سواليف:
2025-03-20@17:24:38 GMT

تأملات قرآنية

تاريخ النشر: 13th, June 2024 GMT

#تأملات_قرآنية د. #هاشم_غرايبه

يقول تعالى في الآية 51 من سورة غافر: “إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ”.
صيغة التوكيد التي بدأ بها الله تعالى هذه الآية جاءت لطمأنة رسل الله ومن اتبعوهم أن الله معهم، وأنه لن يدع لمعادي منهج الله من سبيل للنيل منهم: “وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا” [النساء:141]، وهذا وعد من الله وهو لا يخلف وعده إذ أن كل شيء بأمره ولا يمكن لأية قوة أن تحول دون تنفيذ ما أراده، لذلك ما على رسول الله إلا الصبر بانتظار تنفيذ مشيئة الله التي ستتحق حتما، لكن وفق أقدار قدرها في سابق علمه: “فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ” [غافر:55].


هذه قاعدة عامة لجميع الرسل ومن آمن لهم، لكن مجيء الخطاب لرسول الله (فاصبر) تفيد التخصيص، لذلك نفهم أن نصرة الله لرسله والمؤمنين سنة كونية شاملة، بيّنها الله في هذه الآية، ثم خصها لرسوله الكريم وللمؤمنين الذين اتبعوه، فما عليه وعليهم إلا الصبر.
قد يقول قائل: ألم يتعرض رسل الله جميعهم للأذى ومنهم من قتل .. فأين نصرة الله لهم، ولماذا لم يحمهم من الأذى والقتل؟.
نصرة الله للمؤمنين لا تكون فقط بحمايتهم الجسدية، بل بوسائل عديدة منها جعلهم الأعلى مكانة والأحسن ذكرا، وباعطائهم الحجة على مجادليهم، وبمنحهم السكينة والطمأنينة مقابل الضنك والضيق الذي يلم بمعاديهم، وبراحة نفوسهم أنهم على الحق وأن مصيرهم الجنة.
وأما النصرة الأعظم فهي يوم الحساب، حين يحاول المكذبون التهرب من سوء المصير بإنكار أنهم بُلّغوا، من قبل الرسل والأنبياء والعلماء، ولأن الله يعلم حقيقة الأمر، فهو ينجد رسله بدعمهم بشهادة الأشهاد الصادقين، وهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ومن بعده أمته التي اتبعته، وشهادتهم ليست عن معاينة وحضور لدعوات أولئك الرسل لأقوامهم بل لأن الله أعلمهم بخبرهم في القرآن، ولأن كلام الله هو الصدق بعينه، فما علموه منه هو كأنهم شاهدوه وحضروه، لذلك يقبل الله شهادتهم، فينجي الصادقين ويسقط ادعاء الكاذبين.
إن الله حينما أراد الحياة الدنيا دار ابتلاء وتمحيص، وضع فيها كل المتضادات المتناقضة، من قوة وضعف، وغنى وفقر، ومرض وصحة، وألم وراحة ..الخ، ولعدالته وانصافه لكل البشر، جعل لحصول أحد النقيضين استحقاقات لإنفاذ أمر الله في منحها للبشر، ونظمها بشكل قوانين وقواعد (سنن كونية) لا يمكن تبديلها أو تعديلها، وصارمة تحكم كل البشر، فلا تحابي أحدا، وحتى لو كان المرء ممن أحبهم الله وأخلصهم واصطفاهم بالنبوة والرسالة.
لكنه تعالى ميّز بين من أطاعه ومن عصاه، فأعطى المؤمن فضيلة الصبر والجلد، فيتحمل الصعوبة والمشقة لأنه يعلم أنه من بعد عسر سينال يسرا، وفوق ذلك ينال حسنات تورثه حسن الجزاء.
بالمقابل أبقى للكافر والمكذب خصلة الجزع والهلع ان أصابه عسر وشده، فتضيق نفسه وتنكد معيشته، لأنه يعلم أنه لا فائدة من صبره إن صبر، ولا ينال نتيجة على جزعه ان تشكّى واغتم باله.
هنا يظهر الفارق بين المؤمن والكافر، وكم أن المؤمن رابح في حالتي السراء والضراء، تسعده النعمة ويفرحه نصر الله، ولو عانى كثيرا لأجل الحصول عليها، ولا تضيق نفسه بما أصابه بل تنشرح وتتحمل الى أن تنجلي الغمة، لأنه موعود من الله بزوالها في الدنيا، وبتغير الحال الى ما يفرحه، وببقاء سعادته ديمومة أبدية في الآخرة.
هكذا نفهم أن من قُتل مجاهدا في سبيل الله أو ظلما وعدوانا، لم يكن الموت عقوبة له، فهو سيناله عاجلا أو آجلا، بوسيلة أو بأخرى، وأن من قتله ليس منتصرا، فلا يفرح لأنه ومن قتله سيقفان وجها لوجه أمام قاضي السموات والأرض، وسينتصف للمظلوم من الظالم، وللمجاهد من المجرم، وعندما يرى المؤمن ما أعده الله من جزاء أبدي سيقول ما نالني في حياتي شقاء أبدا، وأما الكافر فسينال منه الجزع الأكبر ويقول ما نالني في حياتي من سعادة قط.
كل إنسان يرى الأيام تمر مسرعة، ولا يدوم حال على حاله، والعاقل هو من لا يغتر بنعيم زائل، ولا يقنطه شقاء عابر، لذا فالعاقبة للمتقين الذين يوقنون بنصر الله لهم في الدنيا والآخرة.

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: تأملات قرآنية

إقرأ أيضاً:

شيخ الأزهر: الحسن الإلهي موجود في كل شيء خلقه الله تعالى

قال فضيلة الإمام الاكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر ، إن اسم الله تعالى "الحكيم" لا يفسر إلا على وزنين فقط، إما أن يفسر على وزن "فعيل" بمعنى عليم، أو أن يفسر على وزن "مفعل" بمعنى محكم، بكسر الكاف، ومعناه الإحكام لأنه قد أحكم الأشياء، أي أتقنها وأحسن تقديرها، مصداقا لقوله تعالى: "الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنْسَانِ مِنْ طِينٍ"، والمراد هنا الحسن الإلهي الموجود في كل شيء خلقه الله تعالى، لافتا أن الحسن الإلهي يشمل أيضا بعض المخلوقات التي لا يظهر فيها الحسن، مثل الحشرات والمخلوقات الدنيا، لأن الحسن الإلهي ليس معناه الجمال الظاهر أو البهاء والرواء، فالجمال والحسن الإلهي ليس جمال الشكل فقط، ولكن المراد في "الذي أحسن كل شيء خلقه" هنا إتقان الخلق، وهذا مهم لأن الإتقان في الخلق، وخاصة في الإنسان، يظهر ظهورا بينا.

وبين فضيلة الإمام الأكبر، في الحلقة العشرون من برنامج "الإمام الطيب"، أنه إذا كانت عندنا بعض المخلوقات لا يمكن أن يسبق عليها الحسن بمعنى البهاء والجمال الظاهري، فإنه يصدق عليها الحسن الإلهي بمعنى إتقان الخلق، ولذلك قال سبحانه وتعالى في آية ثانية: " الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا"، وقد فسرت هذه الآية المراد من قوله تعالى في الآية الأولى "أحسن كل شيء خلقه" على أنه حسن التقدير وإتقان الخلق وليس حسن الشكل والجمال الظاهري، ولهذا فإن دلالة بعض المخلوقات الدنيا كالحشرات وغيرها، والتي لا تظهر جميلة بالنسبة لنا، على وجود الله تعالى مثل دلالة الجبال والأرض والسماوات، لأن فيها تقدير وإتقان خلق يعرفه العالمون، ولذلك عندما نراها نقف عندها ونقول "سبحان الله".

وأوضح فضيلة الإمام الأكبر أن المراد بالإتقان الذي هو معنى "أحسن"، الحماية، وفيه رقيب وحماية الأضداد من أن يطغى بعضها على بعض، فالإنسان بخلقه المعقد يتكون من أجهزة داخلية ولها درجة حرارة معينة، وعندما ترتفع درجة حرارته قليلا وتصل إلى 40 درجة، يقلق ويشعر بالإعياء، إلا أن إتقان الله تعالى لخلقه، هو المسؤول عن ضبط حرارة الإنسان عند 37 درجة، وذلك هو المراد بحسن التقدير وإتقان الخلق، لافتا أن من أكثر الأمور عجبا فيما يتعلق بمسألة حسن التقدير وإتقان الخلق، ما يتعلق بعملية تلقيح الزهور، فمنها ما يلقحه الحشرات ومنها ما يتلقح بالريح، وتلك التي تتلقح بالريح لا تحتاج لإغراءات كي تتلقح، فالريح يهب دائما ويساعدها على التلقيح، أما النباتات الأخر التي تلقحها الحشرات فقد زودت بلون جميل، وبعطر معين يجذب هذه الحشرة لتلقيحها.

واختتم فضيلة الإمام الطيب الحلقة بتأكيد أن هذا هو المقصود بالإتقان وحسن التقدير الوارد في قوله تعالى: "الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنْسَانِ مِنْ طِينٍ"، فرغم أن الإنسان خلق من طين، إلا أنه محكم ومتقن، فكيف يخرج من الطين هذا العقل وهذه الروح وهي كلها مضادة للطين، فخلقه وأعطاه العقل والتفكير وتحمل المسؤولية والإحساس والشعور والحب والغضب وغيرها، وهذه كلها ليست صفات الطين، ثم الروح التي نفخت فيه، هذا هو الإتقان الذي يدل على الحكمة، فهو سبحانه وتعالى "حكيم" بمعنى متقن لخلق الأشياء.

مقالات مشابهة

  • شيخ الأزهر: الحسن الإلهي موجود في كل شيء خلقه الله تعالى
  • المركز الإعلامي للفتوى: المؤمن الحق لا يتشاءم.. واليقين بالله حصن ضد القلق
  • شيخ الأزهر: حكمة الله في الخلق تتجاوز الإدراك
  • كشف الستار عن حالة ظَفَارِ للشيخ عيسى الطائي قاضي قضاة مسقط (41)
  • قرقاش: الشيخ زايد ملأ الدنيا عطاء وإرثه خالد ملهم
  • القدوة الصالحة وأثرها على المجتمع
  • كيف تحسن الظن بالآخرين ؟.. الإفتاء توضحها فى خطوات
  • إسحق أحمد فضل الله: نحن …
  • كيف تصل للخشوع في الصلاة؟.. ادركه بـ 6 أمور
  • اقرأوها بصدق وإخلاص.. خالد الجندي: سورة قرآنية تحقق سرعة الاستجابة للدعاء