سواليف:
2025-01-24@00:51:31 GMT

تأملات قرآنية

تاريخ النشر: 13th, June 2024 GMT

#تأملات_قرآنية د. #هاشم_غرايبه

يقول تعالى في الآية 51 من سورة غافر: “إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ”.
صيغة التوكيد التي بدأ بها الله تعالى هذه الآية جاءت لطمأنة رسل الله ومن اتبعوهم أن الله معهم، وأنه لن يدع لمعادي منهج الله من سبيل للنيل منهم: “وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا” [النساء:141]، وهذا وعد من الله وهو لا يخلف وعده إذ أن كل شيء بأمره ولا يمكن لأية قوة أن تحول دون تنفيذ ما أراده، لذلك ما على رسول الله إلا الصبر بانتظار تنفيذ مشيئة الله التي ستتحق حتما، لكن وفق أقدار قدرها في سابق علمه: “فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ” [غافر:55].


هذه قاعدة عامة لجميع الرسل ومن آمن لهم، لكن مجيء الخطاب لرسول الله (فاصبر) تفيد التخصيص، لذلك نفهم أن نصرة الله لرسله والمؤمنين سنة كونية شاملة، بيّنها الله في هذه الآية، ثم خصها لرسوله الكريم وللمؤمنين الذين اتبعوه، فما عليه وعليهم إلا الصبر.
قد يقول قائل: ألم يتعرض رسل الله جميعهم للأذى ومنهم من قتل .. فأين نصرة الله لهم، ولماذا لم يحمهم من الأذى والقتل؟.
نصرة الله للمؤمنين لا تكون فقط بحمايتهم الجسدية، بل بوسائل عديدة منها جعلهم الأعلى مكانة والأحسن ذكرا، وباعطائهم الحجة على مجادليهم، وبمنحهم السكينة والطمأنينة مقابل الضنك والضيق الذي يلم بمعاديهم، وبراحة نفوسهم أنهم على الحق وأن مصيرهم الجنة.
وأما النصرة الأعظم فهي يوم الحساب، حين يحاول المكذبون التهرب من سوء المصير بإنكار أنهم بُلّغوا، من قبل الرسل والأنبياء والعلماء، ولأن الله يعلم حقيقة الأمر، فهو ينجد رسله بدعمهم بشهادة الأشهاد الصادقين، وهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ومن بعده أمته التي اتبعته، وشهادتهم ليست عن معاينة وحضور لدعوات أولئك الرسل لأقوامهم بل لأن الله أعلمهم بخبرهم في القرآن، ولأن كلام الله هو الصدق بعينه، فما علموه منه هو كأنهم شاهدوه وحضروه، لذلك يقبل الله شهادتهم، فينجي الصادقين ويسقط ادعاء الكاذبين.
إن الله حينما أراد الحياة الدنيا دار ابتلاء وتمحيص، وضع فيها كل المتضادات المتناقضة، من قوة وضعف، وغنى وفقر، ومرض وصحة، وألم وراحة ..الخ، ولعدالته وانصافه لكل البشر، جعل لحصول أحد النقيضين استحقاقات لإنفاذ أمر الله في منحها للبشر، ونظمها بشكل قوانين وقواعد (سنن كونية) لا يمكن تبديلها أو تعديلها، وصارمة تحكم كل البشر، فلا تحابي أحدا، وحتى لو كان المرء ممن أحبهم الله وأخلصهم واصطفاهم بالنبوة والرسالة.
لكنه تعالى ميّز بين من أطاعه ومن عصاه، فأعطى المؤمن فضيلة الصبر والجلد، فيتحمل الصعوبة والمشقة لأنه يعلم أنه من بعد عسر سينال يسرا، وفوق ذلك ينال حسنات تورثه حسن الجزاء.
بالمقابل أبقى للكافر والمكذب خصلة الجزع والهلع ان أصابه عسر وشده، فتضيق نفسه وتنكد معيشته، لأنه يعلم أنه لا فائدة من صبره إن صبر، ولا ينال نتيجة على جزعه ان تشكّى واغتم باله.
هنا يظهر الفارق بين المؤمن والكافر، وكم أن المؤمن رابح في حالتي السراء والضراء، تسعده النعمة ويفرحه نصر الله، ولو عانى كثيرا لأجل الحصول عليها، ولا تضيق نفسه بما أصابه بل تنشرح وتتحمل الى أن تنجلي الغمة، لأنه موعود من الله بزوالها في الدنيا، وبتغير الحال الى ما يفرحه، وببقاء سعادته ديمومة أبدية في الآخرة.
هكذا نفهم أن من قُتل مجاهدا في سبيل الله أو ظلما وعدوانا، لم يكن الموت عقوبة له، فهو سيناله عاجلا أو آجلا، بوسيلة أو بأخرى، وأن من قتله ليس منتصرا، فلا يفرح لأنه ومن قتله سيقفان وجها لوجه أمام قاضي السموات والأرض، وسينتصف للمظلوم من الظالم، وللمجاهد من المجرم، وعندما يرى المؤمن ما أعده الله من جزاء أبدي سيقول ما نالني في حياتي شقاء أبدا، وأما الكافر فسينال منه الجزع الأكبر ويقول ما نالني في حياتي من سعادة قط.
كل إنسان يرى الأيام تمر مسرعة، ولا يدوم حال على حاله، والعاقل هو من لا يغتر بنعيم زائل، ولا يقنطه شقاء عابر، لذا فالعاقبة للمتقين الذين يوقنون بنصر الله لهم في الدنيا والآخرة.

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: تأملات قرآنية

إقرأ أيضاً:

بيان مدى علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم للغيب

أوضحت دار الإفتاء المصرية إن علم الساعة من المغيّبات الخمسة التي اختص الله عز وجل بها نفسه على وجه الإحاطة والشمول كليًّا وجزئيًّا، ومع ذلك يجوز أن يطلع اللهُ بعضَ أصفيائه وعلى رأسهم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم على بعض منها.

وجاء في "تفسير الألوسي" (بصحيفتي: 495 و496) -(11/ 108، ط. دار الكتب العلمية، بيروت)- في آخر سورة لقمان عند قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ﴾.. الآية ما نصه: [وكون المراد اختصاص علم هذه الخمس به عز وجل هو الذي تدل عليه الأحاديث والآثار.

وأخرج الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه من حديث طويل أنه صلى الله عليه وآله وسلم سُئل: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: «مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ، وَسَأُخْبِرُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا: إِذَا وَلَدَتِ الأَمَةُ رَبَّهَا، وَإِذَا تَطَاوَلَ رُعَاةُ الإِبِلِ البُهْمُ فِي البُنْيَانِ، فِي خَمْسٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللهُ»، ثُمَّ تَلَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: ﴿إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ﴾.. الآية. أي إلى آخر السورة كما في بعض الروايات، وما وقع عند البخاري في التفسير من قوله إلى ﴿الْأَرْحَامِ﴾ تقصير من بعض الرواة.

وأخرجا أيضًا هما وغيرهما عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «خَمْس لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللهُ: ﴿إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ﴾.. الآية
أخرج أحمد والطبراني عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: «أُوتِيتُ مَفَاتِيحَ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا الْخَمْسَ: ﴿إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ﴾.. الآية».
وأخرج أحمد وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "أُوتِيَ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مَفَاتِيحَ كُلِّ شَيْءٍ، إِلا مَفَاتِيحَ الْخَمْسِ: ﴿إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ﴾.. الآية".
وأخرج ابن مردويه عن علي كرم الله وجهه قال: "لم يغم على نبيكم صلى الله تعالى عليه وآله وسلم إلا الخمس من سرائر الغيب؛ هذه الآية في آخر لقمان: ﴿إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ﴾.. إلى آخر السورة".
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والبخاري في "الأدب" عن ربعي بن حراش قال: حدثني رجل من بني عامر أنه قال: يا رسول الله هل بقي من العلم شيء لا تعلمه؟ فقال عليه الصلاة والسلام: «قَدْ عَلِمَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرًا، وَإِنَّ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللهُ الْخَمْسَ: ﴿إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ﴾.. الآية».

 

مقالات مشابهة

  • معنى الصعود في قوله تعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾
  • كيف أقوي عزيمتى على العمل وأوازن بين الدنيا والآخرة؟.. محمد مهنا يجيب
  • الإيمان بالرسل في القرآن.. تعداد الأنبياء وذكر اسم النبي محمد في الكتاب
  • كيف تسعى للآخرة وتعمل لها وتعيش الدنيا وتستمع بها؟
  • معنى قوله تعالى ﴿وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا﴾
  • القطان: انتصرنا على العدو بثباتنا وصبرنا
  • بيان مدى علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم للغيب
  • اللهمَّ إنى أسألُك العفوَ والعافيةَ فى الدنيا والآخرةِ.. أذكار الصباح اليوم الأربعاء 22-1-2025
  • من كلّ بستان زهرة – 92-