرية، فهو لا يقل قيمة وأهمية عن اختراع الدولة ذاتها، لأنه بمثابة عقد اجتماعي وسياسي وحقوقي ينظم حياة الدول وعلاقاتها بالشعوب ويضبط حركتها وحركة المجتمعات والأفراد ويحدد حقوق الجميع، وإلا لكانت قد تحولت إلى غابات تحكمها شريعة الغاب، لهذا تتفاخر الدول بدساتيرها وتعمل دائماً على تحديثها لتتواءم مع التطورات البشرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لكن ما قيمة الدساتير عند العرب يا ترى؟ نسأل هذا السؤال ونحن نرى اليوم هذا الهيجان المتصاعد في سوريا حول ضرورة وضع دستور جديد للبلاد البارحة قبل اليوم، وكأن سوريا كانت تعيش منذ تأسيسها بموجب الدستور ومواده وقوانينه، وأنها أصبحت اليوم تائهة ضائعة بلا دستور.
أرجو هنا ألا يظن أحد أننا نقلل من أهمية وضع دستور جديد للبلاد بعد سقوط النظام وتحرير سوريا، لا أبداً، بل نشد على أيدي كل من يعمل على التفكير بدستور جديد يرسم معالم مستقبل سوريا الجديدة بعد أكثر من اثنين وستين عاماً من حكم الديكتاتورية العسكرية والأمنية الفاشي، لكن السؤال المؤلم: متى عملت الأنظمة العربية على مدى تاريخها بالدساتير التي تضعها؟ ألا تُعد الدساتير بالنسبة للعرب مجرد ترف سياسي لتزيين الحياة السياسية لا أكثر ولا أقل؟
معظم الدول العربية لديها دساتير جميلة جداً على الورق، وهي تنافس حتى جمهورية أفلاطون بعدلها وإنسانيتها ووطنيتها وتحضرها ودقتها وسموها، لكن لو نظرنا إلى مواد الدساتير وقارناها بالحياة على أرض الواقع لوجدنا الدساتير العربية في واد والحياة السياسية والاجتماعية في واد آخر تماماً، فقلما تجد حاكماً أو نظاماً عربياً يعير الدستور أي اهتمام، فهو مجرد لازمة من لوازم المسرح السياسي العربي للبهرجة الإعلامية فقط، لأنه قلما يجد طريقه إلى التطبيق، وقد رأينا على مدى عقود من حكم الجنرالات والقومجيين العرب أنهم يضعون دساتير تبدو روائع أدبية على الورق، بينما كانوا يدوسون عليها ليل نهار في الحياة السياسية والحقوقية. كم يطبق العرب يا ترى من مواد دساتيرهم؟

مقالات ذات صلة  انقلاب على الطقس الساعات القليلة القادمة  2025/02/15

العرب يضعون دساتير تبدو روائع أدبية على الورق، بينما كانوا يدوسون عليها ليل نهار في الحياة السياسية والحقوقية

هل عدلوها يوماً لخدمة الشعوب مثلاً، أم لا يلجؤون إلى الدساتير إلا عندما يريد هذا الطاغية أو ذاك تعديل هذه المادة أو ذاك القانون خدمة لنفسه حصرياً؟ ونحن السوريين مثلاً لم نسمع بالدستور ولا بالحقوق الدستورية يوماً على مدى أكثر من نصف قرن إلا عندما اجتمع مجلس الشعب البائد ليعدل المادة التي تحدد عمر الرئيس، لأن الرئيس السوري الساقط بشار الأسد كان وقتها تحت السن القانونية، أي أنه كان ولداً قاصراً، فعدلوا له المادة الدستورية كي يصبح رئيساً، لكنه ظل قاصراً حتى بعد أن بلغ من العمر عتياً، فسقط سقوطاً تاريخياً مدوياً. وقلما يلجأ الحكام العرب إلى الدستور إلا ليعدلوا المواد المتعلقة بفترة بقائهم في السلطة، فيغيروها كي يجثموا مزيداً من السنوات على صدور الشعوب التي لم تستفد من الدساتير والحقوق التي تنص عليها شيئاً على مدى عقود وعقود، لا بل إنها لا تعرف محتوى الدساتير، لكن ليس لأنها لا تريد العمل بها، بل لأنها تعلم علم اليقين أن الطواغيت والجنرالات الذين يحكمونها لم يلتزموا يوماً بالدستور، وكانوا يجمدون العمل به بموجب قوانين الطوارئ، كما فعل النظام السوري البائد، الذي عطل الدستور لعقود كي يحكم البلاد كما يحلو له.
لا عجب إذاً أن الأديب السوري الراحل الشهير محمد الماغوط قال في إحدى مسرحياته عندما سُئل عن الدستور «إن الدستور أكله الحمار». ولو نظرنا إلى العديد من الدول العربية اليوم سنجد فعلاً أن دساتيرها أكلتها الحمير، لهذا مثلاً لو سألت الشعوب العربية اليوم عن قوانين دساتيرها ستجد أن الغالبية العظمى لا تعرف شيئاً عنها. اسأل الشعوب: هل قرأتم الدستور قبل أن تصوتوا عليه، فسيكون الجواب بالتأكيد لا. كم عدد العرب الذين قرأوا دساتير بلادهم؟ أكاد أجزم أن الغالبية العظمى لم تقرأ الدستور المفترض أنه أهم وثيقة قانونية تحكم العلاقة بين الشعب والدولة، فلا قيمة للقوانين والدساتير في حياتنا العربية حتى الآن، لأننا مازلنا حتى اليوم مجرد قطعان يسوقها هذا الطاغية أو ذاك خدمة لمصلحة نظامه ومصالح مشغليه في الخارج. ليست العبرة أبداً بوضع الدساتير، بل بتطبيقها، فما فائدة تلك اللوائح الحقوقية الجميلة إذا ستكون عرضة للتعطيل أو الانتهاك المنظم كما نشهد في العالم العربي البائس منذ عقود وعقود؟ لا تنسوا أن بريطانيا مثلاً ليس لديها دستور، لكنها من أعظم نماذج الحكم في التاريخ البشري.

كاتب واعلامي سوري
falkasim@gmail.com

مقالات مشابهة

  • قبل حكيم باشا برمضان 2025.. مسلسلات تزوج فيها مصطفى شعبان أكثر من امرأة
  • انتبهت لغرض أكثر خبثاً وتفاهة في الترويج لفكرة سرقات الجيش
  • رولين القاسم: الزواج الثاني قرار مصيري وليس مجرد نزوة عاطفية
  • فيصل القاسم يكتب .. دساتير أكلتها الحمير
  • الجيش الروسي يعلن السيطرة على قرية بشرق أوكرانيا
  • مصادر أمنية: أكثر من (200) ضابط وجندي من الجيش السوري السابق ما زالوا في العراق
  • رولين القاسم: الزواج خطوة كبيرة يجب اتخاذها بحكمة ووضوح
  • نجوم العراق..‏ القاسم يقتنص ثلاث نقاط ثمينة من دهوك
  • السودان يطالب بعودة مشاركته في الاتحاد الإفريقي بعد تجميدها منذ أكثر من 3 سنوات على خلفية “استيلاء الجيش السوداني على السلطة”
  • ما هي التلال الاستراتيجية التي تنوي اسرائيل البقاء فيها؟