يوم عرفة هو يوم الحج الأكبر، وهو يوم الكرم الإلهى للحجاج وغيرهم، وهو أحد الأيام العشر التى قال فى شأنها نبينا (صلى الله عليه وسلم): «ما من أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيهنَّ أحبُّ إلى اللهِ من هذه الأيَّامِ العشرِ، قالوا: يا رسولَ اللهِ ولا الجهادُ فى سبيلِ اللهِ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ولا الجهادُ فى سبيلِ اللهِ إلَّا رجلًا خرج بنفسِه ومالِه فلم يرجِعْ من ذلك بشىءٍ»، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «ما من أيَّامٍ أعظمُ عندَ اللهِ ولا أحبُّ إليهِ العملُ فيهنَّ من هذِه الأيَّامِ العشرِ فأكثروا فيهنَّ منَ التَّهليلِ والتَّحميدِ والتسبيح والتَّكبيرِ».
وقد خص الحق سبحانه وتعالى يوم عرفة بمزيد من التفضيل، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِى بِهِمُ الْمَلاَئِكَةَ»، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «ما من يومٍ أفضلُ عند اللهِ من يومِ عرفةَ، ينزل اللهُ تبارك وتعالى إلى السماءِ الدنيا، فيُباهى بأهل الأرضِ أهلَ السماءِ، فيقول: انظُروا إلى عبادى جاءونى شُعْثًا غُبْرًا ضاحين، جاؤوا من كلِّ فجٍّ عميقٍ، يرجون رحمَتى، ولم يرَوا عذابى، فلم يُرَ يومٌ أكثرَ عتيقًا من النَّارِ من يومِ عرفةَ».
ولما نزل قول الله (عز وجل): «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلاَمَ دِينًا»، جاء رجل من اليهود إلى سيدنا عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) فقال: يا أمير المؤمنين، إنكم تقرؤون آية فى كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا يوم نزولها عيدًا، قال: وأى آية؟ قال: قوله: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى»، فقال سيدنا عمر: والله إنى لأعلم اليوم الذى نزلت، والساعة التى نزلت فيها على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عشية عرفة فى يوم جمعة.
يوم عرفة هو يوم الحج الأكبر والمشهد العظيم، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «الحج عرفة»، ويأتى هذا الجمع فى يوم عرفة ليذكر بمشهد أعظم هو يوم المثول بين يدى الله الواحد الأحد، حيث لا مال ولا ولد، ولا مجال لغير العمل: «يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ»، وحيث يقول سبحانه وتعالى: «إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ»، وفى قول الحق سبحانه وتعالى: «وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ»، يقول أبو هُرَيْرَةَ (رضى الله عنه): إن نبينا (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قال: «الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَالْيَوْمُ الْمَشْهُودُ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَالشَّاهِدُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ».
وفى فضل صيام يوم عرفة لغير الحاج والدعاء فيه يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِى قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِى بَعْدَهُ»، ويقول (صلى الله عليه وسلم): «خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِى لاَ إِلَهَ إِلاَ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»، وسئل سفيان بن عيينة يومًا ما كان أكثر دعاء النبى (صلى الله عليه وسلم) بعرفة؟ فقال: لا إله إلا الله وسبحان الله والحمد لله والله أكبر، فقيل له: هذا ثناء وليس بدعاء، فقال أما علمت أن الله (عز وجل) يقول: «إذا شغل عبدى ثناؤه على عن مسألتى أعطيته أفضل ما أعطى السائلين».
وزير الأوقاف
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: وزير الأوقاف أ د محمد مختار جمعة يوم الحج الأكبر نبينا صلى الله عليه وسلم صلى الله علیه وسلم یقول نبینا یوم عرفة ال ی و م
إقرأ أيضاً:
علاقة حوادث الكون بحقائق التاريخ!
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أربعة من أبرز المفكرين الكُتَّاب فى العصر الحديث كتبوا عن سيد الخلق أجمعين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومازالت كتبهم حتى الآن تعتبر بحق إضافة هامة للفكر الإنسانى.
أولهم عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين حيث ألف فى عام ١٩٣٣ كتاب "على هامش السيرة" وهو عبارة عن سرد مبسط للسيرة النبوية، مكتوب بأسلوب قصصى رائع
والكتاب الثانى هو "حياة محمد" للدكتور محمد حسين هيكل وقد صدر عام ١٩٣٥ وكتب تعريفًا فى مقدمته فضيلة الإمام الأكبر الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الأزهر آنذاك وقد أثنى فيه علي الكتاب وعلى مُؤلِّفه الذى تناول سيرة حياة النبي الكريم من مولده حتى وفاته وما رافق من ذلك من مراحل البعثة والهجرة وكافة التفصيلات الأخرى المتعلقة بحياته صلى الله عليه وسلم.
والكتاب الثالث صدر فى العام التالى ١٩٣٦ لأحد أهمِّ الأسماء اللامعة في جيل روَّاد الأدب العربي الحديث وهو الكاتب الكبير توفيق الحكيم وقد صدر الكتاب بعنوان " محمد صلى الله عليه وسلم: سيرة حوارية".
أما الذى يهمنا هنا فهو الكتاب الرابع لعملاق الفكر عباس محمود العقاد "عبقرية محمد" وقد صدر هذا الكتاب عام ١٩٤٢ وفيه رسم المفكر صورة شخصية للنبي الكريم بكل جوانبها موضحا تفرد عظمته صلى الله عليه وسلم الخلفية والعقلية والنفسية دون أن يلتزم بأى تواريخ لأنه لم يكتب سيرة عنه وإنما توقف عند جوانب العظمة فيه صلى الله عليه وسلم واليك سطورا مما كتبه:
"عريق النسب.. ليس بالوضيع الخامل، فيصغر قدره في أمة الأنساب والأحساب.. فقير وليس بالغني المترف فيطغيه بأس النبلاء والأغنياء، ويغلق قلبه ما يغلق القلوب من جشع القوة واليسار.. يتيم بين رحماء.. فليس هو بالمدلل الذي يقتل فيه التدليل ملكة الجد والارادة والاستقلال، وليس هو بالمهجور المنبوذ الذي تقتل فيه القسوة روح الامل وعزة النفس وسليقة الطموح، وفضيلة العطف على الآخرين.. خبير بكل ما يختبره العرب من ضروب العيش في البادية والحاضرة.. تربي في الصحراء وألف المدينة، ورعي القطعان واشتغل بالتجارة وشهد الحروب والاحلاف، واقترب من علية القوم وسادتهم ولم يبتعد من الفقراء..
فهو خلاصة الكفاية العربية في خير ما تكون عليه الكفاية العربية.. وهو على صلة بالدنيا التي أحاطت بقومه...فلا هو يجهلها فيغفل عنها، ولا هو يغامسها كل المغامسة فيفرق في لجتها.. أصلح رجل من أصلح بيت في أصلح زمان لرسالة النجاةالمرقوبة، على غير علم من الدنيا التي ترقبها.. ذلك محمد بن عبد الله عليه السلام..
قد ظهر والمدينة مهيأة لظهوره لأنها محتاجة اليه، والجزيرة مهيأة لظهوره لأنها محتاجة اليه، والدنيا مهيأة لظهوره لأنها محتاجة اليه، وماذا من علامات الرسالة أصدق من هذه العلامة؟ وماذا من تدبير المقادير أصدق من هذا التدبير؟ وماذا من أساطير المخترعين للأساطير أعجب من هذا الواقع ومن هذا التوفيق؟. علامات الرسالة الصادقة هي عقيدة تحتاج اليها الأمة، وهي أسباب تتمهد لظهورها، وهي رجل يضطلع بأمانتها في أوانها.. فإذا تجمعت هذه العلامات فماذا يلجئنا إلى علامة غيرها؟.. وإذا تعذر عليها أن تجتمع فأي علامة غيرها تنوب عنها أو تعوض ما نقص منها؟
خلق محمد بن عبد الله ليكون رسولا مبشرا بدين، وإلا فلأي شيء خلق؟ ولأي عمل من أعمال هذه الحياة ترشحه كل ها تيك المقدمات والتوفيقات، وكل ها تيك المناقب والصفات؟
وقبل أن ينتقل إلى الحديث عن عبقرية الداعي عنده صلى الله عليه وسلم أختتم ما بدأه بقوله: "يوم تأتي الدعوة بالآيات والبراهين غنية عن شهادة الشاهدين وانكار المنكرين.. أما العلاقة التي لا التباس فيها ولا سبيل إلى انكارها، فهي علامة الكون وعلامة التاريخ.. قالت حوادث الكون: لقد كانت الدنيا في حاجة إلى رسالة.. وقالت حقائق التاريخ: لقد كان محمد هو صاحب تلك الرسالة.. ولا كلمة لقائل بعد علامة الكون وعلامة التاريخ.
الأسبوع القادم بإذن الله أكمل القراءة فى كتاب "عبقرية محمد" للمفكر الكبير عباس محمود العقاد