سواليف:
2025-03-16@13:07:15 GMT

تأملات قرآنية

تاريخ النشر: 13th, June 2024 GMT

#تأملات_قرآنية د. #هاشم_غرايبه

يقول تعالى في الآية 51 من سورة غافر: “إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ”.
صيغة التوكيد التي بدأ بها الله تعالى هذه الآية جاءت لطمأنة رسل الله ومن اتبعوهم أن الله معهم، وأنه لن يدع لمعادي منهج الله من سبيل للنيل منهم: “وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا” [النساء:141]، وهذا وعد من الله وهو لا يخلف وعده إذ أن كل شيء بأمره ولا يمكن لأية قوة أن تحول دون تنفيذ ما أراده، لذلك ما على رسول الله إلا الصبر بانتظار تنفيذ مشيئة الله التي ستتحق حتما، لكن وفق أقدار قدرها في سابق علمه: “فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ” [غافر:55].


هذه قاعدة عامة لجميع الرسل ومن آمن لهم، لكن مجيء الخطاب لرسول الله (فاصبر) تفيد التخصيص، لذلك نفهم أن نصرة الله لرسله والمؤمنين سنة كونية شاملة، بيّنها الله في هذه الآية، ثم خصها لرسوله الكريم وللمؤمنين الذين اتبعوه، فما عليه وعليهم إلا الصبر.
قد يقول قائل: ألم يتعرض رسل الله جميعهم للأذى ومنهم من قتل .. فأين نصرة الله لهم، ولماذا لم يحمهم من الأذى والقتل؟.
نصرة الله للمؤمنين لا تكون فقط بحمايتهم الجسدية، بل بوسائل عديدة منها جعلهم الأعلى مكانة والأحسن ذكرا، وباعطائهم الحجة على مجادليهم، وبمنحهم السكينة والطمأنينة مقابل الضنك والضيق الذي يلم بمعاديهم، وبراحة نفوسهم أنهم على الحق وأن مصيرهم الجنة.
وأما النصرة الأعظم فهي يوم الحساب، حين يحاول المكذبون التهرب من سوء المصير بإنكار أنهم بُلّغوا، من قبل الرسل والأنبياء والعلماء، ولأن الله يعلم حقيقة الأمر، فهو ينجد رسله بدعمهم بشهادة الأشهاد الصادقين، وهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ومن بعده أمته التي اتبعته، وشهادتهم ليست عن معاينة وحضور لدعوات أولئك الرسل لأقوامهم بل لأن الله أعلمهم بخبرهم في القرآن، ولأن كلام الله هو الصدق بعينه، فما علموه منه هو كأنهم شاهدوه وحضروه، لذلك يقبل الله شهادتهم، فينجي الصادقين ويسقط ادعاء الكاذبين.
إن الله حينما أراد الحياة الدنيا دار ابتلاء وتمحيص، وضع فيها كل المتضادات المتناقضة، من قوة وضعف، وغنى وفقر، ومرض وصحة، وألم وراحة ..الخ، ولعدالته وانصافه لكل البشر، جعل لحصول أحد النقيضين استحقاقات لإنفاذ أمر الله في منحها للبشر، ونظمها بشكل قوانين وقواعد (سنن كونية) لا يمكن تبديلها أو تعديلها، وصارمة تحكم كل البشر، فلا تحابي أحدا، وحتى لو كان المرء ممن أحبهم الله وأخلصهم واصطفاهم بالنبوة والرسالة.
لكنه تعالى ميّز بين من أطاعه ومن عصاه، فأعطى المؤمن فضيلة الصبر والجلد، فيتحمل الصعوبة والمشقة لأنه يعلم أنه من بعد عسر سينال يسرا، وفوق ذلك ينال حسنات تورثه حسن الجزاء.
بالمقابل أبقى للكافر والمكذب خصلة الجزع والهلع ان أصابه عسر وشده، فتضيق نفسه وتنكد معيشته، لأنه يعلم أنه لا فائدة من صبره إن صبر، ولا ينال نتيجة على جزعه ان تشكّى واغتم باله.
هنا يظهر الفارق بين المؤمن والكافر، وكم أن المؤمن رابح في حالتي السراء والضراء، تسعده النعمة ويفرحه نصر الله، ولو عانى كثيرا لأجل الحصول عليها، ولا تضيق نفسه بما أصابه بل تنشرح وتتحمل الى أن تنجلي الغمة، لأنه موعود من الله بزوالها في الدنيا، وبتغير الحال الى ما يفرحه، وببقاء سعادته ديمومة أبدية في الآخرة.
هكذا نفهم أن من قُتل مجاهدا في سبيل الله أو ظلما وعدوانا، لم يكن الموت عقوبة له، فهو سيناله عاجلا أو آجلا، بوسيلة أو بأخرى، وأن من قتله ليس منتصرا، فلا يفرح لأنه ومن قتله سيقفان وجها لوجه أمام قاضي السموات والأرض، وسينتصف للمظلوم من الظالم، وللمجاهد من المجرم، وعندما يرى المؤمن ما أعده الله من جزاء أبدي سيقول ما نالني في حياتي شقاء أبدا، وأما الكافر فسينال منه الجزع الأكبر ويقول ما نالني في حياتي من سعادة قط.
كل إنسان يرى الأيام تمر مسرعة، ولا يدوم حال على حاله، والعاقل هو من لا يغتر بنعيم زائل، ولا يقنطه شقاء عابر، لذا فالعاقبة للمتقين الذين يوقنون بنصر الله لهم في الدنيا والآخرة.

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: تأملات قرآنية

إقرأ أيضاً:

المحافظة على روحانية الشهر الفضيل

قبل أن يهل هلاله، تجتمع اللجان المختصة وعامة الناس لاستطلاع ثبوت رؤيته بعد أن ينقضي شهر شعبان المبارك، رغم أنه تطور العلم حاليا في رصد الكواكب وأهلة الشهور من خلال استخدام أجهزة حديثة مزودة بالتقنيات المتقدمة.

وبعد ثبوت رؤيته يبث الخبر في جميع القنوات الإخبارية ليتم الإعلان رسميا عن بداية شهر الرحمة والغفران، ويتبادل الناس التهاني بقدوم شهر رمضان الفضيل من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، بينما تتزين الشوارع العامة بالأنوار، والمنازل بالفوانيس الرمضانية، وتقوم المؤسسات التجارية بعمل العروض والتخفيضات الرمضانية، أما المنازل فإنها تعج بقراءة القرآن وتنتشر بداخلها الطقوس الرمضانية والاستعدادات المختلفة.

ويحرص الجيران على زيارة بعضهم البعض خلال فترة المساء في الشهر الفضيل هذه الزيارات توطد علاقات المحبة والمودة، كما يتبادل البعض قبل الإفطار الأطباق الرمضانية بأصناف مختلفة من المأكولات التي يشيع تقديمها على المائدة الرمضانية في هذا الشهر العظيم الذي هو خير الشهور وأجملها، فشهر رمضان يملأ منازل المسلمين بالروحانية والسكينة، فهو يأتي كل عام ليطهرنا وينقينا ويحقق أمانينا ويجمعنا على المحبة والتواد والتراحم فيما بيننا وبين الآخرين.

إن لشهر رمضان المبارك مكانة خاصة ومميزة عند المسلمين لأنه شهر التوبة والمغفرة وتكفير الذنوب والسيئات، شهر الصيام الذي يعد ركنا من أركان الإسلام، وفيه فرضت عبادة الصوم التي لم يحدد الله عز وجل أجرها كون الصيام يكون خالصا لله سبحانه وتعالى فهو يجزي به الصائمين.

ورمضان، شهر عظيم ينتظره المسلمون في بقاع العالم كل عام للتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة كالصيام وكثرة الصلاة وكثرة الدعاء والصدقات طمعا في المغفرة والأجر الكثير.

إن شهر رمضان يعج بالكثير من الفضائل والحكم العظيمة والفوائد العديدة بما فيه من صوم وتقرب إلى الله تعالى منها: أنه سبب لاستجابة الدعاء وقد ورد في الحديث الشريف عن أبي هريرة عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «ثلاثة لا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ الإِمَامُ الْعَادِلُ وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ»؛ لذلك على المسلم أن يكثر من الدعاء والتضرع إلى الله في شهر رمضان لما فيه من فضل كثير ودعوات مستجابة.

كما أن رمضان هو شهر القرآن فقد خصه الله سبحانه وتعالى بنزول القرآن الكريم على سيد البشرية وهاديها إلى الطريق المستقيم، وقد روي عن عثمان بن عفان أنه كان يختم القرآن الكريم كل يوم في رمضان.

إلى ذلك كله في رمضان ليلة من أعظم الليالي المباركة وهي «ليلة القدر» التي ميزها الله تعالى عن باقي الليالي وتقع في أواخر هذا الشهر الفضيل، وجاء ذكرها في القرآن الكريم وسيرة النبي عليه الصلاة والسلام فقال الله تعالى: «ليلة القدر خير من ألف شهر»، أي أن العمل الصالح فيها يكون ذا قدر عند الله خير من العمل في ألف شهر، فما أعظمها من ليلة مباركة!

وأخيرا علينا أن نعي بأن لشهر رمضان منزلة عظيمة عند الله تعالى، ففيه يفتح الله أمام العباد أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب النار، وتغل الشياطين، لذا فهو فرصة كبيرة أمام المسلم للتوبة والمغفرة وتجنب ارتكاب المعاصي والذنوب، إضافة إلى أنه فرصة لعبادة الله على أكمل وجه.

إن هذه الفضائل التي ذكرتها لتعد نقطة في بحر ممتد لكثرتها ومنافعها؛ لذا وجب على المسلم الفطن أن يستغل أيام هذا الشهر وما بقي من لياليه في الأعمال الصالحة ابتغاء وجهه تعالى؛ ولذا ندعو الله ونسأله أن يعيننا على صيامه وقيامه ويتقبل منا خالص الأعمال ويجعلنا المولى عز وجل وإياكم ممن يقومون بحق رمضان خير قيام.

مقالات مشابهة

  • رمضان.. شهر البركة
  • عقوبة عقوق الوالدين معجّلة في الدنيا
  • ليه ربنا خلقنا.. علي جمعة يجيب: علشان يكرمنا
  • رئيس جامعة الأزهر: الدنيا دار فناء وما في أيدينا أمانة سنردها
  • المحافظة على روحانية الشهر الفضيل
  • علي جمعة: 3 منح أعطاها الله لكل إنسان للعبور من ابتلاء الدنيا
  • الصدر لأنصاره: انتخاب من ليس أهلا لذلك سيوصلك للفقر والفساد
  • في محاضرته الرمضانية الثالثة عشرة.. قائد الثورة : ما جاء من الله رحمة وهداية لما فيه الخير في الدنيا والآخرة
  • الوقف.. «الصدقة الجارية»
  • «الدنيا بخير».. وكيل الأوقاف: إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده